المهدي هل هو حي، أم سيولد بعد ذلك؟
السيد كمال الحيدري
تعتبر مسألة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) من المسائل الأساسية في بحث الإمامة الخاصة، ومن هنا ورد التركيز عليها في التراث الشيعي، بما يناسب موقعها المهم. كما إن فكرة مجيء المصلح في آخر الزمان. فكرة لا خلاف عليها بين علماء المسلمين عامة، حيث اتفقت كلمتهم إاّ من شذّ منهم، على أنه لا بد أن يأتي في آخر الزمان من يصلح الأرض، ويملأها قسطاً وعدلاً، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، وقد صرّح بأحاديث المهدي جمع غفير من علماء السنة(1).وصحح النيسابوري كثيراً من روايات المهدي وعبر عن طائفة منها بأنها صحيحة على شرط الشيخين ولم يخرّجاه(2).
وعبّر عن طائفة ثانية منها بأنها صحيحة على شرط مسلم ولم يخرّجه(3).
وعبّر عن طائفة ثالثة بأنها صحيحة الإسناد(4)، بل إن بعض الأعلام صرح بتواتر هذه الأحاديث كالأبري كما نقل ذلك المزمي والقرطبي، والعسقلاني، والسخاوي، والسيوطي، والمتقي الهندي، والبرزنجي(5)، وعشرات غير هؤلاء لا مجال لذكرهم في هذه العجالة ولم يقتصر الأمر على المتقدمين من علماء المسلمين، بل نجد ذلك واضحاً في كتابات المتأخرين أيضاً، حيث صرّح أهل التحقيق منهم، بصحة أحاديث المهدي، بل بتواترها(6) وقد ورد في معجم أحاديث الإمام المهدي ما يقرب من (200 رواية) عن رسول الله وأهل بيته تعرّضت لمختلف شؤون المهدي، كالأبحاث المتعلقة بمرحلة ما قبل ظهور المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) ثم ما يتعلق بشخصيته، وحركة ظهوره، وأحداثها، ثم ما يكون بعده(7).
إذاً فمسألة ظهور المهدي في آخر الزمان وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، مما لا ريب فيها، ولا مجال للتشكيك والتردد إزاءها.
ولقد أجاد بعض الكتّاب المعاصرين حيث قال: «إن في عالم الدجل، الكثير من الذين يدّعون العلم ويتاجرون بالورع، يريدون أن يجعلوا تراثنا خالياً من الهواء... لقد رفض فكرة المهدي رجال هناك، أمثال (غولد سابهر) و(فلهوزن) فاتبعهم رجال هنا من منطلق أنهم يأكلون كل طعام يأتي من هناك»(8).
نعم، الذي وقع الخلاف فيه بين علماء المسلمين، إنما هو في جهة أخرى من البحث، هي: هل المهدي حي ولكنه غائب ومستور؟، كما ذهب إلى ذلك أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تبعاً للروايات الصحيحة الورادة عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) أم سيولد بعد ذلك؟ كما هو الإتجاه العام عند مدرسة الخلفاء.
ومن هنا لا بد أن ينصبّ الحديث على إثبات أن المهدي المنتظر حي أم لا؟ ويمكن ذكر طريقين في هذه العجالة لإثبات حياته.
الطريق الأول: وهو الطريق غير المباشر، إن صح التعبير، وذلك بأن يقال: بعد أن ثبت ضرورة استمرار وجود معصوم، لا يفارق الكتاب ولا يفارقه الكتاب، كما هو نص حديث الثقلين، وأن هؤلاء المعصومين لا يتجاوز عددهم (12) كما هو مقتضى أحاديث (خلفائي من بعدي اثنا عشر)، وأن هؤلاء هم علي والحسن والحسين وتسعة من صلب الحسين (عليهم السلام) ينتهون بالمهدي المنتظر، كما هو نص عشرات الروايات من الفريقين، إذن يثبت بالدلالة الإلتزامية العقلية، إن الإمام الثاني عشر، حي يُرزق، لكنه غائب مستور عن الخلق لحكمة إلهية في ذلك.
ومن الواضح إن هذا الطريق يثبت لنا وجود إمام معصوم غائب، هو المهدي المنتظر ابن الحسن العسكري (عليه السلام) الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام).
وأود الإشارة إلى أن دعوى ضرورة وجود معصوم بعد رسول الله (ص) بل عدم خلو كل زمان من معصوم، ليس من مختصات مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) كما يتهم بعضٌ الشيعة الإمامية بذلك، بل هناك جملة من أعلام المسلمين، ذهبوا إلى ضرورة وجود معصوم في كل زمان(9).
نعم وقع الإختلاف في مصداق المعصوم وأنه من هو؟ حيث ذهب اتباع أهل البيت، تبعاً للآيات والروايات المتواترة، كما تقدمت الإشارة إليها، أن المقصود به هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين، مطهّرون معصومون»(1).
وذهب أتباع الخلفاء إلى أن المعصوم هو «إجماع الأمة»، كما قال الرازي في التفسير الكبير(11)، وتبعه في ذلك محمد عبده في تفسير المنار(12).
الطريق الثاني: وهو الطريق المباشر، ولكي يتضح ذلك جيداً لا بدّ من الإشارة إلى التسلسل الوارد في الروايات، لإثبات هذه الظاهرة الإلهية، وهذا ما أحصاه بعض المحققين المعاصرين(13):
1 الروايات التي تبشّر بظهوره (عجل الله فرجه): 657 رواية.
2 الروايات التي تبين أنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً: 123 رواية.
3 الروايات التي تثبت أن المهدي المنتظر من أهل البيت: 389 رواية.
4 الروايات التي تبين أنه من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام): 214 رواية.
5 الروايات التي تثبت أنه من ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام): 192 رواية.
6 الروايات التي تقول إنه من ولد الإمام الحسين (عليه السلام): 185 رواية.
7 الروايات التي تقول إنه التاسع من ولد الإمام الحسين (عليه السلام): 148 رواية.
8 الروايات التي تقول إنه من ولد علي بن الحسين (عليهما السلام): 185 رواية.
9 الروايات التي تقول إنه من ولد محمد الباقر (عليه السلام): 103 رواية.
10 الروايات التي تقول إنه من ولد الصادق (عليه السلام): 103 رواية.
11 الروايات التي تقول إنه السادس من ولد الصادق (عليه السلام): 99 رواية.
12 الروايات التي تقول إنه من ولد موسى بن جعفر (عليهما السلام): 101 رواية.
13 الروايات التي تقول إنه الخامس من ولد موسى بن جعفر (عليهما السلام): 98 رواية.
14 الروايات التي تقول إنه الرابع من ولد علي بن موسى الرضا (عليه السلام): 95 رواية.
15 الروايات التي تقول إنه الثالث من ولد محمد بن علي التقي (عليه السلام): 90 رواية.
16 الروايات التي تقول إنه من ولد علي الهادي (عليه السلام): 90 رواية.
17 الروايات التي تقول إنه ابن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام): 146 رواية.
18 الروايات التي تقول إنه الثاني عشر من الأئمة وخاتمهم: 136 رواية.
19 في ولادته (عليه السلام) وتأريخها وبعض حالات أمّه: 214 رواية.
20 في أنّ له غيبتين: 10 روايات.
21 في أن له غيبة طويلة: 91 رواية.
22 في أنه طويل العمر جداً: 318 رواية.
ولا شك أن روايات بعض هذه العناوين، قد تتداخل مع بعضها الآخر.
ولا يقال: بأن الإستدلال بروايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لإثبات إمامة أنفسهم وبيان خصائصها، وعدد الأئمة، وأنّ الثاني عشر حيّ، ونحو ذلك إنما يلزم منه الدور، لأن حجية أقوالهم موقوفة على إمامتهم وعصمتهم، والمفروض أنّ إمامتهم متوقفة على حجية أقوالهم. لأنه يقال: إنّ هذا الإشكال مدفوع ببيانين:
الأول: أننا بعد إثبات عصمتهم (وهو أمر ممكن بطرق عديدة) يمكن الإحتجاج والإستناد إلى أقوالهم لإثبات خصائص إمامة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)، ولا يلزم محذور في المقام، لاختلاف الموقوف عن الموقوف عليه فيرتفع الدور.
الثاني: أنه حتى لو لم تثبت عصمة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الرتبة السابقة، إلاّ أنه يمكن الإعتماد على رواياتهم وذلك من خلال أنّهم رواة ثقات عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فتكون حجية قولهم على حدّ حجية قول أصحاب رسول الله (ص) الذين قبل المسلمون عامة، الإعتماد على ما ينقلونه عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا أظن أن أحداً من المسلمين يتوقف في قبول مثل هذا الأمر بشأن أهل البيت (عليهم السلام) سواء فيما صرحوا فيه من الروايات، بأنهم ينقلونه عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أو التي لم يصرّحوا فيها بذلك، بل اكتفوا بالقاعدة الكلية التي بيّنوا فيها، أن حديثهم هو حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله»(14).
ولم نجد أحداً من المسلمين، شكك فيما نقل الإمام الباقر أو الإمام الصادق (عليهما السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع علمنا أن كثيراً من هؤلاء الذين سمعوا هذه الأحاديث من الأئمة (عليهم السلام) وقبلوها، ورؤوها، لم يكونوا يعتقدون بعصمة الأئمة (عليهم السلام) كاعتقاد الشيعة بهم، غير أنهم كانوا يعتقدون بأن هؤلاء في أعلى درجات التقى والعلم والوثاقة والصدق.
ولا يخفى أن هناك طرقاً أخرى لإثبات حياته (عجّل الله فرجه) كشهادة من رآه وهم جمّ غفير، وفيهم الثقات والعلماء فقد أحصى البعض (عدد من شاهد الإمام المهدي، فبلغوا زهاء 304 أشخاص)(15).
من هنا جاءت اعترافات عدد كبير من علماء السنة، تبين ولادة المهدي (عجّل الله فرجه) وقد أحصى الشيخ ايماني في كتابه (المهدي في نهج البلاغة) ما يزيد عن (100) شخصية صرحت بولادته (عجّل الله فرجه).
وكنموذج على ذلك، ما ذكره العلامة الشعراني الحنفي في كتابه القيّم (اليواقيت والجواهر) حيث قال: «فهناك يترقّب خروج المهدي (عليه السلام) وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري ومولده (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان سنة خمسة وخمسين ومائتين، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم (عليه السلام).
وبهذا تخرج مسألة الإيمان بالمهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) وأنه حيّ يُرزق، عن دائرة اتهام الشيعة باختلاقها وإيجادها في الفكر الإسلامي.
المصادر:
1 سنن الترمذي، ج4، ص505، مستدرك الحاكم، ج4 ص5مصابيح السنة: ص488 ح4199، النهاية في غريب الحديث والأثر ج5 ص2منهاج السنة: ج4 ص211 تلخيص المستدرك ج4 ص553 شرح المقاصد ج5 ص312 مجمع الزوائد ج7 ص314 313 أسنى المناقب في تهذيب أسنى المناقب: ص 168 163 اسعاف الراغبين ص154 الإذ 2 مستدرك الحاكم: ج4 ص554 557 457 464 442 249 3 مستدرك الحاكم: ج4 ص558 557 4 مستدرك الحاكم: ج4 ص558 465 5 تهذيب الكمال: ج25 ص5181 146، التذكرة ص701، تهذيب التهذيب: ج9 ص201 6 نظرة في أحاديث المهدي: ص 829 مقال نشرته مجلة التمدن الإسلامي دمشق 1370ه 1950م، محاضرة نشرت في مجلة الجامعة الإسلامية للشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، العدد الثالث السنة الأولى، 1388ه السعودية، البيانات للمودودي ص 116 حول المهدي مقال 644 نشرته مجلة التن الإسلامي 1371ه دمشق الإحتجاج بالأثر على ما أنكر المهدي المنتظر: ص71 70، الإحتجاج بالأثر للتويجري: كلمة التصدير، بقلم ابن باز ص3 7 معجم أحاديث الإمام المهدي: ج1 ص11 تأليف ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية 8 عقيدة المسيح الدّجال في الأديان، قراءة في المستقبل، تأليف سعيد أيوب دار البيان للطباعة والنشر ص361. 9 راجع التفسير الكبير، للامام الرازي ج16 ص220 وج10 ص1 10 أعلام الورى ص375. 11 التفسير الكبير ج10 ص150 وج16 ص221 2 12 تفسير القرآن الكريم الشهير بتفسير المنار للامام محمد رشيد رضا ج5 ص181 دار الفكر 13 منتخب الأثر، للصافي الكلبايكاني.
14 وسائل الشيعة ج27 ص83 15 من هو المهدي ص505 460 نقلاً عن كتاب دفاع عن الكافي ج1 ص562...20.
السيد كمال الحيدري
تعتبر مسألة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) من المسائل الأساسية في بحث الإمامة الخاصة، ومن هنا ورد التركيز عليها في التراث الشيعي، بما يناسب موقعها المهم. كما إن فكرة مجيء المصلح في آخر الزمان. فكرة لا خلاف عليها بين علماء المسلمين عامة، حيث اتفقت كلمتهم إاّ من شذّ منهم، على أنه لا بد أن يأتي في آخر الزمان من يصلح الأرض، ويملأها قسطاً وعدلاً، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، وقد صرّح بأحاديث المهدي جمع غفير من علماء السنة(1).وصحح النيسابوري كثيراً من روايات المهدي وعبر عن طائفة منها بأنها صحيحة على شرط الشيخين ولم يخرّجاه(2).
وعبّر عن طائفة ثانية منها بأنها صحيحة على شرط مسلم ولم يخرّجه(3).
وعبّر عن طائفة ثالثة بأنها صحيحة الإسناد(4)، بل إن بعض الأعلام صرح بتواتر هذه الأحاديث كالأبري كما نقل ذلك المزمي والقرطبي، والعسقلاني، والسخاوي، والسيوطي، والمتقي الهندي، والبرزنجي(5)، وعشرات غير هؤلاء لا مجال لذكرهم في هذه العجالة ولم يقتصر الأمر على المتقدمين من علماء المسلمين، بل نجد ذلك واضحاً في كتابات المتأخرين أيضاً، حيث صرّح أهل التحقيق منهم، بصحة أحاديث المهدي، بل بتواترها(6) وقد ورد في معجم أحاديث الإمام المهدي ما يقرب من (200 رواية) عن رسول الله وأهل بيته تعرّضت لمختلف شؤون المهدي، كالأبحاث المتعلقة بمرحلة ما قبل ظهور المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) ثم ما يتعلق بشخصيته، وحركة ظهوره، وأحداثها، ثم ما يكون بعده(7).
إذاً فمسألة ظهور المهدي في آخر الزمان وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، مما لا ريب فيها، ولا مجال للتشكيك والتردد إزاءها.
ولقد أجاد بعض الكتّاب المعاصرين حيث قال: «إن في عالم الدجل، الكثير من الذين يدّعون العلم ويتاجرون بالورع، يريدون أن يجعلوا تراثنا خالياً من الهواء... لقد رفض فكرة المهدي رجال هناك، أمثال (غولد سابهر) و(فلهوزن) فاتبعهم رجال هنا من منطلق أنهم يأكلون كل طعام يأتي من هناك»(8).
نعم، الذي وقع الخلاف فيه بين علماء المسلمين، إنما هو في جهة أخرى من البحث، هي: هل المهدي حي ولكنه غائب ومستور؟، كما ذهب إلى ذلك أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تبعاً للروايات الصحيحة الورادة عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) أم سيولد بعد ذلك؟ كما هو الإتجاه العام عند مدرسة الخلفاء.
ومن هنا لا بد أن ينصبّ الحديث على إثبات أن المهدي المنتظر حي أم لا؟ ويمكن ذكر طريقين في هذه العجالة لإثبات حياته.
الطريق الأول: وهو الطريق غير المباشر، إن صح التعبير، وذلك بأن يقال: بعد أن ثبت ضرورة استمرار وجود معصوم، لا يفارق الكتاب ولا يفارقه الكتاب، كما هو نص حديث الثقلين، وأن هؤلاء المعصومين لا يتجاوز عددهم (12) كما هو مقتضى أحاديث (خلفائي من بعدي اثنا عشر)، وأن هؤلاء هم علي والحسن والحسين وتسعة من صلب الحسين (عليهم السلام) ينتهون بالمهدي المنتظر، كما هو نص عشرات الروايات من الفريقين، إذن يثبت بالدلالة الإلتزامية العقلية، إن الإمام الثاني عشر، حي يُرزق، لكنه غائب مستور عن الخلق لحكمة إلهية في ذلك.
ومن الواضح إن هذا الطريق يثبت لنا وجود إمام معصوم غائب، هو المهدي المنتظر ابن الحسن العسكري (عليه السلام) الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام).
وأود الإشارة إلى أن دعوى ضرورة وجود معصوم بعد رسول الله (ص) بل عدم خلو كل زمان من معصوم، ليس من مختصات مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) كما يتهم بعضٌ الشيعة الإمامية بذلك، بل هناك جملة من أعلام المسلمين، ذهبوا إلى ضرورة وجود معصوم في كل زمان(9).
نعم وقع الإختلاف في مصداق المعصوم وأنه من هو؟ حيث ذهب اتباع أهل البيت، تبعاً للآيات والروايات المتواترة، كما تقدمت الإشارة إليها، أن المقصود به هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين، مطهّرون معصومون»(1).
وذهب أتباع الخلفاء إلى أن المعصوم هو «إجماع الأمة»، كما قال الرازي في التفسير الكبير(11)، وتبعه في ذلك محمد عبده في تفسير المنار(12).
الطريق الثاني: وهو الطريق المباشر، ولكي يتضح ذلك جيداً لا بدّ من الإشارة إلى التسلسل الوارد في الروايات، لإثبات هذه الظاهرة الإلهية، وهذا ما أحصاه بعض المحققين المعاصرين(13):
1 الروايات التي تبشّر بظهوره (عجل الله فرجه): 657 رواية.
2 الروايات التي تبين أنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً: 123 رواية.
3 الروايات التي تثبت أن المهدي المنتظر من أهل البيت: 389 رواية.
4 الروايات التي تبين أنه من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام): 214 رواية.
5 الروايات التي تثبت أنه من ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام): 192 رواية.
6 الروايات التي تقول إنه من ولد الإمام الحسين (عليه السلام): 185 رواية.
7 الروايات التي تقول إنه التاسع من ولد الإمام الحسين (عليه السلام): 148 رواية.
8 الروايات التي تقول إنه من ولد علي بن الحسين (عليهما السلام): 185 رواية.
9 الروايات التي تقول إنه من ولد محمد الباقر (عليه السلام): 103 رواية.
10 الروايات التي تقول إنه من ولد الصادق (عليه السلام): 103 رواية.
11 الروايات التي تقول إنه السادس من ولد الصادق (عليه السلام): 99 رواية.
12 الروايات التي تقول إنه من ولد موسى بن جعفر (عليهما السلام): 101 رواية.
13 الروايات التي تقول إنه الخامس من ولد موسى بن جعفر (عليهما السلام): 98 رواية.
14 الروايات التي تقول إنه الرابع من ولد علي بن موسى الرضا (عليه السلام): 95 رواية.
15 الروايات التي تقول إنه الثالث من ولد محمد بن علي التقي (عليه السلام): 90 رواية.
16 الروايات التي تقول إنه من ولد علي الهادي (عليه السلام): 90 رواية.
17 الروايات التي تقول إنه ابن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام): 146 رواية.
18 الروايات التي تقول إنه الثاني عشر من الأئمة وخاتمهم: 136 رواية.
19 في ولادته (عليه السلام) وتأريخها وبعض حالات أمّه: 214 رواية.
20 في أنّ له غيبتين: 10 روايات.
21 في أن له غيبة طويلة: 91 رواية.
22 في أنه طويل العمر جداً: 318 رواية.
ولا شك أن روايات بعض هذه العناوين، قد تتداخل مع بعضها الآخر.
ولا يقال: بأن الإستدلال بروايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لإثبات إمامة أنفسهم وبيان خصائصها، وعدد الأئمة، وأنّ الثاني عشر حيّ، ونحو ذلك إنما يلزم منه الدور، لأن حجية أقوالهم موقوفة على إمامتهم وعصمتهم، والمفروض أنّ إمامتهم متوقفة على حجية أقوالهم. لأنه يقال: إنّ هذا الإشكال مدفوع ببيانين:
الأول: أننا بعد إثبات عصمتهم (وهو أمر ممكن بطرق عديدة) يمكن الإحتجاج والإستناد إلى أقوالهم لإثبات خصائص إمامة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)، ولا يلزم محذور في المقام، لاختلاف الموقوف عن الموقوف عليه فيرتفع الدور.
الثاني: أنه حتى لو لم تثبت عصمة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الرتبة السابقة، إلاّ أنه يمكن الإعتماد على رواياتهم وذلك من خلال أنّهم رواة ثقات عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فتكون حجية قولهم على حدّ حجية قول أصحاب رسول الله (ص) الذين قبل المسلمون عامة، الإعتماد على ما ينقلونه عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا أظن أن أحداً من المسلمين يتوقف في قبول مثل هذا الأمر بشأن أهل البيت (عليهم السلام) سواء فيما صرحوا فيه من الروايات، بأنهم ينقلونه عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أو التي لم يصرّحوا فيها بذلك، بل اكتفوا بالقاعدة الكلية التي بيّنوا فيها، أن حديثهم هو حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله»(14).
ولم نجد أحداً من المسلمين، شكك فيما نقل الإمام الباقر أو الإمام الصادق (عليهما السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع علمنا أن كثيراً من هؤلاء الذين سمعوا هذه الأحاديث من الأئمة (عليهم السلام) وقبلوها، ورؤوها، لم يكونوا يعتقدون بعصمة الأئمة (عليهم السلام) كاعتقاد الشيعة بهم، غير أنهم كانوا يعتقدون بأن هؤلاء في أعلى درجات التقى والعلم والوثاقة والصدق.
ولا يخفى أن هناك طرقاً أخرى لإثبات حياته (عجّل الله فرجه) كشهادة من رآه وهم جمّ غفير، وفيهم الثقات والعلماء فقد أحصى البعض (عدد من شاهد الإمام المهدي، فبلغوا زهاء 304 أشخاص)(15).
من هنا جاءت اعترافات عدد كبير من علماء السنة، تبين ولادة المهدي (عجّل الله فرجه) وقد أحصى الشيخ ايماني في كتابه (المهدي في نهج البلاغة) ما يزيد عن (100) شخصية صرحت بولادته (عجّل الله فرجه).
وكنموذج على ذلك، ما ذكره العلامة الشعراني الحنفي في كتابه القيّم (اليواقيت والجواهر) حيث قال: «فهناك يترقّب خروج المهدي (عليه السلام) وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري ومولده (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان سنة خمسة وخمسين ومائتين، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم (عليه السلام).
وبهذا تخرج مسألة الإيمان بالمهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) وأنه حيّ يُرزق، عن دائرة اتهام الشيعة باختلاقها وإيجادها في الفكر الإسلامي.
المصادر:
1 سنن الترمذي، ج4، ص505، مستدرك الحاكم، ج4 ص5مصابيح السنة: ص488 ح4199، النهاية في غريب الحديث والأثر ج5 ص2منهاج السنة: ج4 ص211 تلخيص المستدرك ج4 ص553 شرح المقاصد ج5 ص312 مجمع الزوائد ج7 ص314 313 أسنى المناقب في تهذيب أسنى المناقب: ص 168 163 اسعاف الراغبين ص154 الإذ 2 مستدرك الحاكم: ج4 ص554 557 457 464 442 249 3 مستدرك الحاكم: ج4 ص558 557 4 مستدرك الحاكم: ج4 ص558 465 5 تهذيب الكمال: ج25 ص5181 146، التذكرة ص701، تهذيب التهذيب: ج9 ص201 6 نظرة في أحاديث المهدي: ص 829 مقال نشرته مجلة التمدن الإسلامي دمشق 1370ه 1950م، محاضرة نشرت في مجلة الجامعة الإسلامية للشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، العدد الثالث السنة الأولى، 1388ه السعودية، البيانات للمودودي ص 116 حول المهدي مقال 644 نشرته مجلة التن الإسلامي 1371ه دمشق الإحتجاج بالأثر على ما أنكر المهدي المنتظر: ص71 70، الإحتجاج بالأثر للتويجري: كلمة التصدير، بقلم ابن باز ص3 7 معجم أحاديث الإمام المهدي: ج1 ص11 تأليف ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية 8 عقيدة المسيح الدّجال في الأديان، قراءة في المستقبل، تأليف سعيد أيوب دار البيان للطباعة والنشر ص361. 9 راجع التفسير الكبير، للامام الرازي ج16 ص220 وج10 ص1 10 أعلام الورى ص375. 11 التفسير الكبير ج10 ص150 وج16 ص221 2 12 تفسير القرآن الكريم الشهير بتفسير المنار للامام محمد رشيد رضا ج5 ص181 دار الفكر 13 منتخب الأثر، للصافي الكلبايكاني.
14 وسائل الشيعة ج27 ص83 15 من هو المهدي ص505 460 نقلاً عن كتاب دفاع عن الكافي ج1 ص562...20.