أجواء انقلاب
حسام عيتاني
لنحاول رسم صورة للوضع الامني في لبنان منذ 14 شباط الماضي: في اعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبالتزامن مع الزخم الكبير الذي اكتسبته تحركات المعارضة، بدأت اعمال تهدف الى تعميق زعزعة الاستقرار التي ولّدها الاغتيال، في التتابع. اعتداءات على عمال سوريين بقيت من دون تحقيق. اطلاق نار على طلاب يتظاهرون والتعرض بالضرب لمواطنين في مناطق مرتبطة اسماؤها بذكريات الحرب. مسيرات مسلحة و<<ظهورات>> مفاجئة لمسلحين في مواقع واوقات حساسة. انباء متواترة عن تنام كبير في تجارة الاسلحة وتوزيعها.
شكّل انفجار النيو جديدة نقلة نوعية وتكريسا في هذا المناخ، إذ اشار الى ان قوى تشعر بفقدان النفوذ، مصممة على عدم الخروج من الساحة السياسية، لا خروجا مشرفا ولا بنصف هزيمة ناهيك بالخروج الذليل. التصميم على الاحتفاظ بالموقع المؤثر والمقرر الذي ظهر في المتفجرة الاولى، صار تهديدا بقلب طاولة الامن في البلاد في عبوة الكسليك التي اشارت زيادة وزنها عن العبوة السابقة، الى ان الطرف الذي زرعهما ينتظر ردود فعل لم ينجح في استثارتها في المرة الاولى.
قراءة <<خطّية>> للمسار الامني الحالي، توحي بأن مسلسل الانفجارات مستمر وربما مقبل على تصاعد كمي ونوعي، بمعنى امكان الانتقال الى تفجيرات نهارية او اخرى تستهدف تجمعات بشرية بهدف ايقاع خسائر كبيرة، مع ترك باب الاغتيالات مفتوحا على اهداف ليست بالضرورة محصورة في الوسط السياسي. فكل شخصية يؤدي الاعتداء عليها الى تحريك او استفزاز حساسية ما (يُفضل الحساسيات الطائفية) او الى خوف في اوساط فئة معينة، مرشحة للوقوع في فخ التصفية.
وتفيد القراءة المشار اليها الى ان الواقفين وراء المسلسل التفجيري يدفعون في اتجاه رفع شرائح لبنانية هي الاكثر تأثرا باهتزاز حبل الامن، لشعارات متطرفة من نوع <<الامن الذاتي>> لهذه الطائفة او تلك، وتحول استدعاء الحماية الدولية الى مطلب لدى فريق رئيسي من المعارضة. عندئذ، تكون ساعة الانقلاب قد ازفت.
وبعد <<البسط>> عن طريق خلخلة الوضع الامني والاقتصادي والسماح وحتى التحريض على ارتفاع اصوات تطالب بالاستقرار بأي ثمن على خلفية الازمة السياسية المتفاقمة، يأتي <<القبض>> عن طريق اعلان كشف <<المخلص>> عن امتلاكه العصا السحرية واحلاله السلم في البلاد، بالترافق مع توجيه ضربات سياسية وامنية لكل فريق يحتج على احياء القبض الامني ودولته، وتقديمه الى الناس كمستفيد من اجواء الهلع والرعب ودافع لها.
هو تكتيك بسيط إذاً في خدمة استراتيجية ابسط: مقايضة الامن بالسلطة، او بالاحرى تجديد هذه المقايضة ومفاعيلها ومن دون ادخال تعديلات تذكر على ادواتها.
الوسيلة المعتمدة في هذه المقايضة رآها اللبنانيون في الايام الماضية وهي مرشحة لمزيد من <<الإطلالات>> مع تنويعات في الشكل وتمسك بالمضمون. أليست هذه الاقامة بين الشكل والمضمون والتناوب بينهما هي الرئيس في الممانعة؟
لا نعرف ما اذا كان المفجرون الليليون منتبهين الى ان كل سلطة هي في حد ذاتها انعكاس لمشروع سياسي. ولا نعرف ايضا ما هو المشروع الذي يحمله هؤلاء، باستثناء جني الفوائد لاصحابه ومريديهم. لكننا نعلم ان التحليلات <<الخطية>> تقصر غالبا عن الاحاطة ببواطن الامور وتعقيداتها. لهذا يظل السؤال عن امكان نجاح الانقلاب مفتوحا.
حسام عيتاني
لنحاول رسم صورة للوضع الامني في لبنان منذ 14 شباط الماضي: في اعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبالتزامن مع الزخم الكبير الذي اكتسبته تحركات المعارضة، بدأت اعمال تهدف الى تعميق زعزعة الاستقرار التي ولّدها الاغتيال، في التتابع. اعتداءات على عمال سوريين بقيت من دون تحقيق. اطلاق نار على طلاب يتظاهرون والتعرض بالضرب لمواطنين في مناطق مرتبطة اسماؤها بذكريات الحرب. مسيرات مسلحة و<<ظهورات>> مفاجئة لمسلحين في مواقع واوقات حساسة. انباء متواترة عن تنام كبير في تجارة الاسلحة وتوزيعها.
شكّل انفجار النيو جديدة نقلة نوعية وتكريسا في هذا المناخ، إذ اشار الى ان قوى تشعر بفقدان النفوذ، مصممة على عدم الخروج من الساحة السياسية، لا خروجا مشرفا ولا بنصف هزيمة ناهيك بالخروج الذليل. التصميم على الاحتفاظ بالموقع المؤثر والمقرر الذي ظهر في المتفجرة الاولى، صار تهديدا بقلب طاولة الامن في البلاد في عبوة الكسليك التي اشارت زيادة وزنها عن العبوة السابقة، الى ان الطرف الذي زرعهما ينتظر ردود فعل لم ينجح في استثارتها في المرة الاولى.
قراءة <<خطّية>> للمسار الامني الحالي، توحي بأن مسلسل الانفجارات مستمر وربما مقبل على تصاعد كمي ونوعي، بمعنى امكان الانتقال الى تفجيرات نهارية او اخرى تستهدف تجمعات بشرية بهدف ايقاع خسائر كبيرة، مع ترك باب الاغتيالات مفتوحا على اهداف ليست بالضرورة محصورة في الوسط السياسي. فكل شخصية يؤدي الاعتداء عليها الى تحريك او استفزاز حساسية ما (يُفضل الحساسيات الطائفية) او الى خوف في اوساط فئة معينة، مرشحة للوقوع في فخ التصفية.
وتفيد القراءة المشار اليها الى ان الواقفين وراء المسلسل التفجيري يدفعون في اتجاه رفع شرائح لبنانية هي الاكثر تأثرا باهتزاز حبل الامن، لشعارات متطرفة من نوع <<الامن الذاتي>> لهذه الطائفة او تلك، وتحول استدعاء الحماية الدولية الى مطلب لدى فريق رئيسي من المعارضة. عندئذ، تكون ساعة الانقلاب قد ازفت.
وبعد <<البسط>> عن طريق خلخلة الوضع الامني والاقتصادي والسماح وحتى التحريض على ارتفاع اصوات تطالب بالاستقرار بأي ثمن على خلفية الازمة السياسية المتفاقمة، يأتي <<القبض>> عن طريق اعلان كشف <<المخلص>> عن امتلاكه العصا السحرية واحلاله السلم في البلاد، بالترافق مع توجيه ضربات سياسية وامنية لكل فريق يحتج على احياء القبض الامني ودولته، وتقديمه الى الناس كمستفيد من اجواء الهلع والرعب ودافع لها.
هو تكتيك بسيط إذاً في خدمة استراتيجية ابسط: مقايضة الامن بالسلطة، او بالاحرى تجديد هذه المقايضة ومفاعيلها ومن دون ادخال تعديلات تذكر على ادواتها.
الوسيلة المعتمدة في هذه المقايضة رآها اللبنانيون في الايام الماضية وهي مرشحة لمزيد من <<الإطلالات>> مع تنويعات في الشكل وتمسك بالمضمون. أليست هذه الاقامة بين الشكل والمضمون والتناوب بينهما هي الرئيس في الممانعة؟
لا نعرف ما اذا كان المفجرون الليليون منتبهين الى ان كل سلطة هي في حد ذاتها انعكاس لمشروع سياسي. ولا نعرف ايضا ما هو المشروع الذي يحمله هؤلاء، باستثناء جني الفوائد لاصحابه ومريديهم. لكننا نعلم ان التحليلات <<الخطية>> تقصر غالبا عن الاحاطة ببواطن الامور وتعقيداتها. لهذا يظل السؤال عن امكان نجاح الانقلاب مفتوحا.