إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

في مواجهة العدوان <<الإسرائيلي>>: دور المقاومة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في مواجهة العدوان <<الإسرائيلي>>: دور المقاومة

    في مواجهة العدوان <<الإسرائيلي>>: دور المقاومة
    نوّاف الموسوي




    طُرِحت، في الآونة الأخير، مسألة سلاح حزب الله، لا سيما بعد صدور القرار 1559، الذي اعتبرَته جهات لبنانية كثيرة حصيلة تفاهم فرنسي أميركي أخَذ في الاعتبار المصالح الإسرائيلية.
    وقد ذهبَت مراكز أبحاث أميركية ذات تأثير في الإدارة الأميركية (1) الحالية التي يكثر في عدادها من يُسمَّون <<المحافظون الجدد>>، ومعروفة بأنها في خدمة اليمين الصهيوني <<الإسرائيلي>> (2)، إلى تناول قضية سلاح حزب الله من حيث وضعه في سياق الخطة الأميركية في المنطقة أو من حيث اقتراح خطوات تنفيذية لنزعه(3).
    وفي موازاة هذه الحملة الأميركية الإسرائيلية الشكل والمحتوى والهدف، حرصت اتجاهات لبنانية مختلفة على التأكيد على مقاربة مسألة المقاومة من منظور المصلحة اللبنانية التي تتقدّم على أي مصلحة أخرى، إذ شدّدت هذه الاتجاهات، التي تضم تنوّعاً لبنانياً يمكن وصفه بأنه شامل، على <<رفض اعتبار المقاومة ميليشيا>>(4) وعلى <<الإجماع الوطني على الحق في مقاومة الاحتلال والعدوان الإسرائيليين>>(5).
    إن من البديهي معالجة أي قضية من زاوية تحقيق المصالح اللبنانية، وليس من زاوية المصالح الأخرى فضلاً عن المعادية، كالمصالح <<الإسرائيلية>>.
    من المفهوم أن يكون التخلّص من حزب الله وسلاحه هاجسا <<إسرائيليا>> ومن ثم اميركياً، لكن الواجب يفترض أن تنطلق المقاربة اللبنانية من البحث عن المصلحة اللبنانية وتحقيقها.
    وقد ارتأت هذه المساهمة البحث عن المصلحة اللبنانية انطلاقاً مما توافق اللبنانيون حوله، أي وثيقة الوفاق الوطني المعبَّر عنها باتفاق الطائف، وأن ترى بعد ذلك إلى منجزات المقاومة، لتقترح من ثم، كيف تكون المعالجة.
    أولاً: في الوفاق الوطني حول مواجهة العدوان <<الإسرائيلي>>
    تميل قراءات وثيقة الوفاق الوطني لما يتصل منها بالمسألة <<الإسرائيلية>> إلى التوقف فيها عند فقرة <<ثالثاً: تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي>>.
    وليس صحيحاً قِصر تناول الوثيقة للمسألة على هذه الفقرة. لقد عالجَتها في أكثر من موضع، بالإضافة إلى الفقرة المشار إليها، ومنها:
    1 البند (أ) من <<1 المبادئ العامة>> الذي يتحدث عن سيادة لبنان على <<حدوده>>.
    2 البند (ب) من الفقرة الآنف ذكرها الذي يتحدث عن عروبة لبنان هوية وانتماءً.
    3 البندان (ط) و (ي) من الفقرة نفسها واللذان يتحدثان عن رفض التجزئة والتقسيم والتوطين وعن التمسك بالعيش المشترك.
    4 الفقرة <<رابعاً: العلاقات اللبنانية السورية>> التي تتحدث عن <<الروابط المميزة>> وعن الارتباط الوثيق بين أمن سوريا ولبنان، ما يجعل موقفهما من الصراع العربي <<الإسرائيلي>> يقوم على التوافق المحكم لمقتضيات <<الروابط المميزة>> والارتباط بين الأمن في البلدين.
    هذا الموضع ليس مكان بحثه هنا، ولا أوان بحثه الآن.
    الموضع الجدير بالتوقف عنده، هنا والآن، هو البند ج من الفقرة <<ثانيا>> والذي ينصّ على <<يجري توحيد وإعداد القوات المسلحة وتدريبها لتكون قادرة على تحمّل مسؤولياتها الوطنية في مواجهة العدوان الإسرائيلي>>.
    ولقد مرّ هذا البند حتى الآن دون كبير اعتناء بدلالته الهامة، وبأثره على رسم السياسات المستقبلية في لبنان.
    يقرّر هذا البند، وإن اتجه نصه إلى <<القوات المسلحة>>:
    أن ثمة عدواناً يتهدّد لبنان هو <<العدوان الإسرائيلي>>.
    وإذا كان العدوان ينمّ عن عدو فالعدو، إذاً هو العدو <<الإسرائيلي>>. إذاً عدو لبنان هو العدو <<الإسرائيلي>>.
    وأن ثمة ضرورة لمواجهة هذا العدوان.
    وأن مواجهة العدوان الإسرائيلي ترتّب مسؤوليات وطنية، منها ما يقع على القوات المسلحة، ومنها ما يقع على غيرها.
    من هنا، يتضح أن السؤال الصائب الواجب طرحه ما هي المسؤوليات الوطنية التي ترتبها مواجهة العدوان <<الإسرائيلي>> على كل من الدولة والشعب والمؤسّسات والقوى الاجتماعية والسياسية ومن ضمنها المقاومة.
    ثانياً: في طبيعة العدوان <<الإسرائيلي>> على لبنان
    إن تحديد المسؤوليات الوطنية يمر عبر تحديد طبيعة العدوان <<الإسرائيلي>>.
    العدوان لغة هو <<الظلم الذي جاوز القدر>>(6) و<<الجور>>(7)، وتأتي أيضاً بمعنى <<السبيل>>(8) أي المأخذ.
    أما العدوان قانوناً فقد اعتبرته جمعية عصبة الأمم في قرار لها في 24/9/1927، جريمة دولية بإجماع آراء الدول الأعضاء فيها.
    وإذا خلا ميثاق بريان كيلوج عام 1928 (Briand-Kellog) من تعريف واضح ومباشر للعدوان إلا أنه ضمّن مادته الأولى تعهّد الدول الأعضاء ال 38 بعدم <<شن العدوان>>.
    وحتى الآن، وعلى الرغم من صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 د /39 في 14/12/1974، ليس ثمّة تعريف محدّد في القانون الدولي ل <<جريمة العدوان>>، حتى أن نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية الذي حدد اختصاصها بأربع جرائم هي الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم العدوان، نص في مواده اللاحقة 6 و7 و8 على تعريف الجرائم الثلاث الأولى وعلّق ممارسة اختصاص المحكمة على الجريمة الرابعة حتى تعريفها وتحديد أفعالها لاحقاً من قبل الدول الأطراف فيها، بعد مخاض عسير من النقاشات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كاد يُفشل الجهود المستأنفة منذ العام 1989 لإنشاء محكمة جنائية دولية(9).
    وإذا كان القانون الدولي لم يستقر بعد على تعريف للعدوان، بسبب تباين وجهات النظر السياسية والمصالح بين الدول، لاسيّما الدول الكبرى، فإن اللبنانيين خبروا، بدمهم ولحمهم، وأرضهم وسمائهم، تعريف العدوان الإسرائيلي، بنوعية العدوان القائم (أي الحاصل والحادث) والعدوان الداهم (أي المحتمل أو المتوقع).
    أ أما العدوان القائم فمحاوره:
    1 الاستمرار في احتلال أجزاء من الأراضي اللبنانية. من هذه الأجزاء ما قُضم بفعل اتفاقية الهدنة التي رَسمت خطاً لم يكن مطابقاً لخط الحدود الدولية في بعض المواضع. ومنها ما قُضم بعد حرب 1967 في منطقة مزارع شبعا وقرية النخيلة. ومنها أيضاً الفارق بين خط الحدود وبين الخط الأزرق. بالإضافة إلى ما اقتطع من الأراضي اللبنانية ما قبل العام 1923، من القرى السبع ومزارع أخرى جرى شراؤها بالخديعة والرشى (10).
    إذاً، لا زال الاحتلال قائماً.
    2 منع لبنان من استخدام مياهه. فقد حالت التهديدات <<الإسرائيلية>> دون إنشاء مشاريع سدود على نهر الليطاني كانت ضرورية لتحقيق قفزة في التنمية في منطقة الجنوب بأسره، بل في لبنان أيضاً، لا سيّما في قطاع إنتاج الكهرباء. بل حاولت الحكومة الإسرائيلية بشخص رئيسها الحالي منع الحكومة اللبنانية من وضع مضخّة مياه على نبع الوزاني لإرواء قرى حدودية، لولا التوازن النسبي الذي تحققه المقاومة.
    3 الاستمرار في احتجاز عدد من المعتقلين اللبنانيين في المعتقلات الإسرائيلية.
    4 تواصِل <<إسرائيل>> المحتلة للأراضي المقدسة في فلسطين انتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية، وآخرها التهديدات بتهديم المسجد الأقصى، والاستيلاء على أراضٍ للكنيسة الأرثوذكسية. واللبنانيون، الحريصون على انتمائهم الديني، لهم تعلّق بالمقدسات وهم، بهذا المعنى، يعتبرون الممارسات الإسرائيلية ضدها، عدواناً عليهم تنبغي مواجهته.
    5 إن تهجير مئات الآلاف من الشعب الفلسطيني إلى لبنان، كان ولا يزال يُعد عدواناً إسرائيلياً على لبنان.
    6 تواصل الطائرات <<الإسرائيلية>> خرقها للسيادة الجوية اللبنانية، وكالعادة لا تفلح الأسرة الدولية في منع هذه الخروقات، التي تعد أيضاً عدواناً سافراً.
    7 تقوم الأجهزة الأمنية <<الإسرائيلية>>، من حين لآخر، بارتكاب أعمال إرهابية ضد اللبنانيين تتضمّن تفجير سيارات مفخّخة واغتيال مواطنين، وهذا أيضاً عدوان.
    8 لا تكفّ أجهزة الاختراق الأمني <<الإسرائيلي>> عن تجنيد عملاء لها في لبنان وإنشاء قاعدة تجسّس وعمليات تخريبية، وهذا بكل الأعراف عدوان.
    ب أما العدوان الداهم، فمحاوره:
    1 الصيغة المجتمعية:
    وهي الصيغة الصهيونية القائمة على تحويل الانتماء الديني إلى رابطة قومية وجعل الدولة موقوفة على عصبية هذه الرابطة، الأمر الذي يحيلها إلى دولة عنصرية في داخلها، توسعية في خارجها، تسعى إلى تعميم نموذجها على جوارها، بل على العالم (11). وهذا ما يهدّد الصيغة اللبنانية التي تحاول تقديم تجربة أو نموذج في نظم الحياة الواحدة بين جماعات وأفراد متبايني الانتماء الديني والطائفي، ومختلفي الخيار الثقافي ومتعدّدي التوجه السياسي.
    وبقدر ما يحرص اللبنانيون على تقديم هذه التجربة كمثال لعالم مختلف مستقر يحيا بسلام ويسعى إلى التطور، يجدون أنفسهم معنيين بمواجهة العدوان الإسرائيلي الرامي إلى تخريب هذه التجربة وتفكيكها.
    وبالفعل، فقد عَمد <<الإسرائيليون>> في إطار إثارة مسألة <<الأقليات>> إلى نسج علاقات كان لها أثر تخريبي على المجتمعات التي تشكّل تلك الأقليات مكوّناً من مكوناتها. وكان ذلك في إطار خطة <<إسرائيلية>> تسعى إلى إقامة دويلات مذهبية وعِرقية وطائفية تشكّل <<إسرائيل>> واسطة عقدها وقطب رحاها، وبالتالي الدولة الإقليمية الكبرى. ولم يتردّد بعض من في لبنان عن ترداد هذه المقولة جهراً وعلانية عام 1982، ولا حاجة هنا لتكرار ذلك، وإنما للإشارة إلى أن ثمة من في واشنطن الآن من يواصل هذا المسعى الذي سبق إحباطه، ويفترض أن تكون صفحته قد طويت بإبرام اتفاق الطائف.
    2 المطامع الصهيونية والإسرائيلية بالمياه والأرض:
    وتاريخها يعود إلى بدايات المشروع الصهيوني، فأبو ذلك المشروع هرتزل تحدّث في مذكراته عن أنه طلب من السلطان العثماني الأخير أن تكون الأراضي المزمع توطين اليهود فيها شاملة لولاية عكا التي كانت حدودها تمتد حينذاك إلى ما بعد صيدا شمالاً.
    والحركة الصهيونية قدّمت مذكرة إلى مؤتمر فرساي مرفقة بخريطة توضيحيّة تحدّد حدود الدولة اليهودية المنوي إنشاؤها إلى ما بعد نهر الأولي شمال صيدا وإلى منبع نهر الليطاني بعد بحيرة القرعون لجهة البقاع، وكان تبريرها غزارة موارد المياه في تلك المنطقة وندرتها في منطقة فلسطين.
    واستمر بعد ذلك مسلسل القضم والاقتطاع والغزو والسيطرة لتحقيق الهدف <<الإسرائيلي>> بالاستيلاء على موارد المياه اللبنانية وعلى الأراضي التي تعد جزءاً من الأراضي الوارد ذكرها في التوراة مما وطأت عليه أقدام الآباء الإسرائيليين وصار بعد ذلك من الأرض المقدسة الواجب تحريرها>> وفقاً للعقيدة الصهيونية(12).
    ولولا مقاومة اللبنانيين للاحتلال ودحرهم له لكانت المستوطنات أنشئت والمياه صودرت، كما جرى ويجري في الضفة الغربية في فلسطين المحتلة.
    3 التهديد الاستراتيجي الذي تمثله <<إسرائيل>> على لبنان والجوار:
    إن الطبيعة العدوانية العنصرية التوسعية الطامحة إلى الهيمنة التي تسِم عقيدة الدولة الصهيونية، ثم امتلاك هذه الدولة قدرات عسكرية متفوقة يؤدي إلى مشهد استراتيجي يمكن أن تكون فيه إسرائيل الدولة الإقليمية الكبرى التي تحوّل مَن حولها إلى ملحقات مجردة من أسباب استقلال القرار السياسي.
    فكيف إذا ضُم إلى ذلك تحالف هذه الدولة مع الإدارة الأميركية التي يغلب عليها الفكر السياسي لمجموعة <<المحافظين الجدد>> التي ترى في <<إسرائيل>> حليفاً لها ونموذجاً لما ينبغي أن تكون عليه دول المنطقة، ومع تلك الإدارة التي تستند إلى قاعدة شعبية اصطلح على تسميتها باليمين المسيحي أو الصهيونية المسيحية لتحقق المجيء الثاني للمسيح، ما أدى إلى نشوء حلف غريب يعتقد أن <<لا سلام قبل المسيح المنتظر>>(13).
    لا يمكن للبنان أن يتّكئ على تحالفات دولية، بقدر ما ينبغي له أن يستند إلى قواه الذاتية وقدرته على جبه العدوان <<الإسرائيلي>> الذي يتيح له أن يتموضع على خريطة التحالفات الدولية، على غرار ما حصل إبان عدوان نيسان 1996. فلولا قدرة الصمود لدى الشعب والمقاومة في لبنان، لما أمكن تغيير المسار الأميركي نحو القبول بمجموعة مراقبة حدّدت إطار المواجهة الميدانية وفق شروط مُيسَّرة للمقاومة وضيّقة على الاحتلال.
    إن التهديد الاستراتيجي الإسرائيلي يفترض وجود قدرة ردع لبنانية تؤمّنها راهناً المقاومة بسلاحها.
    وهنا ثمة (14) من يسأل عن الدور الذي يمكن أن يؤديه المسيحيون العرب واللبنانيون منهم بخاصة في إطار مواجهة هذا التحالف الغريب (15) بين فئة مسّيانية والصهيونية اليهودية، الذي يهدد المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين.
    إن العدوان الإسرائيلي، القائم منه والداهم، قد استنزف اللبنانيين على مدى عقود طويلة ويهدّد مصيرهم لعقود قادمة لا سيما إذا كان القرن الحالي قرن حرب على المياه، كما كان القرن الماضي قرن الحرب على النفط.
    وبين تاريخ عقد اتفاق الطائف حتى الآن، أدرك لبنان تجربة ناجحة للمقاومة في مواجهة العدوان <<الإسرائيلي>> بحيث لا يمكن تجاوزها، حين البحث عن كيفية مواجهة هذا العدوان مستقبلاً.
    ثالثا: تجربة المقاومة في مواجهة العدوان <<الإسرائيلي>>:
    في 25 أيار 2000 دفعت المقاومة بالعدو <<الإسرائيلي>> المحتل إلى ما وراء الحدود مُنهية احتلاله لأجزاء واسعة من الأراضي اللبنانية.
    إن هذا التاريخ يكثّف معاني كثيرة لا بد من استكناهها، لإدراك المنجزات المتحققة. من هذه المعاني (والتي سبق أن عالجتها في مناسبة أخرى ومن الضروري إعادة التذكير بها هنا (16):
    1 المقاومة كقوة ذاتية تعوّض عن عجز المجتمع الدولي.
    2 بروز إمكان هزيمة العدوان الإسرائيلي.
    3 إخراج <<إسرائيل>> من المعادلة اللبنانية.
    4 كفُّ جزئي للتخريب الإسرائيلي للصيغة اللبنانية.
    5 تحقق الأمان وتحقيق التنمية.
    6 تعزيز الوحدة الوطنية كمنجز للمقاومة.
    7 اختبار مثمر لعلاقات عربية صائبة متكافئة.
    8 بناء النموذج اللبناني في المقاومة والتحرير.
    9 دور المقاومة في صنع الاستقرار.
    10 الإسهام في كسر الوظيفة الاستراتيجية للكيان الصهيوني.
    11 تكوين مشهد استراتيجي جديد قائم على التوازن النسبي والردع الاستباقي.
    12 صد السعي الأميركي والإسرائيلي لإنهاء المقاومة.
    إن هذه المعاني تسلط الضوء على وقائع ومنجزات ومكتسبات لم تكن قد تحققت إبان اتفاق الطائف. وإذا كان البند ج المشار إليه آنفاً قد تحدث عن دور القوات المسلحة النظامية حينها، فإن من المصلحة اللبنانية إدراج تجربة المقاومة في التصور الوطني لمواجهة العدوان الإسرائيلي بما ينسجم ومقتضيات وحدة الدولة ومؤسساتها والوفاق الوطني على قاعدة التكامل الإستراتيجي بين مكونات الدفاع الوطني الشعبية والنظامية. يتغنى اللبنانيون بفرادة نموذجهم وهو حقا نموذج فريد أمكن من خلاله تحقيق ما لم يسبق لبلدان عربية أخرى تحقيقه. أليس بالإمكان اجتراح صيغة لبنانية فريدة هي أيضاً لمواجهة خطر استثنائي كالخطر الصهيوني. وإذا كان المثال اللبناني قد قام على تشجيع المبادرة الفردية (التعليم، الاستشفاء وغيرهما) أفليس من الضروري توظيف مبادرة المقاومة في تعزيز قدرات الدولة المركزية؟
    رابعاً: في مقتضيات مواجهة العدوان <<الإسرائيلي>>:
    يُخلَص مما تقدّم إلى أن مواجهة العدوان <<الإسرائيلي>> القائم والداهم التي لا بد من أن تأخذ في الاعتبار تجربة المقاومة هي مواجهة يضطلع بها اللبنانيون جميعاً كل من موقعه، وفق المقتضيات الآتية:
    1 العدو هو العدو الصهيوني:
    لقد قيل، وعن حق، إن نفيَين لا يصنعان وطناً. إن غياب تحديد وطني جامع لهوية العدو أفقد اللبنانيين عنصراً أساسياً من عناصر وحدتهم الوطنية. ويتفق المخططون الاستراتيجيون، عادة، على أن من شروط الوحدة الوطنية والتعبئة العامة، استحضار عدو دائم، وهكذا جرى استبدال الخطر الشيوعي كلحمة للمعسكر الغربي باصطناع خطر آخر سخّر له دعاة صدام الحضارات أقلامهم.
    من قبل قيام الجمهورية اللبنانية وحين قيامها، أدرك مفكرون لبنانيون كُثر خطورة الفكرة الصهيونية والكيان الصهيوني على لبنان فكرة وكياناً.
    أثمة حاجة بعد للتأكيد أن عدو لبنان هو العدو الصهيوني؟ أهو عداء مصطنع أم عداء فعلي تشهد عليه الأفكار والوقائع؟
    إن علّة العلل في توحيد الموقف اللبناني الداخلي ومن ثم في رسم سياسة خارجية لبنانية فعلية هي في غياب هذا التحديد للعدو الذي يفترض أنه، بعد اتفاق الطائف، بات محدّداً بالعدو الصهيوني.
    لبنان، وفق وثيقة الوفاق الوطني، هو عربي الهوية والانتماء، موحد فلا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، وحرّ فلا احتلال على أرضه، وسيّد مستقل بقوة العيش المشترك لأبنائه جميعاً.
    2 تكوين ثقافة وطنية جامعة تحقق الوعي الجمعي بضرورة مواجهة العدوان <<الإسرائيلي>> الذي لا ينتهي بانتهاء الاحتلال (وقد لاحظ واضعو اتفاق الطائف ذلك حين جعلوا الحديث عن العدوان في موضع مختلف عن الحديث عن التحرير من الاحتلال).
    3 الاستمرار في المقاومة حتى تحرير ما تبقّى محتلاً من الأرض ومرتَهناً من الإنسان.
    4 تكريس صيغة الدولة / الشعب والجيش / المقاومة كصيغة لمواجهة العدوان <<الإسرائيلي>>، وهذا ما يقتضي رفض اعتبار المقاومة ميليشيا بل صيرورتها آلية شعبية من أواليات الدفاع الوطني المتكاملة استراتيجياً.
    5 المحافظة على المكتسبات التي حققتها المقاومة في التحرير والأمان والاستقرار والتوازن والردع، بالحيلولة دون استهدافها أو تقويضها، عبر إيجاد الصيغ الملائمة للوحدة الوطنية من جهة، ولقوة لبنان من جهة أخرى.
    6 تعميم طاقات الدولة وإمكاناتها وعلاقاتها وتحالفاتها وفق مقتضيات مواجهة العدوان الإسرائيلي، في كل صعيد من الصعد.
    7 تعبئة القوى المسلحة النظامية اللبنانية وفق عقيدة العداء للصهيونية، ووضع خطة دفاعية بحيث يكون تموضع الجيش وفقاً للضرورات الدفاعية اللبنانية، لا وفقاً لمتطلبات التفوق الاستراتيجي <<الإسرائيلي>>.
    8 مواجهة الحملة الأميركية الإسرائيلية لمحاصرة المقاومة بدعوى الإرهاب عبر تأمين الشرعية اللازمة للمقاومة، وعبر حملات سياسية ودبلوماسية وإعلامية مكثفة لاحتواء الحملات المقابلة.
    9 تركيز عمل الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية على احتواء الاختراقات الإسرائيلية وعلى القيام بإجراءات استباقية.
    10 تطوير العلاقات اللبنانية السورية بما ينسجم ومقتضيات الانتماء العربي ومواجهة العدوان الإسرائيلي، ومبدأ العلاقات المميزة والارتباط العضوي بين أمن البلدين لا سيما مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي ودوام حالة الصراع العربي الإسرائيلي.
    أخيراً:
    يَفترض ما تقدّم أن يتم على قاعدة الوفاق الوطني الذي تعتوره الآن مثالب عدة.
    لكن أياً كانت المعوقات فإن اللبنانيين الذين بات رمزهم الآن الكرامة والعزة والإباء، لن يرضوا بوضع يعودون فيه ليكونوا أسرى التفوّق <<الإسرائيلي>> عليهم.
    ومن هذه الرؤية شرعت المقاومة في حوارات مع الاتجاهات السياسية الاجتماعية في لبنان. وفي هذا الإطار كان حوارنا ولا يزال قائماً مع البطريركية المارونية حيث يجري البحث عن السبل التي تجعل لبنان موحداً قوياً في مواجهة العدوان <<الإسرائيلي>> فلا يكون سلاح المقاومة عنصر قلق لأي من الشرائح اللبنانية، بل هو عنصر قوة للبنان كله.
    ومن الأهمية بمكان الانتباه إلى النوايا الأميركية حيال لبنان. لقد جرت الإشارة في المقدمة إلى المضمون الإسرائيلي لهذه النوايا، وهي خطيرة ضد لبنان.
    ونحن واثقون أنه كما انتصر اللبنانيون على <<الاحتلال الإسرائيلي>>، فهم قادرون على هزيمة العدوان الإسرائيلي وجبهه.
    (نص المداخلة التي القاها مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله نواف الموسوي في الندوة التي نظمتها جامعة الروح القدس الكسليك بعنوان <<ماذا بعد الانسحاب السوري؟>> في 12 نيسان 2005).
    1 من بينها: معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. (WINEP) The Washington Institute for Near East Policy
    2 راجع، Un Think tank au service du Likoud ,Juillet 3002, page 31 Le Monde Diplomatique, JOEL BEININ,
    3 راجع:
    The Hizballah Conundrum ,march 5002,92,WINEP, Policy Watch 189 MICHAEL HERZOG,
    * ROBERT SATLOFF, Assessing the Bush Administration Policy of Constructive Instability ( part I, II), Policy Watch 479, March 51, 5002 & Policy Watch 579, WINEP , March 5002,61
    * Report of the Presidential Study Group,WINEP, Security Reform and Peace, The Three Pillars of U.S Strategy in The Middle East, p. 66-86.
    4 بيان اللقاء اللبناني للحوار المنشور في الصحف اللبنانية بتاريخ 10/3/2005.
    5 بيان اللقاء اللبناني للحوار المنشور في الصحف اللبنانية بتاريخ 8/4/2005.
     يقول نيقولاوس الصايغ (1692م 1756م) الرئيس العام للرهبان الباسيليين دير مار يوحنا الشوير: <<لقد اعتدوا حتى غدوا أعداءهم إن العداوة ثمرة العدوان>>، الموسوعة الشعرية (قرص مضغوط)، المجمع الثقافي، أبو ظبي 2003.
    6 ابن منظور، لسان العرب؛ والفيروز آبادي، القاموس المحيط، وقد عد <<الفحش عدوان الجواب>>.
    7 المصدر نفسه.
    8 المصدر نفسه.
    9 استندت هذه اللمحة القانونية إلى دراسة أعدها الأستاذ عصام إسماعيل الباحث في مركز بيروت للأبحاث والمعلومات بعنوان <<جريمة العدوان>>، 4/4/2005، للاستناد إليها في هذه المساهمة.
    10 راجع من بين مراجع كثيرة : - La Rude Epreuve du Liban-Sud, Commission Permanente pour L` information Arabe. P.72-53
    عصام خليفة، لبنان في مواجهة مفاوضات التسوية، الطبعة الأولى، بيروت 2000، ص 70 30 وص، 71 104، وله أيضاً لبنان المياه والحدود، بيروت 1996؛ الحدود الجنوبية للبنان بين مواقف نخب الطوائف والصراع الدولي 1908 1936، بيروت 1985.
    محمود سويد، الجنوب اللبناني في مواجهة إسرائيل، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1998.
    11 ينقل جورج قرم عن مكسيم رودنسون أن <<الجالية اليهودية الإسرائيلية قد وجدت، أنها زجت نفسها في طريق مسدود، فلا خيار لها في انتهاج سياسة عدوانية وقائية في الخارج، وتطبيق قوانين تمييزية في الداخل، مع كل ما يتولد عن ذلك من عقلية عنصرية شوفينية، ومن اضطر إلى سلوك طريق النكوص الاجتماعي>>. ويتابع قرم قائلاً: <<إنما بهذا المعنى تشكل الصهيونية وإسرائيل خطراً داهماً: فيما تعاودان، كما تقدم القول، إدخال النموذج التوحيدي في شكله الأكثر تطرفاً وحصرية، وينفخان الحياة من جديد في العلاقات التقليدية القائمة على العنف المعنوي أو المادي بين الأقلية والأغلبية؛ وهذا الخطر يتهدد من الآن البلدان العربية، ولسوف يتهدد غداً باقي بلدان العالم يوم تدرك الصهيونية هدفها في فك اندماج يهود الشتات طرا>> جورج قرم، تعددية الأديان وأنظمة الحكم، دار النهار للنشر، الطبعة الثانية، بيروت 1992، ص 374 و 375.
    12 راجع بالإضافة إلى ما تقدم من مراجع عن المطامع الإسرائيلية (خليفة وسويد وغيرهما)، الدراسة الهامة لرضى سلمان، أزمة إسرائيل المائية ومياه لبنان، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 3، صيف 1990، ص 231 244.
    13BRAHIM WardŽ,>> Il ne peut y avoir de paix avant l_ avnement du Messie<<, Le Monde Diplomatique, Septembre2002, p.11,01.
    14 محمد السماك، القدس قبل فوات الأوان، الدار العربية للعلوم، الطبعة الأولى، بيروت 2005، ص10.
    15 طارق متري، مدينة على جبل؟، دار النهار للنشر، بيروت 2004.
    16 نواف الموسوي، 25 آيار 2000 بداية المستقبل، <<السفير>> 18/3/2005، ص10.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
استجابة 1
10 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
ردود 2
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X