الأعذار قبل الحرب :
قال الطبري ( 221 ) : والتقوا في النصف من جمادى الآخرة سنة 36 يوم الخميس .
وروى الحاكم ( 222 ) عن عم يحيى بن سعيد أنه قال : لما كان يوم الجم نادى علي في الناس : لا يرمين رجل بسهم ، ولا يطعن برمح ، ولا يضرب بسيف ، ولا تبدأوا القوم بالقتال ، وكلموهم بألطف الكلام ، فإن هذا مقام من أفلح فيه فلح يوم القيامة . قال : فلم نزل وقوفا حتى تعالى النهار ، ونادى القوم بأجمعهم : " يا لثارات عثمان " ، قال وابن الحنفية أمامنا بربوة معه اللواء : يا أمير المؤمنين ، فناداه علي ، قال : فأقبل علينا يعرض بوجهه ، فقال له علي : ما يقولون ؟ فقال : يقولون : " يا لثارات عثمان " فرفع يديه فقال : اللهم اكبب اليوم قتلة عثمان بوجوههم .
وقال غيرهم من أهل السير والاخبار ( 223 ) : لما تزاحف الناس يوم الجمل والتقوا قال علي : لا تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم ، فإنكم بحمد الله على حجة ، وكفاكم عنهم حتى يبدأوكم حجة أخرى ، وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح ، وإذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ، ولا تدخلوا دارا ، ولا تأخذوا من أموالهم شيئا .
( 221 ) الطبري 5 / 199 ، وط . أوربا 1 / 3175 ، والاغاني 16 / 126 .
( 222 ) المستدرك 3 / 371 وفي تلخيصه للذهبي بهامشه كذلك .
( 223 ) رواه اليعقوبي ، والمسعودي ، وابن أعثم ، وكلما ننقل عنهم إلى آخر ما نورده في حرب الجمل فما كان عن اليعقوبي فقد نقلناه عن تاريخه 2 / 180 184 ، والمسعودي فقد نقلناه عن مروجه بهامش ابن الاثير 5 / 188 201 ، وأما ابن أعثم فعن تاريخه ص 175 183 ، وقد ذكر هؤلاء الثلاثة ما أوردناه وأخرجه أبوا لفرج في الاغاني 16 / 127 ، وأبو مخنف في كتابه : " الجمل " برواية ابن أبي الحديد عنه في شرحه 2 / 430 و 81 منه ، وفي عباراتهم بعض الاختلاف ، وبعضهم قد ذكره ملخصا وقد تخيرنا اللفظ من الأخير . ( * )
- ج 1 ص 219 -
وفي رواية المسعودي بعده : ولا تقربوا من أموالهم إلا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح أو كراع أو عبد أو أمة ، وما سوى ذلك فهو لورثتهم على كتاب الله ( 224 ) ، ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم ، فإنهن ضعاف القوى والأنفس والعقول ، ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات وإن كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة والجريدة فيعير بها عقبه من بعده ( 225 ) .
وروى الحاكم أن الزبير قال للاساورة الذين كانوا معه ارموهم برشق كأنه أراد أن ينشب القتال ( * )
وقال ابن أعثم وغيره : إن عائشة قالت : ناولوني كفا من الحصاة ، وحصبت بها وجوه أصحاب علي ، وصاحت بأعلى صوتها : شاهت الوجوه ! كما صنع رسول الله يوم حنين - فناداها رجل من أصحاب علي وما رميت إذ رميت ولكن الشيطان رمى ( 226 ) .
وذكر الطبري وغيره واللفظ للطبري ( 227 ) قال : أخذ علي مصحفا يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال : من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول ؟ فقام إليه فتى من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشو ، فقال : أنا ،
( 224 ) عدنا إلى رواية أبي مخنف السابقة .
( 225 ) ابن الاثير 4 / 116 ، و " الهراوة " العصا الضخمة . و " الجريدة " : قضب النخل .
( * ) الأسوار بفتح الهمزة ، والأسوار بكسرها : قائد الفرس ، والفارس المقاتل منهم ، وقيل هو الذي يجيد الرمي بالسهام ، أو الجيد الثبات على ظهر الفرس ، والجمع منه أساورة وأساور ، والاساورة : قوم من العجم بالبصرة قديما كالاحامرة بالكوفة . لسان العرب . و " الرشق " أن يرمي أهل النبال ما معهم من السهام ، ثم يعودوا ، فكل شوط من ذلك رشق . وإذا رمى الرماة بأجمعهم بجميع سهامهم في جهة واحدة قالوا رمينا رشقا واحدا .
( 226 ) ابن أعثم ص 179 180 ، وفي شرح النهج 1 / 85 .
( 227 ) رواه كل من المتفي في الكنز 6 / 85 الحديث 1313 والرواية الأولى من الطبري 5 / 205 ، وط . أوربا 1 / 3188 3189 ، والثانية 204 منه ، وابن الاثير 3 / 104 ، وتاريخ ابن أعثم والجمل لأبي مخنف على رواية المعتزلي عنه في 2 / 431 ، وفي الجمل للمفيد أن عائشة قالت : أشجروه بالرماح . ( * )
- ج 1 ص 220 -
فأعرض عنه ، ثم قال : من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول ؟ فقال الفتى : أنا ، فدفعه إليه ، فدعاهم فقطعوا يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى ، فدعاهم فقطعوا يده اليسرى ، فأخذه بصدره والدماء تسيل على قبائه فقتل !
وفي رواية أخرى للطبري : فقال علي لأصحابه : أيكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه فإن قطعت يده ، أخذه بيده الأخرى ، وإن قطعت أخذه بأسنانه قال فتى شاب : أنا ، فطاف علي على أصحابه يعرض عليهم ذلك فلم يقبله إلا ذلك الفتى ، فقال له علي : أعرض عليهم هذا ، وقل : هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره ، والله في دمائنا ودمائكم ، فحمل على الفتى وفي يده المصحف . فقطعت يداه . فأخذه بأسنانه حتى قتل . فقال علي : الآن وجب قتالهم ، فقالت أم الفتى ، أم ذريح العبدية بعد ذلك فيما ترثي :
وقال أبو مخنف : فقالت أم ذريح العبدية في ذلك : لا هم ! إن مسلما دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم وأمهم قائمة تراهم * يأتمرون الغي لا تنهاهم قد خضبت من علق لحاهم ( 228 )
وقال ابن أعثم : إن الفتى كان من مجاشع ، وتقدم أحد خدم عائشة فضربه بالسيف وقطع يده . قال المسعودي : وقام عمار بن ياسر بين الصفين وقال : أيها الناس ! ما أنصفتم نبيكم حيث كففتم عتقاء تلك الخدور ، وأبرزتم عقيلته للسيوف . وعائشة على جمل في هودج من دفوف الخشب ( * ) وقد ألبسوه المسوح ( * ) وجلود البقر وجعلوا دونه اللبود ( * ) قد غشي على ذلك بالدروع ، فدنا عمار
( 228 ) الطبري ، ط . أوربا 1 / 3186 .
( * ) الدفوف : واحدها الدف ، وهو صفحة الشئ . ( * ) المسوح : واحدها المسح ، وهو الكساء من الشعر ، بساط من الشعر .
( * ) اللبود : واحدها اللبد ، ما يجعل على ظهر الفرس تحت السرج . ( * )
- ج 1 ص 221 -
من موضعها فنادى : إلى ماذا تدعينني ؟ قالت : إلى الطلب بدم عثمان . فقال : قتل الله في هذا اليوم الباغي والطالب بغير الحق ، ثم قال : أيها الناس ! إنكم لتعلمون أينا الممالئ في دم عثمان ، ثم أنشأ يقول وقد رشقوه بالنبل :
فمنك البداء ومنك العويل * ومنك الرياح ومنك المطر وأنت أمرت بقتل الامام * وقاتله عندنا من أمر وتواتر عليه الرمي واتصل . فحرك فرسه وزال عن موضعه ، فقال : ماذا تنتظر يا أمير المؤمنين وليس لك عند القوم إلا الحرب ؟ !
وقال أبو مخنف وغيره واللفظ لأبي مخنف ( 229 ) : فرمى أصحاب الجمل عسكر علي بالنبل رميا شديدا متتابعا فضج إليه أصحابه وقالوا : عقرتنا سهامهم يا أمير المؤمنين ! وجئ برجل إليه وإنه لفي فسطاط له صغير ، فقيل : هذا فلان قد قتل ، فقال : اللهم اشهد ، ثم قال : اعذروا إلى القوم ، فأتي برجل آخر ، فقيل : وهذا قد قتل ، فقال : اللهم اشهد ، اعذروا إلى القوم ، ثم أقبل عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يحمل أخاه عبد الرحمن بن بديل ( 230 ) قد أصابه
( 229 ) ابن أعثم في تاريخه ص 176 و 177 ، وأبو الفرج في الاغاني 16 / 127 ، كلاهما أورد بعض هذا الحديث ، واليعقوبي في تاريخه 2 / 158 ، ملخصا ، وأورده أبو مخنف في " الجمل " على رواية ابن أبي الحديد عنه في شرح النهج 2 / 81 و 430 . وقد تخيرنا اللفظ من الأخير .
( 230 ) عبد الله بن بديل بن الورقاء الخزاعي . اختلفوا في نسبه وكان سيد خزاعة أسلم هو وأبوه يوم الفتح أو قبله ، وشهدا حنينا والطائف وتبوك . توفي أبوه بديل قبل وفاة النبي وأرسل النبي عبد الله وأخاه عبد الرحمن إلى اليمن .
وشهد مع علي صفين وخطب في أصحابه وقال : قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الامر أهله وقد قاتلمتوهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فوالله ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ولا أبر . وحارب يومئذ وعليه درعان وسيفان ، فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه وأزال أصحابه الذين كانوا معه ، فأقبلوا يرمونه حتى أثخنوه وقتل . فقال معاوية : ان نساء خزاعة لو قدرت أن تقاتلني فضلا عن رجالها فعلت . ( * )
- ج 1 ص 222 -
سهم فقتله ، فوضعه بين يدي علي وقال : يا أمير المؤمنين ! هذا أخي قد قتل ، فعند ذلك استرجع علي ودعا بدرع رسول الله صلى الله عليه وآله ذات الفضول فلبسها فتدلت على بطنها فرفعها بيده ، وقال بعض أهله فحزم وسطه بعمامة وتقلد ذا الفقار ورفع إلى ابنه محمد راية رسول الله صلى الله عليه وآله السوداء وتعرف بالعقاب ، وقال لحسن وحسين : إنما رفعت الراية إلى أخيكما وتركتكما لمكانكما من رسول الله صلى الله عليه وآله
وفي تاريخ ابن أعثم 176 ، انه ركب ( دلدل ) بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله
وروى البلاذري في الانساب 1 / 511 انها كانت هدية المقوقس ملك الاسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وانها بقيت إلى زمان معاوية ،
والطبري ( 1 / 1783 ) ط . اوربا في ذكر أسماء بغال رسول الله صلى الله عليه وآله ،
وطبقات ابن سعد ( 1 / 491 ) في ذكر خيل رسول الله صلى الله عليه وآله ط . داري صادر وبيروت .
قال أبو مخنف : وطاف علي على أصحابه وهو يقرأ ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) . ثم قال : أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وأعز لنا ولكم النصر ، وكان لنا ولكم ظهيرا في كل أمر .
( * ) هذا هو عبد الله وقد ذكر بعضهم أن أخاه عبد الرحمن قتل معه بصفين ، راجع الاستيعاب ص 70 ، والترجمة ص 220 وص 339 الترجمة 1458 ، وص 397 الترجمة 1703 وأسد الغابة 3 / 124 و 282 والاصابة 2 / 272 الترجمة 4559 والمستدرك 3 / 395 وصفين 276 277 . ( *
قال الطبري ( 221 ) : والتقوا في النصف من جمادى الآخرة سنة 36 يوم الخميس .
وروى الحاكم ( 222 ) عن عم يحيى بن سعيد أنه قال : لما كان يوم الجم نادى علي في الناس : لا يرمين رجل بسهم ، ولا يطعن برمح ، ولا يضرب بسيف ، ولا تبدأوا القوم بالقتال ، وكلموهم بألطف الكلام ، فإن هذا مقام من أفلح فيه فلح يوم القيامة . قال : فلم نزل وقوفا حتى تعالى النهار ، ونادى القوم بأجمعهم : " يا لثارات عثمان " ، قال وابن الحنفية أمامنا بربوة معه اللواء : يا أمير المؤمنين ، فناداه علي ، قال : فأقبل علينا يعرض بوجهه ، فقال له علي : ما يقولون ؟ فقال : يقولون : " يا لثارات عثمان " فرفع يديه فقال : اللهم اكبب اليوم قتلة عثمان بوجوههم .
وقال غيرهم من أهل السير والاخبار ( 223 ) : لما تزاحف الناس يوم الجمل والتقوا قال علي : لا تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم ، فإنكم بحمد الله على حجة ، وكفاكم عنهم حتى يبدأوكم حجة أخرى ، وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح ، وإذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ، ولا تدخلوا دارا ، ولا تأخذوا من أموالهم شيئا .
( 221 ) الطبري 5 / 199 ، وط . أوربا 1 / 3175 ، والاغاني 16 / 126 .
( 222 ) المستدرك 3 / 371 وفي تلخيصه للذهبي بهامشه كذلك .
( 223 ) رواه اليعقوبي ، والمسعودي ، وابن أعثم ، وكلما ننقل عنهم إلى آخر ما نورده في حرب الجمل فما كان عن اليعقوبي فقد نقلناه عن تاريخه 2 / 180 184 ، والمسعودي فقد نقلناه عن مروجه بهامش ابن الاثير 5 / 188 201 ، وأما ابن أعثم فعن تاريخه ص 175 183 ، وقد ذكر هؤلاء الثلاثة ما أوردناه وأخرجه أبوا لفرج في الاغاني 16 / 127 ، وأبو مخنف في كتابه : " الجمل " برواية ابن أبي الحديد عنه في شرحه 2 / 430 و 81 منه ، وفي عباراتهم بعض الاختلاف ، وبعضهم قد ذكره ملخصا وقد تخيرنا اللفظ من الأخير . ( * )
- ج 1 ص 219 -
وفي رواية المسعودي بعده : ولا تقربوا من أموالهم إلا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح أو كراع أو عبد أو أمة ، وما سوى ذلك فهو لورثتهم على كتاب الله ( 224 ) ، ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم ، فإنهن ضعاف القوى والأنفس والعقول ، ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات وإن كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة والجريدة فيعير بها عقبه من بعده ( 225 ) .
وروى الحاكم أن الزبير قال للاساورة الذين كانوا معه ارموهم برشق كأنه أراد أن ينشب القتال ( * )
وقال ابن أعثم وغيره : إن عائشة قالت : ناولوني كفا من الحصاة ، وحصبت بها وجوه أصحاب علي ، وصاحت بأعلى صوتها : شاهت الوجوه ! كما صنع رسول الله يوم حنين - فناداها رجل من أصحاب علي وما رميت إذ رميت ولكن الشيطان رمى ( 226 ) .
وذكر الطبري وغيره واللفظ للطبري ( 227 ) قال : أخذ علي مصحفا يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال : من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول ؟ فقام إليه فتى من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشو ، فقال : أنا ،
( 224 ) عدنا إلى رواية أبي مخنف السابقة .
( 225 ) ابن الاثير 4 / 116 ، و " الهراوة " العصا الضخمة . و " الجريدة " : قضب النخل .
( * ) الأسوار بفتح الهمزة ، والأسوار بكسرها : قائد الفرس ، والفارس المقاتل منهم ، وقيل هو الذي يجيد الرمي بالسهام ، أو الجيد الثبات على ظهر الفرس ، والجمع منه أساورة وأساور ، والاساورة : قوم من العجم بالبصرة قديما كالاحامرة بالكوفة . لسان العرب . و " الرشق " أن يرمي أهل النبال ما معهم من السهام ، ثم يعودوا ، فكل شوط من ذلك رشق . وإذا رمى الرماة بأجمعهم بجميع سهامهم في جهة واحدة قالوا رمينا رشقا واحدا .
( 226 ) ابن أعثم ص 179 180 ، وفي شرح النهج 1 / 85 .
( 227 ) رواه كل من المتفي في الكنز 6 / 85 الحديث 1313 والرواية الأولى من الطبري 5 / 205 ، وط . أوربا 1 / 3188 3189 ، والثانية 204 منه ، وابن الاثير 3 / 104 ، وتاريخ ابن أعثم والجمل لأبي مخنف على رواية المعتزلي عنه في 2 / 431 ، وفي الجمل للمفيد أن عائشة قالت : أشجروه بالرماح . ( * )
- ج 1 ص 220 -
فأعرض عنه ، ثم قال : من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول ؟ فقال الفتى : أنا ، فدفعه إليه ، فدعاهم فقطعوا يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى ، فدعاهم فقطعوا يده اليسرى ، فأخذه بصدره والدماء تسيل على قبائه فقتل !
وفي رواية أخرى للطبري : فقال علي لأصحابه : أيكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه فإن قطعت يده ، أخذه بيده الأخرى ، وإن قطعت أخذه بأسنانه قال فتى شاب : أنا ، فطاف علي على أصحابه يعرض عليهم ذلك فلم يقبله إلا ذلك الفتى ، فقال له علي : أعرض عليهم هذا ، وقل : هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره ، والله في دمائنا ودمائكم ، فحمل على الفتى وفي يده المصحف . فقطعت يداه . فأخذه بأسنانه حتى قتل . فقال علي : الآن وجب قتالهم ، فقالت أم الفتى ، أم ذريح العبدية بعد ذلك فيما ترثي :
وقال أبو مخنف : فقالت أم ذريح العبدية في ذلك : لا هم ! إن مسلما دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم وأمهم قائمة تراهم * يأتمرون الغي لا تنهاهم قد خضبت من علق لحاهم ( 228 )
وقال ابن أعثم : إن الفتى كان من مجاشع ، وتقدم أحد خدم عائشة فضربه بالسيف وقطع يده . قال المسعودي : وقام عمار بن ياسر بين الصفين وقال : أيها الناس ! ما أنصفتم نبيكم حيث كففتم عتقاء تلك الخدور ، وأبرزتم عقيلته للسيوف . وعائشة على جمل في هودج من دفوف الخشب ( * ) وقد ألبسوه المسوح ( * ) وجلود البقر وجعلوا دونه اللبود ( * ) قد غشي على ذلك بالدروع ، فدنا عمار
( 228 ) الطبري ، ط . أوربا 1 / 3186 .
( * ) الدفوف : واحدها الدف ، وهو صفحة الشئ . ( * ) المسوح : واحدها المسح ، وهو الكساء من الشعر ، بساط من الشعر .
( * ) اللبود : واحدها اللبد ، ما يجعل على ظهر الفرس تحت السرج . ( * )
- ج 1 ص 221 -
من موضعها فنادى : إلى ماذا تدعينني ؟ قالت : إلى الطلب بدم عثمان . فقال : قتل الله في هذا اليوم الباغي والطالب بغير الحق ، ثم قال : أيها الناس ! إنكم لتعلمون أينا الممالئ في دم عثمان ، ثم أنشأ يقول وقد رشقوه بالنبل :
فمنك البداء ومنك العويل * ومنك الرياح ومنك المطر وأنت أمرت بقتل الامام * وقاتله عندنا من أمر وتواتر عليه الرمي واتصل . فحرك فرسه وزال عن موضعه ، فقال : ماذا تنتظر يا أمير المؤمنين وليس لك عند القوم إلا الحرب ؟ !
وقال أبو مخنف وغيره واللفظ لأبي مخنف ( 229 ) : فرمى أصحاب الجمل عسكر علي بالنبل رميا شديدا متتابعا فضج إليه أصحابه وقالوا : عقرتنا سهامهم يا أمير المؤمنين ! وجئ برجل إليه وإنه لفي فسطاط له صغير ، فقيل : هذا فلان قد قتل ، فقال : اللهم اشهد ، ثم قال : اعذروا إلى القوم ، فأتي برجل آخر ، فقيل : وهذا قد قتل ، فقال : اللهم اشهد ، اعذروا إلى القوم ، ثم أقبل عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يحمل أخاه عبد الرحمن بن بديل ( 230 ) قد أصابه
( 229 ) ابن أعثم في تاريخه ص 176 و 177 ، وأبو الفرج في الاغاني 16 / 127 ، كلاهما أورد بعض هذا الحديث ، واليعقوبي في تاريخه 2 / 158 ، ملخصا ، وأورده أبو مخنف في " الجمل " على رواية ابن أبي الحديد عنه في شرح النهج 2 / 81 و 430 . وقد تخيرنا اللفظ من الأخير .
( 230 ) عبد الله بن بديل بن الورقاء الخزاعي . اختلفوا في نسبه وكان سيد خزاعة أسلم هو وأبوه يوم الفتح أو قبله ، وشهدا حنينا والطائف وتبوك . توفي أبوه بديل قبل وفاة النبي وأرسل النبي عبد الله وأخاه عبد الرحمن إلى اليمن .
وشهد مع علي صفين وخطب في أصحابه وقال : قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الامر أهله وقد قاتلمتوهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فوالله ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ولا أبر . وحارب يومئذ وعليه درعان وسيفان ، فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه وأزال أصحابه الذين كانوا معه ، فأقبلوا يرمونه حتى أثخنوه وقتل . فقال معاوية : ان نساء خزاعة لو قدرت أن تقاتلني فضلا عن رجالها فعلت . ( * )
- ج 1 ص 222 -
سهم فقتله ، فوضعه بين يدي علي وقال : يا أمير المؤمنين ! هذا أخي قد قتل ، فعند ذلك استرجع علي ودعا بدرع رسول الله صلى الله عليه وآله ذات الفضول فلبسها فتدلت على بطنها فرفعها بيده ، وقال بعض أهله فحزم وسطه بعمامة وتقلد ذا الفقار ورفع إلى ابنه محمد راية رسول الله صلى الله عليه وآله السوداء وتعرف بالعقاب ، وقال لحسن وحسين : إنما رفعت الراية إلى أخيكما وتركتكما لمكانكما من رسول الله صلى الله عليه وآله
وفي تاريخ ابن أعثم 176 ، انه ركب ( دلدل ) بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله
وروى البلاذري في الانساب 1 / 511 انها كانت هدية المقوقس ملك الاسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وانها بقيت إلى زمان معاوية ،
والطبري ( 1 / 1783 ) ط . اوربا في ذكر أسماء بغال رسول الله صلى الله عليه وآله ،
وطبقات ابن سعد ( 1 / 491 ) في ذكر خيل رسول الله صلى الله عليه وآله ط . داري صادر وبيروت .
قال أبو مخنف : وطاف علي على أصحابه وهو يقرأ ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) . ثم قال : أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وأعز لنا ولكم النصر ، وكان لنا ولكم ظهيرا في كل أمر .
( * ) هذا هو عبد الله وقد ذكر بعضهم أن أخاه عبد الرحمن قتل معه بصفين ، راجع الاستيعاب ص 70 ، والترجمة ص 220 وص 339 الترجمة 1458 ، وص 397 الترجمة 1703 وأسد الغابة 3 / 124 و 282 والاصابة 2 / 272 الترجمة 4559 والمستدرك 3 / 395 وصفين 276 277 . ( *