مشكلة ارامل الحرب
المشكلات النفسية والاجتماعية للأرملة
وفقدان القرين/ الزوج المرتبط بالحرمان من الحب هو من اشد العوامل المؤثرة على الحالة النفسية للمرأة وتهيئتها للاصابة بالاضطرابات نتيجة الضغوط النفسية. وقد اختلف الباحثون في تحديدهم للعوامل التي تسبب اختلال البيئة النفسية للارملة واصابتها بالامراض السايكوباثية، فمنهم من يرى تعدد الادوار هو اصل المشكلات النفسية التي تعتري حياة المرأة عندما تفقد زوجها، اذ قد تخلق هذه التعددية تناقضاً في الادوار فقيام المرأة بدور الاب يمكن ان يتناقض مع اصالة دورها كام مما يسبب لها اضطرابات نفسية. من جهة اخرى فان التعددية في اداء الادوار قد تؤدي الى اجهاد الدور الاصلي والنقص في كفاءة الاداء مما يسبب بعض الاعراض العصابية لدى النساء في هذا الوضع. قد تتمثل المشكلة التي تواجهها المرأة في صعوبة الجمع بين دورين فممارسة دورين داخل البيت وخارجه في حالة كون المرأة تعيل اسرتها، هو من العوامل المؤدية الى العصاب.
غير ان فئة اخرى من الباحثين ترى ان ما يسبب اضطراب الوضع النفسي للمرأة فاقدة الزوج هو الشعور بالوحدة المترتبة على موت الرجل اذ وجد ان هناك علاقة بين شعور الارامل بالكآبة وبين الاحساس بالوحدة التي تعانيها هذه الفئة.
ولعل هذه العوامل مجتمعة يضاف اليها الحاجات النفسية التي تظهر نتيجة لفقدان الزوج وما يسببه الفشل في اشباعها من شعور بالعجز والضعف. كل هذه الظروف يمكن ان تؤدي الى اختلال البنية النفسية للارملة وتعرضها للاصابة بالكثير من الامراض العصابية.
المشكلات الاجتماعية
تشكل الظروف الاجتماعية المتمثلة بالعادات والقيم والموروث الثقافي عبئاً على المرأة ان تتحمل وزره عندما تفقد زوجها ولاسيما في المجتمعات الابوية اذ فضلاً عن مستويات الحرمان والاعباء النفسية الناشئة عن فقدان القرين ياتي المجتمع ليعيد صياغة واقعها على وفق تقنين مجحف يفاقم من حجم ازمتها، فيضع، ممثلاً بهيئاته وقوة معاييره - للحزن ويفرض على المرأة ان تعيشها بذل تفاصيلها وتتجلى هذه التقاليد في مراسيم وطقوس توجب على المرأة الانعزال والصمت وتجنب الاخرين وانغلاق حدود العائلة وغيرها من الاجراءات التي تؤدي الى محدودية النشاطات الاجتماعية والى التعامل مع الحزن بخصوصية تعمل على تضخيم مشكلتها وتهديد أمنها النفسي وصحتها النفسية.
ويعكس هذا السيناريو الطريقة التي ينظر بها المجتمع للنساء فاقدات الزوج (وتقع من ضمن هذه الفئة العوانس والمطلقات) وتعد من اهم العقبات امام تجاوز المرأة لازمتها واضطلاعها بالمسؤوليات الجديدة وبالكفاءة التي يتطلبها الوضع العائلي الجديد -بعد موت الأب-.
كما ترتبط بالموقف الاجتماعي العام والوصمة التي دمغ بها المجتمع النساء والمرأة (الثيب) بشكل خاص، تلك الوصمة التي قد تتحول الى ممارسات تعسفية تضع المرأة الوحيدة امام احتمالين، فهي اما ان تنعزل وتتحدد في اطر عائلية ضيقة تحد من افقها وامكانية نموها، وهو ما يؤدي الى تكوين اتجاهات سلبية نحو الناس، او انها تتعايش مع تلك الصورة السلبية التي صور بها المجتمع الثيب ويؤكدها فتتصرف على اساس انجرافي وهو ما يعزز النظرة المرتابة والمشككة بالارملة ويؤكدها.
-الدراسة الميدانية-
أولاً: الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لوحدات العينة
تمثل زوجات ضحايا الحرب في بغداد ومحافظات العراق المجموعة الاحصائية المراد استجوابها. ولاعطاء صورة واضحة عن واقع هذه الفئة وفهم وضعهن، سنعرض لاهم الخصاص المتعلقة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي اعتمدت كمتغيرات مستقلة في الدراسة. وتضم هذه الخصائص العمر، التعليم، الحالة المهنية، الحالة الزوجية، الحالة الامومية، الوضع المادي وعدد افراد الاسرة، حيث اتصفت عينة البحث بالخصائص الاتية:
العمر
يتضح ان وحدات العينة تتركز ضمن الفئة العمرية35 الى49 سنة حيث تتوزع بشكل متقارب ضمن ثلاث فئات اساسية تفصل كل فئة عن الاخرى خمس سنوات وقد يبدو هذا التوزيع واقعاً لان الحرب انتهت قبل اكثر من ثلاثة عشر عاماً لذلك فان معظم الزوجات قد تجاوزن الثلاثين. كما ان غلبة هذه الفئة من الناحية العددية يشير الى ان معظم وحدات العينة هن ممن فقدن ازواجهن في الحرب مع ايران مع وجود حالات قليلة لنساء فقدن ازواجهن اثناء حرب الخليج.
وتشير القراءة الاجتماعية لهذا التوزيع ان اغلبية ارامل الحرب هن في عمر يتكامل فيه النضج الانفعالي والعقلي والعاطفي مع ملاحظة ان نسبة كبيرة منهن مهيئات للزواج مجدداً من الناحية البايولوجية اما الحالة الاجتماعية فنلاحظ ان الفئة الغالبة من ارامل الحرب90.5% لم يتزوجن ثانيةً وان9.5% قد اتيحت لهن فرصة للزواج مجدداً.
وقد يكون لذلك دلالاته الاجتماعية مثلما له انعكاساته ايضاً. اذ يشير من جهة الى احجام المجتمع ممثلاً بذكوره وعدم تشجيعه للزواج من الارامل بسبب ما علق في العقل الجمعي من موروث ثقافي يشجب الارتباط بالثيب والصورة السلبية التي شكلتها الثقافة عن النساء اللواتي يفقدن ازواجهن. هذا فضلاً عن الموانع الاجتماعية والنفسية التي تجعل المرأة ترفض الزواج مجدداً والتي تؤدي فيها نظرة المجتمع الدور الاساسي، وكما سيتم عرضه لاحقاً. من جهة اخرى يؤشر بقاء الارامل وحيدات الى وجود مشكلات اجتماعية ونفسية وعاطفية كما قد يعبر عن اتجاهات نحو الذات ونحو الاخرين غير صحية في ابسط توصيف لها.
الوضع المهني لارامل الحرب
على الرغم من ان جميع وحدات العينة هن في سن العمل والمحدد بحسب تقارير التنمية البشرية بـ14 الى59 سنة الا ان ما يزيد على نصف حجم العينة هن من ربات البيوت اذ بلغت نسبتهن52.5% في حين بلغت نسبة العاملات47.5%،42% موظفات في القطاع الحكومي و5.5 منهن ضمن القطاع الخاص، وتشير هذه النسبة الى مجموعة من المسائل لعل اهمها هو ان نسبة كبيرة من الأرامل لديهن وقت فراغ لاسيما وان الابناء -ان وجدوا- قد تجاوزوا مرحلة الطفولة المبكرة وذلك لابتعاد “الحدث الماثل” بالحرب زمنياً عن وقت اجراء الدراسة.
كما تشير هذه النسبة الى عدم وجود، او ضعف، المؤهلات التعليمية والمهنية التي زودت بها المرأة لمواجهة متطلبات الحياة المعيشية وخروجها الى سوق العمل، لاسيما وان الحصار قد فرض مساهمة المرأة فاقدة المعيل في سوق العمل اذ ان التضخم النقدي الحاصل والغلاء المعيشي قد قوّض من قيمة ما تعهدت به الدولة من رواتب شهرية تكفل الأرملة وابناءها وللبقاء في مستوى اقتصادي معين فضلاً عن ان وجود هذه النسبة خارج قوة العمل قد كرست تبعيتها من الناحية المادية للاخر سواء كان من اهل الزوج او اهل الزوجة وهذا يعني اضعاف قدرتها على اتخاذ القرار والتمرس بشؤون حياتها.
ويلاحظ ايضاً من النسبة الضئيلة للعاملات في القطاع الخاص، ابتعاد النساء عن العمل ضمن هذا القطاع على الرغم من ان الاجور المستحصلة هي اعلى نسبياً من القطاع العام وقد يعود السبب الى خوف المرأة من الاستغلال لما عرف عن واقع هذه المهن من احتمالية خضوع النساء للمساومة من قبل ارباب العمل، فضلاً عما يمكن ان تجلبه المهن في هذه القطاع من سمعة توصم المرأة الارملة وتضعها في خانة من الواضح انها تتجنبها. وهذا قد يكون سبباً في تمنع هذه الفئة من العمل ضمن هذا القطاع والصادر اما عن مخاوفهن الشخصية او مخاوف الاهل التي تفرض عليهن ملازمة المنزل وتجنب التصنيفات الاجتماعية.
وثمة عامل اخر يمكن ان يقف وراء تعاظم نسب ربات البيوت تتمثل في الرواتب المجزية التي منحت “لأرملة الحرب” قبل الحصار الاقتصادي والتي عفتها من مزاولة أي مهنة بانتفاء الحاجة المادية واستمرارية هذا الوضع جعلها تعتاد على كونها ربة بيت مما صعب من احتمالية عودتها او نزولها الى العمل عندما اقتضت الحاجة بعد ذلك.
وقد كان لهذا الوضع اثار يمكن وصفها بالسلبية على حياة وشخصية هذه الفئة اذ فضلاً عن التبعية الاقتصادية للاخرين، وبقائها في وضع ومستوى اقتصادي وصفته العينة بانه متوسط الا ان الامر قد يكون اصعب من ذلك، فان حرمانها من العمل قد حدّ من فرص نمو شخصيتها لما قد يتيحه واقع الحياة المهنية من خبرات وتجارب وعلاقات تنمي القدرات المعرفية والشخصية للمرأة. فضلاً عما يتيحه العمل لها من فرصة للخروج والتخلص من الاعباء المنزلية ومشكلات الاولاد، والتعرف على مشاكل العالم حولها(1)، مما قد يحصنها ضد الاحساس بالالم الناتج عن فقدان الزوج والملل الناجم عن التعطل في البيت.
الوضع الأُسري
تم اعتماد التسمية اعلاه في توصيف الوضع الامومي لارامل الحرب فيما اذا كان لهن ابناء او من دون ابناء “ذكوراً واناثاً” وذلك لان وجود الابناء يعني استمرارية قيام الاسرة حتى بعد فقدان الزوج كما يعني ان ادواراً اضافية ستتحملها المرأة في هذه الحالة -دورها كأم ودورها كأب ومن ثم تفاقم حجم مسؤولياتها، وأيضاً يعني ارضاء لحاجة المرأة العاطفية والمتمثلة في غريزة الامومة، وخلافاً لذلك أي في حالة عدم وجود الابناء فان اسرة بالمعنى السوسيولوجي “تتكون من امرأة ورجل على الاقل” لم يعد لها وجود وانها اي الارملة تعود الى ما كانت عليه في اسرتها التوجيهية بوصفها كائناً مفرداً.
ويتضح من ان نسبة92% من الارامل يمكن ان تصفها بانها اسرة لوجود الابناء ذكوراً او اناثاً “صغاراً او كباراً” وان8% من عينة البحث الاساسية دون ابناء.
ويترتب على النتيجة اعلاه مجموعة من الامور لعل من اهمها ان نسبة كبيرة من الارامل اصبحن معيلات لاسرهن “المتكونة عن الزواج المقوض بالاستشهاد” وان عليهن ان يؤدين ادواراً متعددة قد تتناقض احياناً وقد تجهد المرأة وتؤثر على ادائها لوظيفتها ودورها الانساني(2) مما قد يكون له انعكاساته على الابناء كما ان وجود الابناء في حياة الأرملة وبالنسبة لغالبية وحدات العينة يعني انخفاضاً في فرص الزواج لديهن اذ يمثل هذا المتغير من اهم العوائق التي تحول دون الزواج مجدداً.
المستوى الاقتصادي
يشير المستوى الاقتصادي لوحدات العينة الى مجموعة من المتغيرات التي تحدد المستوى المعيشي ونمط الحياة الاجتماعية لمجتمع البحث والذي يؤثر في تحديد الادوار الاجتماعية وما يرتبط بها من حقوق وواجبات ومكانة اجتماعية، وفيما يتعلق بالدراسة الحالية يكتسب هذا المتغير اهمية كبيرة لارتباطه بالفئات الاكثر حاجة “الارامل” اذ تتمحور حول هذا المتغير اغلب المشكلات والصعوبات التي تترتب عن فقدان الزوج المعيل.
ومن ذلك يتبين: ان نسبة20.5% من وحدات العينة “يقيمن ويصفن مستواهن الاقتصادي بانه فقير” و65.5% تصنف نفسها بانها متوسطة في حين ان6% فقط تضع نفسها فوق المتوسط و8% تعتقد انها ميسورة من الناحية المادية.
وتشير النسب اعلاه الى ان اغلب وحدات العينة هنّ فقيرات او متوسطات الحال مع الاخذ بالحسبان ان الفئة المتوسطة -وهنّ الغالبية- يفتقدن الى معيار لتصنيف وضعهن ومن مراجعة اجابات هذه الفئة بشأن المشاكل التي تعترض حياتهن وجدنا ان معظمهن يعانين من مشكلات اقتصادية. وبناء على المؤشرات الانفة يمكن القول ان الترمل بافقار المرأة او تفقيرها والناتج عن فقد المعيل اولاً، وعما تركته الحرب والحصار الاقتصادي من افقار للمرأة العراقية بوجه عام ثانياً، حيث افرزت ثلاثة مستويات او فئات هنّ النساء المعيلات لاسرهن وتقع ضمن هذه الفئة الارامل. والنساء اللواتي يعملن في القطاع الهامشي والنساء اللواتي يعملن بالقطاع الزراعي. ونعزز هذه النتيجة على ما جاء في دراسة “عبء الفقر لدى النساء المعيلات لاسرهن”(3)، حيث توصلت الى ارتباط ظاهرة الاعالة ومن ثم الفقر بحالة ترمل المرأة اذ تصل نسبتها الى63.9%.
الحالة السكنية:
تفيد القراءة الاجتماعية ان الوضع السكني لارامل الحرب يتوزع ما بين السكن المستقل اذ بلغت نسبة اللواتي يسكن مستقلات63% في حين ان30.5 من وحدات العينة تسكن مع اهل الزوجة و6.5% تسكن مع اهل الزوج وتؤشر النسب الواردة حول سكن ارامل الحرب تأثير القيم والعادات على تحديد مسار وشكل الواقع الذي على الارملة ان تعيشه ابتداء من مرجعيتها من حيث السكن فعلى الرغم من ان النسبة الغالبة من هذه الشريحة تعيش في سكن مستقل الا ان نسبة لا بأس بها تعيش في حماية اسرة الام جرياً على التقاليد المعروفة في المجتمع العراقي حول عائدية المرأة الى اهلها بعد وفاة الزوج. وذلك خشية على سمعتها وسمعة العائلة.
كما تشير الى اقصاء زوجة الابن عن اهل الزوج بعد وفاة الابن، فوجود نسبة ضئيلة من نساء يعشن مع اهل الزوج انما تؤشر على مدى التضامن الاجتماعي والاسناد الذي تقدمه عائلة الزوج المتوفى الى ارملة الابن ذلك التضامن الاسري الذي يمثل المجال الحيوي لتكوين السلوك السليم سواء بالنسبة للارملة او لأبنائها.
المستوى التعليمي
اشارت نتائج الدراسة الميدانية، الى ان وحدات العينة توزعت على المستويات التعليمية المختلفة وبنسب متقاربة وصلت اعلاها في الفئة الاولى اذ بلغت نسبة النساء غير المتعلمات19.5% تلتها الحاصلات على شهادة معهد18% ثم الحاصلات على شهادة ابتدائية بنسبة16.5% ومن ملاحظة هذه النسب يتبين:
ان الفئات الغالبة من العينة ذات تعليم واطئ “ابتدائية، امية، تقرأ وتكتب، متوسطة” وان(11%) فقط تم تعليمهن تعليماً متوسطاً في حين ان25% فقط تمتعن بتعليم عال. وقد كان لانخفاض المستوى التعليمي اثاره المهمة على حياة هذه الفئة اذ انه يؤدي الى انخفاض مكانتها ودورها في المجتمع. كما يرتبط التعليم بالمستوى المعرفي والوعي الاجتماعي وانخفاضه ينعكس على قدراتها في الحكم على الاشياء بواقعية وعقلانية ويؤثر في استيعابها للحقائق الاساسية للحياة كالحب والاخلاق والمذاهب الفكرية والسياسية ودورها مجتمعة في تشكيل العلاقات بين الناس.
كما ان التعليم يمنح هذه الفئات القدرة على تمييز وضعها والنظر الى مشكلاتها وتعديل واقعها وان انخفاضه قد حدد فرصها بالعمل والمساهمة في تحسين وضعها واستقلالها الاقتصادي مما يكرس ويعزز من مشكلة تبعيتها للاخرين وتراجع مكانتها ومن ثم تاكيد الصورة السلبية التي تضمنتها الموروثات الثقافية عنها.
ان قلة فرص التعليم لهذه الفئة وتكريس حالة الجهل بما تجره من ايمان بالخرافات يدفع المرأة الى ان تعلق حياتها على الجنس الاخر، تدور في فلكه، مكتسبة اهميتها من الانتساب اليه(4). مما يعمق شعورها بالازمة نتيجة فقدان شريك حياتها.
ان السنوات التي قضتها عينة البحث مع ارامل الحرب قد تباينت ما بين الاشهر المعدودة والعشرين سنة وان معظم وحدات العينة قد تركزت في المدة من1-4 سنوات اذ بلغت نسبة العينة37.5% تلتها الفئة من5-9 سنوات اذ بلغت29.0% اما نسبة النساء الذين قضين مدة10-14 سنة في الزوجية فقد بلغت22% في حين ان من قضين اكثر من عشرين عاماً من الزوجية بلغت نسبتهن4.5%.
ان اغلب وحدات العينة قد فقدن ازواجهن قبل10 الى20 سنة حيث بلغت نسبة المترملات قبل10-14 سنة من المدة التي اجريت فيها الدراسة40.5% في حين ان من فقدن ازواجهن قبل15-19 سنة42% وتعود هذه النسب كما سبقت الاشارة اليه الى تاريخ بداية ونهاية الحربين. كما بلغت نسبة من فقدن ازواجهن قبل اكثر من عشرين عام8.5% في حين ان من فقدن ازواجهن قبل اقل من خمس سنوات كانت نسبتهن5.0% فقط.
ويترتب على طول مدة الاستشهاد، زيادة في سنوات الحرمان بمستوياته كافة وان مشاكل عديدة قد تبلورت عن هذا الوضع مما يسمح بالكشف عنها ودراستها من جانب.
كما ان هذا التاريخ الطويل من الحرمان قد ولدّ مجموعة من الاليات التي تدفع هذه الفئة الى التكيف مع اوضاعهن التي اصبحت مزمنة وتحقيق نوع من القابليات الاجتماعية في تنمية القدرة على التوافق السلوكي والاتساق من جانب اخر.
ان معظم وحدات العينة تعيش في اسر صغيرة نسبياً من حيث الحجم حيث يتراوح عدد افرادها من4-6 حيث بلغت نسبة هذه الفئة36.5 وبلغت نسبة من تعيش ضمن اسرة يتراوح عدد افرادها1-3 أفراد26.5%. ويرتبط هذا العدد بارتفاع نسبة النساء اللواتي يعشن في سكن مستقل مع اولادهن في حين بلغت نسبة اللواتي يعشن في عائلة يتراوح عدد اعضائها من7-9 فرداً 15% وبلغت نسبة من تعيش ضمن عائلة كبيرة يتراوح عدد افرادها من عشرة فما فوق19%.
ثانياً: الاهتمامات الترويحية وكيفية شغل الفراغ
يشكل وقت الفراغ والنشاطات المختلفة المترتبة على وجوده عاملاً مهماً في الكشف عن ملامح حياة المرأة عموماً والمرأة فاقدة الزوج على نحو خاص، ذلك ان تنوع الاهتمامات والنشاطات او انحسارها ضمن زاوية ضيقة، انما يعكس وضعها النفسي وموقفها من الحياة من حيث الاقبال عليها او العزوف عنها، ومع ان الواقع القهري الذي فرضه الحصار قد حتم على المرأة العراقية عموماً الانشغال المستمر بمتطلبات الحياة الاساسية ومحاولة تأمين ما يسد حاجات الاسرة مما ادى الى تراجع الممارسات الترويحية وضمور اهميتها واولويتها في حياة الاسرة العراقية والمرأة على نحو خاص، الا ان هذا لا يعني الغاء اهمية وعظمة الدور الذي يلعبه وقت الفراغ بوصفه مجالاً لتنمية قدرات المرأة، وتوسيع افقها ومد مساحات تطلعاتها ورؤيتها الى المستقبل، مما يعمق نظرتها لواقعها ويمكّنها من تقدير اهمية وضعها.
ويكتسب هذا العامل اهمية ذات طابع خاص في حياة الارملة فبلوغ الابناء سناً معينة فضلاً عن وجودها في المنزل وحيدة قد عمق احساسها بالفراغ النفسي والعاطفي، ومن جهة اخرى فانه يمثل دالة على شخصيتها وكاشفاً لطبيعة حياتها ومستواها.
وسنحاول ان نلقي الضوء على هذا الجانب من خلال الكشف عن النشاطات التي تملأ بها هذه الشريحة فراغها وارتباطات هذه النشاطات ببعض المتغيرات.
ان النشاط الغالب لارامل الحرب هو العناية بالاولاد اذ بلغت نسبة الوحدات اللواتي يصرفن اوقاتهن في هذا المجال48.6% في حين ان مشاهدة برامج التلفزيون حضت بنسبة15.7% من اهتمام وحدات العينة اما القراءة فان نسبتها الى باقي النشاطات13.5% وزيارة الاقارب20.1% ولم يحظ التنزه، على رغم من اهميته في الترويح، الا بنسبة2.2%.
وتشترك ارامل الحرب مع بقية الشرائح النسائية في هذه الخاصية واعني في الطريقة التي تشغل بها اوقات فراغها، ذلك ان التنشئة الاسرية وتوقعات الدور الذي فرضته البيئة الثقافية للمجتمع العراقي قد رسمت ملامح الحياة بالنسبة للمرأة وجعلت الاولوية للبيت ولشؤون الاولاد فقد نشأت الانثى على ان يكون لابنائها جلّ اهتمامها وان اهميتها تكمن في مقدار التضحية التي تقدمها لهم والتي غالباً ما تكون على حساب تنمية شخصيتها واضطلاعها بخبرات جديدة من خلال القراءة او الاكتشافات الناشئة عن تمرسها بالحياة بعيداً عن المسؤوليات التي ترهق يومها.
ولمعرفة الترابط او العلاقة بين المتغيرات المستقلة والمتمثلة بالعمر والوظيفة والتعليم والمستوى الاقتصادي والوضع الاسري وغيرها من المتغيرات وبين الاهتمامات الترفيهية لارامل الحرب والطريقة التي تقضي بها وقت فراغها. فقد لجأ الباحثان الى اختبار مربع كاي لاحتساب دلالة الفروق بين هذه المتغيرات وقد اشارت النتائج الى وجود علاقة ذات دلالة احصائية بين المستوى التعليمي لارامل الحرب وبين النشاطات التي تمارسها لتشغل وقت فراغها.
رابعا: دائرة العلاقات الاجتماعية
تكشف درجة وشدة العلاقات الاجتماعية بين المرأة الأرملة وبين الاشخاص عن مسائل عدة، فهي من جهة مؤشر على القابلية الاجتماعية socioblity أي القدرة على التوافق والتكيف مع المحيط الاجتماعي، كما انها من جهة ثانية مؤشر على مدى التضامن والتساند القائم بين المرأة -تحت ظروف الوحدة- وبين الجماعات التي تنتمي اليها “القرابة أو الجيرة”. ومن جهة ثالثة تعبر طبيعة العلاقات عن اتجاه ارامل الحرب نحو الاخرين وهو من العوامل المهمة في تحديد سلوكها في البيئة التي تعيش فيها.
ان علاقة 82.5% وحدة بجماعاتها القرابية “ممثلة بالاسرة” كانت جيدة وان 10.5% علاقتهن كانت متوسطة بعوائلهن و3.5% علاقتهن بالمحيطين باردة و3.5% في اختلاف مع الاهل والجماعة القرابية. وتشير غلبة العلاقات الجيدة او الايجابية في حياة هذه الفئة الى مايمكن ان تؤديه هذه العلاقات من وظيفة في تخفيف الضغوط النفسية والاقتصادية لما توفره من دعم نفسي واسناد اجتماعي.
ان النشاط الغالب لوقت الفراغ بالنسبة للوحدات من ذوات التعليم الواطئ هو الاهتمام بالاولاد ثم زيارة الاقارب، في حين تزداد نشاطات القراءة ومشاهدة التلفزيون عند الفئات من ذوات التعليم العالي، مما قد يعني ان المرأة المتعلمة اكثر وعياً باهمية وقت الفراغ والطريقة التي تشغله بها في تنمية قدراتها الذهنية وانعكاسات ذلك على قابلياتها الاجتماعية والطريقة التي تقدم بها نفسها.
كما تعكس هذه النتيجة نمطية الحياة واختزالها ضمن حدود ضيقة في نشاطات يمكن ان تمثل زاوية محدودة وليست حياة باكملها بالنسبة لذوات التعليم الواطئ.
واشارت نتائج التحليل الاحصائي الى وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين الحالة الوظيفية للأرملة وبين النشاطات التي تزاولها في وقت فراغها.
ان الموظفات من ارامل الحرب يمثلن الاقل نسبة في زيارة الاقارب وذلك يعود لانشغالهن بالعمل الوظيفي وضيق الوقت بالنسبة لما تتطلبه الزيارات العائلية من مساحة زمنية كما قد يشير ايضاً الى الاستقلالية الاقتصادية التي حدت من تبعيتها للاخرين ومن ثم قلصت او حدّت من اهمية العلاقات العائلية لديها، ونلاحظ ان النساء في القطاع الخاص لا يشغلن معظم وقتهن في تربية الاطفال كما هو الحال بالنسبة للفئتين السابقتين، وذلك لما يحتاج اليه عملهن من تفرغ من المسؤوليات الامومية وايجاد البدائل فيما يتعلق بالعناية بالاولاد او ان تفرغهن من هذه المسؤولية هو الذي دفعهن للعمل في القطاع الخاص. وداخل هذه الفئة تمارس النساء ايضاً التنزه بشكل يفوق قليلاً نظيراتها في الفئتين السابقتين.
كما اشارت نتائج التحليل ان هناك علاقة دالة احصائياً بين الوضع الاسري او الوضع الامومي وبين الطريقة التي تشغل بها المرأة وقت فراغها بمعنى ان وجود الابناء في حياة ارامل الحرب او عدم وجودهم يرتبط بعلاقة معنوية مع نشاطات وقت الفراغ.
إن وجود الابناء في حياة الارملة قد اثر وارتبط بطبيعة النشاطات التي تقضي بها فراغها من حيث الكم والنوع، فنجد ان لدى الفئة الاولى من النساء متسع من الوقت لمزاولة القراءة ومشاهدة التلفزيون والتنزه وزيارة الاقارب اكبر مما لدى قريناتها في الفئة الثانية اذ تتركز معظم نشاطاتها في الاهتمام بالاولاد وشؤونهم. وبناء على النتائج المطروحة يمكن القول بان وجود الابناء في حياة الارملة قد ضاعف من مسؤولياتها وزاد من حملها، واستحوذ على جلّ وقتها، فهي كائنة لاجلهم وبهم كما ان الوجه المستلب لهذه الحياة يعكس وجود مشكلة اذ تقف هذه المرأة بازاء وظائفها التربوية لوحدها تحاول ان تبذل كل وقتها في سبيل العائلة.
واتضح ايضاً من المعالجة الاحصائية ان الطريقة التي تشغل بها الارملة وقتها تتأثر وترتبط بالخلفية السكنية من حيث الكم والنوع.
ان سكن الزوجة مع اهلها قد اتاح لها وقتاً اكبر لممارسة بعض النشاطات، ففئة اللواتي يزاولن القراءة ممن تعيش مع اهلها19.8% وهو اعلى من قريناتها اللواتي يعشن في سكن مستقل اذ بلغت نسبتهن10.7% كذلك فان الاهتمام بالاولاد والانشغال بهم اقل نسبة بين النساء اللواتي يعشن مع اهلهن اذ بلغت34.9% مقارنة بمن تعيش بسكن مستقل والتي بلغت56.1% مما يدل على الاسناد الكافي والتضامن الموجود بين اهل الزوجة وابنتهم الارملة، كما يفسر ميل الزوجة الى الاعتماد على اهلها في تربية الابناء وهي من العادات الموروثة عند النساء في المجتمع العراقي ومما يدل على هذا القول هو ان نسبة النساء اللواتي يشغلن وقتهن مع اطفالهن من اللواتي يعشن مع اهل الزوج هي ايضاً مرتفعة اذ بلغت52.6%.
رابعاً: المشكلات التي تعاني منها الارامل
تركت ظروف الحرمان الناشئة عن فقدان الزوج واعباء الحصار الاقتصادي في المرحلة التي تلت الحرب العراقية الايرانية ظلاً ثقيلاً على حياة الارملة ووضعتها في مواجهة صعوبات ومشكلات على مستويات متعددة اقتصادية واجتماعية وعاطفية ونفسية، ولمعرفة انواع هذه المشكلات تم اللجوء الى التكرارات والنسب المئوية لتحديد حجم كل نوع منها.
ان نسبة59% من العينة تتركز في المشكلات الاقتصادية وترتبط هذه النسبة بافقار المرأة الذي رافق الحصار الاقتصادي المفروض على العراق فكما هو معروف ان المرأة هي العنصر الاشد تأثراً في حالات الكوارث والمشكلات الاقتصادية وهي اول المتضررين قياساً بالرجل(5). وقد فاقم من ازمتها غياب الزوج المعيل للاسرة وتدهور قيمة الراتب التقاعدي الذي تمنحه الدولة لاسر الشهداء مع التضخم الاقتصادي الحاصل.
كما تعاني الارامل من المشكلات الاجتماعية اذ بلغت نسبتها 16.7% وبلغت المشكلات النفسية15.1% اما العاطفية فقد بلغت نسبتها3.7.
ان معرفة نوع المشكلات غير كاف، لذا لابد من ربطها بالمتغيرات الاخرى لمعرفة دلالة الفروق المعنوية والارتباط بين المشكلات وبين هذه المتغيرات.
ان نسبة المشكلات عند الارملة التي لم تتزوج ثانية هي اعلى من نظيراتها اللواتي تزوجن ثانية وتتركز مشكلات الارملة غير المتزوجة، في هذا الجانب، اذ بلغت نسبتها60.1% في حين بلغت نسبة هذه المشاكل عند الارملة المتزوجة47.6% ويمكن عزو هذا الفرق الى وجود الزوج او الشريك الذي يعيل الاسرة ويحمل الاعباء الاقتصادية عن المرأة “وقد يكون المستوى الاقتصادي الجيد الذي كانت عليه الارملة بناء على الامتيازات المادية التي حصلت عليها قد رشحها وزاد من فرص زواجها ثانية ومن ثم فانها من البداية لا تعاني من مشكلات اقتصادية” كما تزيد نسبة المشكلات النفسية عند الارامل غير المتزوجات اذ بلغت15.6 وهي اعلى من نظيراتها اللواتي تزوجن اذ بلغت نسبة المشكلات النفسية9.5.
نخلص مما سبق الى ان الزواج يخفف على المرأة الارملة وطأة المشكلات بمستوياتها كافة، وان تحملها وحدها لمسؤولية الابناء وبقاءها وحيدة قد ضاعف من حجم ازمتها.
كما اظهرت المعالجة الاحصائية وجود فروق معنوية ذات دلالة احصائية بين المشكلات التي تعاني منها زوجات الشهداء وبين وضعهن الاسري اي وجود او عدم وجود الابناء.
ان وجود الابناء قد ضاعف من حجم مشكلات الارامل اذ بلغت نسبة المشكلات الاقتصادية عند الارامل اللواتي لهن ابناء60.6% في حين بلغت نسبة هذا النوع38.9، عند الارامل اللواتي ليس لهن ابناء، غير ان المشكلات النفسية ترتفع نسبتها في حالة عدم وجود الابناء اذ بلغت في الفئة الاولى22.2، في حين انخفضت في الفئة الثانية الى14.5 وهذا يعني ان وجود الابناء في حياة المرأة الفاقدة الزوج امر باعث للطمأنينة والاستقرار النفسي على الرغم مما يرتبط بوجودهم من اعباء الاعالة والمشكلات الاقتصادية.
ومن النتائج التي توصلت اليها المعالجة الاحصائية هي وجود علاقة دالة بين المستوى المعيشي وبين المشكلات التي تعاني منها الأرملة.
ان طبيعة العلاقات تختلف تبعاً لعدد افراد الاسرة اذ تزداد قوة هذه العلاقات وتتجه نحو الايجابية كلما قل افراد الاسرة وتبلغ اقصاها بالنسبة للعائلة التي يتراوح عدد افرادها من2-3 اذ بلغت نسبتها96.6% مما يشير الى ان الاكتظاظ ووجود اكثر من اسرة في منزل واحد يؤدي الى زيادة التنافس على الموارد المحدودة ومن ثم قد يتولد الصراع.
كما ان الاكتظاظ يؤدي الى ضيق الحيز الذي يحتاجه الفرد لكي يتحرك من خلاله ويحقق استقلاله الشخصي وعندما يضيق هذا الحيز فان المرء يشعر بالانتهاك فيتسم سلوكه بالعنف وهو ما يؤثر سلباً على العلاقات السائدة في الاسرة، ويعزز هذه النتيجة وجود علاقة دالة بين الخلفية السكنية وبين طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة بين الأرملة وعائلتها التوجيهية.
ان العلاقات الجيدة تسود بشكل اكبر عندما يكون السكن مستقلاً اذ بلغت نسبتها88.9%، وفي المقابل تتضاءل نسبة العلاقات الفاترة او الاختلافات ضمن هذه الفئة اذ بلغت نسبة العلاقات المتخالفة1.6، وقد يعود السبب الى ما تنتجه المسافات المكانية الفاصلة من عزلة تحول من دون وقوع الخلافات والصدامات بين عائلة الشهيد وعائلة اهله او ارملته. مما يبقي على طابع المودة والاحترام بوصفه عنصراً اساسياً في تفاعلاتهم. كما ان الانخفاض النسبي في تكرار التفاعل يمنع التعارض في المصالح الذي قد يحدث عندما تعيش الزوجة مع عائلتها. من جهة ثانية فان السكن المستقل كما تذهب اليه بعض الدراسات(6) يؤدي الى زيادة التضامن بين اسرة الشهيد وهو ما يحقق اشباعات عاطفية ونفسية تنخفض معها نسبة العدوانية مما يسمح باقامة علاقات ايجابية خالية من الصراع مع الاهل.
تشير القراءات الاحصائية الى ارتباط قوة العلاقة الاجتماعية مع المستوى المعيشي لأرملة الحرب، إذ أشّرت قوة العلاقة بارتفاع المستوى الاقتصادي عن حدود المتوسط لتبلغ91.7% من اجابات وحدات العينة في حين تتكرر الاجابات المشيرة الى وجود خلافات عائلية او فتور في نوع العلاقات في كل من الوحدات ذات المستوى الفقير والمتوسط. غير ان قوة العلاقة الاجتماعية تنخفض عند النساء الميسورات فتبلغ75%، مع ملاحظة زيادة في نسبة العلاقات الباردة12.5%، وربما العامل المشترك الذي يفسر التقارب بين هاتين الطبقتين الاجتماعيتين في الصفة -موضوع التحليل- هو عامل وقت الفراغ الذي يقل لدى الفئتين اما بسبب المسؤوليات المتعددة والانهماك في تفاصيل المعيشة والبيت كما هو بالنسبة للفئة من الطبقة الفقيرة او بسبب تعدد النشاطات الترويحية التي تستهلك وقت المرأة في الطبقة العليا كما هو الحال في فئة الميسورات وفي كلتا الحالتين تنخفض معدلات التفاعل الاجتماعي وتكراره مع الاقارب مما يؤشر سلباً على العلاقات الاجتماعية السائدة بينهم هذا فضلاً عن العوامل الاخرى والخاصة بكل حالة او فئة على حدة والتي تعجز المعالجات الاحصائية عن رصدها.
هناك زيادة ملحوظة في مستوى العلاقات بتقادم الزمن على حدث فقدان الزوج، اذ بلغت اعلى نسبة من الاجابات ذات الاتجاه الايجابي -الجيدة-94.1% في الفئة التي فقدت زوجها قبل عشرين سنة فما فوق -من اعداد هذه الدراسة- وقد تعني هذه النتيجة: ان طول مدة الفقدان/ الحرمان قد خلق اليات التكيف عند الأرملة مع واقعها ومع المحيطين بها ادت الى انخفاض او اخفاء الصدام او التعارض مع الاخرين -ممثلين بعوائلهم- وهو ما يتفق مع بعض الدراسات التي تشير الى ان لسنوات الترمل في علاقتها مع المشكلات الاجتماعية -وتمثل العلاقات القرابية جانباً منها- تعكس نوعاً من التكيف او عدم التكيف مع الوضع الجديد. وتتعارض مع دراسات اخرى ترى ان تقادم الزمن يضعف العلاقات ويؤثر بالتالي على التضامن الاسري(7).
خامساً: صورة الآخر
تشير صورة الاخر من بين ما تشير اليه الى الكيفية التي ترى بها الأرملة الاخرين. فيما اذا كانوا طيبين او ان كلامهم سابق لفعلهم وغيرها من المتغيرات التي تساعد في الكشف على موقف المرأة فاقدة الزوج من الاشخاص المحيطين بها كما تكشف في الوقت نفسه عن ادراكها لصورتها “مفهومها لذاتها المنعكسة” (*) عند الاخرين، فاجاباتها بان الناس سلبيون تعني ادراكها للطريقة السلبية التي يتعامل بها الاخرون معها وتخفي في الوقت ذاته انطباعها عن الإنطباع عنها والذي يكون سلبياً ايضاً كما تعكسه تصرفاتهم تجاهها او اية حالة يمكن ان تعبر عن مواقف سلبية.
تعكس الصورة السلبية للمرأة فاقدة الزوج في العقل الجمعي فضلاً عما يمكن ان يعبر عنه هذا المتغير من علاقات -فاترة/ دافئة والمبينة على اساس المواقف التي تحملها المرأة- ذات الوضع الخاص للناس وكمية الاسناد الاجتماعي الذي تتوقعه من الآخرين.
ان النسبة الغالبة من وحدات العينة(34.4%) ترى في الاخرين انهم مهتمون بشؤونهم ومشاكلهم فقط و(21.2%) من العينة ترى ان مساعدتهم محدودة و(20.3%) تجدها تنحصر في الكلام فقط، وهذه الرؤية -غير الراضية- في ابسط وصف لها عن الاخرين تشير الى امور عدة اهمها:
ان كمية الدعم والاسناد الاجتماعي الذي تتوقعه الأرملة من المجتمع، ممثلاً بافراد، اكبر بكثير مما تحصل عليه. كما تكشف هذه الاجابات ونسب تواترها الى حاجة المرأة الى الاخرين وتعلقها بما قد يقدموه من دعم ورعاية مستندة بذلك الى انكساراتها المادية والمعنوية وهي في هذا الوضع اولاً والى ما تنتظره من المجتمع من مكافأت نظير تضحيات زوجها الضحية.
ومما هو جدير بالملاحظة ان اغلب وحدات العينة لا تجد في الاخرين انهم سلبيون كما يتضح من ضآلة نسبة الاجابات على هذا البديل والتي بلغت(4.6%) مما يعني ان موقفها من الاخرين واتجاهاتها حولهم لا تتطرف نحو السلبية وبالتالي فان اقامة علاقات ايجابية معهم هي مهمة غير صعبة، كما تعبر هذه النتيجة من ناحية اخرى عن ان موقف الاخرين من المرأة الفاقدة الزوج لا يتخذ شكلاً سلبياً، ومن ناحية ثالثة يمكن ان تعكس هذه النتيجة او تكشف عن مفهوم الارملة لذاتها من خلال رؤية الاخرين لها بمعنى اخر ان صورتها او مفهومها عن صورتها عند الاخرين لا يتسم هو الاخر بالسلبية. وهي نتيجة تتحفظ على تعميمها -بوصف الباحثين هم جزء من المجتمع وعلاقتهم بالظاهرة علاقة مدرك ومتفاعل معها وياتي هذا التحفظ من عدم قدرة “العينة” على ان تعكس الواقع الاجتماعي لمجتمع البحث ذلك ان اغلب هذه الوحدات من العاملات او المراجعات للاتحاد العام لنساء العراق (السابق) بفروعه ولجانه كافة وهذا يعني احتفاظهن باواصر طيبة مع المجتمع وينتفعن او ينتظرن الانتفاع من خدماته، وهذه العينة لا تمثل تماماً اعداداً كبيرة من النساء انقطعت علاقتهن بالمجتمع -ومؤسساته- واتخذن سبل مختلفة لاشباع حاجاتهن نتيجة للمواقف السلبية التي لمستها من المجتمع واعضاءه.
سادساً: الصعوبات التي تواجهها ارامل الحرب
لغرض الكشف عن المستويات المختلفة لازمة المرأة الفاقدة الزوج يضاف الى ما تم التعرف عليه من مشكلات نفسية واقتصادية واجتماعية وعاطفية، فقد تم اللجوء الى سؤال وحدات العينة عن المواقف المحرجة التي تتعرض لها في واقعها في حدود انقطاع علاقاتها القرابية مع اهل الزوج او ابتعاد الاخرين عنها او ضعف السيطرة على الابناء واخيراً، انطباع الاخر. وفضلاً عن هذا المصدر فقد تم الاستدلال على الصعوبات الحياتية عند هذه الفئة من خلال السؤال المفتوح حول ما تقترحه الأرملة لتطوير واقعها.
ان من اكثر المشاكل او المواقف التي تتعرض لها ارامل الحرب ذات الاثر السلبي او المحرج تكراراً، هي انقطاع العلاقات القرابية مع اهل الزوج حيث بلغت نسبة اجابات العينة على هذا الموقف41.9%، ولعل مرد هذا الفتور او الخلاف الذي يحدث في معظم الحالات المدروسة هو المنافسة والصراع حول عدم احقية الزوجة بتركة زوجها او الامتيازات المخصصة لها من “حقوق الشهيد”، فضلاً عن عدم تفهم اهل الزوج لطبيعة ازمة المرأة عندما تفقد زوجها وتحميلها مسؤولية معاناتهم. الامر الذي ادى الى انقطاع الصلات على الرغم من اهمية استمراريتها في حياة الأبناء وضرورة التضامن والاضطلاع بمسؤولياتهم ومشاركة الام في ذلك.
ويعد انطباع الاخرين عن الارملة واحدة من الصعوبات التي على المرأة ان تواجهها حيث بلغت نسبة هذا الموقف23.8% في اجابات العينة، ان معايشة وحدات العينة لهذه المشكلة وادراكها للصورة التي يحملها المجتمع عنها قد اثر في توجيه سلوكه وحد من حركتها وضيق من معالم حياتها لتنسجم مع التوقعات الاجتماعية التي تبلغ حداً مغالى فيه نسبياً وقد شكل الابناء في حياة الارملة مصدراً للصعوبات واشكالية تتمثل في عدم القدرة على السيطرة عليهم، حيث بلغت نسبة الاجابات على هذا الموقف20%، كما كشفت المقترحات التي تقدمت بها وحدات العينة لتحسين وضعهن عن القلق والحيرة التي يتسبب بها الابناء في حياة الامهات الارامل وخصوصاً في هذه المرحلة الصعبة من حياة المجتمع العراقي، اذ تمحورت المقترحات حول سبل تقديم العون الى الأبناء والمطالبة بامتيازات تخص بها هذه الشريحة والتي تكون على شكل اعفاء من الرسوم في الدوائر او تسهيل سير معاملاتهم او تيسير قبولهم في الجامعات باستثنائهم من بعض الشروط او الرسوم وغيرها من المطالب التي تكشف عن العبء الذي تتحمله الأرملة. كما اظهرت مقترحات وحدات العينة عن ان الاهتمام الذي تتلقاه زوجة الشهيد اقل مما تتوقعه وانها بشكل او باخر تعاني من الاهمال على المستوى الاعتباري والمادي لذا تدور مطالبها حول تخصيص يوم للاجتماع بالأرامل او عقد مجالس وندوات للنظر في مشاكلهن او تسليط الضوء على واقعهن او الطلب بتسريع معاملاتهن في الدوائر الحكومية، وغيرها من الامور التي تعكس صعوبات حياتها.
سابعاً: الموقف من الزواج ثانية
نظراً لاهمية الرجل في حياة المرأة ولكونهما يمثلان وجهي الوجود الانساني فان سؤالاً يبدو مهماً توجهت به الدراسة الى وحدات العينة يتمثل بالموقف من الزواج ثانية. وقد تراوحت الاجابات بين فئة غالبة رافضة للزواج مجدداً واخرى تقبله ومقدمة عليه.
ان(77%) من وحدات العينة ترفض فكرة الزواج الثاني وان(23%) فقط هن من المؤيدات لهذه الفكرة ومعظمهن من المتزوجات فعلاً اما الاسباب التي تكمن وراء الموقف الرافض فتتعدد تبعاً للظروف الموضوعية والذاتية لوحدات العينة، واول هذه الاسباب حسب ما وردت في سؤال مفتوح حول اسباب الرفض هي وجود الابناء والرغبة في التفرغ لتربيتهم يضاف الى ذلك الخوف من الاساءة التي قد تلحق بهم من زوج الام. وكانت نظرة المجتمع والخوف من التصنيفات الاجتماعية social labling والحكم الذي يطلقه المجتمع عندما تختار الزواج ثانية عاملاً او سبباً ثانٍ من حيث الاهمية في احجام عينة البحث عن الزواج مجدداً. اما العامل الثالث فقد لخصته وحدات الدراسة بالوفاء لذكرى الزوج الفقيد وهو ملحق بالعامل الثاني من حيث ان المرأة تحاول ان تجاري قيم المجتمع الذي يعتبر الوفاء قيمة عليا ويرتب مجموعة من الجزاءات المعنوية واحياناً المادية مثل حرمان زوجة الابن المتوفي من حق وراثة زوجها، على من تتجاهل هذه القيمة.
ومن العوامل او الاسباب الاخرى التي ذكرتها وحدات العينة هو توقع المشاكل والتحسب منها وعدم وجود الرجل المناسب، كما عكست فئة اخرى من الاجابات صورة سلبية للرجل تمثلت بعدم اهليته لحماية المرأة ولا يمكن الوثوق به.
هذا وقد ارتبط الموقف من الزواج الثاني بمجموعة من المتغيرات حيث اظهرت المعالجة الاحصائية ان لهذا الموقف علاقة بعمر الزوجة.
التوصيات
بناء على النتائج التي توصلت اليها الدراسة الميدانية نوصي بتحسين واقع الحياة الاجتماعية والنفسية لأرملة الحرب من خلال ما يأتي:
1. تحسين الوضع الاقتصادي لهذه الفئة وذلك بزيادة رواتبهن او توفير فرص العمل للقادرات عليه وغيرها من الاستراتيجيات التي تخفف من عبء الفقر على هذه الفئة.
2. صياغة خطط وستراتيجيات عمل تسعى الى تطوير قابليات هذه الشريحة وتمكينها بما يضمن تاهيلها لممارسة اعمال مهمة والمشاركة الفعالة في العمليات الانتاجية من جهة والاستثمار لوقت الفراغ في نشاطات تنمي شخصيتها وتقوّم توجهها نحو المستقبل.
3. نشر المعلومات المتعلقة بحقوق الأرامل والامتيازات التي تستحقها.
4. استحداث مركز للبحوث والاستشارات النفسية والاجتماعية يعني بشرائح النساء فاقدات الزوج -الارامل، المطلقات، العوانس- للبحث في مشكلاتهن وحاجاتهن وتقدم لهن الدعم والمشورة.
5. انشاء مؤسسات للخدمة الاجتماعية تختص بهذه الشريحة وتعمل على تهيئة البرامج التاهيلية والترفيهية لها. تنتشر فروعها في معظم انحاء القطر ويشرف عليها كادر متخصص ومؤهل من جهات لها باع طويل في العمل مع هذه الفئات.
6. التخفيف من اعباء المسؤولية الملقاة على عاتق الام الأرملة من خلال تحسين اليات ادارة شؤون ذوي الشهداء في المؤسسات المعنية وتيسير معاملاتهم مع اعفاء الأولاد من الضرائب والرسوم في المدارس والكليات المسائية والاهلية.
7. توفير مقعد دراسي لأرامل الحرب في الكليات بكافة الاختصاصات فضلاً عن المدارس مستثناة من العمر والمعدل وذلك لتحسين وضعهن التعليمي ومنحهن فرصة للنمو.
8. التاكيد على الخصائص الايجابية لهذه الفئة وطرحها بطريقة تكفل لها صورة اجتماعية تنمي لديها مفهوم عالٍ عن ذاتها.
9. اعفاء اسر ضحايا الحرب من الضرائب والرسوم على العقارات لاتاحة الفرصة لتحسين وضعها المادي.
10.تخصيص يوم للاحتفاء بأرامل الحرب وتقييم مسيرتهن ودورهن والنظر في مشاكلهن وسماع اصواتهن فيما يتعلق بوضعهن.
منقول
تحياتي