محاضرة للإمام القائد الغيب السيد موسى الصدر ( أعاده الله)لماذا تأخر المسلمون عن ركب التقدم العلمي والمادي (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المحاضرة هي تتمة للمحاضرة الأولى بعنوان أسباب تأخر المسلمين وفي القسم الأكبر منها أجوبة على أسئلة طرحت على سماحته وأهمها سؤال حول دور المهدي في تقدم أو تأخر المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم إذا قلنا أن سبب تأخر المسلمين هو عدم إقبالهم على العلم وعدم خوضهم للأجواء العلمية مع أنهم كانوا يوماً ما قادة العلم والحضارة في العالم؛ وإذا إستعرضنا بعض إنتاجهم ومكاسبهم العلمية الحضارية وقلنا أنهم تركوا النشاط العلمي فتأخروا؛
يأتي السؤال من جديد، لماذا تركوا النشاط العلمي؟ ونرجع نفتش عن السبب ماذا دهى المسلمين الذين كانوا يشتغلون في الحقل العلمي، ووضعوا خريطة العالم، وصنعوا البوصلة، وأكتشفوا قوانين النور، وأسسوا علم الكيمياء، وسائر المجالات العلمية؟ نقول كما ورد في بعض الأسئلة، أنهم تركوا ذلك فتأخروا. السبب يبقى كما هو لماذا تركوا؟ ما السبب في تأخرهم، وتركهم للخوض في المجالات العلمية؟ بعض الأسئلة تتهم المسلمين بأنهم تكاسلوا، والحقيقة أن هذا أيضاً شيء صحيح. الإسلام يدعو للعمل الدائم الدائب. والرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام يقول:''ولو أن عبداً مؤمناً قامت قيامته وبيده غرسة لغرسها قبل أن يموت''. يعني الإنسان المؤمن، الفلاح المؤمن، بيده غرسة وهو في الحقل جاءه الأجل ـ الإنسان العادي، بطبيعة الحال يستسلم للموت، فيمد رجليه نحو القبلة ويئن، ويطلب أهله، ويحزن على موته وأمثال ذلك ـ الرسول الأكرم يأبى ذلك للمؤمن فيقول، أن هذا الرجل كان عليه في هذه اللحظة الحرجة الباقية من الحياة أن يغرس هالغرسة ويموت، بأي شكل كان، ليس مهماً، على أي جنب كان في الله مضجعي، مثل ما بيقول الشعر، كان لازم يغرس. يعني هذه اللحظة الأخيرة من حياته يجب أن تتحول إلى حياة أخرى، إلى خلود، إلى غرس شجرة. الإسلام يقول العبادة سبعون جزءاً أفضلها العمل، ويعتبر أن العمل، أي عمل: الزرع، التجارة، البناء، عبادة يجب أن لا يفكر في النتائج والأرباح والمكاسب. والعمل بحد ذاته مقدس في الإسلام. وقد بلغ الحديث الشريف القمة حينما قال:''اعملْ لدنياك كأنك تعيش أبداً''يعني تأسيس الأمور لا كما فسروه سابقاً. إذن تهمل الدنيا وماشي الحال أنك باقٍ وبعدين تتمكن من التسويف! لا. ''إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً''يعني ضع شؤون الحياة، ومخطط الحياة وأسلوب العمران في الحياة كأنك تعيش أبداً. يعني ضع المخططات كأنك تعيش دائماً. هكذا! ضع الأمور، يعني شُغْل دائم، وجد. هذا الإسلام الذي كان طاقة من الحركة والحيوية والحياة والنشاط، تحول إلى الكسل واللامبالاة بالشغل، والدنيا ما لها إعتبارخليها للفساق الفجار. هذا سبب التأخر . نعود ونسأل لماذا هكذا. لماذا الإسلام، الذي كان طاقة من الحركة والحياة، تحول إلى الإسلام الكسول. السؤال باقٍ، وليس هذا جواباً. بعض الأسئلة الموجهة تريد أن توجهني بأنه هذا هو السبب لماذا أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، تحول مفهومه من المفهوم الحقيقي الذي هو الشغل الدائم الدائب إلى هذا المفهوم الإهمالي. أحياناً نسمع بعض الناس يفسرون الحديث الشريف أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، يعني: لا تبالي.. بكرة تعمل.. بعد بكرة تعمل.. حتى مفهوم الحديث تحول وانحرف . فهذا السؤال باقٍ ولم نستطع أن نجيب عن المشكلة بهذه الأجوبة. جانب ثانٍ من المشكلة، المرأة التي هي نصف المجتمع، المجتمع الذي يشتغل فيه الرجل والمرأة، والمجتمع الذي يشتغل فيه الرجل فحسب، بطبيعة الحال إنتاج الأول ضعفا إنتاج الثاني. والمرأة في أول الإسلام كانت تشتغل على الرغم من ضيق مجال الحياة. أين تشتغل وكيف تشتغل هذا بحث آخر. المرأة تحولت إلى عنصر معطل في حياة المسلمين، في المجتمع الإسلامي. بطبيعة الحال، دفعة واحدة، حذفنا من حساب البناء نصف العوامل البناءة، هذا هو السبب. السؤال يعود لماذا المرأة التي كانت عنصراً عاملاً في بناء المجتمع أُهملت، وبقيت جاهلة، وما تعلمت، وما شاركت، وتجنبت الخوض في المعارك الحياتية وليش تحولت المرأة؟ السؤال باقٍ. جانب ثالث من المشكلة، المسلمون كانوا يتصرفون بصدق وإخلاص. والصدق حينما نقول، لا نقصد الصدق في الكلام فقط بل الصدق في الوعد، الصدق في التعبير، الصدق في العمل. فلان صادق في قوله: يعني لا يكذب. فلان صادق في وعده، يعني ينفذ الوعد ولا يخلف. فلان صادق في عمله، يعني يتقن عمله ولا يقلل ولا ينقص ولا يهمل، والصدق أساس الإصلاح، صريح نص القرآن الكريم. ''يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم''[ الأحزاب/70 ] ( منتبهين لهذا الترابط). قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم. يصلح بالجزم يعني جزاء، يعني إذا كان قولكم سديداً، يعني فأعمالكم صحيحة، أو بتعبير أدق القول السديد يوصلكم الى العمل الصالح. بينما اليوم المسلمون فقدوا السداد في القول: يُسّلم فيكذب، يجامل ويكذب، يوعد فيخلف، يعمل فلا يتقن. الصدق في العمل إختفى لا صدق في العمل ولا صدق في الوعد، ولا صدق في القول. بطبيعة الحال عندما لا يوجد صدق في القول، العمل أيضاً ينهار. المعروف أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا مبتلي بمعاصٍ كثيرة فعلّمني على تجنب معصية واحدة لأني لا أطيق على ترك جميع المعاصي؛ فقال الرسول (صلعم ):''لا تكذب''. فهذا الشخص نوى على عدم الكذب ولكن لمس أن عدم الكذب ينتهي إلى جميع النشاطات الأخرى، إذا يريد أن يعمل عملاً مخالفاً، فكر أنه إذا سألني رسول الله ( صلعم ) هل عملت الشيء الفلاني أم لا. إذا كنت أريد أن أصدق فيجب أن لا أخالف وإذا كنت أريد أن أكذب فهذا مخالف لأمره، لذلك بدون هذه المخالفة. والحقيقة أن الصدق في العمل، الصدق في القول مصدر لجميع الخيرات، لأن الإنسان الذي يكذب أو يجامل، هذا الإنسان لا يحترم قوله، لا يحترم شهادته، لا يحترم كتابته والقول والشهادة والكتابة جزء منه. لأن هذه الكلمة التي تصدر عن لساني، هذا عصارة من طاقاتي، طاقاتي الجسدية طاقاتي الفكرية تتفجر وتتحول بصورة الكلمة ( مش هيك حتى هذا من الناحية العلمية مظبوط ). أي حركة تصدر من الإنسان، الحركة، حركة اليد ما هي إلا جزئيات من الجسد تتحول إلى حركات. فأي حركة هي نتيجة جزء مني. فالكلمة طاقة مادية وطاقة فكرية مقترنة، يعني مع كل كلمة أستهلك أنا جزء من جسدي وجزء من نفسي. فالذي لا يحترم كلمته، قوله هذا، لا يحترم نفسه. وهذا من مصادر البلاء لأنه نحن حينما نقول: نوعد ولا نفي، نقول ولا نصدق، نُشْهد حولنا الحقائق، لأن مقياس التلاقي؛ كما قلت في الليلة الأولى ووسيلة الحوار والتعاون؛ الكلمة. إذا لم أكن صادقاً، أصبح بناء المجتمع مهزوزاً ومزيفاً. الصدق في الكلام أساس من أسس الإصلاح، إذا قلنا أن سبب تأخر المسلمين أنهم فقدوا الصدق في الكلام، والصدق في الوعد، والصدق في العمل، نرجع نسأل أنه طيب لماذا المسلمون فقدوا الصدق في الكلام؟ يرجع السؤال ذاته. ذكرت هذه النقاط تمهيداً لبعض الأجوبة، حتى أؤكد على أنه نحن نفتش عن السبب الرئيسي للمشكلة: ما هو الذي جعل المسلمين يتركون العمل الدائم ويتكاسلون؟ ما هو السبب الرئيسي لأن يترك المسلمون العلم؟ ما هو السبب لخروج المرأة عن مسرح بناء المجتمعات عند المسلمين؟ ما هو السبب؟ هناك من يقول في الأسئلة: الإستعمار. أنا أتصور أن الإستعمار أثرَّ كثيراً في مجتمعنا، وأخَّر كثيراً تقدمنا وهدم كثيراً من ثرواتنا المادية والمعنوية، وأضعف كثيراً من معنوياتنا كله صحيح!! لكن ما الذي مكنّ الإستعمار من بلادنا؟ كيف تمكن الإستعمار أن يسيطر علينا؟ لو لم يكن عندنا نقص لو لم يكن يجد الإستعمار داخل مجتمعنا، مكاناً لوضع قدمه لما كنا إستعمرنا. فالسؤال يعود أيضاً بقسوته: فإذاً علينا أن نفتش عن السبب. السبب الرئيسي الذي كان وراء كل هذه الأسباب والأصول والفروع للمشكلة. نحن نعيش الآن وأمامنا ألف سبب للتخلف، ما هو السبب الأصلي للتخلف؟ هذه هي النقطة المطروحة للبحث وللتفكير. على ضوء هذا وبالنظر إلى الإيجاز الذي ذكرت الليلة الماضية حول السبب الأصلي وهو، ان الإسلام، الذي ينشد تربية الإنسان، إستعمل لأجل تربية الإنسان عنصرين لا يمكن الإستغناء عنهما: التوجيهات الفردية، وخلق المجتمع الصالح لأجل صيانة الفرد.. وعندما فقد المسلمون المجتمع الصالح ذابوا وأنحرفوا. هذه كلمة موجزة قلتها في أول الأمر، وطبعاً وراءها توضيح وتفاصيل أكثر. الآن نرجع إلى الأسئلة الموجهة إلينا من قبل الأخوان لعلنا نتمكن الليلة خلال ساعة، ساعتين، ثلاثة، مثل ما بدكم، حتى ننتهي من هذه الأسئلة والأجوبة، وليس في الإجتماع من شرط، وباستطاعتكم أن تدخنوا، فيكم تأخذوا حريتكم حتى لا تتعبوا. كل الأسئلة مهما كانت، حتى الأسئلة التي غير مرتبطة بمحاضرتنا نجاوب عليها باعتبار تصنيف هذه الأسئلة في غاية الصعوبة. نبدأ من الأول.. السؤال الأول:''سمعنا عن مجلس الجنوب وعن تقديم المساعدات والتعويضات وعن بناء المدارس والمستشفيات ولكننا لم نسمع شيئاً عن تسليح الجنوب أو وجود خط دفاع على المستوى المطلوب؟ نرجو من سماحتكم التوضيح ولكم الشكر؟ نحن في نشاطاتنا مع أخواننا، لخدمة الجنوب. هذه النشاطات بلغت القمة يوم الإضراب، وكانت مطالبنا عدة أشياء: تحصين الجنوب، تسليح، يعني المزيد من القوى الدفاعية، حسب تعبيركم أن الخط الدفاعي يكون على المستوى المطلوب، كذلك وتحسين الأوضاع الإجتماعية. في يوم الإضراب أقر مجلس النواب قانون ثلاثين مليون ليرة وأسس مجلس الجنوب. بطبيعة الحال هذا تلبية لمطلبنا الإجتماعي، يعني تحسين أوضاع الجنوب. على الرغم من المشاكل التي كانت قائمة ولا تزال؛ وهي الإهمال المزمن أولاً وعدم وجود دراسات شاملة للجنوب ثانياً وهذا الشخص الذي يدخل في المعركة يرى أنه بالنسبة لليطاني بعد كذا سنة! عشرين سنة! الخرائط المطلوبة للأرض غير موجودة. وثالثاً الأجهزة المهترئة؛ فكانت هذه التلبية، تلبية الثلاثين مليون ليرة وتأسيس مجلس الجنوب، تلبية سريعة، وما كان من الممكن أن نرفض هذه التلبية ونقول: أنتم غير صادقين في وعدكم، إلا في حالة واحدة، هذه الحالة أنه لو كنا بدنا نقوم بثورة. والثورة بحاجة إلى أجهزة، وبحاجة إلى مؤسسات، وبحاجة إلى نفر مش أفراد، وجماهير، قيادات وكوادر، ونشاطات منظمة. وإلا فالثورة لا تخدم إلا العدو في حالات الفوضى. ولذلك إعتبرنا أن تأسيس مجلس الجنوب وتخصيص ثلاثين مليون ليرة لهذا المجلس، تلبية لمطلب من المطاليب الثلاثة. مسألة التسليح العام ووجود الخط الدفاعي، إذا تذكرون أنه فور صدور القانون وفي اليوم الثالث، أصدرت بياناً وطالبت بإقرار هذا المبلغ لتسليح الجيش وشراء الصواريخ وغير ذلك. في اليوم الثالث من الإضراب طالبنا بوضع الأسلحة الكافية للدفاع عن الجنوب، وإن كان هذا الدفاع بشكل سريع ممكن ولكنها الخطوة العملية في هذا السبيل. يتبع مسيرة الامام السيد موسى الصدر 1970
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المحاضرة هي تتمة للمحاضرة الأولى بعنوان أسباب تأخر المسلمين وفي القسم الأكبر منها أجوبة على أسئلة طرحت على سماحته وأهمها سؤال حول دور المهدي في تقدم أو تأخر المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم إذا قلنا أن سبب تأخر المسلمين هو عدم إقبالهم على العلم وعدم خوضهم للأجواء العلمية مع أنهم كانوا يوماً ما قادة العلم والحضارة في العالم؛ وإذا إستعرضنا بعض إنتاجهم ومكاسبهم العلمية الحضارية وقلنا أنهم تركوا النشاط العلمي فتأخروا؛
يأتي السؤال من جديد، لماذا تركوا النشاط العلمي؟ ونرجع نفتش عن السبب ماذا دهى المسلمين الذين كانوا يشتغلون في الحقل العلمي، ووضعوا خريطة العالم، وصنعوا البوصلة، وأكتشفوا قوانين النور، وأسسوا علم الكيمياء، وسائر المجالات العلمية؟ نقول كما ورد في بعض الأسئلة، أنهم تركوا ذلك فتأخروا. السبب يبقى كما هو لماذا تركوا؟ ما السبب في تأخرهم، وتركهم للخوض في المجالات العلمية؟ بعض الأسئلة تتهم المسلمين بأنهم تكاسلوا، والحقيقة أن هذا أيضاً شيء صحيح. الإسلام يدعو للعمل الدائم الدائب. والرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام يقول:''ولو أن عبداً مؤمناً قامت قيامته وبيده غرسة لغرسها قبل أن يموت''. يعني الإنسان المؤمن، الفلاح المؤمن، بيده غرسة وهو في الحقل جاءه الأجل ـ الإنسان العادي، بطبيعة الحال يستسلم للموت، فيمد رجليه نحو القبلة ويئن، ويطلب أهله، ويحزن على موته وأمثال ذلك ـ الرسول الأكرم يأبى ذلك للمؤمن فيقول، أن هذا الرجل كان عليه في هذه اللحظة الحرجة الباقية من الحياة أن يغرس هالغرسة ويموت، بأي شكل كان، ليس مهماً، على أي جنب كان في الله مضجعي، مثل ما بيقول الشعر، كان لازم يغرس. يعني هذه اللحظة الأخيرة من حياته يجب أن تتحول إلى حياة أخرى، إلى خلود، إلى غرس شجرة. الإسلام يقول العبادة سبعون جزءاً أفضلها العمل، ويعتبر أن العمل، أي عمل: الزرع، التجارة، البناء، عبادة يجب أن لا يفكر في النتائج والأرباح والمكاسب. والعمل بحد ذاته مقدس في الإسلام. وقد بلغ الحديث الشريف القمة حينما قال:''اعملْ لدنياك كأنك تعيش أبداً''يعني تأسيس الأمور لا كما فسروه سابقاً. إذن تهمل الدنيا وماشي الحال أنك باقٍ وبعدين تتمكن من التسويف! لا. ''إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً''يعني ضع شؤون الحياة، ومخطط الحياة وأسلوب العمران في الحياة كأنك تعيش أبداً. يعني ضع المخططات كأنك تعيش دائماً. هكذا! ضع الأمور، يعني شُغْل دائم، وجد. هذا الإسلام الذي كان طاقة من الحركة والحيوية والحياة والنشاط، تحول إلى الكسل واللامبالاة بالشغل، والدنيا ما لها إعتبارخليها للفساق الفجار. هذا سبب التأخر . نعود ونسأل لماذا هكذا. لماذا الإسلام، الذي كان طاقة من الحركة والحياة، تحول إلى الإسلام الكسول. السؤال باقٍ، وليس هذا جواباً. بعض الأسئلة الموجهة تريد أن توجهني بأنه هذا هو السبب لماذا أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، تحول مفهومه من المفهوم الحقيقي الذي هو الشغل الدائم الدائب إلى هذا المفهوم الإهمالي. أحياناً نسمع بعض الناس يفسرون الحديث الشريف أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، يعني: لا تبالي.. بكرة تعمل.. بعد بكرة تعمل.. حتى مفهوم الحديث تحول وانحرف . فهذا السؤال باقٍ ولم نستطع أن نجيب عن المشكلة بهذه الأجوبة. جانب ثانٍ من المشكلة، المرأة التي هي نصف المجتمع، المجتمع الذي يشتغل فيه الرجل والمرأة، والمجتمع الذي يشتغل فيه الرجل فحسب، بطبيعة الحال إنتاج الأول ضعفا إنتاج الثاني. والمرأة في أول الإسلام كانت تشتغل على الرغم من ضيق مجال الحياة. أين تشتغل وكيف تشتغل هذا بحث آخر. المرأة تحولت إلى عنصر معطل في حياة المسلمين، في المجتمع الإسلامي. بطبيعة الحال، دفعة واحدة، حذفنا من حساب البناء نصف العوامل البناءة، هذا هو السبب. السؤال يعود لماذا المرأة التي كانت عنصراً عاملاً في بناء المجتمع أُهملت، وبقيت جاهلة، وما تعلمت، وما شاركت، وتجنبت الخوض في المعارك الحياتية وليش تحولت المرأة؟ السؤال باقٍ. جانب ثالث من المشكلة، المسلمون كانوا يتصرفون بصدق وإخلاص. والصدق حينما نقول، لا نقصد الصدق في الكلام فقط بل الصدق في الوعد، الصدق في التعبير، الصدق في العمل. فلان صادق في قوله: يعني لا يكذب. فلان صادق في وعده، يعني ينفذ الوعد ولا يخلف. فلان صادق في عمله، يعني يتقن عمله ولا يقلل ولا ينقص ولا يهمل، والصدق أساس الإصلاح، صريح نص القرآن الكريم. ''يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم''[ الأحزاب/70 ] ( منتبهين لهذا الترابط). قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم. يصلح بالجزم يعني جزاء، يعني إذا كان قولكم سديداً، يعني فأعمالكم صحيحة، أو بتعبير أدق القول السديد يوصلكم الى العمل الصالح. بينما اليوم المسلمون فقدوا السداد في القول: يُسّلم فيكذب، يجامل ويكذب، يوعد فيخلف، يعمل فلا يتقن. الصدق في العمل إختفى لا صدق في العمل ولا صدق في الوعد، ولا صدق في القول. بطبيعة الحال عندما لا يوجد صدق في القول، العمل أيضاً ينهار. المعروف أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا مبتلي بمعاصٍ كثيرة فعلّمني على تجنب معصية واحدة لأني لا أطيق على ترك جميع المعاصي؛ فقال الرسول (صلعم ):''لا تكذب''. فهذا الشخص نوى على عدم الكذب ولكن لمس أن عدم الكذب ينتهي إلى جميع النشاطات الأخرى، إذا يريد أن يعمل عملاً مخالفاً، فكر أنه إذا سألني رسول الله ( صلعم ) هل عملت الشيء الفلاني أم لا. إذا كنت أريد أن أصدق فيجب أن لا أخالف وإذا كنت أريد أن أكذب فهذا مخالف لأمره، لذلك بدون هذه المخالفة. والحقيقة أن الصدق في العمل، الصدق في القول مصدر لجميع الخيرات، لأن الإنسان الذي يكذب أو يجامل، هذا الإنسان لا يحترم قوله، لا يحترم شهادته، لا يحترم كتابته والقول والشهادة والكتابة جزء منه. لأن هذه الكلمة التي تصدر عن لساني، هذا عصارة من طاقاتي، طاقاتي الجسدية طاقاتي الفكرية تتفجر وتتحول بصورة الكلمة ( مش هيك حتى هذا من الناحية العلمية مظبوط ). أي حركة تصدر من الإنسان، الحركة، حركة اليد ما هي إلا جزئيات من الجسد تتحول إلى حركات. فأي حركة هي نتيجة جزء مني. فالكلمة طاقة مادية وطاقة فكرية مقترنة، يعني مع كل كلمة أستهلك أنا جزء من جسدي وجزء من نفسي. فالذي لا يحترم كلمته، قوله هذا، لا يحترم نفسه. وهذا من مصادر البلاء لأنه نحن حينما نقول: نوعد ولا نفي، نقول ولا نصدق، نُشْهد حولنا الحقائق، لأن مقياس التلاقي؛ كما قلت في الليلة الأولى ووسيلة الحوار والتعاون؛ الكلمة. إذا لم أكن صادقاً، أصبح بناء المجتمع مهزوزاً ومزيفاً. الصدق في الكلام أساس من أسس الإصلاح، إذا قلنا أن سبب تأخر المسلمين أنهم فقدوا الصدق في الكلام، والصدق في الوعد، والصدق في العمل، نرجع نسأل أنه طيب لماذا المسلمون فقدوا الصدق في الكلام؟ يرجع السؤال ذاته. ذكرت هذه النقاط تمهيداً لبعض الأجوبة، حتى أؤكد على أنه نحن نفتش عن السبب الرئيسي للمشكلة: ما هو الذي جعل المسلمين يتركون العمل الدائم ويتكاسلون؟ ما هو السبب الرئيسي لأن يترك المسلمون العلم؟ ما هو السبب لخروج المرأة عن مسرح بناء المجتمعات عند المسلمين؟ ما هو السبب؟ هناك من يقول في الأسئلة: الإستعمار. أنا أتصور أن الإستعمار أثرَّ كثيراً في مجتمعنا، وأخَّر كثيراً تقدمنا وهدم كثيراً من ثرواتنا المادية والمعنوية، وأضعف كثيراً من معنوياتنا كله صحيح!! لكن ما الذي مكنّ الإستعمار من بلادنا؟ كيف تمكن الإستعمار أن يسيطر علينا؟ لو لم يكن عندنا نقص لو لم يكن يجد الإستعمار داخل مجتمعنا، مكاناً لوضع قدمه لما كنا إستعمرنا. فالسؤال يعود أيضاً بقسوته: فإذاً علينا أن نفتش عن السبب. السبب الرئيسي الذي كان وراء كل هذه الأسباب والأصول والفروع للمشكلة. نحن نعيش الآن وأمامنا ألف سبب للتخلف، ما هو السبب الأصلي للتخلف؟ هذه هي النقطة المطروحة للبحث وللتفكير. على ضوء هذا وبالنظر إلى الإيجاز الذي ذكرت الليلة الماضية حول السبب الأصلي وهو، ان الإسلام، الذي ينشد تربية الإنسان، إستعمل لأجل تربية الإنسان عنصرين لا يمكن الإستغناء عنهما: التوجيهات الفردية، وخلق المجتمع الصالح لأجل صيانة الفرد.. وعندما فقد المسلمون المجتمع الصالح ذابوا وأنحرفوا. هذه كلمة موجزة قلتها في أول الأمر، وطبعاً وراءها توضيح وتفاصيل أكثر. الآن نرجع إلى الأسئلة الموجهة إلينا من قبل الأخوان لعلنا نتمكن الليلة خلال ساعة، ساعتين، ثلاثة، مثل ما بدكم، حتى ننتهي من هذه الأسئلة والأجوبة، وليس في الإجتماع من شرط، وباستطاعتكم أن تدخنوا، فيكم تأخذوا حريتكم حتى لا تتعبوا. كل الأسئلة مهما كانت، حتى الأسئلة التي غير مرتبطة بمحاضرتنا نجاوب عليها باعتبار تصنيف هذه الأسئلة في غاية الصعوبة. نبدأ من الأول.. السؤال الأول:''سمعنا عن مجلس الجنوب وعن تقديم المساعدات والتعويضات وعن بناء المدارس والمستشفيات ولكننا لم نسمع شيئاً عن تسليح الجنوب أو وجود خط دفاع على المستوى المطلوب؟ نرجو من سماحتكم التوضيح ولكم الشكر؟ نحن في نشاطاتنا مع أخواننا، لخدمة الجنوب. هذه النشاطات بلغت القمة يوم الإضراب، وكانت مطالبنا عدة أشياء: تحصين الجنوب، تسليح، يعني المزيد من القوى الدفاعية، حسب تعبيركم أن الخط الدفاعي يكون على المستوى المطلوب، كذلك وتحسين الأوضاع الإجتماعية. في يوم الإضراب أقر مجلس النواب قانون ثلاثين مليون ليرة وأسس مجلس الجنوب. بطبيعة الحال هذا تلبية لمطلبنا الإجتماعي، يعني تحسين أوضاع الجنوب. على الرغم من المشاكل التي كانت قائمة ولا تزال؛ وهي الإهمال المزمن أولاً وعدم وجود دراسات شاملة للجنوب ثانياً وهذا الشخص الذي يدخل في المعركة يرى أنه بالنسبة لليطاني بعد كذا سنة! عشرين سنة! الخرائط المطلوبة للأرض غير موجودة. وثالثاً الأجهزة المهترئة؛ فكانت هذه التلبية، تلبية الثلاثين مليون ليرة وتأسيس مجلس الجنوب، تلبية سريعة، وما كان من الممكن أن نرفض هذه التلبية ونقول: أنتم غير صادقين في وعدكم، إلا في حالة واحدة، هذه الحالة أنه لو كنا بدنا نقوم بثورة. والثورة بحاجة إلى أجهزة، وبحاجة إلى مؤسسات، وبحاجة إلى نفر مش أفراد، وجماهير، قيادات وكوادر، ونشاطات منظمة. وإلا فالثورة لا تخدم إلا العدو في حالات الفوضى. ولذلك إعتبرنا أن تأسيس مجلس الجنوب وتخصيص ثلاثين مليون ليرة لهذا المجلس، تلبية لمطلب من المطاليب الثلاثة. مسألة التسليح العام ووجود الخط الدفاعي، إذا تذكرون أنه فور صدور القانون وفي اليوم الثالث، أصدرت بياناً وطالبت بإقرار هذا المبلغ لتسليح الجيش وشراء الصواريخ وغير ذلك. في اليوم الثالث من الإضراب طالبنا بوضع الأسلحة الكافية للدفاع عن الجنوب، وإن كان هذا الدفاع بشكل سريع ممكن ولكنها الخطوة العملية في هذا السبيل. يتبع مسيرة الامام السيد موسى الصدر 1970