رعاية أم المؤمنين :
ثم أمر علي محمد بن أبي بكر ، فضرب عليها قبة ، وقال : انظر هل وصل إليها شئ ، فأدخل رأسه . فقالت : من أنت ؟ فقال : أبغض أهلك إليك . قالت : ابن الخثعمة ؟ قال : نعم . قالت : بأبي أنت وأمي ، الحمد لله الذي عافاك .
وفي مروج الذهب للمسعودي : قال لها : أقرب الناس قرابة ، وأبغضهم اليك ، أنا محمد أخوك ، يقول لك أمير المؤمنين : هل أصابك شئ ؟ قالت : ما أصابني شئ : إلا سهم لم يضرني . فجاء علي حتى وقف عليها ، فضرب الهودج بقضيب ، وقال : يا حميراء ! أرسول الله أمرك بهذا ؟ ألم يأمرك أن تقري في بيتك ؟ والله ما أنصفك الذين صانوا عقائلهم وأبرزوك .
وفي رواية أخرى للطبري : واحتمل محمد بن أبي بكر عائشة فضرب عليها فسطاطا فوقف علي عليها ، فقال لها : استفززت الناس وقد فزوا ، وألبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضا . . . في كلام كثير ، فقالت : ملكت فاسجح ( 265 ) . وقال عمار بن ياسر لعائشة ( رض ) حين فرغ القوم : يا أم المؤمنين ! ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك . قالت : أبو اليقظان ؟ قال : نعم . قالت : والله إنك ما علمت قوال بالحق . قال : الحمد لله الذي قضى لي على لسانك ( 266 ) .
( 265 ) الطبري 5 / 204 والعقد الفريد 4 / 328 واليعقوبي في تاريخه .
( 266 ) الطبري 5 / 225 226 وابن الاثير 3 / 102 وانساب الاشراف للبلاذري 1 / 167 وفتح الباري بشرح صحيح البخاري واللفظ للأول . ( * )
- ج 1 ص 244 -
العفو العام :
ثم نادى منادي علي ألا يجهز على جريح ، ولا يتبع مول ، ولا يطعن في وجه مدبر ، ومن ألقى السلاح فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن . ثم أمن الاسود والاحمر .
وفي الكنز بعده : ولا يستحلن فرج ولا مال ( 267 ) ، وانظروا ما حضر به الحرب من آنية فاقبضوه ، وما كان سوى ذلك فهو لورثته ، ولا يطلبن عبد خارجا من العسكر وما كان من دابة أو سلاح فهو لكم ، وليس لكم أم ولد ، والمواريث على فرائض الله ، وأي امرأة قتل زوجها فلتعتد أربعة أشهر وعشرا .
قالوا : يا أمير المؤمنين ! تحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا نساؤهم ؟ فقالك كذلك السيرة في أهل القبلة ، فاخصموه . قال : فهاتوا سهامكم وأقرعوا على عائشة فهي رأس الأمر وقائدهم ، فعرفوا وقالوا : نستغفر الله ، فخصمهم علي . وقال علي يوم الجمل : نمن عليهم بشهادة أن لا إله إلا الله ونورث الأبناء من الآباء .
وأورد في الكنز أيضا تفصيل هذه المخاصمة بين علي وجيشه هكذا ( 268 ) وقال : وخطب علي في البصرة بعد حرب الجمل وفيما هو يخطب قام إليه عمار ، فقال : يا أمير المؤمنين ! إن الناس يذكرون الفئ ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وأهله فئ لنا وولده .
فقام رجل من بكر وائل يدعى عباد بن قيس وكان ذا عارضة ولسان شديد . فقال : يا أمير المؤمنين ! والله ما قسمت بالسوية ، ولا عدلت في الرعية . فقال علي : ولم ؟ ويحك !
( 267 ) اليعقوبي في تاريخه ، والكنز 6 / 83 85 ، الحديث 1302 و 1305 1307 و 1316 ، ط . حيدر آباد : 11 / 325 و 327 ، ح 1304 و 1309 .
( 268 ) الكنز 8 / 215 217 ومنتخبه 6 / 315 331 . ( * )
- ج 1 ص 245 -
قال : لانك قسمت ما في المعسكر ، وتركت الأموال والنساء والذرية . .
فقال علي : يا أخا بكر ! إنك امرؤ ضعيف الرأي ، أو ما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير ( * ) ، وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة ، وتزوجوا على رشده ، وولدوا على الفطرة ، وإنما لكم ما حوى عسكرهم ، وما كان في دورهم فهو ميراث لذريتهم ، فإن عدا علينا أحد منهم أخذناه بذنبه ، وإن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره ، يا أخا بكر ! لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل مكة ، قسم ما حوى العسكر ، ولم يعرض لما سوى ذلك ، وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل .
يا أخا بكر ! أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها ؟ وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق ، فمهلا مهلا رحمكم الله ، فإن أنتم لم تصدقوني وأكثرتم علي وذلك أنه تكلم في هذا غير واحد فأيكم يأخذ أمه عائشة بسهمه ؟ ! قالوا : لا . أينا يا أمير المؤمنين ! بل أصبت وأخطأنا ، وعلمت وجهلنا ، ونحن نستغفر الله .
وتنادى الناس من كل جانب : أصبت يا أمير المؤمنين ! أصاب الله بك الرشاد والسداد .
فقام عمار ، فقال : يا أيها الناس ! إنكم والله إن اتبعتموه واطعتموه لم يضل بكم عن منهاج نبيكم قيد شعرة ، وكيف يكون ذلك وقد استودعه رسول الله صلى الله عليه وآله المنايا والوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران ، إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .
فضلا خصه الله به إكراما منه لنبيه صلى الله عليه وآله حيث أعطاه ما لم يعطه أحدا من خلقه . ثم قال علي : انظروا رحمكم الله ما تؤمرون به فامضوا له . فإني حاملكم إن شاء الله إن أطعتموني على سبيل الجنة ، وان كانت ذا مشقة شديدة ومرارة عتيدة . . ( 269 )
وأما عائشة فقد أدركها رأي النساء ، وشئ كان
( * ) يعني أنه لا يسترق المسلم الصغير والمرأة الحرة المسلمة بذنب الاب والزوج الباغي .
( 269 ) قد ورد في نهج البلاغة 1 / 63 : يغلي في صدرها . ( * )
- ج 1 ص 246 -
في نفسها علي يغلي في جوفها كالمرجل ، ولو دعيت لتنال من غير ما أتت به إلي لم تفعل ، ولها بعد ذلك حرمتها الأولى والحساب على الله يعفو عمن يشاء ، ويعذب من يشاء ، فرضي بعد ذلك أصحابه ، وسلموا لأمره بعد اختلاط شديد ( 270 ) فقالوا : يا أمير المؤمنين حكمت والله فينا بحم الله غير أنا جهلنا ومع جهلنا لم نأت ما يكره أمير المؤمنين ، وقال ابن يساف الأنصاري :
إن رأيا رأيتموه سفاها * لخطا الايراد والاصدار
ليس زوج النبي تقسم فيئا * ذا كزيغ القلوب والابصار
فاقبلوا اليوم ما يقول علي * لا تناجو بالاثم في الاسرار
ليس ما ضمت البيوت بفئ * إنما الفئ ما تضم الاوار
من كراع في عسكر وسلاح * ومتاع يبيع أيدي التجار
ليس في الحق قسم ذات نطاق * لا ولا أخذكم لذات خمار
ذاك هو فيئكم خذوه وقولوا * قد رضينا لا خير في الاكثار
إنما أمكم وإن عظم الخط * ب وجاءت بزلة وعثار
فلها حرمة النبي وحقا * ن علينا من سترها ووقار
فقام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ! أخبرنا على م قاتلت طلحة والزبير ؟ قال : ( قاتلتهم على نقضهم بيعتي ، وقتلهم شيعتي من المؤمنين حكيم بن جبلة العبدي من عبد القيس ، والسبابجة ، والاساورة ، بلا حق استوجبوه منهما ، ولا كان ذلك لهما دون الامام . ولو أنهما فعلا ذلك بأبي بكر وعمر لقاتلاهما ، ولقد علم من ههنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله أن أبا بكر وعمر لم
( 270 ) إنما التبس الأمر عليهم في ذلك لما كانوا قد شاهدوه من سيرة أول الخلفاء مع من حاربه من المسلمين ممن امتنعوا من أداء الزكاة إليه ، فإنه لم يفرق بينهم وبين غيرهم من القبائل العربية التي ارتدت في الجزيرة العربية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسائر المشركين ، وعامل الجميع معاملة واحدة . ( * )
- ج 1 ص 247 -
يرضيا ممن امتنع من بيعة أبي بكر حتى بايع وهو كاره ، ولم يكونوا بايعوه بعد الانصار فما بالي ! وقد بايعاني طائعين غير مكرهين ، ولكنهما طمعا مني في ولاية البصرة واليمن ، فلما لم أولهما ، وجاءهما الذي غلب عليهما من حبهما للدنيا وحرصهما عليهما ، خفت أن يتخذا عباد الله خولا ، ومال المسلمين لانفسهما ، فلما زويت ذلك ( * ) عنهما وذلك بعد أن جربتهما واحتججت عليهما . . ) الحديث .
ثم خطب علي في أهل البصرة وقال في خطبته : ( كنتم جند المرأة وأتباع البهيمة ، رغا فاجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق ، والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه ، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه . . ) الخطبة ( 271 ) .
( * ) زوى عنه : نحاه عنه .
( 271 ) أخلاقكم دقاق : دنيئة . وعهدكم شقاق : يصفهم بالغدر وأن ذمتهم لا يوثق بها . وماؤكم زعاق : مالح ، قد نقلنا هذه الخطبة من نهج البلاغة شرح محمد عبدة 1 / 40 ، وقد أورد هذه الخطبة أيضا كل من : ابن قتيبة في عيون الاخبار ص 217 ط . مصر 1342 مع تغيير في بعض ألفاظها ، والشيخ الطوسي في أماليه ص 78 ط . إيران 1313 ، والمفيد في ( الجمل ) 201 ، والمسعودي في مروجه بهامش ابن الاثير 5 / 197 وقال هناك : وخطب الناس بالبصرة خطبته الطويلة التي يقول فيها . . الخطبة ، والعقد الفريد 4 / 328 ط . لجنة التأليف ، وفي ألفاظها اختلاف بعضها مع بعض ، ويظهر أن كل واحد منهم قد أورد قسما منها . ( * )
ثم أمر علي محمد بن أبي بكر ، فضرب عليها قبة ، وقال : انظر هل وصل إليها شئ ، فأدخل رأسه . فقالت : من أنت ؟ فقال : أبغض أهلك إليك . قالت : ابن الخثعمة ؟ قال : نعم . قالت : بأبي أنت وأمي ، الحمد لله الذي عافاك .
وفي مروج الذهب للمسعودي : قال لها : أقرب الناس قرابة ، وأبغضهم اليك ، أنا محمد أخوك ، يقول لك أمير المؤمنين : هل أصابك شئ ؟ قالت : ما أصابني شئ : إلا سهم لم يضرني . فجاء علي حتى وقف عليها ، فضرب الهودج بقضيب ، وقال : يا حميراء ! أرسول الله أمرك بهذا ؟ ألم يأمرك أن تقري في بيتك ؟ والله ما أنصفك الذين صانوا عقائلهم وأبرزوك .
وفي رواية أخرى للطبري : واحتمل محمد بن أبي بكر عائشة فضرب عليها فسطاطا فوقف علي عليها ، فقال لها : استفززت الناس وقد فزوا ، وألبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضا . . . في كلام كثير ، فقالت : ملكت فاسجح ( 265 ) . وقال عمار بن ياسر لعائشة ( رض ) حين فرغ القوم : يا أم المؤمنين ! ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك . قالت : أبو اليقظان ؟ قال : نعم . قالت : والله إنك ما علمت قوال بالحق . قال : الحمد لله الذي قضى لي على لسانك ( 266 ) .
( 265 ) الطبري 5 / 204 والعقد الفريد 4 / 328 واليعقوبي في تاريخه .
( 266 ) الطبري 5 / 225 226 وابن الاثير 3 / 102 وانساب الاشراف للبلاذري 1 / 167 وفتح الباري بشرح صحيح البخاري واللفظ للأول . ( * )
- ج 1 ص 244 -
العفو العام :
ثم نادى منادي علي ألا يجهز على جريح ، ولا يتبع مول ، ولا يطعن في وجه مدبر ، ومن ألقى السلاح فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن . ثم أمن الاسود والاحمر .
وفي الكنز بعده : ولا يستحلن فرج ولا مال ( 267 ) ، وانظروا ما حضر به الحرب من آنية فاقبضوه ، وما كان سوى ذلك فهو لورثته ، ولا يطلبن عبد خارجا من العسكر وما كان من دابة أو سلاح فهو لكم ، وليس لكم أم ولد ، والمواريث على فرائض الله ، وأي امرأة قتل زوجها فلتعتد أربعة أشهر وعشرا .
قالوا : يا أمير المؤمنين ! تحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا نساؤهم ؟ فقالك كذلك السيرة في أهل القبلة ، فاخصموه . قال : فهاتوا سهامكم وأقرعوا على عائشة فهي رأس الأمر وقائدهم ، فعرفوا وقالوا : نستغفر الله ، فخصمهم علي . وقال علي يوم الجمل : نمن عليهم بشهادة أن لا إله إلا الله ونورث الأبناء من الآباء .
وأورد في الكنز أيضا تفصيل هذه المخاصمة بين علي وجيشه هكذا ( 268 ) وقال : وخطب علي في البصرة بعد حرب الجمل وفيما هو يخطب قام إليه عمار ، فقال : يا أمير المؤمنين ! إن الناس يذكرون الفئ ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وأهله فئ لنا وولده .
فقام رجل من بكر وائل يدعى عباد بن قيس وكان ذا عارضة ولسان شديد . فقال : يا أمير المؤمنين ! والله ما قسمت بالسوية ، ولا عدلت في الرعية . فقال علي : ولم ؟ ويحك !
( 267 ) اليعقوبي في تاريخه ، والكنز 6 / 83 85 ، الحديث 1302 و 1305 1307 و 1316 ، ط . حيدر آباد : 11 / 325 و 327 ، ح 1304 و 1309 .
( 268 ) الكنز 8 / 215 217 ومنتخبه 6 / 315 331 . ( * )
- ج 1 ص 245 -
قال : لانك قسمت ما في المعسكر ، وتركت الأموال والنساء والذرية . .
فقال علي : يا أخا بكر ! إنك امرؤ ضعيف الرأي ، أو ما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير ( * ) ، وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة ، وتزوجوا على رشده ، وولدوا على الفطرة ، وإنما لكم ما حوى عسكرهم ، وما كان في دورهم فهو ميراث لذريتهم ، فإن عدا علينا أحد منهم أخذناه بذنبه ، وإن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره ، يا أخا بكر ! لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل مكة ، قسم ما حوى العسكر ، ولم يعرض لما سوى ذلك ، وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل .
يا أخا بكر ! أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها ؟ وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق ، فمهلا مهلا رحمكم الله ، فإن أنتم لم تصدقوني وأكثرتم علي وذلك أنه تكلم في هذا غير واحد فأيكم يأخذ أمه عائشة بسهمه ؟ ! قالوا : لا . أينا يا أمير المؤمنين ! بل أصبت وأخطأنا ، وعلمت وجهلنا ، ونحن نستغفر الله .
وتنادى الناس من كل جانب : أصبت يا أمير المؤمنين ! أصاب الله بك الرشاد والسداد .
فقام عمار ، فقال : يا أيها الناس ! إنكم والله إن اتبعتموه واطعتموه لم يضل بكم عن منهاج نبيكم قيد شعرة ، وكيف يكون ذلك وقد استودعه رسول الله صلى الله عليه وآله المنايا والوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران ، إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .
فضلا خصه الله به إكراما منه لنبيه صلى الله عليه وآله حيث أعطاه ما لم يعطه أحدا من خلقه . ثم قال علي : انظروا رحمكم الله ما تؤمرون به فامضوا له . فإني حاملكم إن شاء الله إن أطعتموني على سبيل الجنة ، وان كانت ذا مشقة شديدة ومرارة عتيدة . . ( 269 )
وأما عائشة فقد أدركها رأي النساء ، وشئ كان
( * ) يعني أنه لا يسترق المسلم الصغير والمرأة الحرة المسلمة بذنب الاب والزوج الباغي .
( 269 ) قد ورد في نهج البلاغة 1 / 63 : يغلي في صدرها . ( * )
- ج 1 ص 246 -
في نفسها علي يغلي في جوفها كالمرجل ، ولو دعيت لتنال من غير ما أتت به إلي لم تفعل ، ولها بعد ذلك حرمتها الأولى والحساب على الله يعفو عمن يشاء ، ويعذب من يشاء ، فرضي بعد ذلك أصحابه ، وسلموا لأمره بعد اختلاط شديد ( 270 ) فقالوا : يا أمير المؤمنين حكمت والله فينا بحم الله غير أنا جهلنا ومع جهلنا لم نأت ما يكره أمير المؤمنين ، وقال ابن يساف الأنصاري :
إن رأيا رأيتموه سفاها * لخطا الايراد والاصدار
ليس زوج النبي تقسم فيئا * ذا كزيغ القلوب والابصار
فاقبلوا اليوم ما يقول علي * لا تناجو بالاثم في الاسرار
ليس ما ضمت البيوت بفئ * إنما الفئ ما تضم الاوار
من كراع في عسكر وسلاح * ومتاع يبيع أيدي التجار
ليس في الحق قسم ذات نطاق * لا ولا أخذكم لذات خمار
ذاك هو فيئكم خذوه وقولوا * قد رضينا لا خير في الاكثار
إنما أمكم وإن عظم الخط * ب وجاءت بزلة وعثار
فلها حرمة النبي وحقا * ن علينا من سترها ووقار
فقام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ! أخبرنا على م قاتلت طلحة والزبير ؟ قال : ( قاتلتهم على نقضهم بيعتي ، وقتلهم شيعتي من المؤمنين حكيم بن جبلة العبدي من عبد القيس ، والسبابجة ، والاساورة ، بلا حق استوجبوه منهما ، ولا كان ذلك لهما دون الامام . ولو أنهما فعلا ذلك بأبي بكر وعمر لقاتلاهما ، ولقد علم من ههنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله أن أبا بكر وعمر لم
( 270 ) إنما التبس الأمر عليهم في ذلك لما كانوا قد شاهدوه من سيرة أول الخلفاء مع من حاربه من المسلمين ممن امتنعوا من أداء الزكاة إليه ، فإنه لم يفرق بينهم وبين غيرهم من القبائل العربية التي ارتدت في الجزيرة العربية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسائر المشركين ، وعامل الجميع معاملة واحدة . ( * )
- ج 1 ص 247 -
يرضيا ممن امتنع من بيعة أبي بكر حتى بايع وهو كاره ، ولم يكونوا بايعوه بعد الانصار فما بالي ! وقد بايعاني طائعين غير مكرهين ، ولكنهما طمعا مني في ولاية البصرة واليمن ، فلما لم أولهما ، وجاءهما الذي غلب عليهما من حبهما للدنيا وحرصهما عليهما ، خفت أن يتخذا عباد الله خولا ، ومال المسلمين لانفسهما ، فلما زويت ذلك ( * ) عنهما وذلك بعد أن جربتهما واحتججت عليهما . . ) الحديث .
ثم خطب علي في أهل البصرة وقال في خطبته : ( كنتم جند المرأة وأتباع البهيمة ، رغا فاجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق ، والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه ، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه . . ) الخطبة ( 271 ) .
( * ) زوى عنه : نحاه عنه .
( 271 ) أخلاقكم دقاق : دنيئة . وعهدكم شقاق : يصفهم بالغدر وأن ذمتهم لا يوثق بها . وماؤكم زعاق : مالح ، قد نقلنا هذه الخطبة من نهج البلاغة شرح محمد عبدة 1 / 40 ، وقد أورد هذه الخطبة أيضا كل من : ابن قتيبة في عيون الاخبار ص 217 ط . مصر 1342 مع تغيير في بعض ألفاظها ، والشيخ الطوسي في أماليه ص 78 ط . إيران 1313 ، والمفيد في ( الجمل ) 201 ، والمسعودي في مروجه بهامش ابن الاثير 5 / 197 وقال هناك : وخطب الناس بالبصرة خطبته الطويلة التي يقول فيها . . الخطبة ، والعقد الفريد 4 / 328 ط . لجنة التأليف ، وفي ألفاظها اختلاف بعضها مع بعض ، ويظهر أن كل واحد منهم قد أورد قسما منها . ( * )