إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

وكيف يسلك عباد الله الطريق إليهالجزاء (1)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وكيف يسلك عباد الله الطريق إليهالجزاء (1)

    اعلم أنّ كل شيء يهون بالنظر إلى ما فوقه ، وما هو أشدّ منه ، بل يضمحل ويفنى ، ولا يكون شيئاً مذكوراً. كالذي تشوكه شوكة فيلدغه عقرب ، فلا ريب أن الشوكة تكون عنده نسياً منسياً ، ولا ذكر لها عنده بوجه من الوجوه ، فالباري سبحانه وتعالى قد قهر كل شيء من الأشياء بوجود ما فوقه.

    انظر إلى عظمة أمير المؤمنين (ع) ، وشدة بأسه وبطشه ، وبلوغه في كل كمال أقصاه ومنتهاه ، كيف يتصاغر عند ذكر محمد(ص) ، ويقرّ على نفسه بالعبوديـة حيث قــال: أنـا عبــد من عبيد محمد (ص). الكافي : 1/89
    وهذه قاعدة محسوسة في سائر الممكنات والموجودات ، فإذا أردت أن تهون عليك الدنيا وشدائدها فانظر إلى ما هو أشد وأصعب ، وتأمّل أن لو أضيف إلى ما أنت فيه شدة أخرى مما هو أشدّ عليك كيف كنت تصنع ، فحينئذ يهون عليك ما أنت فيه بالنسبة إلى ما هو فوقه ، وترى تلك الحال نعمة وتقول:
    الحمد لله الذي لم يشدده عليَّ ، ولو شاء لفعل.

    وكذلك إذا أردت أن يهون عليك استحسان ما يتفق لك من الأعمال الحسنة ، بحيث تخلص من الابتهاج الذي هو مادة العجب والافتخار ، فانسبه إلى ما هو فوقه من الأعمال الحسنة مما يعملها من هو فوقك ، ومن هو أحسن منك.
    أو أنت إذا ترقيت عن المقام الذي أنت فيه ، فإنك ترى ذلك العمل ذنباً وتقصيراً يحتاج إلى الاعتذار ، وتستحي من نسبته إلى نفسك ، فضلاً عن افتخارك وابتهاجك به.

    وأنت إذا اعتدت هذه الحالة بإذن الله الكريم المتعال سرت إلى الله بلا انقطاع ، إذ ليس لمحبته غاية ولا نهاية ، إذ كلما تدرجت إلى مقام في الإخلاص والعمل ، شاهدت مقاماً أعلى وأبهى وأسنى وأرفع.....(1)
    --------------------------------------------------------------------------------
    (1) إنّ الإحساس بالتجليات الإلهية - التي هي من أهم الهبات في عالم الوجود - نِعْمَ العون على المسير ، فإنّ العبد كلما كُشف له الغطاء في هذا المجال ازداد شوقاً لما هو أجلى وأحلى ، إذ لا تكرار في التجلّي .. فلكلّ إطلالةٍ من عالم الغيب بهاءٌ وجذبٌ خاصٌّ للعبد تختلف على سابقته ، ومن هنا فإنّ الأولياء المتنعّمين بلذّة التجليات ، لا يكاد ينتابهم ضيقٌ في الحياة بكلّ مراراتها ، لأنّ لذّة الوصل يُنسيهم ألم كلّ فراقٍ ، ولو كان ذلك الفراق عند أهل الدنيا عظيماً.( المحقق )
    --------------------------------------------------------------------------------
    .....فإن كنت تريد النهاية به فليس هناك نهاية تصل إليها ، وتقف عندها ، وإن كنت تريد الوقوف من دون مانع عن الترقي فلا يسوغ لك ذلك ، إذ الكريم سبحانه يستدعيك بلطفه وَجُوده إلى القرب منه ، فبأي شيء تستبدل منه !.. وإلى أي شيء تتحول عنه !.. لقد خاب من رضي دونك بدلا ً، ولقد خسر من بغى عنك متحولاً.
    فحيث اتضح بصريح العقل أنه لا بدّ من السير إلى الله بسلوك سبيل طاعته بلا انقطاع ، فاعلم أن ذلك إنما يتم لك بأن تكون في وقوفك عن الطاعة ملاحظاً وجهاً آخر من وجوه الطاعة ، فإنّ الله سبحانه يحب الأخذ برخصته ، كما يحب الأخذ بعزائمه.

    فمن يكون طالباً لمحبة الله سبحانه وتعالى ، يفتح الله له هذا الباب بأن يجعل فعله للعبادة المندوبة الراجحة جالبا لمحبته عزّ وجلّ ، فإنها بالذات كذلك ، وكذلك يحصل بتركه لها في مقام يخشى على نفسه الملل والنفرة عن الطاعة - كما هو مقتضى الطبع البشري - مرخصاً فيه من الله ، وهو يحب الأخذ برخصته ، فيكون تركها جالبا لمحبته عزّ وجلّ بالعرض ، وإن لم يكن بحسب الذات كذلك.
    فيكون العبد متعرّضاً لمحبته عزّ وجلّ في فعله وتركه ، إنّ هذا لهو الفوز العظيم ، لمثل هذا فليعمل العاملون.

    ويشهد لهذا المعنى اختلاف المروي عن أمير المؤمنين (ع)وعن مولانا الحسن بن علي.
    فعن الأمير (ع) أنه : إذا عرض له أمران كلاهما رضى الله اختار أشدهما على نفسه ، وعن الحسن (ع) أنه يختار أسهلهما على نفسه.
    فالثاني من باب أنّ الله يحب أن يؤخذ برخصته كما يحب أن يؤخذ بعزائمه ، ومن باب الاقتصاد في العبادة ، ومن قولهم:

    إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ، ولا تُكرهوا إلى عباد الله طاعة الله. [ الكافي : 2/70 ] .. ومن باب مخادعة النفس بالجلب إلى طاعة الله.
    والأول وجهه ظاهر فإنه من باب المخالفة للنفس (2).....
    --------------------------------------------------------------------------------
    (2) إنّ تعبير المصنّف ( بكون مخالفة النفس مفتاح البركات ) ليس مبالغاً فيه ، إذ أنّ من قواعد السفر إلى الله تعالى التي لا تنخرم أبداً ، هي استحالة السير من دون السيطرة على زمام النفس ، إذ كيف يمكن سوق دابةٍ ولجامها بيد غير صاحبها .. وعليه فالخطوة الأولى في الحركة هو تطويع الوجود الإنساني بجوارحه وجوانحه للإرادة ، ومن المعلوم أنّ هذه المرحلة يمكن أن تعدّ قطعاً لنصف الطريق ، إذ أنّ الميل والشهوة والخيال من الأبواب التي تجرّ العبد إلى الهاوية مهما كان العبد جادّاً في قطع الطريق ، فإنّ الأمر لا يتمّ بالإيمان واليقين فضلاً عن الأماني .. ومن هنا قال الإمام الكاظم (ع) : وقد علمت أنّ أفضل زاد الراحل إليك عزمُ إرادة يختارك بها ، وقد ناجاك بعزم الإرادة قلبي . ( الإقبال ج3 ص277 ).( المحقق )
    --------------------------------------------------------------------------------
    .....الذي هو مفتاح البركات ، وكلاهما في مقام الإرشاد للعباد والهداية للخلق ، وإلا فمقاماتهم في أنفسهم بما تقصر عنه العقول والأحلام ، وهم أعرف بها.
    وكذلك لا بدّ لك من التروي في العمل والتدبر فيه حتى يتأتى إيقاعه على الوجه المطلوب ، وحتى يتحرر أنه منبعث عن داعي الإخلاص ، وذلك في الغالب يقتضي مدة ومهلة ، مع أن كل شيء أخرته فللشيطان فيه نظرة ، وللتأخير فيه آفات ، وفيه يُخشى الفوات.

    فإذا تعارض عليك هذان الأمران ، حيث إنك بالتأخر تخشى الفوات ، وبالتقديم والاستعجال تخشى فساد العمل بعدم التروي والتأمل ، ومخادعة الشيطان (لعنه الله) بإبرازه لك في صورة الطاعة ، وهو في الحقيقة لداعي النفس والشيطان فيكون من نوع المعصية.

    فطريق الخلاص من هذا التعارض ، أن تعلم أنّ التأخر الذي للشيطان فيه نظرة ، وفي الغالب أن يكون مفتوتاً للعمل ، إنما هو التأخــر عجــزاً وكسلا ً، وحرصا على المال ، ومحبة لأن يبقى في قبضتك ولا تنفقه فيخرج من يدك ، هذا هو التسويف المهلك للعالم ، وهذا لا شكّ في قبحه ، ووجوب مجاهدة النفس ومخادعتها لأن تسلم منه.

    وأما التأخّر لأجل التروي والإتقان ، فهو مطلوب ومحبوب ومأمور به من قبل ربّ العزّة ، فلا يستتبع ندامة ، ولا يكون مفوتاً للخير ، لأنك محسنٌ بامتثالك الأمور و{ ما على المحسنين من سبيل } . التوبة/91 (1)
    --------------------------------------------------------------------------------
    (3) إنّ معرفة التوقيت المناسب للإقدام أو الإحجام عن العمل ، يحتاج حقيقةً إلى بصيرةٍ وتسديدٍ من الله تعالى ، فلطالما فوتنا على أنفسنا المنافع العظيمة ، نظراً لعدم ترقّب الفرص التي تمرّ كما تمرّ السحاب ، فإنّ قطف الثمار في وقتها من هموم السالك.. فكم من الخسارة أن يستيقظ الزارع بعد موسم القطاف ، أو أثناء الموسم وقت ذبول الحصاد؟! ..( المحقق )
    --------------------------------------------------------------------------------
    مع ذلك إذا أردت أن تتقن الأمر وتضبطه ، فاجعل تأخيرك مقروناً بالتوكّل على الله ، في أن يمكّنك منه في الوقت الذي تؤخّره إليه ويعينــك ، واجعل تقديمك للشيء عند مجاذبة داعي الكسل والحرص إلى التأخير ، مقروناً بالتوكّل على الله في أن يعينك على إخلاص المشيئة فيه ، وإيقاعه على وجهٍ محبوبٍ إليه ، وجالبٍ لرضاه.
    فإذا قرنت الأمر بالتوكل في كل من التأخير والتقديم ، واجتهدت في تشخيص الداعي إلى التقديم والتأخير ، فإن كان هو الحرص على الشيء بالرغبة النفسانية والكسل ، والحرص على ما في يديك ، لم تنبعث لهذا الداعي الفاسد.

    وإن كان المحرّك على كلّ من التقديم والتأخير داع صحيح انبعث له ، فأنت محسنٌ في تقديمك وتأخيرك ، وما عليك من سبيل ، وأنت جالبٌ لمحبة الله بكلٍٍّ من التقديم والتأخير ، كالذي قدّمناه لك من أنك متعرّضٌ لمحبة الله في فعلك وتركك.
    فإن كان العبد متعرّضاً لمحبة الله بفعله وتركه ، وتقديمه وتأخيره ، تمّ له السير إلى الله بسلوك سبيل طاعته بلا انقطاع ، وحاشاه حاشاه أن يقطع من انقطع إليه وقرع بابه. (4)
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
ردود 2
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X