إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

د. سعيد الشهابي/الايديولوجيا والواقع في انتخابات ايران ..

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • د. سعيد الشهابي/الايديولوجيا والواقع في انتخابات ايران ..

    21/6/2005
    أظهرت الجولة الاولي من الانتخابات الرئاسية الايرانية حالة التماوج الفكري والسياسي في المجتمع الايراني، وصعوبة قراءة ذلك المجتمع الا من خلال الحالة الايرانية الفريدة.
    تلك الحالة تنطلق من عدد من الثوابت: اولها الشعور العميق بالانتماء للدين الاسلامي المرتبط، في الوجدان الايراني، بالثقافة الفارسية ارتباطا يصعب فكه، فلا الشاه استطاع، بسياساته التغريبية وسعيه للانصهار في العالم الاوروبي، اضعاف الاسلام في نفوس الايرانيين، ولا الثورة الاسلامية استطاعت تغليب الشعور بالانتماء للاسلام علي شعور الانتماء للثقافة الفارسية المتميزة بامتدادها القومي وتاريخها الحضاري. وثانيها: صعوبة قراءة الوجدان الايراني في ما يتعلق بالخيارات السياسية، وعدم امكان استيعاب تلك الحالة من خلال استطلاعات الرأي العام، او الفرضيات والاحكام المسبقة، حول تطلعات الايرانيين وحقيقة مشاعرهم وخياراتهم. وثالثها: ان الايرانيين يشعرون بعزة وطنية وقومية متميزة، وبالتالي فهم اكثر انشدادا لداخلهم، وبالتالي يفشل من يسعي للتدخل في الشأن الداخلي الايراني، مهما رفع من شعارات الحرية والديمقراطية، وهذا يفسر التجاهل الكامل للنداءات التحريضية ضد النظام من واشنطن، ورابعها، ان عمق الحالة الدينية لا يعني عمق الممارسة الملتزمة والتدين المتين، ولكنها تعني مركزية كبيرة للدين وعلماء الدين في الشأنين السياسي والاجتماعي، وبالتالي، لم ينفك علماء الدين في التاريخ الايراني، المعاصر والقديم، عن لعب دور سياسي بارز، ولم ينفكوا عن الحكم، حتي وان عارضوه. هذه الحالة تفرض نفسها علي ديناميكية الممارسة الانتخابية، كما تحضر بقوة في التفاوض مع الخارج، سواء حول الصفقات التجارية ام المفاوضات المرتبطة بالمشروع النووي، ام بالعلاقة مع الغرب. وفي الوقت الذي حاول البعض فيه اظهار حالة من المفارقة بين الاطروحات الاصلاحية والدور الذي يمارسه علماء الدين، فقد اكدت تطورات الساحة، ليس الايرانية فحسب، بل العراقية ايضا، ان المرجعيات الدينية الشيعية لا يمكن التقليل من أثرها علي الجماهير العريضة، وان الوجدان الشعبي يزداد ارتباطا بها في حالة التصدي السياسي. وليس خافيا ان رواد الاصلاح السياسي في ايران، والتحرر من الهيمنة الامريكية في العراق، هم ايضا من طبقة علماء الدين والفقهاء الكبار. فاذا كان آية الله السيستاني قد رفض حتي الآن، مقابلة اي مسؤول امريكي او بريطاني، فان راية الاصلاح التي رفعت في ايران كان روادها علماء دين مناضلين، بل ربما كان اغلبهم من شباب الثورة التي اطاحت بالشاه قبل اكثر من ربع قرن. نحن اذن امام مفارقات مهمة، عندما يتخيل البعض ان الدعوة الي الاصلاح تنطلق في اساسها من الرغبة في الحد من دور علماء الدين والمرجعيات الاسلامية في الشأن السياسي. والرئيس محمد خاتمي، الذي حمل راية الاصلاح، كان وزيرا للارشاد في حكومة هاشمي رفسنجاني ثلاث سنوات، وكان وما يزال واحدا من علماء الدين المناضلين المعروفين في ايران.
    الجولة الانتخابية الاولي لم تسفر عن رجحان كفة اي من المرشحين للفوز بالضربة القاضية وانهاء السباق في جولته الاولي، ولكنها رسمت معالم التوجه السياسي الايراني في المرحلة التالية للحكم الاصلاحي الذي ترأسه السيد محمد خاتمي. والواضح ان الرئيس الجديد، وهو احد المتنافسين الباقين، حجة الاسلام هاشمي رفسنجاني، ومحمود احمدي نجاد، سيكون اقرب الي التيار المحافظ منه الي التيار الاصلاحي. مع ذلك فلن يستطيع هذا الرئيس الجديد من تجاهل التركة الخاتمية، وهي تركة لا يمكن التقليل من شأنها في اعادة صياغة الثورة الاسلامية في اطر جديدة، تلتزم بالثوابت، ولكنها تمتلك من المرونة ما يجعلها قادرة علي استيعاب المفاهيم الحديثة في الحكم والادارة، والمواءمة بين الديمقراطية والاسلام، والتعايش بين الحضارات والاجناس، و أنسنة الممارسة السياسية. الرئيس خاتمي كان ظاهرة فريدة قلما يتكرر مثله. فقد تشبث بالاصلاح بما يتضمنه من توسيع دائرة الحريات واقامة حكم القانون، واحترام حقوق الانسان، ولكنه أطر حركته وأطروحاته بالدستور، ولم يخرج عليه ابدا، معتبرا ان الدستور هو الاطار العام للحكم الايراني، وانه الوثيقة بين الشعب والنظام لا يجوز المساس بها او التقليل من شأنها. وفي نظر البعض فقد كانت هذه السمة احدي معوقات حركته. ولم يخف الرئيس خاتمي رغبته الاكيدة في اجراء تعديلات دستورية قادرة علي استيعاب التجربة السياسية التي مرت بها الجمهورية الاسلامية، لكي تعيش التجربة الاسلامية العالم المعاصر، وتواكب مستجدات الفكر السياسي في ايران والعالم. واذا كانت اطروحة الديمقراطية الاسلامية التي طرحها الرئيس خاتمي ما تزال تختمر في عقول اصحابها، فان المثل الذي قدمه جدير بالاحترام والتقدير. فلم يتراجع عن الاصلاح، ولكنه لم يقبل بمبدأ المواجهة مع بقية أطراف الحكم، لعلمه ان الرئاسة ليست سوي واحد من تلك الاطراف، وان قوة النظام تتحقق بتكامل اطرافه وليس بتناحرهم. كما ان اطروحته لحوار الحضارات كانت ضربة معلم ، فقد طرحها علي العالم، ليس كأطروحة فكرية منفصلة عن الممارسة السياسية، بل كحصيلة تجربة سياسية امتدت اكثر من عشرين عاما، وطرحت من علي منبر الامم المتحدة، لتصبح واحدة من الاطروحات الدولية المعتمدة والموثقة من قبل المنظمة الدولية. ووجد الغرب نفسه في موقف صعب وهو يطرح بين الحين والآخر، شعارات تنطلق منها روائح التمزق الانساني والتفتت البشري، وتقديس العنف من خلال الحرب والدمار والمواجهات الحاسمة علي اساس مبدأ من ليس معنا فهو مع الارهاب . واستطاع الرئيس خاتمي، باطروحة حوار الحضارات، محاصرة الفكر السياسي الغربي، وخصوصا الامريكي، حتي اضطر بعض اساطنته (الغرب) لتغيير مواقفهم بشكل مذهل. ففيما كان فوكوياما يصر علي ان الليبرالية الديمقراطية تمثل ذروة العطاء الفكر البشري، وتوحي بوصول التاريخ الي نهايته، كانت اطروحة الرئيس خاتمي تؤسس لثقافة جديدة اثبتت التطورات اللاحقة، خصوصا تلك التي أعقبت حوادث 11 ايلول (سبتمبر)، انها أقرب الي الواقع والذوق الانساني من اطروحة الحرب والدمار التي تبناها المحافظون الجدد في واشنطن، ومن المفارقات ان يجد فوكوياما نفسه، وهو احد اعمدة تيار المحافظين الجدد، مضطرا لسحب الدعم عن الرئيس بوش، والدعوة لعدم اعادة انتخابه، الامر الذي اعتبر انقلابا علي مواقفه السابقة.
    التركة الخاتمية اذن ليست مهددة بالانقراض، ان علي صعيد الداخل الايراني او الخارج. فالتجربة الامريكية في العراق وما اعقبها من حرب ضد الارهاب لم تنجح في اقناع العالم بايجابية الطرح السياسي والعسكري المتشنج. حدث ذلك بعد ان وجد مروجو الليبرالية الغربية انفسهم في مواجهة مباشرة مع سياسات امريكا في غوانتانامو، وفي منظمة التجارة العالمية، وفي مشاريع الحفاظ علي البيئة، ومشاريع عولمة العدالة من خلال المحكمة الجنائية الدولية، وفي الممارسات التي تمت في ابوغريب. ولا يستبعد ان تشهد الفترة المقبلة اعادة احياء أطروحة حوار الحضارات مجددا لاحتواء انزلاق العالم نحو الحرب. اما علي صعيد الداخلي الايراني، فالرئيس الجديد سيحسم تحديد شخصه في الايام القليلة المقبلة. وهناك مؤشرات اكدتها شعارات المتنافسين علي الرئاسة الايرانية، توضح تنافسهم علي اظهار التمسك بالاصلاح واقامة حكم القانون، وتوسيع دائرة الحريات. وهذا يعني ان التركة الخاتمية لن تموت، لانها كانت منسجمة مع تطلعات الشعب الايراني، بالقدر نفسه الذي كانت ملتزمة فيه بمبادئ الثورة والانتماء الاسلامي. وبملاحظة تلك الشعارات، يمكن تسجيل بعض الاختلافات في حدة بعضها، والتركيز علي البعض الآخر، ولكنها كانت جميعا تتفق علي عدد من المباديء التي من بينها التمسك بالدستور الذي صوت الشعب عليه في الايام الاولي بعد الثورة، ورفض التدخل الخارجي بأي شكل، والحفاظ علي نظام الجمهورية الاسلامية. وبخصوص القضايا المهمة الاخري، فثمة توافق في ما بين المتنافسين حول المشروع النووي الايراني واعتباره مشروعا وطنيا ومصدر اعتزاز وفخر للمواطنين، بالاضافة الي القضايا المعاشية خصوصا البطالة التي تشكل ما يقرب من 25 بالمائة، ومحاربة الفساد والمحسوبية، واحترام دور المرأة. وربما القضية الاكثر اثارة للجدل هي العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية. ويري الغربيون ان فوز هاشمي رفسنجاني، فيما لو تحقق، سوف يكون يدفع جهود اعادتها الي الامام. فرفسنجاني يعتبر رجل المهمات الصعبة التي لا يقوي غيره علي القيام بها. فهو مهندس صفقة ايران ـ كونترا في 1986، التي تردد يومها ان ايران حصلت بموجبها علي صواريخ امريكية متطورة، وان امريكا حصلت في المقابل اموالا ايرانية مولت بها القوات الساندينية المعارضة لحكم اورتيغا، رئيس نيكاراغوا. وهو الذي استطاع اقناع الامام الخميني رحمه الله بوقف الحرب العراقية ـ الايرانية، الامر الذي عبر عنه الامام بانه كأس السم . رفسنجاني، بسبب تاريخه وتجربته، يستطيــــــع دفع الحوار ـ الامريكي الي الامام، واقناع القيادة بجدواه.
    لقد اعادت الانتخابات الايرانية عددا من الحقائق الي الاذهان: من بينها ان ايران من الدول القليلة التي تسمح بالتصويت لكل من بلغ الخامسة عشرة من العمر فما فوق، وهذه قاعدة غير معمول بها حتي في البلدان الغربية ذات التاريخ الديمقراطي العريق. ومنها ان ايران التزمت باجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل منتظم منذ انتصار الثورة، ولم تتأخر اي من الانتخابات حتي في ذروة الحرب العراقية ـ الايرانية. وان الرئيس لا يحق له الاستمرار في منصب الرئاسة اكثر من دورتين (اي ثماني سنوات)، وان للبرلمان ان يناقش التعيينات الوزارية واحدا واحدا، وليس ككتلة واحدة، وبالتالي فقد يوافق علي بعض التعيينات ويرفض الاخري.
    ولهذه الاسباب كان هناك انزعاج واسع في الاوساط الايرانية عندما اطلق الرئيس الامريكي تصريحاته قبيل الاقتراع، بانها تكرس القمع والاستبداد، وتضمنت تلك التصريحات دعوة للشعب الايراني للمقاطعة، فكان رد فعل المواطنين المشاركة علي نطاق واسع، الامر الذي يؤكد عمق الشعور الوطني لدي الشعب الايراني عموما. وسوف يكون الرئيس الجديد الذي سوف يتحدد بشكل نهائي في الدورة الثانية في الايام المقبلة، مثقلا الي رأسه بقضايا الداخل الايراني وتبعاتها الخارجية. وسوف يجد نفسه مطالبا بتطوير الخطاب الخاتمي اولا، والترويج له في صفوف التيار المحافظ الذي ينتمي اليه المرشحين بنسب متفاوتة (رفسنجاني ونجاد)، وتحريك ذلك التيار بشكل يتناغم مع التطورات الاجتماعية والفكرية في المجتمع الايراني. وليس من شك ان الانتخابات الرئاسية التاسعة كانت حاسمة في تحديد خيار الشعب الايراني، الذي كان بامكانه اعادة انتخاب رئيس محسوب علي التيار الاصلاحي، ولكنه اختار رئيسا محافظا، او قريبا جدا من التيار المحافظ. ومهما قيل حول الانتخابات ومدي نزاهتها، فقد كان لتدخل قائد الثورة، السيد علي خامنئي، بدعوته للسماح لبعض المرشحين من التيار الاصلاحي بالمشاركة، دوره في التخفيف من الانتقادات الدولية للعملية الانتخابية وصلاحيات مجلس صيانة الدستور.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X