الطائفية الوديعة الطائفية المأزومه
من له أذنان للسمع يستطيع، إن أراد استخدامهما، أن يلتقط الإشارات الطائفية الضمنية التي يحملها، أحياناً، الخطاب الوطني التوحيدي. التعبير الطائفي لا يتقدم، باستمرار، عارياً. وليست تعريته سهلة في بعض الأحيان.
يمكن لعبارة واحدة أن تحمل مضامين مختلفة حسب قائلها وزمن قولها. <<إن اللبنانيين يريدون كذا>> قد تعني <<أن بعض أو أكثر المسيحيين>>، كما قد تعني <<أن بعض أو أكثرية المسلمين>>... وذلك حسب <<هوية>> صاحب العبارة. كما أن عبارة <<إن اللبنانيين يريدون خروج الجيش السوري>> تعني في 1997 مثلاً <<ان بعض المسيحيين يريدون...>>، ولكنها تعني بعد التمديد للرئيس لحود <<ان غالبية المسيحيين والدروز...>>. ويصبح معناها بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري <<إن غالبية الدروز والمسيحيين والسنة...>>.
ولقد قدمت لنا الأحداث المهمة في الأشهر الأخيرة غير مناسبة لمراقبة الخطاب الفئوي وهو يطرح نفسه بجلباب ينكر الفئوية. غير أن الأمانة تقضي القول بأن الخطاب الطائفي المسيحي يملك <<ميزة>> الوضوح والصراحة في حين أن الخطاب الطائفي الإسلامي يلجأ إلى المداورة ويختبئ، أحياناً كثيرة، وراء ادعاءات غير أمينة. ولعل في ذلك ما يشي بالمواقع المتفاوتة ضمن السلطة بحيث يمكن للمسلمين، بعد الطائف، ممارسة الزعم الإيديولوجي الذي كان خاصية مسيحية في زمن آخر.
لنأخذ، مثلاً، ما كررته نخب <<إسلامية>>، تداري انتماءها الطائفي، في امتداح النائبين غطاس خوري وجورج ديب نعمة لحظة استبدالهما على لائحتي بيروت والشوف بكل من صولانج الجميل وجورج عدوان. ورد في وصف النائبين: الاعتدال، التعايش، الهمّ الوطني الجامع، الأيادي البيضاء، مقاومة التطرف، الالتزام بمواقف المعارضة، إلخ... هذه كلها صفات قد تكون صحيحة. ولكنها، في هذا المجال، في غير محلها تماماً. فوظيفة الانتخابات هي أن يختار المواطنون من يمثلهم أو من يعتقدون أنه الأقدر على الدفاع عن مصالحهم كما يعرّفونها في لحظة معينة. ولعله يصعب النقاش في أن الجميل هي أكثر تمثيلية لموارنة دائرتها الانتخابية المخصصة لمقعد ماروني من خوري. وينطبق الأمر نفسه عند المقارنة بين عدوان ونعمة. ربما يملك كل من خوري ونعمة مزايا أفضل من الحالّين محلهما ولكن <<ميزة>> رئيسية تنقصهما هي، بالمناسبة، الميزة الوحيدة المطلوبة إذا كان الموضوع المطروح هو الموضوع الانتخابي.
إن الميل المعلن لخوري ونعمة، من جانب نخب <<إسلامية>> هو، في العمق، إنكار لحق الناخبين المسيحيين في التفضيل. أكثر من ذلك، إنه إدانة لمزاج هؤلاء الذين لو تركوا وحدهم لاختاروا <<التطرف>>. أي أننا لسنا أمام واقع يمكن تسميته <<وحدة وطنية>> يتم بناؤها بين شريكين لأن الشريك المسيحي يشكو من عارض الاقتراع لمن كان يمكنه أن يعقّد على الشريك المسلم بناء وحدته الوطنية، أي الوحدة الوطنية كما يراها.
لا يتجلى السلوك الطائفي الضمني للنخب الإسلامية في أنها تعطي لنفسها الحق في تحديد مواصفات من تريده رفيق دربها الانتخابي. هذا حق من حقوقها. يتجلى هذا السلوك في أنه يقترح رفيق الدرب هذا، لا بل يفرضه، ممثلاً عن المسيحيين. فالتوازنات العيانية في الدوائر الانتخابية تجعل من المستحيل، مثلاً، أن تقرّر الأقلية المسيحية الناخبة من هو المعتدل أو غير المعتدل الذي يناسبها لدى الأكثرية الإسلامية الناخبة. وهكذا نصل إلى نتيجة مريعة (بالنسبة إلى أي علماني أصيل) مؤداها أن الأكثر عدداً يتصرف تلقائياً وكأنه الأكثر اعتدالاً حارماً الأقل عدداً من القدرة على ترجمة رأيه في الاعتدال أو التطرف!
ولكن اللعبة تبقى ناقصة ومفضوحة بعض الشيء. لمداراة هذا النقص ولأجل استقامة اللعبة يتم استحضار مسلمين ضعيفي التأثير، إنما <<متطرفين>> من أجل استخدامهم كفزاعة تقيم توازناً افتراضياً مع من جرى تصنيفهم متطرفين مسيحيين (هذه وظيفة أصوليي مجدل عنجر والضنية). وبناء على هذه الحيلة يتم طلب استبعاد <<المتطرف>> المسيحي الذي يمثل قومه مقابل الموافقة على استبعاد <<المتطرف>> المسلم الذي لا يمثل الكثير، وتصبح التسوية الوحيدة المقبولة هي بين <<معتدل>> مسلم ذي قاعدة تمثيلية ومعتدل مسيحي معدوم، أو ضعيف، القاعدة التمثيلية، إن هذا، ببساطة، نوع من التزوير. ومن يعجز عن فهمه بصفته كذلك، أو من يبرّره، يكن يمارس نوعاً من الطائفية الضمنية في صياغة جديدة.
<<الطائفي المسلم الوديع>>، كما سلف، قد لا يكون واعياً. وهو غالباً ما يعتبر، صادقاً، إنه إنما يصدر عن موقف <<وطني>> يقدّم <<التعايش>> على ما عداه. إنها طائفية الأكثرية المرتاحة إلى عددها وإلى قدرتها على التحكّم في اللعبة الانتخابية (يقدم النموذج الدرزي اللبناني حالة معقدة من التأرجح بين <<طائفية وديعة>>، لحظة التحالف الوثيق مع مسلمين، وبين <<طائفية مأزومة>> في حالة الثنائية الخالصة مع المسيحيين).
بيان المطارنة الموارنة الشهير هو رد على هذه الطائفية الضمنية. فعندما قال ما معناه: <<لينتخب المسلمون المسلمين والمسيحيون المسيحيين>> قامت القيامة. يتوجب الاعتراف بأن الرد خطير ومؤسف. إنه رد طائفي فجّ. ولكن المراقب العادل (والعلماني) للعبة السياسية الطائفية يمكنه أن يرى في هذه الفجاجة السلاح الأخير الذي تملكه <<طائفية مأزومة>> أقلاوية في مقاومة الطائفية الوديعة والضمنية للأكثرية. البيان صرخة احتجاج طائفي ضد سلوك طائفي هو الآخر.
والملاحظ، هنا، أن معظم السجالات اختصرت المشكلة في <<البيان الطائفي>>، وهو نتيجة، وليس في السلوك الطائفي، وهو، في هذه الحالة، السبب. لم تكن هذه السجالات تغرف من تراث لا طائفي. اكتفت بالتعاطي مع من يقول الأمور كما يرغبها أن تكون وليس مع من يصنع الأمور كما يرغبها أن تكون. أدانت من اكتشف وهم <<وحدة المعارضة>> وليس من يريد أن يكتم للآخر أنفاسه باسم وهم <<وحدة المعارضة>>.
ثمة ما هو محق في بيان المطارنة. فعندما يتحدث <<اتفاق الطائف>> عن المناصفة في عدد النواب حرصاً على العيش المشترك فإنه لا يكون يتحدث عن عدد كبير من النواب المسيحيين يتم اختيارهم وفق مقاييس <<إسلامية>> للعيش المشترك. لقد أدت انتخابات 92، في ظل المقاطعة الكثيفة، إلى احترام المناصفة فهل هذه هي الروح الميثاقية المطلوب احترامها؟ هل هذه روح الطائف؟
والأنكى من ذلك أن بعض المنزعجين من البيان عمدوا، بعده، وبناء على نصائح أجنبية، إلى إجراء تعديلات على لوائحهم الانتخابية ثم وافقوا على المزيد من هذه التعديلات. أي أنهم اعترفوا، متأخرين، ببعض ما في البيان من وجاهة. إلا أنهم قدموا فعلتهم الأولى، كما فعلتهم الثانية، بأنها حرص على المصالحة والعيش المشترك. لقد تصرفوا، في الواقع، كطائفيين نموذجيين يمكنهم المساومة على الغلبة الواضحة بالأرجحية المضمونة، كما يمكنهم الاستناد في كل لحظة، وعن حق، إلى ضرورة أخذ موازين القوى الديموغرافية ببعض الاعتبار.
المزعج في بيان <<الطائفية المأزومة>> رداً على <<الطائفية الضمنية>>، المزعج في البيان وما سبّبه وما نتج عنه أنه يبقي اللعبة السياسية والتوازنات الوطنية في إطار إحصائي ضيّق. أكثر من ذلك، إنه بيان يلعق المبرد إذ يدل بالإصبع على مكمن أزمة فعلية: ثمة هوة متزايدة الاتساع بين توزع عدد النواب على الطوائف وبين توزع الهيئة الناخبة على الطوائف. وبدل ردم الهوة بالصعود نحو فكرة المواطنة يتم الرد عليها بالهبوط نحو منطق رجعي ومحافظ لا يدري أن أسر الحياة السياسية في قيود الديموغرافيا الطائفية يرتد، ومنذ عقود، على <<مخترعي>> الطائفية السياسية ومن يعتبرون أنفسهم، اليوم، أبرز حماتها والخائفين من أن يؤدي زوالها إلى ذوبانهم.
من له أذنان للسمع يستطيع، إن أراد استخدامهما، أن يلتقط الإشارات الطائفية الضمنية التي يحملها، أحياناً، الخطاب الوطني التوحيدي. التعبير الطائفي لا يتقدم، باستمرار، عارياً. وليست تعريته سهلة في بعض الأحيان.
يمكن لعبارة واحدة أن تحمل مضامين مختلفة حسب قائلها وزمن قولها. <<إن اللبنانيين يريدون كذا>> قد تعني <<أن بعض أو أكثر المسيحيين>>، كما قد تعني <<أن بعض أو أكثرية المسلمين>>... وذلك حسب <<هوية>> صاحب العبارة. كما أن عبارة <<إن اللبنانيين يريدون خروج الجيش السوري>> تعني في 1997 مثلاً <<ان بعض المسيحيين يريدون...>>، ولكنها تعني بعد التمديد للرئيس لحود <<ان غالبية المسيحيين والدروز...>>. ويصبح معناها بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري <<إن غالبية الدروز والمسيحيين والسنة...>>.
ولقد قدمت لنا الأحداث المهمة في الأشهر الأخيرة غير مناسبة لمراقبة الخطاب الفئوي وهو يطرح نفسه بجلباب ينكر الفئوية. غير أن الأمانة تقضي القول بأن الخطاب الطائفي المسيحي يملك <<ميزة>> الوضوح والصراحة في حين أن الخطاب الطائفي الإسلامي يلجأ إلى المداورة ويختبئ، أحياناً كثيرة، وراء ادعاءات غير أمينة. ولعل في ذلك ما يشي بالمواقع المتفاوتة ضمن السلطة بحيث يمكن للمسلمين، بعد الطائف، ممارسة الزعم الإيديولوجي الذي كان خاصية مسيحية في زمن آخر.
لنأخذ، مثلاً، ما كررته نخب <<إسلامية>>، تداري انتماءها الطائفي، في امتداح النائبين غطاس خوري وجورج ديب نعمة لحظة استبدالهما على لائحتي بيروت والشوف بكل من صولانج الجميل وجورج عدوان. ورد في وصف النائبين: الاعتدال، التعايش، الهمّ الوطني الجامع، الأيادي البيضاء، مقاومة التطرف، الالتزام بمواقف المعارضة، إلخ... هذه كلها صفات قد تكون صحيحة. ولكنها، في هذا المجال، في غير محلها تماماً. فوظيفة الانتخابات هي أن يختار المواطنون من يمثلهم أو من يعتقدون أنه الأقدر على الدفاع عن مصالحهم كما يعرّفونها في لحظة معينة. ولعله يصعب النقاش في أن الجميل هي أكثر تمثيلية لموارنة دائرتها الانتخابية المخصصة لمقعد ماروني من خوري. وينطبق الأمر نفسه عند المقارنة بين عدوان ونعمة. ربما يملك كل من خوري ونعمة مزايا أفضل من الحالّين محلهما ولكن <<ميزة>> رئيسية تنقصهما هي، بالمناسبة، الميزة الوحيدة المطلوبة إذا كان الموضوع المطروح هو الموضوع الانتخابي.
إن الميل المعلن لخوري ونعمة، من جانب نخب <<إسلامية>> هو، في العمق، إنكار لحق الناخبين المسيحيين في التفضيل. أكثر من ذلك، إنه إدانة لمزاج هؤلاء الذين لو تركوا وحدهم لاختاروا <<التطرف>>. أي أننا لسنا أمام واقع يمكن تسميته <<وحدة وطنية>> يتم بناؤها بين شريكين لأن الشريك المسيحي يشكو من عارض الاقتراع لمن كان يمكنه أن يعقّد على الشريك المسلم بناء وحدته الوطنية، أي الوحدة الوطنية كما يراها.
لا يتجلى السلوك الطائفي الضمني للنخب الإسلامية في أنها تعطي لنفسها الحق في تحديد مواصفات من تريده رفيق دربها الانتخابي. هذا حق من حقوقها. يتجلى هذا السلوك في أنه يقترح رفيق الدرب هذا، لا بل يفرضه، ممثلاً عن المسيحيين. فالتوازنات العيانية في الدوائر الانتخابية تجعل من المستحيل، مثلاً، أن تقرّر الأقلية المسيحية الناخبة من هو المعتدل أو غير المعتدل الذي يناسبها لدى الأكثرية الإسلامية الناخبة. وهكذا نصل إلى نتيجة مريعة (بالنسبة إلى أي علماني أصيل) مؤداها أن الأكثر عدداً يتصرف تلقائياً وكأنه الأكثر اعتدالاً حارماً الأقل عدداً من القدرة على ترجمة رأيه في الاعتدال أو التطرف!
ولكن اللعبة تبقى ناقصة ومفضوحة بعض الشيء. لمداراة هذا النقص ولأجل استقامة اللعبة يتم استحضار مسلمين ضعيفي التأثير، إنما <<متطرفين>> من أجل استخدامهم كفزاعة تقيم توازناً افتراضياً مع من جرى تصنيفهم متطرفين مسيحيين (هذه وظيفة أصوليي مجدل عنجر والضنية). وبناء على هذه الحيلة يتم طلب استبعاد <<المتطرف>> المسيحي الذي يمثل قومه مقابل الموافقة على استبعاد <<المتطرف>> المسلم الذي لا يمثل الكثير، وتصبح التسوية الوحيدة المقبولة هي بين <<معتدل>> مسلم ذي قاعدة تمثيلية ومعتدل مسيحي معدوم، أو ضعيف، القاعدة التمثيلية، إن هذا، ببساطة، نوع من التزوير. ومن يعجز عن فهمه بصفته كذلك، أو من يبرّره، يكن يمارس نوعاً من الطائفية الضمنية في صياغة جديدة.
<<الطائفي المسلم الوديع>>، كما سلف، قد لا يكون واعياً. وهو غالباً ما يعتبر، صادقاً، إنه إنما يصدر عن موقف <<وطني>> يقدّم <<التعايش>> على ما عداه. إنها طائفية الأكثرية المرتاحة إلى عددها وإلى قدرتها على التحكّم في اللعبة الانتخابية (يقدم النموذج الدرزي اللبناني حالة معقدة من التأرجح بين <<طائفية وديعة>>، لحظة التحالف الوثيق مع مسلمين، وبين <<طائفية مأزومة>> في حالة الثنائية الخالصة مع المسيحيين).
بيان المطارنة الموارنة الشهير هو رد على هذه الطائفية الضمنية. فعندما قال ما معناه: <<لينتخب المسلمون المسلمين والمسيحيون المسيحيين>> قامت القيامة. يتوجب الاعتراف بأن الرد خطير ومؤسف. إنه رد طائفي فجّ. ولكن المراقب العادل (والعلماني) للعبة السياسية الطائفية يمكنه أن يرى في هذه الفجاجة السلاح الأخير الذي تملكه <<طائفية مأزومة>> أقلاوية في مقاومة الطائفية الوديعة والضمنية للأكثرية. البيان صرخة احتجاج طائفي ضد سلوك طائفي هو الآخر.
والملاحظ، هنا، أن معظم السجالات اختصرت المشكلة في <<البيان الطائفي>>، وهو نتيجة، وليس في السلوك الطائفي، وهو، في هذه الحالة، السبب. لم تكن هذه السجالات تغرف من تراث لا طائفي. اكتفت بالتعاطي مع من يقول الأمور كما يرغبها أن تكون وليس مع من يصنع الأمور كما يرغبها أن تكون. أدانت من اكتشف وهم <<وحدة المعارضة>> وليس من يريد أن يكتم للآخر أنفاسه باسم وهم <<وحدة المعارضة>>.
ثمة ما هو محق في بيان المطارنة. فعندما يتحدث <<اتفاق الطائف>> عن المناصفة في عدد النواب حرصاً على العيش المشترك فإنه لا يكون يتحدث عن عدد كبير من النواب المسيحيين يتم اختيارهم وفق مقاييس <<إسلامية>> للعيش المشترك. لقد أدت انتخابات 92، في ظل المقاطعة الكثيفة، إلى احترام المناصفة فهل هذه هي الروح الميثاقية المطلوب احترامها؟ هل هذه روح الطائف؟
والأنكى من ذلك أن بعض المنزعجين من البيان عمدوا، بعده، وبناء على نصائح أجنبية، إلى إجراء تعديلات على لوائحهم الانتخابية ثم وافقوا على المزيد من هذه التعديلات. أي أنهم اعترفوا، متأخرين، ببعض ما في البيان من وجاهة. إلا أنهم قدموا فعلتهم الأولى، كما فعلتهم الثانية، بأنها حرص على المصالحة والعيش المشترك. لقد تصرفوا، في الواقع، كطائفيين نموذجيين يمكنهم المساومة على الغلبة الواضحة بالأرجحية المضمونة، كما يمكنهم الاستناد في كل لحظة، وعن حق، إلى ضرورة أخذ موازين القوى الديموغرافية ببعض الاعتبار.
المزعج في بيان <<الطائفية المأزومة>> رداً على <<الطائفية الضمنية>>، المزعج في البيان وما سبّبه وما نتج عنه أنه يبقي اللعبة السياسية والتوازنات الوطنية في إطار إحصائي ضيّق. أكثر من ذلك، إنه بيان يلعق المبرد إذ يدل بالإصبع على مكمن أزمة فعلية: ثمة هوة متزايدة الاتساع بين توزع عدد النواب على الطوائف وبين توزع الهيئة الناخبة على الطوائف. وبدل ردم الهوة بالصعود نحو فكرة المواطنة يتم الرد عليها بالهبوط نحو منطق رجعي ومحافظ لا يدري أن أسر الحياة السياسية في قيود الديموغرافيا الطائفية يرتد، ومنذ عقود، على <<مخترعي>> الطائفية السياسية ومن يعتبرون أنفسهم، اليوم، أبرز حماتها والخائفين من أن يؤدي زوالها إلى ذوبانهم.