إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

حملة تفكيك الإسلام ...

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حملة تفكيك الإسلام ...

    حملة تفكيك الإسلام
    فهمي هويدي




    حين أقيمت صلاة الجمعة بكنيسة واشنطن، وتولت الخطابة والإمامة فيها إحدى السيدات، لأول مرة في تاريخ المسلمين، فإن ذلك لم يكن مجرد فرقعة أو صرعة أميركية، وإنما كان جزءاً من حملة واسعة تسعى إلى تفكيك الإسلام، سواء باسم تحديثه أو بدعوى محاربة التطرف والإرهاب.
    أثناء إحدى الزيارات التي حضرت خلالها مؤتمراً للمسلمين في شيكاغو، توجه مسلم أميركي إلى أحد العلماء المشاركين بالسؤال التالي: هل يمكن أن تؤدى صلاة الجمعة يوم الأحد؟ وبرر سؤاله بأن مواعيد العمل لا تمكنه من صلاة الجمعة، في حين أن الفسحة واسعة في عطلة الأحد، بحيث يستطيع أن يؤدي الواجب ويعطيه حقه وزيادة. بدا السؤال مضحكاً لأول وهلة، لكن السائل كان يتحدث بجدية بالغة، وبدا حزيناً حين قال له ان صلاة الجمعة ينبغي أن تتم في يوم الجمعة، وإذا لم يتمكن المسلم من أدائها بسبب ظروف عمله، فهو معذور ولا تثريب عليه.
    بالنسبة لعدد غير قليل من المسلمين الاميركيين كان السؤال منطقياً وطبيعياً. ذلك أن ما يتعذر إنجازه يوم الجمعة، لن يتأثر نظام الكون لو أنه أنجز يوم الأحد. تماماً كما أن بعضهم تساءل عما إذا كان يمكن الدخول في الإسلام بالتقسيط، بحيث يتدرج المرء في إقامة الصلوات، وبعد أن ينتظم فيها ينتقل إلى الصيام لبعض الوقت، ثم صيام شهر رمضان كله. وبعد الفراغ من <<قسط>> الصيام يؤدي الواحد منهم حصة الزكاة وبعدها الحج.. وهكذا. ذلك أن بعضهم ممن يتعاملون في كل شؤون حياتهم بالتقسيط، في شراء الثلاجة والسيارة إلى شراء البيت، لم يجدوا غرابة في أن يقترحوا نقل نظام التقسيط إلى كيفية الدخول في الإسلام، وهي ذات العقلية التبسيطية التي دفعت المسلمين السود في البداية لأن يخلطوا بين نقمتهم على المجتمع الاميركي الأبيض وبين اعتقادهم، فقالوا بأن الله أسود وأن الشيطان أبيض البشرة، عيناه خضراوان وشعره أصفر!
    حين يقترب المرء من العقلية السائدة في المجتمع الاميركي يدرك أن ذلك التفكير التبسيطي ليس ناتجاً فقط عن السذاجة أو البراءة المفرطة التي يتسم بها قطاع عريض من الناس، وإنما هي أيضاً وثيقة الصلة بثقافة التعامل مع ما يسمونه بالروحانية الجديدة، التي تنطلق من الحاجات، لا من التكاليف أو الواجبات. وهي من أصداء التفكير العلماني الذي ينصّب الإنسان مكان الإله. إذ حين يستبعد الغيب ويهمش، فإن الإنسان يصبح وحده صانع قدره ومصيره، بالتالي فأية تعاليم، حتى وإن كانت سماوية المصدر ليست عنده <<آخر كلام>>، وإنما هي قابلة للتعديل والتبديل والحذف والإضافة. بحيث يفصل كل واحد التزاماته الدينية حسب القناعات التي يستريح إليها.
    على غرار حرية السوق، تختار فئة واسعة من الاميركيين ما يناسبها من <<الغذاء الروحي>>، يصرف النظر عن هوية <<منتجيه>>. وهناك من لا يتردد في الحفاظ على بعض ما ورث من دينه الأصلي، وإن ظل مقطوعاً عن مجمل التراث الذي يعطيه كامل معناه. وهناك من يقبل بحرية كبيرة على اقتطاع أجزاء تعجبه من أديان مختلفة وروحانيات تنتسب إليها. وهناك أيضاً من ينتمي إلى جمعات دينية أو شبه دينية جديدة، لها روحانية تلفيقية وانتقائية في علاقتها بالأديان المعروفة، أو لا صلة لها البتة بالتوحيد منها. ويضاف إلى كل هؤلاء من لا يجد أي حرج في الانتماء إلى أي من النماذج السابق ذكرها. (طارق متري مدينة على جبل عن الدين والسياسة في أميركا).
    كانت نتيجة ذلك التخليط أن أتخمت الولايات المتحدة بالمعتقدات، حتى أشارت موسوعة الأديان الاميركية إلى وجود 1586 جماعة دينية بها، بينها 700 جماعة غير تقليدية، بمعنى أنه يتعذر تصنيفها كمذاهب أو فرق داخل الأديان العالمية التاريخية المعروفة.
    كما رأينا، فاللعب في الأديان والعبث بها ليس أمراً جديداً إذاً في الولايات المتحدة، كما انه لا يشكل <<مؤامرة>> بالضرورة. لكن ليس كل لعب أو عبث ناشئاً عن السذاجة أو البراءة، فثمة لعب آخر منه ما هو مقطوع بخبثه وسوء مقصده، ومنه ما هو مشكوك في براءته. وهذا وذاك يستثمر أمرين، الأول حالة القابلية للعبث بالأديان الموجودة في المجتمع الاميركي والتي مررنا بها قبل قليل، والثاني والأهم هو أجواء ما بعد 11 سبتمبر، التي استصحبت درجات متفاوتة من النفور والحساسية إزاء الإسلام والمسلمين.
    هكذا، فإنه خارج إطار البراءة، يرصد المرء أنشطة عبثية وتفكيكية تتحرك في اتجاهين، أحدهما يركز على ما هو سياسي وثقافي، والثاني معني بما هو قيمي وأخلاقي. والملاحظة المثيرة والخطيرة في أنشطة التفكيك هذه أنها تقوم على عنصرين أساسيين هما، مجموعة من المسلمين المخترقين أو المتعصبين لأفكار معينة، ومعهم بعض الاميركيين اليهود المناصرين لإسرائيل، والمعادين لكل ما هو عربي وإسلامي.
    سلط الضوء على جانب من الأنشطة التي تتحرك في المجال السياسي باحث أميركي اسمه جيم لوب، في مقالة مهمة بثتها وكالة <<انترناشيونال برس سرفيس>> (في 7/4/2004) كشف فيها الستار عن مساع يبذلها الكاتب الاميركي دانيال بايبس المتطرف في مساندته لإسرائيل وكراهيته للعرب والفلسطينيين خاصة لإنشاء <<معهد إسلامي تقدمي يمثل أصوات المسلمين الليبراليين في الولايات المتحدة>>. وبايبس هذا يدير مؤسسة باسم <<منبر الشرق الأوسط للأبحاث>>، ومقره ولاية فيلادلفيا، وله كتابات عدة ومواقف مشهودة تراوحت بين التخويف من اختلاط العقيدة الاسلامية بالاسلام المسلح، والتحذير من وجود المسلمين في الولايات المتحدة وما قد يمثلونه من خطر على نفوذ اليهود، وانتقاد خطة شارون للانسحاب من غزة.
    مشروع بايبس أسفر عن إنشاء مركز <<تقدمي>> باسم <<مركز التعددية الإسلامية>>، أعلن أن الهدف منه هو <<تشجيع الإسلام المعتدل في الولايات المتحدة والعالم>>، ومحاربة نفوذ الإسلام المسلح، وإحباط جهود المنظمات ذات التوجه <<الوهابي>> المتطرف، من خلال وسائل الإعلام، بالتعاون مع المنظمات الحكومية الاميركية.
    في مقالة تالية نشرتها الوكالة للكاتب ذاته في 24/2/2005 معلومات أخرى مهمة عن مسؤولي المركز وعن مصادر تمويله. فمديره أميركي مسلم اسمه ستيفن شولتز، كان شيوعياً متطرفاً (تروتسكياً)، ثم دخل في الإسلام من باب التصوف. وفي تصوفه فإنه تطرف أيضاً وأصبحت معركته في الحياة هي مواصلة الحرب ضد الوهابية. أما مساعده فهو أزهري مصري اسمه الدكتور أحمد صبحي منصور، كان قد فصل من الأزهر في الثمانينيات بسبب إنكاره للسنة النبوية، وسافر إلى الولايات المتحدة لبعض الوقت، ثم عاد إلى القاهرة ليصبح أحد أركان مركز <<ابن خلدون>>(!). وبعد المشكلات القضائية التي واجهها المركز ومديره في عام ألفين اختفى من مصر، وظهر مرة أخرى في الولايات المتحدة، ليصبح أحد دعاة <<الإسلام الاميركي المعتدل>>، وقد أورد اسمه دانيال بايبس ضمن آخرين في مقالة تحت عنوان <<التعريف بالمسلمين المعتدلين>> نشرتها له صحيفة <<ذي نيويورك صن>> (في 24/11/2004).
    أما تمويل ودعم مركز التعددية الإسلامية فتشترك فيه أطراف عدة. حيث ذكر جيم لوب أنه إلى جانب ما يقدمه مركز الأبحاث الذي يديره بايبس، فهناك تجمع الاميركيين الشيعة، والمساجد التي <<تحررت>> من النفوذ الوهابي. ومن أبرز الداعمين للمشروع نائب وزير الدفاع الاميركي بول وولفويتز (مهندس الحرب على العراق وأحد أبرز اليهود الناشطين بين المحافظين الجدد) وجيمس وولسي مدير المخابرات المركزية السابق. ولا داعي لإيراد بقية الاسماء، لأن دلالة الاسمين فيها الكفاية؛ لكي نتعرف على اتجاه مركز التعددية الإسلامية، وطبيعة <<الاعتدال>> و<<التقدمية>> في أنشطته ومقاصده.
    على صعيد آخر، ثمة مؤسسة ثالثة باسم <<ائتلاف المسلمين الأحرار ضد الإرهاب>>، أنشأها في واشنطن أميركي مسلم من أصول فلسطينية اسمه كمال نعواش. له محاولات لم تنجح للانخراط في العمل السياسي، فوجد ضالته في حمل لافتة مقاومة الإرهاب، ومساندة الجهود التي تبذلها الإدارة الاميركية على ذلك الصعيد.
    غني عن البيان أن هؤلاء الأشخاص وتلك الجهات ليست وحدها الناشطة في مجال تفكيك الإسلام وتشويهه، فالولايات المتحدة تكتظ بمثل هذه النماذج، (فيها أيضاً نماذج منصفة ومحترمة تحارب ولا يسمع لها صوت للأسف)، ولكن ما أشار إليه بايبس يمثل الجهد الجديد الذي يبذل للترويج للإسلام الاميركي من خلال استخدام أسماء وواجهات إسلامية. كما انه يراد لتلك الواجهات أن تكتسب شرعية لتحل محل المنظمات الإسلامية الأخرى الموجودة في الولايات المتحدة منذ أربعة عقود على الأقل. وهي التي يتهمها أولئك الغلاة بأنها تدافع عن <<الإسلام الراديكالي>>، كما أن المنظمات الصهيونية تناصبها العداء وتلاحقها طول الوقت لإسكات أصواتها وحصار جهودها.
    ذلك الاحتشاد النشط في المجالين السياسي والثقافي، الذي ينطلق من العلمانية ويلغي الشريعة ويميع الجهاد ويحصر الإرهاب في الإسلام وينتهي بالتطبيع مع إسرائيل، تؤيده وتدعمه، كما أسلفنا، دوائر اليمين المحافظ المخاصم للإسلام والمتحالف مع إسرائيل. يتوازى معه الاحتشاد الآخر، الذي يركز على الجوانب الاجتماعية والأخلاقية في الإسلام، لكنه ينزع إلى اليسار لا اليمين، رغم أن جهد الطرفين يصب في النهاية في وعاء التفكيك وصياغة الإسلام الاميركي.
    في إطار الاحتشاد الثاني تتحرك مجموعات ترفع راية الإسلام <<التقدمي>>، وتدعو إلى التساهل التجاوز إن شئت الدقة في الالتزام بمنظومة القيم والأخلاق والتقاليد المتعارف عليها في مجتمعات المسلمين. وثمة موقع على الإنترنت باسم <<يقظة المسلم>>، يعبر عن ذلك التوجه، ومسألة الجنس تحظى باهتمام خاص من جانب المسؤولين عن الموقع، الذين خصصوا في إطاره زاوية دائمة عن <<الجنس والأمة>>. ومن أشهر الناشطات في تلك المجموعة سيدة باكستانية الأصل فيما يبدو أنجبت طفلاً من خارج الزواج، وتقود حملة لتغيير موقف التفكير الإسلامي في الموضوع، للاعتراف بصحة ما أقدمت عليه، أو قبوله على الأقل.
    هذه المجموعة <<التقدمية>> التي تضم عشرات الأشخاص ليس أكثر هي التي تبنت الدعوة إلى إمامة المرأة في صلاة الجمعة، والسيدة الباكستانية التي أشرت إليها تواً كانت من زعماء <<الاستعراض>> الذي تم في كنيسة واشنطن، للفت الأنظار وإشهار الوجود.
    لعلي لا أكون مخطئاً إذا كنت قد أخرجت تلك الجهود من دائرة البراءة، على الأقل في ما يتعلق بالوسائل والمقاصد. إذ من حق المرء أن يستريب فيها، حين يجد أن الذين يساندون <<الاعتدال الإسلامي>> و<<التجديد>> هم نفر من عتاة المعادين للإسلام والمسلمين والمتحالفين مع إسرائيل.
    يبدو الإسلام والمسلمون في هذا المشهد كما لو أنهم أصبحوا ساحة مستباحة لكل من هب ودب، وهي استباحة لا حدود لها، ولا رادع لمن يجترئ عليها، حيث لا قيمة ولا كرامة لأهلها، الأمر الذي يدعونا إلى إضافة سؤال آخر إلى ما سبق، عمن يستحق اللوم إزاء ذلك، الذين تطاولوا واجترأوا، أم الذين سكتوا واستكانوا وانبطحوا؟!
    () كاتب مصري
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X