السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشارت خمس من المصادر لولادة حكيم بن حزام في الكعبة ألا وهي اخبار مكة للازرقي ، وجمهرة النسب لابن بكار ، والمحبر لابن حبيب ، واخبار مكة للفاكهي ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ، أما المصادر الأخرى فهي مجرد ناقلة رواية ابن بكار أو الحاكم.
وألان لنتناول هذه الروايات بالدراسة حسب علم الجرح والتعديل :
اولاً : اخبار مكة اللازرقي .
هو أبو الوليد محمد بن عبد الله بن احمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن عثمان الملقب الأزرق من أسرة أبي شمر الغساني ( 219 ) .
قال بصدد ولادة حكيم : " حدثني محمد بن يحيى ، حدثنا عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن أبي سليمان عن أبيه : إن فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن العزى وهي أم حكيم بن حزام دخلت الكعبة وهي حامل فأدركها المخاض ( 220 ) فيها فولدت حكيما في الكعبة ، فحملت في نطع ( 221 ) واخذ ما تحت مثبرها ( 222 ) فغسل عند حوض زمزم ، وأخذت ثيابها التي ولدت فيها فجعلت لقاً ـ واللقا انه لم يكن يطوف احد بالبيت إلا عرياناً إلا الحمس فإنهم كانوا يطوفون بالبيت وعليهم ـ الثياب ـ ( 223 )
والآن لنلقي نظرة في مؤلفات الجرح والتعديل لنرى أحكامها في سلسلة السند :
أولا : أبو غسان محمد بن يحيى بن علي بن عبد الحميد بن عبيد الكناني .
قال أبو حاتم : شيخ . ( 224 ) وقال السليماني : حديثه منكر ( 225 ) . وقال ابن حجر : " قال النسائي : ليس به باس . وذكره ابن حبان في الثقات وقال : ربما خالف ، وقال عمر بن شبه : كان كاتبا وأبوه وجداه كاتبين ، وكان عمه كاتباً ، وقال الحافظ أبو بكر بن مفوز الشاطبي : كان احد الثقات المشاهير يحمل الحديث ولأدب والتفسير ، ومن بيت علم ونباهة .
قلت : هذا الكلام راد على ابن حزم في دعواه إن ابن غسان مجهول ، ولفظ ابن حزم : ( محمد بن يحيى الكتاني مجهول ) .
فلعله ظنه آخر وقد قال السليماني : حديثه منكر ، ولم يتابع السليماني على هذا . وقال الدارقطني : ثقة " ( 226 )
ثانياً : أبو ثابت عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني .
قال فيه ابن أبي حاتم ( . . . قال انا عبد الله بن احمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي .
قال : سالت أبي عن عبد العزيز بن عمران . فقال : ما كتبت عنه شيء . . . انا اسحق بن يعقوب الهروي فيما كتب إلي.
قال : أنا عثمان بن سعيد . فقال : يحيى بن معين : ابن أبي ثابت عبد العزيز بن عمران من ولد عبد الرحمن بن عوف . ما حاله ؟ قال ليس بثقة . إنما كان صاحب شعر . أنا عبد الرحمن . قال : سالت أبي عبد العزيز بن عمران الذي يروي عنه يعقوب الزهري وغيره . فقال : متروك الحديث ، ضعيف الحديث ، منكر الحديث جدا . قلت : يكتب حديثه ، قال : على الاعتبار . قال أبو محمد : كان في كتابنا عن أبي زرعة أحاديث لمحمد بن إسماعيل الجعفري عن عبد العزيز بن عمران ، فامتنع أبو زرعة من قراءته وترك الرواية عنه ) ( 227 )
وقال ابن عدي : ( قلت ليحيى بن معين : فابن أبي ثابت عبد العزيز بن عمران . . . قال : ليس بثقة . إنما كان صاحب شعر . سمعت ابن حماد يقول : قال البخاري : عبد العزيز بن عمران أبو ثابت لا يكتب حديثه ، منكر الحديث ) ( 228 )
. وقال الذهبي : ( قال البخاري : لا يكتب حديثه ، وقال النسائي وغيره : متروك ( 229 ) ، وقال الهيثمي : ( عبد العزيز بن ثابت ضعيف جداً ) ، ( وقد ضعفه البخاري وجماعة وذكره ابن حبان في الثقات ) ( 230 ) .
وقال ابن حجر : ( متروك ، احترقت كتبه ، فحدث من حفظه ، فاشتد غلطه ، وكان عارفاً بالأنساب ، مات سنة سبع وتسعين ومائة ) ( 231 ) وقال أيضا : ( قال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين : كان صاحب نسب ولم يكن من أصحاب الحديث . وقال عثمان الدارمي عن يحيى : ليس بثقة ، إنما كان صاحب شعر . وقال الحسين بن حبان عن يحيى : قد رأيته ببغداد كان يشتم الناس ويطعن في احسابهم ، ليس حديثه بشيء ، وقال محمد بن يحيى الذهلي : علي بدنة إن حدثت عنه حديثاً ، وضعفه جدا ، وقال البخاري : منكر لا يكتب حديثه . وقال النسائي : متروك الحديث . وقال مرة : لا يكتب حديثه . قال خليفة وغيره : مات سنة سبعة وتسعون ومائه . قلت : وقال : ابن حبان : يروي المناكير عن المشاهير . وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث جداً . قيل له يكتب حديثه ، قال : على الاعتبار ، وقال ابن أبي حاتم : امتنع أبو زرعة من قراءة حديثه ، وترك الرواية عنه . وقال الترمذي والدارقطني : وقال عمر بن شبه في إخبار المدينة : كان كثير الغلط في حديثه لأنه احترقت كتبه ، فكان يحدث من حفظه ) . ( 232 ) .
ثالثاً : ابو ايوب عبد الله بن أبي سليمان
الأموي بالولاء مولى الخليفة عثمان بن عفان ، ويقال إن اسمه سليمان . قال ابن أبي حاتم : ( روي عن أبي هريرة . . . وروي أبو سلمة عن خزرج بن عثمان السعدي عن ابي ايوب سليمان مولى عثمان عن أبي هريرة ، والصحيح عبد الله بن أبي سليمان كما قال حماد بن سلمة . قال : عبد الرحمن. . قال : سمعت أبي يقول ذلك .
وسألته عنه فقال : كان من اكابر اصحاب حماد بن سلمة . قلت ايش حاله ؟ فقال : شيخ ) ( 233 ) .
وقال ابن حجر : ( عبد الله بن أبي سليمان الأموي مولى عثمان ابو ايوب ، ويقال اسمه سليمان ، روي عن جبير بن مطعم حديث : ليس منا من دعا إلى عصبية . وعن أبي هريرة في تعظيم القطيعة . . . قال ابن أبي حاتم : سالت أبي عنه فقال : كان من أكابر أصحاب حماد بن سلمة يعني مشائخه . قلت ما حاله ؟ قال شيخ . وذكره ابن حبان في الثقات . وقال أبو داود عقب حديثه : هذا مرسل عبد الله بن سليمان لم يسمع من جبير ) ( 234 ) .
الملاحظ على السلسلة أعلاه : ان محمد بن يحيى قد اختلف في توثيقه والطعن فيه ، في الوقت الذي اجمع الكل على تجريح عبد العزيز بن عمران .
أما الثالث فهو عبد الله بن أبي سليمان ، فقد اختلف في اسمه ، هل هو عبد الله أم سليمان ؟ ولا نعرف عنه سوى انه مولى للخليفة عثمان .
فمن هو الذي اخبر عبد الله بخبر الولادة ؟ الرواية تشير انه أبيه ؟ هذا ما لم تشير إليه المصادر .
ولا ننسى هنا الإشارة إلى إن حكيماً كان احد أربعة قاموا بدفن الخليفة عثمان ( 235 ) .
ثانياً : جمهرة النسب للزبير ابن بكار ت 256هـ .
لمؤلفه ابو عبد الله الزبير بن بكر ( بكار ) بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام ثم لأكبر أولاده عبد الله الذي اعلن نفسه خليفة في الحجاز اثر وفاة الخليفة يزيد بن معاوية .
وكان لعبد الله عدة أولاد منهم ثابت الذي ولد له نافع ومصعب ، وقد أشار علماء الجرح والتعديل لمكانته مصعب هذا باعتباره احد الرواة ، فقال فيه ابن أبي حاتم : ( . . . قال احمد بن حنبل : مصعب بن ثابت أراه ضعيف الحديث . . قال يحيى بن معين : أنا عبد الرحمن . قال : سألت أبي عن مصعب فقال : صدوق كثير الغلط ليس بالقوي . قال أبو زرعة : مصعب بن ثابت ليس بالقوي ) ( 236 ) .
قال الذهبي ( ضعفه يحيى بن معين واحمد ، وقال أبو حاتم : لا يحتج به ، وقال النسائي : ليس بالقوي . . . قيل : الزبير : وكان مصعب من اعبد أهل زمانه . قيل : كان يصوم الدهر ويصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ( 237 ) حتى يبس من العبادة ، وعاش إحدى وسبعين سنة ) ( 238 ) . وقال ابن حجر : ( لين الحديث ، وكان عابداً ) ( 239 ) .
أما ولده عبد الله بن مصعب فكان على علاقة وثيقة بالخلافة العباسية حيث كان من أصحاب الخليفة محمد المهدي ( 240 ) ثم الهادي ثم الرشيد .
يقول مصعب الزبيري : ( كان عبد الله بن المصعب بن ثابت في أصحابه المهدي ، صحبة سنتين حين قدم المهدي المدينة ، وجلس للناس يعطيهم الأموال ، يعطي الرجل من قريش ثلاثمائة دينار ويكسوه سبعة أثواب . فأصبح ذلك العام عبد الله بن المصعب ، فلم يزل في صحبته ، وصحابة هارون الرشيد ، حتى مات سنة أربع وثمانين ) ( 241 )
وكان المهدي قد ولاه اليمامة ، في حين ولاه الرشيد المدينة ثم اليمن ، ولما جاء أمر توليه اليمن بعث عبد الله بن مصعب إمامه الضحاك بن عثمان بن خالد بن حزام ( 242 ) حتى يقدم اليمن ( 243 ) قال ابن النديم : وكان عبد الله من أشرار الناس متحاملاً على ولد علي عليه السلام ، وخبره مع يحيى بن عبد الله ( 244 ) معروف ( 245 ) . وكان متهماً في نسبه حتى إن مصعب بن ثابت نفاه عن نفسه مراراً ( 246 ) وقد خلف عبد الله من الأولاد مصعب المعروف بالزبير ، وأبي بكر ( بكار ) والد الزبير بن بكار ، فاما مصعب الزبيري فكان راوياً أديباً محدثاً شاعراً ، واستوطن بغداد حتى وفاته في 233 أو 236 هـ وله 96 سنة وله مؤلفات أهمها ( نسب قريش ) ( 247 ) .
قال فيه ابن أبي حاتم ( روي عن مالك. . . روى عنه أبو زرعه ، كتب عنه يحيى بن معين ، وحدث عنه أبي ) ( 248 ) وقال الذهبي ) : قال ابن معين ثقة ، وقال الدارقطني : ثقة ( 249 ) وقال ابن حجر ( صدوق عالم بالنسب ) ( 250 )
اما ابو بكر وهو بكار والد الزبير فقد خلف والده في ولاية المدينة أيام هارون الرشيد لمدة ثلاث عشر سنة ( 251 ) وكان قد تعرض لهجاء الشعراء هو وأخيه مصعب الزبيري وفي الشعر أدناه إشارة لتهمة عبد الله بن مصعب في نسبه :
تعي حواري رسول الله تكذباً وأنت لوردان الحمير سليل
ولو لا سعايات بال محمد لألفى أبوك العبد وهو ذليل
ولكنه باع القلـيل بـدينه فطال له وسط الجحيم عويل
فنال منه مالا وجاها ومنكحا وذلك خزي في المعاد طويل ( 252 )
ونأتي الان لولده الزبير بن بكار : فكان من أهل المدينة ، وهو إخباري نسابة ، وشاعر صدوق ، وراوي نبيل القدر ، كان دائب السفر إلى بغداد ، وتولى قضاء مكة حتى وفاته سنة 256هـ ، وحضر جنازته محمد بن عيسى بن المنصور ، ودفن إلى جانب قبر علي بن عيسى الهاشمي ، وفي هذا دلالة على وثاقة علاقته بالخلافة العباسية ، وله من الكتب نسب قريش والذي لم يصل إلينا إلا قطعه عن آل الزبير نشر جاسم جمهرة نسب قريش ، وكتاب الموفقيات ( 253 ) ألفه للموفق العباسي .
اخذ الزبير عن عمه مصعب الزبيري ، وعن محمد الضحاك بن عثمان من اَل حزام ( 254 ) ، وعن عبد العزيز بن عبد الله ( 255 ) . قال ابن أبي حاتم عن الزبير بن بكار : ( كتب عنه أبي بمكة ، ورايته ولم اكتب عنه ) ( 256 ) . ووصفه السليماني في عداد من يضع الحديث . وقال مرة: منكر الحديث ( 257 ) . وقال عنه الذهبي ( الإمام صاحب النسب قاضي مكة ، ثقة من أوعية العلم ، لا يلتفت إلى قول احمد بن علي السليماني ) ( ( 258 ) . وقال ابن حجر : ( قاضي المدينه ، ثقة ، اخطأ السليماني في تضعيفه ) ( ( 259 ) . وقال ابن أبي الحديد إن الزبير بن بكار لا ينسب للشيعة ( لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي عليه السلام والانحراف عنه ) ( 260 ) .
روى الزبير خبر ولادة حكيم في الكعبة قائلاً : ( حدثني مصعب بن عثمان قال : دخلت ام حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش ، وهي حامل متم بحكيم بن حزام فضربها المخاض في الكعبة ، فأتيت بنطع حيث أعجلها الولادة فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على نطع ) ( 261 ) .
ان مصدر الزبير اعلاه هو مصعب بن عروه بن الزبير بن العوام ، فسلسلة نسبه تعود للابن الأصغر للزبير وأخ عبد الله بن الزبير وهو عروة ابن الزبير الذي كان على علاقة ودية مع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ( 64 ـ 86 هـ ) خاصة بعد مقتل اخيه عبد الله ابن الزبير ( 262 ) .
وقد ولد له عدة اولاد أصغرهم مصعب الذي كان صغيراً يوم مات والده فلم يأخذ عنه شيئا ( 263 ) .
وأولد مصعباً ولداً اسمه عثمان الذي لم أجد له ترجمة .
ثم ولد لعثمان مصعباً راوي ولادة حكيم أعلاه الذي لا نعرف عنه إلا انه كان ساعياً لدى أبي بكر بن عبد الله والد الزبير بن بكار ، حينما كان والياً على المدينة .
والساعي هو الذي يجمع الصدقات والزكاة .
وقد أشار إليه ـ ابن بكار ـ بكونه عالماً بإخبار قريش ( 264 ) ، لذا اعتمد الكثير من الروايات ( 265 ) ، ولم أجد لمصعب بن عثمان ذكر في كتب الجرح والتعديل ليتسنى لنا معرفة درجة وثاقته ، وقد اعتمده الطبري في روايتين مرسلتين من محمد ( 266 ) ذي النفس الزكية ( 267 ) .
وتبقى المسالة الأهم وهي وجود إرسال بين مصعب بن عثمان وهو في النصف الأول من القرن الثالث الهجري ، وبين ولادة حكيم التي كانت قبل الهجرة بنحو ست وستين سنة إذا صحت ولادته قبل الإسلام بستين سنة .
ثالثاً : المحبر لابن حبيب .
لمؤلفه جعفر محمد بن حبيب صاحب كتابي المحبر والمنمق المطبوعان ، كان إخباريا لذا نجد كتبه تخلو من الإسناد ( 268 ) .
اشار ابن حبيب إلى ولادة حكيم في الكعبة حينما تحدث عن الندماء من قريش قال : ( كان الحارث بن هشام بن المغيرة ( 269 ) نديما لحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد ـ وحكيم هذا ولد في الكعبة ، وذلك إن امه دخلت الكعبة وهي حامل به ، فضربها المخاض فيه ، فولدته هناك ـ اسلما جميعا ) ( 270 ) .
يلاحظ في الرواية أعلاه :
1 ـ الرواية تأتي تحت عنوان ( الندماء من قريش ) فتشير الرواية إلى منادمة الحارث بن هشام لحكيم بن حزام ثم تأتي جملة عرضية الا وهي ( وحكيم هذا ولد في الكعبة . . . فولدته هناك ) .
ثم بعد ذلك تأتي عبارة ( اسلما جميعا ) والتي يفترض إن تأتي مباشرة بعد ذكر الحارث وحكيم ! ! .
2 ـ الملاحظ إن هذه الإضافة ترجع إلى راوي كتاب المحبر وهو ابو سعيد الحسن ابن الحسن السكري المولود سنة 112هـ ، والذي كان عارفاً بالنحو والأدب وتتلمذ على شيوخ منهم محمد بن حبيب الذي روى له كتاب المحبر ، وروى عنه كتاب النسب لابن الكلبي ، وقد وصف السكري من قبل الخطيب بأنه ثقة دينا صادقاً يقرئ القرآن ( 271 ) .
وقال عنه الحموي بأنه الراوي الثقة المكثر ( 272 ) ، وقد اختلف في وفاته بين سنتي 275 ــ 290 هـ ، ( 273 ) والأخير أرجح .
ومما يؤكد كلامنا أعلاه ما جاء لدى ابن حبيب في ذات فصل ( الندماء من قريش ) قوله : ( وكان حمزة بن عبد المطلب نديما لعبد الله بن السائب المخزومي ، اسلما جميعا ) ( 274 ) فهنا عبارة ( اسلما جميعا ) جاءت مباشرة بعد ذكر حمزة وعبد الله.
ومما يزيد الأمر وضوحاً إن أبا سعيد السكري أحيانا يشير لإضافاته صراحة ، فعلى سبيل المثال في القول ابن حبيب لما تحدث عن أسلاف ( 275 ) النبي ( ص ) قال : ( وسالفه صلى الله عليه سعيد بن الاخنس ـ قال أبو سعيد السكري : سعيد هذا هو الذي قال النبي ( ص ) ( أبعده الله ) فانه كان يبغض قريشاً ـ ابن شريف بن وهب . . . ) ( 276 ) .
فنلاحظ هنا الشبه بين قوله ( سعيد هذا ) بقوله السابق ( حكيم هذا ) والشبه بين الفاصلة هنا ( ابن الاخنس . . . بن شريف ) بالفاصلة هناك .
3 ـ إن شهادات التوثيق الصادرة بحق السكري من الخطيب والحموي ، لا تعف السكري كم مسالة إضافة هذه الإضافات ، خاصة إذا علمنا إن السكري قد أضاف إضافة كثيرة لمتن كتاب المهجر ( 277 ) ، وقد أبدى محقق كتاب المحبر تعليلا لذلك ( 278 ) .
4 ـ والاهم من ذلك إن الرواية مرسلة ما بين حبيب ت بعد 279هـ ، وما بين ولادة حكيم قبل الإسلام بست وستين سنة ، أي وجود فارق بين زمني مقداره ( 345 ) سنة !! .
رابعاً : أخبار مكة للفاكهي .
هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن عباس الفاكهي ( 121 ـ 275 ) ( 279 ) وضع مؤلفاً عن مكة اسماه ( أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه ) .
وقد أشار لولادة حكيم في الكعبة في روايتين ، الأولى: ( حدثنا إبراهيم بن أبي يوسف . قال حدثنا يحيى بن سليمان إسماعيل بن أميه . قال : سمعت عطاء بن أبي رباح . يقول : سمعت عبيد بن أبي عمير يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقنت ها هنا في الفجر بمكة . وأول من شرب من ماء زمزم مسلماً ابو ذر الغفاري ( رض الله عنه ) . وأول بئر كانت بمكة زمزم ، وأول من أجرى عيناً بمكة معاوية . وأول من ولد بمكة حكيم بن حزام . وأول من احرق الكعبة الحصين بن نمير في زمن ابن الزبير . وأول من ولد في الكعبة من بني هاشم من المهاجرين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) ( 280 ) .
الملاحظ على الرواية .
1 ـ ان الرواية خاصة بسماع عبيد بن عمير لعمر بن الخطاب ، يقنت في الفجر بمكة .
2 ـ أما باقي الرواية فلا علاقة لها بالسند وبسماع عبيد بن عمر لعمر ابن الخطاب ، وإنما تتحدث عن موضوع الأوائل ، وبعض من هؤلاء الأوائل جاءوا متأخرين كما في ( وأول من أجرى عينا بمكة معاوية ، وأول من احرق الكعبة الحصين ابن نمير في زمن ابن الزبير ) فهذه من إضافات الرواة .
3 ـ إن الرواية تشير إلى أول من ولد في الكعبة هو حكيم . فهل هناك من ولد في الكعبة غيره ؟؟
4 ـ تشير الرواية إن المولود الأخر في الكعبة هو علي ابن أبي طالب ( ع ) ولكنها تعده أول مولود من بني هاشم فهل هناك من ولد في الكعبة من بني هاشم خلا الإمام علي ( ع ) ثم إنها تحدده بالمهاجرين ، فهل هناك أنصار من بني هاشم !!
أما الرواية الثانية .
( حدثنا احمد بن حميد عن الأصمعي عن أبي الزناد عن أبي إبراهيم بن عقبة . قال سمعت أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص ، تقول : كان أبي أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم ، وأول امرأة ضربها الطلق وهي متعلقة بأستار الكعبة أخت عمر ابن الخطاب ، وأول من ولد في الكعبة حكيم بن حزام ( 281 ) .
يلاحظ على هذه الرواية :
1 ـ المعروف إن أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم هو النبي سليمان . سورة النمل الآية 30 .
2 ـ الرواية تشير لأولوية حكيم في الولادة في الكعبة ، هذا يعني هناك من ولد في الكعبة غيره ( 282 ) .
3 ـ لا يمكن القول إن أم خالد كانت تعدد الأوائل لان فكرة كتابة الأوائل جاءت متأخرة ، والظاهر أنها أشارت لأولوية أبيها ـ إن صحت ـ أما الباقي فهو إضافات .
خامساً : المستدرك على الصحيحين ت405هـ .
لمؤلفه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري المعروف بالحاكم ، يوصف بأنه صاحب التصانيف وانه إمام صدق ، ومن أكابر حفاظ الحديث .
ولد في نيسابور سنة 321هـ ، ورحل إلى العراق وجال البلاد وسمع من ألفي شخص وتولى قضاء نيسابور ، وكان سفيراً بين البويهيين والسامانيين وأحسن السفارة ، وكانت له معرفة بصيغ الحديث ومعرفة صحيحة وسقيمة ، وصنف مؤلفات أهمها المستدرك على الصحيحين ( 283 ) .
قال فيه الذهبي : ( إمام صادق ولكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة ، ويكثر من ذلك ، فما ادري هل خفيت عليه ؟ فما هو من يجهل ذلك !! وان علم فهذه خيانة عظيمة !! ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرض للشيخين . وقد قال ابن طاهر : سالت أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري عن الحاكم أبي عبد الله. فقال إمام في الحديث رافضي ( 284 ) .خبيث . قلت : الله يحب الانصاف .ما الرجل برافضي ! ! بل شيعي فقط.
ومن شقاقاته قوله : أجمعت الامة أن الضبي كذاب .
وقوله : ان المصطفى صلى الله عليه وسلم ولد مسروراً مختوناً ( ( 285 ) قد تواتر هذا . وقوله ان علياً وصي ( 286 ) .
فأما صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فأمر مجمع عليه ) ( 287 ) .
تجدر الملاحظة إن الذهبي قام بتلخيص المستدرك وقد نشر التلخيص مع إحدى طبعات المستدرك وهي الكعبة التي استخدمناها
لقد أشار الحاكم لولادة حكيما في الكعبة بروايتين .
الأولى : ( سمعت أبا الفضل الحسن بن يعقوب ، سمعت أبا احمد محمد عبد الوهاب ، يقول : سمعت علي بن عثام العامري ، يقول : ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة ، دخلت أمه الكعبة فمخضت فيها فولدت في البيت ) ( 288 ) .
يلاحظ على الرواية أعلاه :
1 ـ إن جميع الرواة اخذوا الرواية بطرق السماع .
2 ـ لننظر الان في رواة الرواية :
الأول : أبو الفضل الحسن بن يعقوب البخاري النيسابوري الشيخ الصدوق النبيل . قال الحاكم : هو أبو الفضل العدل ، كان هو وأبوه من ذوي اليسار والثروة . له خطة ومسجد وبساتين ، فانفق هذه الأموال على العلماء والصالحين ، وبقي يأوي إلى مسجد توفي سنة 342هـ ( ( 289 ) .
الثاني : أبو احمد محمد بن عبد الوهاب بن حبيب بن مهران الفراء ألعبدي النيسابوري . روى عن احمد بن حنبل والازرقي والأصمعي وعلي بن عثام العامري وغيرهم . قال النسائي : ثقة وذكره ابن حبان في كتاب الثقات . وقال فيه الحاكم : الأديب الفقيه المحدث المعروف بالفراء ، وكان من اعقل مشايخنا وتوفي سنة 272هـ ( 290 ) .
ثالثا : أبو الحسن علي بن عثام بن علي العامري الكلابي الكوفي . نزيل نيسابور روى عن احمد بن حنبل وسفيان بين عينيه وابن المبارك والأصمعي ومالك وروى عنه الكثير . وكان راويته محمد بن عبد الوهاب ـ انف الرازي : قال أبو الحاتم الرازي : ثقة . وقال الحاكم : أديب فقيه حافظ زاهد وأحد عصره ، وكان لا يحدث إلا بعد الجهد ، وأكثر ما اخذ عنه الحكايات والزهديات والأشعار والتفسير وأقاويله في الجرح والتعديل .
وقد ذكر الحاكم بعضاً من هذه الروايات ، توفي بطرسوس ( 291 ) سنة 228 هـ ( 292 ) .
يلاحظ على الأمر :
1 ـ إن رواة الرواية موصوفون بالثقة .
2 ـ إن وصف الشخص بالثقة لايعني صحة ما يرويه ، فالمعروف إن الكذب أكثر ما يوجد عند الصالحين الذين يرون إن هدفهم من الكذب لأغراض ايجابية ( 293 ) .
3 ـ إن مصدر الرواية وهو علي بن عثام كان يهتم بالحكايات ، والمعروف إن من يهتم بذلك يكون لديه تساهل ومبالغة . فهل يا ترى الإشارة لولادة الحكيم من هذه الحكايات .
4 ـ إن الذهبي ( ( 294 ) الذي لخص المستدرك أهمل هذه الرواية ولم يخرجها ، لان منهجه في التلخيص قائم على ما يراه موضوعا .
5 ـ الأهم من كل ذلك إن الرواية مرسلة فبين علي بن عثام ت228هـ ، وبين ولادة حكيم قبل الهجرة بست وسيتين سنة ما يقارب ( 296 ) سنة ، فمن هو مصدر علي بن عثام ؟ ! ! .
الرواية الثانية : ( اخبرنا أبو بكر محمد بن احمد بن بالويه ، حدثنا إبراهيم بن اسحق الحربي ، حدثنا مصعب بن عبد الله فذكر نسب حكيم بن حزام . وزاد فيه : وأمه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزى ، وكانت ولدت حكيماً في الكعبة وهي حامل فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة ، فولدت فيها فحملت في نطع وغسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم ولم يولد قبله ولأبعده في الكعبة احد . قال الحاكم : وهم مصعب في الحرف الأخير ، فقد تواترت ( ( 295 ) الأخبار إن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ) ( 296 ) .
لنرى الان ما يقوله علماء الجرح والتعديل في سند الرواية.
الأول : ابو بكر محمد بن احمد بن بالويه النيسابوري ، يعد من أعيان المحدثين والرؤساء قال عنه البرقاني : ثقة توفي 340هـ ( 297 ) .
الثاني : أبو اسحق إبراهيم بن إبراهيم بن بشير بن عبد الله بن ديسم الحربي .
ولد سنة 198هـ ، وكانت أمه تغلبية وأهلها يعتنقون النصرانية ( ( 298 ) ، وسمي بالحربي ، لأنه اجتاز قنطرة العتيقة في الكرخ ، ومن يجتاز هذه القنطرة يعد حربياً . سمع من مشايخ عدة ، وقد وصف الخطيب بأنه ( كان إماماً في العلم رأساً في الزهد عارفاً في الفقه بصيراً بالإحكام حافظا للحديث مميزا لعلله قيما بالأدب جماعا للغة. الثالث: 285 هـ ( 299 ) .
الثالث : مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام . وقد لاحظنا انه صاحب كتاب ( نسب قريش ) ورأينا انه وصف بأنه ( كان راوياً أديبا محدثا شاعر ) . وقد استوطن بغداد حتى وفاته في 233 أو 236 هـ وله 96سنة ( 300 ) .
يلاحظ على ما مر :
1 ـ إن رواة الرواية يوصفون بالثقة .
2 ـ قلنا إن وصف الشخص بالثقة لايعني صحة ما يرويه ، وخاصة وان المحدثين يتساهلون في الروايات التي لا تخص الأحكام الشرعية .
3 ـ إن الحاكم كان هادئاً فيما يرويه عن الحكيم ، ولكنه رد على مصعب حينما أشار الأخير لانفراد حكيم بالولادة في الكعبة ، فرد عليه ، فرد الحاكم قائلا : ( وهم مصعب في الحرف الأخير ، فقد تواترت الأخبار إن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ) .
إن الحاكم أعلاه لم يقدم لنا رواية تفيد ولادة الإمام علي ( ع ) بالكعبة ، وكأنه أمر شائع للخاص والعام لذا جاء بلفظة ( تواترت ) وهو نقل رواية لرواية يصعب تواطؤهم على الكذب .
وإذا كان الحاكم في كتابه المستدرك اكتفى بذلك ، لكننا نجده في مناسبة أخرى ينفي ولادة الحكيم في الكعبة . إذ نقل الكنجي الشافعي ت658هـ قول الحاكم : ( ولد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب بمكة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلاث عشر ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه ، إكراماً له بذلك ، وإجلالاً لمحله في التعظيم ) ( 301 ) .
4 ـ إن الرواية تنتهي بمصعب بن عبد الله ت 233 أو 236 هـ أي إن هناك فارق زمني بين مصعب وبين ولادة حكيم مقداره ( 299 ) سنة ، حيث لم يشر مصعب لمصدره ، فهل هو مصعب بن عثمان ؟ أو أبيه عبد الله بن مصعب ، وكلاهما اشرنا لحالهم قبلاً !
5 ـ أن مصعب له تأليفاً عن نسب قريش ذكر فيه حكيم بن حزام لكنه لم يشر إلى ولادته في الكعبة ، فهل هذا يعني عدم ثقته بالرواية . أم انه رواها حينما كبر سنه وبلغ التسعين .
6 ـ هل جاءت هذه الرواية خضم في الصراع الفكري بين آل علي وآل الزبير ؟ وهل تأثر مصعب بهذا الصراع ، حيث كان اَل الزبير قد اتخذو موقفاً سلبياً من الإمام علي ( ع ) منذ معركة الجمل ، وقد اتخذت بعض الشخصيات الزبيرية موقفاً سلبياً من الإمام علي واَل بيته كعبد الله بن الزبير ( 302 ) وعبد الله بن مصعب ( 303 ) .
ومن الأمثلة على تأثره بهذا الصراع انه حينما ألف كتاب نسب قريش قدم اَل العباس على آل أبي طالب ( ( 304 ) ، وهو أمر لا يطابق الواقع لان أبا طالب هو الأكبر .
أما المصادر الباقية فهي مجرد ناقلة لرواية الزبير بن بكار أو الحاكم كابن عبد البر ( ( 305 ) ، وابن الجوزي ( 306 ) ، وابن الأثير ( 307 ) ، والمزي ( 308 ) والذهبي ( 309 ) وابن كثير ( 310 ) وابن حجر ( 311 ) وزين الدين العراقي ( 312 ) والصفوري ( 313 ) الذي اشار انها حدثت اتفاقاً وليس قصداً على العكس من ولادة الإمام علي ( ع ) حيث يرى الصفوري إن فاطمة بنت أسد أم الإمام علي ( ع ) قصدت الولادة في الكعبة ، والحلبي ( 314 ) .
وقد شك ابن أبي الحديد ( 315 ) في ولادة حكيم في الكعبة ، فيما نفي الالوسي ( 316 ) ولادة حكيم في الكعبة حيث قال في معرض حديثه عن ولادة الإمام علي ( ع ) في الكعبة ( وفي كون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة . . . ولم يشتهر وضع غيره كرم الله وجهه كما اشتهر وضعه ) .
يتضح من كل ما مر :
1 ـ إن روايات ولادة حكيم مرسلة بأكملها ، فلا توجد هناك رواية واحدة كاملة الإسناد .
2 ـ لو قلنا صحة الولادة مع ضعف روايتها فإنها جاءت مصادفة وليست نتيجة قصد من أم حكيم بن حزام .
لقرآءة البحث كاملاً "الاستاذ جواد كاظم النصر الله" :
http://www.basracity.net/pather/report/01.html
أخوكم
نزار قاسم
(منقول)
أشارت خمس من المصادر لولادة حكيم بن حزام في الكعبة ألا وهي اخبار مكة للازرقي ، وجمهرة النسب لابن بكار ، والمحبر لابن حبيب ، واخبار مكة للفاكهي ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ، أما المصادر الأخرى فهي مجرد ناقلة رواية ابن بكار أو الحاكم.
وألان لنتناول هذه الروايات بالدراسة حسب علم الجرح والتعديل :
اولاً : اخبار مكة اللازرقي .
هو أبو الوليد محمد بن عبد الله بن احمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن عثمان الملقب الأزرق من أسرة أبي شمر الغساني ( 219 ) .
قال بصدد ولادة حكيم : " حدثني محمد بن يحيى ، حدثنا عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن أبي سليمان عن أبيه : إن فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن العزى وهي أم حكيم بن حزام دخلت الكعبة وهي حامل فأدركها المخاض ( 220 ) فيها فولدت حكيما في الكعبة ، فحملت في نطع ( 221 ) واخذ ما تحت مثبرها ( 222 ) فغسل عند حوض زمزم ، وأخذت ثيابها التي ولدت فيها فجعلت لقاً ـ واللقا انه لم يكن يطوف احد بالبيت إلا عرياناً إلا الحمس فإنهم كانوا يطوفون بالبيت وعليهم ـ الثياب ـ ( 223 )
والآن لنلقي نظرة في مؤلفات الجرح والتعديل لنرى أحكامها في سلسلة السند :
أولا : أبو غسان محمد بن يحيى بن علي بن عبد الحميد بن عبيد الكناني .
قال أبو حاتم : شيخ . ( 224 ) وقال السليماني : حديثه منكر ( 225 ) . وقال ابن حجر : " قال النسائي : ليس به باس . وذكره ابن حبان في الثقات وقال : ربما خالف ، وقال عمر بن شبه : كان كاتبا وأبوه وجداه كاتبين ، وكان عمه كاتباً ، وقال الحافظ أبو بكر بن مفوز الشاطبي : كان احد الثقات المشاهير يحمل الحديث ولأدب والتفسير ، ومن بيت علم ونباهة .
قلت : هذا الكلام راد على ابن حزم في دعواه إن ابن غسان مجهول ، ولفظ ابن حزم : ( محمد بن يحيى الكتاني مجهول ) .
فلعله ظنه آخر وقد قال السليماني : حديثه منكر ، ولم يتابع السليماني على هذا . وقال الدارقطني : ثقة " ( 226 )
ثانياً : أبو ثابت عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني .
قال فيه ابن أبي حاتم ( . . . قال انا عبد الله بن احمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي .
قال : سالت أبي عن عبد العزيز بن عمران . فقال : ما كتبت عنه شيء . . . انا اسحق بن يعقوب الهروي فيما كتب إلي.
قال : أنا عثمان بن سعيد . فقال : يحيى بن معين : ابن أبي ثابت عبد العزيز بن عمران من ولد عبد الرحمن بن عوف . ما حاله ؟ قال ليس بثقة . إنما كان صاحب شعر . أنا عبد الرحمن . قال : سالت أبي عبد العزيز بن عمران الذي يروي عنه يعقوب الزهري وغيره . فقال : متروك الحديث ، ضعيف الحديث ، منكر الحديث جدا . قلت : يكتب حديثه ، قال : على الاعتبار . قال أبو محمد : كان في كتابنا عن أبي زرعة أحاديث لمحمد بن إسماعيل الجعفري عن عبد العزيز بن عمران ، فامتنع أبو زرعة من قراءته وترك الرواية عنه ) ( 227 )
وقال ابن عدي : ( قلت ليحيى بن معين : فابن أبي ثابت عبد العزيز بن عمران . . . قال : ليس بثقة . إنما كان صاحب شعر . سمعت ابن حماد يقول : قال البخاري : عبد العزيز بن عمران أبو ثابت لا يكتب حديثه ، منكر الحديث ) ( 228 )
. وقال الذهبي : ( قال البخاري : لا يكتب حديثه ، وقال النسائي وغيره : متروك ( 229 ) ، وقال الهيثمي : ( عبد العزيز بن ثابت ضعيف جداً ) ، ( وقد ضعفه البخاري وجماعة وذكره ابن حبان في الثقات ) ( 230 ) .
وقال ابن حجر : ( متروك ، احترقت كتبه ، فحدث من حفظه ، فاشتد غلطه ، وكان عارفاً بالأنساب ، مات سنة سبع وتسعين ومائة ) ( 231 ) وقال أيضا : ( قال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين : كان صاحب نسب ولم يكن من أصحاب الحديث . وقال عثمان الدارمي عن يحيى : ليس بثقة ، إنما كان صاحب شعر . وقال الحسين بن حبان عن يحيى : قد رأيته ببغداد كان يشتم الناس ويطعن في احسابهم ، ليس حديثه بشيء ، وقال محمد بن يحيى الذهلي : علي بدنة إن حدثت عنه حديثاً ، وضعفه جدا ، وقال البخاري : منكر لا يكتب حديثه . وقال النسائي : متروك الحديث . وقال مرة : لا يكتب حديثه . قال خليفة وغيره : مات سنة سبعة وتسعون ومائه . قلت : وقال : ابن حبان : يروي المناكير عن المشاهير . وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث جداً . قيل له يكتب حديثه ، قال : على الاعتبار ، وقال ابن أبي حاتم : امتنع أبو زرعة من قراءة حديثه ، وترك الرواية عنه . وقال الترمذي والدارقطني : وقال عمر بن شبه في إخبار المدينة : كان كثير الغلط في حديثه لأنه احترقت كتبه ، فكان يحدث من حفظه ) . ( 232 ) .
ثالثاً : ابو ايوب عبد الله بن أبي سليمان
الأموي بالولاء مولى الخليفة عثمان بن عفان ، ويقال إن اسمه سليمان . قال ابن أبي حاتم : ( روي عن أبي هريرة . . . وروي أبو سلمة عن خزرج بن عثمان السعدي عن ابي ايوب سليمان مولى عثمان عن أبي هريرة ، والصحيح عبد الله بن أبي سليمان كما قال حماد بن سلمة . قال : عبد الرحمن. . قال : سمعت أبي يقول ذلك .
وسألته عنه فقال : كان من اكابر اصحاب حماد بن سلمة . قلت ايش حاله ؟ فقال : شيخ ) ( 233 ) .
وقال ابن حجر : ( عبد الله بن أبي سليمان الأموي مولى عثمان ابو ايوب ، ويقال اسمه سليمان ، روي عن جبير بن مطعم حديث : ليس منا من دعا إلى عصبية . وعن أبي هريرة في تعظيم القطيعة . . . قال ابن أبي حاتم : سالت أبي عنه فقال : كان من أكابر أصحاب حماد بن سلمة يعني مشائخه . قلت ما حاله ؟ قال شيخ . وذكره ابن حبان في الثقات . وقال أبو داود عقب حديثه : هذا مرسل عبد الله بن سليمان لم يسمع من جبير ) ( 234 ) .
الملاحظ على السلسلة أعلاه : ان محمد بن يحيى قد اختلف في توثيقه والطعن فيه ، في الوقت الذي اجمع الكل على تجريح عبد العزيز بن عمران .
أما الثالث فهو عبد الله بن أبي سليمان ، فقد اختلف في اسمه ، هل هو عبد الله أم سليمان ؟ ولا نعرف عنه سوى انه مولى للخليفة عثمان .
فمن هو الذي اخبر عبد الله بخبر الولادة ؟ الرواية تشير انه أبيه ؟ هذا ما لم تشير إليه المصادر .
ولا ننسى هنا الإشارة إلى إن حكيماً كان احد أربعة قاموا بدفن الخليفة عثمان ( 235 ) .
ثانياً : جمهرة النسب للزبير ابن بكار ت 256هـ .
لمؤلفه ابو عبد الله الزبير بن بكر ( بكار ) بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام ثم لأكبر أولاده عبد الله الذي اعلن نفسه خليفة في الحجاز اثر وفاة الخليفة يزيد بن معاوية .
وكان لعبد الله عدة أولاد منهم ثابت الذي ولد له نافع ومصعب ، وقد أشار علماء الجرح والتعديل لمكانته مصعب هذا باعتباره احد الرواة ، فقال فيه ابن أبي حاتم : ( . . . قال احمد بن حنبل : مصعب بن ثابت أراه ضعيف الحديث . . قال يحيى بن معين : أنا عبد الرحمن . قال : سألت أبي عن مصعب فقال : صدوق كثير الغلط ليس بالقوي . قال أبو زرعة : مصعب بن ثابت ليس بالقوي ) ( 236 ) .
قال الذهبي ( ضعفه يحيى بن معين واحمد ، وقال أبو حاتم : لا يحتج به ، وقال النسائي : ليس بالقوي . . . قيل : الزبير : وكان مصعب من اعبد أهل زمانه . قيل : كان يصوم الدهر ويصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ( 237 ) حتى يبس من العبادة ، وعاش إحدى وسبعين سنة ) ( 238 ) . وقال ابن حجر : ( لين الحديث ، وكان عابداً ) ( 239 ) .
أما ولده عبد الله بن مصعب فكان على علاقة وثيقة بالخلافة العباسية حيث كان من أصحاب الخليفة محمد المهدي ( 240 ) ثم الهادي ثم الرشيد .
يقول مصعب الزبيري : ( كان عبد الله بن المصعب بن ثابت في أصحابه المهدي ، صحبة سنتين حين قدم المهدي المدينة ، وجلس للناس يعطيهم الأموال ، يعطي الرجل من قريش ثلاثمائة دينار ويكسوه سبعة أثواب . فأصبح ذلك العام عبد الله بن المصعب ، فلم يزل في صحبته ، وصحابة هارون الرشيد ، حتى مات سنة أربع وثمانين ) ( 241 )
وكان المهدي قد ولاه اليمامة ، في حين ولاه الرشيد المدينة ثم اليمن ، ولما جاء أمر توليه اليمن بعث عبد الله بن مصعب إمامه الضحاك بن عثمان بن خالد بن حزام ( 242 ) حتى يقدم اليمن ( 243 ) قال ابن النديم : وكان عبد الله من أشرار الناس متحاملاً على ولد علي عليه السلام ، وخبره مع يحيى بن عبد الله ( 244 ) معروف ( 245 ) . وكان متهماً في نسبه حتى إن مصعب بن ثابت نفاه عن نفسه مراراً ( 246 ) وقد خلف عبد الله من الأولاد مصعب المعروف بالزبير ، وأبي بكر ( بكار ) والد الزبير بن بكار ، فاما مصعب الزبيري فكان راوياً أديباً محدثاً شاعراً ، واستوطن بغداد حتى وفاته في 233 أو 236 هـ وله 96 سنة وله مؤلفات أهمها ( نسب قريش ) ( 247 ) .
قال فيه ابن أبي حاتم ( روي عن مالك. . . روى عنه أبو زرعه ، كتب عنه يحيى بن معين ، وحدث عنه أبي ) ( 248 ) وقال الذهبي ) : قال ابن معين ثقة ، وقال الدارقطني : ثقة ( 249 ) وقال ابن حجر ( صدوق عالم بالنسب ) ( 250 )
اما ابو بكر وهو بكار والد الزبير فقد خلف والده في ولاية المدينة أيام هارون الرشيد لمدة ثلاث عشر سنة ( 251 ) وكان قد تعرض لهجاء الشعراء هو وأخيه مصعب الزبيري وفي الشعر أدناه إشارة لتهمة عبد الله بن مصعب في نسبه :
تعي حواري رسول الله تكذباً وأنت لوردان الحمير سليل
ولو لا سعايات بال محمد لألفى أبوك العبد وهو ذليل
ولكنه باع القلـيل بـدينه فطال له وسط الجحيم عويل
فنال منه مالا وجاها ومنكحا وذلك خزي في المعاد طويل ( 252 )
ونأتي الان لولده الزبير بن بكار : فكان من أهل المدينة ، وهو إخباري نسابة ، وشاعر صدوق ، وراوي نبيل القدر ، كان دائب السفر إلى بغداد ، وتولى قضاء مكة حتى وفاته سنة 256هـ ، وحضر جنازته محمد بن عيسى بن المنصور ، ودفن إلى جانب قبر علي بن عيسى الهاشمي ، وفي هذا دلالة على وثاقة علاقته بالخلافة العباسية ، وله من الكتب نسب قريش والذي لم يصل إلينا إلا قطعه عن آل الزبير نشر جاسم جمهرة نسب قريش ، وكتاب الموفقيات ( 253 ) ألفه للموفق العباسي .
اخذ الزبير عن عمه مصعب الزبيري ، وعن محمد الضحاك بن عثمان من اَل حزام ( 254 ) ، وعن عبد العزيز بن عبد الله ( 255 ) . قال ابن أبي حاتم عن الزبير بن بكار : ( كتب عنه أبي بمكة ، ورايته ولم اكتب عنه ) ( 256 ) . ووصفه السليماني في عداد من يضع الحديث . وقال مرة: منكر الحديث ( 257 ) . وقال عنه الذهبي ( الإمام صاحب النسب قاضي مكة ، ثقة من أوعية العلم ، لا يلتفت إلى قول احمد بن علي السليماني ) ( ( 258 ) . وقال ابن حجر : ( قاضي المدينه ، ثقة ، اخطأ السليماني في تضعيفه ) ( ( 259 ) . وقال ابن أبي الحديد إن الزبير بن بكار لا ينسب للشيعة ( لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي عليه السلام والانحراف عنه ) ( 260 ) .
روى الزبير خبر ولادة حكيم في الكعبة قائلاً : ( حدثني مصعب بن عثمان قال : دخلت ام حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش ، وهي حامل متم بحكيم بن حزام فضربها المخاض في الكعبة ، فأتيت بنطع حيث أعجلها الولادة فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على نطع ) ( 261 ) .
ان مصدر الزبير اعلاه هو مصعب بن عروه بن الزبير بن العوام ، فسلسلة نسبه تعود للابن الأصغر للزبير وأخ عبد الله بن الزبير وهو عروة ابن الزبير الذي كان على علاقة ودية مع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ( 64 ـ 86 هـ ) خاصة بعد مقتل اخيه عبد الله ابن الزبير ( 262 ) .
وقد ولد له عدة اولاد أصغرهم مصعب الذي كان صغيراً يوم مات والده فلم يأخذ عنه شيئا ( 263 ) .
وأولد مصعباً ولداً اسمه عثمان الذي لم أجد له ترجمة .
ثم ولد لعثمان مصعباً راوي ولادة حكيم أعلاه الذي لا نعرف عنه إلا انه كان ساعياً لدى أبي بكر بن عبد الله والد الزبير بن بكار ، حينما كان والياً على المدينة .
والساعي هو الذي يجمع الصدقات والزكاة .
وقد أشار إليه ـ ابن بكار ـ بكونه عالماً بإخبار قريش ( 264 ) ، لذا اعتمد الكثير من الروايات ( 265 ) ، ولم أجد لمصعب بن عثمان ذكر في كتب الجرح والتعديل ليتسنى لنا معرفة درجة وثاقته ، وقد اعتمده الطبري في روايتين مرسلتين من محمد ( 266 ) ذي النفس الزكية ( 267 ) .
وتبقى المسالة الأهم وهي وجود إرسال بين مصعب بن عثمان وهو في النصف الأول من القرن الثالث الهجري ، وبين ولادة حكيم التي كانت قبل الهجرة بنحو ست وستين سنة إذا صحت ولادته قبل الإسلام بستين سنة .
ثالثاً : المحبر لابن حبيب .
لمؤلفه جعفر محمد بن حبيب صاحب كتابي المحبر والمنمق المطبوعان ، كان إخباريا لذا نجد كتبه تخلو من الإسناد ( 268 ) .
اشار ابن حبيب إلى ولادة حكيم في الكعبة حينما تحدث عن الندماء من قريش قال : ( كان الحارث بن هشام بن المغيرة ( 269 ) نديما لحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد ـ وحكيم هذا ولد في الكعبة ، وذلك إن امه دخلت الكعبة وهي حامل به ، فضربها المخاض فيه ، فولدته هناك ـ اسلما جميعا ) ( 270 ) .
يلاحظ في الرواية أعلاه :
1 ـ الرواية تأتي تحت عنوان ( الندماء من قريش ) فتشير الرواية إلى منادمة الحارث بن هشام لحكيم بن حزام ثم تأتي جملة عرضية الا وهي ( وحكيم هذا ولد في الكعبة . . . فولدته هناك ) .
ثم بعد ذلك تأتي عبارة ( اسلما جميعا ) والتي يفترض إن تأتي مباشرة بعد ذكر الحارث وحكيم ! ! .
2 ـ الملاحظ إن هذه الإضافة ترجع إلى راوي كتاب المحبر وهو ابو سعيد الحسن ابن الحسن السكري المولود سنة 112هـ ، والذي كان عارفاً بالنحو والأدب وتتلمذ على شيوخ منهم محمد بن حبيب الذي روى له كتاب المحبر ، وروى عنه كتاب النسب لابن الكلبي ، وقد وصف السكري من قبل الخطيب بأنه ثقة دينا صادقاً يقرئ القرآن ( 271 ) .
وقال عنه الحموي بأنه الراوي الثقة المكثر ( 272 ) ، وقد اختلف في وفاته بين سنتي 275 ــ 290 هـ ، ( 273 ) والأخير أرجح .
ومما يؤكد كلامنا أعلاه ما جاء لدى ابن حبيب في ذات فصل ( الندماء من قريش ) قوله : ( وكان حمزة بن عبد المطلب نديما لعبد الله بن السائب المخزومي ، اسلما جميعا ) ( 274 ) فهنا عبارة ( اسلما جميعا ) جاءت مباشرة بعد ذكر حمزة وعبد الله.
ومما يزيد الأمر وضوحاً إن أبا سعيد السكري أحيانا يشير لإضافاته صراحة ، فعلى سبيل المثال في القول ابن حبيب لما تحدث عن أسلاف ( 275 ) النبي ( ص ) قال : ( وسالفه صلى الله عليه سعيد بن الاخنس ـ قال أبو سعيد السكري : سعيد هذا هو الذي قال النبي ( ص ) ( أبعده الله ) فانه كان يبغض قريشاً ـ ابن شريف بن وهب . . . ) ( 276 ) .
فنلاحظ هنا الشبه بين قوله ( سعيد هذا ) بقوله السابق ( حكيم هذا ) والشبه بين الفاصلة هنا ( ابن الاخنس . . . بن شريف ) بالفاصلة هناك .
3 ـ إن شهادات التوثيق الصادرة بحق السكري من الخطيب والحموي ، لا تعف السكري كم مسالة إضافة هذه الإضافات ، خاصة إذا علمنا إن السكري قد أضاف إضافة كثيرة لمتن كتاب المهجر ( 277 ) ، وقد أبدى محقق كتاب المحبر تعليلا لذلك ( 278 ) .
4 ـ والاهم من ذلك إن الرواية مرسلة ما بين حبيب ت بعد 279هـ ، وما بين ولادة حكيم قبل الإسلام بست وستين سنة ، أي وجود فارق بين زمني مقداره ( 345 ) سنة !! .
رابعاً : أخبار مكة للفاكهي .
هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن عباس الفاكهي ( 121 ـ 275 ) ( 279 ) وضع مؤلفاً عن مكة اسماه ( أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه ) .
وقد أشار لولادة حكيم في الكعبة في روايتين ، الأولى: ( حدثنا إبراهيم بن أبي يوسف . قال حدثنا يحيى بن سليمان إسماعيل بن أميه . قال : سمعت عطاء بن أبي رباح . يقول : سمعت عبيد بن أبي عمير يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقنت ها هنا في الفجر بمكة . وأول من شرب من ماء زمزم مسلماً ابو ذر الغفاري ( رض الله عنه ) . وأول بئر كانت بمكة زمزم ، وأول من أجرى عيناً بمكة معاوية . وأول من ولد بمكة حكيم بن حزام . وأول من احرق الكعبة الحصين بن نمير في زمن ابن الزبير . وأول من ولد في الكعبة من بني هاشم من المهاجرين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) ( 280 ) .
الملاحظ على الرواية .
1 ـ ان الرواية خاصة بسماع عبيد بن عمير لعمر بن الخطاب ، يقنت في الفجر بمكة .
2 ـ أما باقي الرواية فلا علاقة لها بالسند وبسماع عبيد بن عمر لعمر ابن الخطاب ، وإنما تتحدث عن موضوع الأوائل ، وبعض من هؤلاء الأوائل جاءوا متأخرين كما في ( وأول من أجرى عينا بمكة معاوية ، وأول من احرق الكعبة الحصين ابن نمير في زمن ابن الزبير ) فهذه من إضافات الرواة .
3 ـ إن الرواية تشير إلى أول من ولد في الكعبة هو حكيم . فهل هناك من ولد في الكعبة غيره ؟؟
4 ـ تشير الرواية إن المولود الأخر في الكعبة هو علي ابن أبي طالب ( ع ) ولكنها تعده أول مولود من بني هاشم فهل هناك من ولد في الكعبة من بني هاشم خلا الإمام علي ( ع ) ثم إنها تحدده بالمهاجرين ، فهل هناك أنصار من بني هاشم !!
أما الرواية الثانية .
( حدثنا احمد بن حميد عن الأصمعي عن أبي الزناد عن أبي إبراهيم بن عقبة . قال سمعت أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص ، تقول : كان أبي أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم ، وأول امرأة ضربها الطلق وهي متعلقة بأستار الكعبة أخت عمر ابن الخطاب ، وأول من ولد في الكعبة حكيم بن حزام ( 281 ) .
يلاحظ على هذه الرواية :
1 ـ المعروف إن أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم هو النبي سليمان . سورة النمل الآية 30 .
2 ـ الرواية تشير لأولوية حكيم في الولادة في الكعبة ، هذا يعني هناك من ولد في الكعبة غيره ( 282 ) .
3 ـ لا يمكن القول إن أم خالد كانت تعدد الأوائل لان فكرة كتابة الأوائل جاءت متأخرة ، والظاهر أنها أشارت لأولوية أبيها ـ إن صحت ـ أما الباقي فهو إضافات .
خامساً : المستدرك على الصحيحين ت405هـ .
لمؤلفه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري المعروف بالحاكم ، يوصف بأنه صاحب التصانيف وانه إمام صدق ، ومن أكابر حفاظ الحديث .
ولد في نيسابور سنة 321هـ ، ورحل إلى العراق وجال البلاد وسمع من ألفي شخص وتولى قضاء نيسابور ، وكان سفيراً بين البويهيين والسامانيين وأحسن السفارة ، وكانت له معرفة بصيغ الحديث ومعرفة صحيحة وسقيمة ، وصنف مؤلفات أهمها المستدرك على الصحيحين ( 283 ) .
قال فيه الذهبي : ( إمام صادق ولكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة ، ويكثر من ذلك ، فما ادري هل خفيت عليه ؟ فما هو من يجهل ذلك !! وان علم فهذه خيانة عظيمة !! ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرض للشيخين . وقد قال ابن طاهر : سالت أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري عن الحاكم أبي عبد الله. فقال إمام في الحديث رافضي ( 284 ) .خبيث . قلت : الله يحب الانصاف .ما الرجل برافضي ! ! بل شيعي فقط.
ومن شقاقاته قوله : أجمعت الامة أن الضبي كذاب .
وقوله : ان المصطفى صلى الله عليه وسلم ولد مسروراً مختوناً ( ( 285 ) قد تواتر هذا . وقوله ان علياً وصي ( 286 ) .
فأما صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فأمر مجمع عليه ) ( 287 ) .
تجدر الملاحظة إن الذهبي قام بتلخيص المستدرك وقد نشر التلخيص مع إحدى طبعات المستدرك وهي الكعبة التي استخدمناها
لقد أشار الحاكم لولادة حكيما في الكعبة بروايتين .
الأولى : ( سمعت أبا الفضل الحسن بن يعقوب ، سمعت أبا احمد محمد عبد الوهاب ، يقول : سمعت علي بن عثام العامري ، يقول : ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة ، دخلت أمه الكعبة فمخضت فيها فولدت في البيت ) ( 288 ) .
يلاحظ على الرواية أعلاه :
1 ـ إن جميع الرواة اخذوا الرواية بطرق السماع .
2 ـ لننظر الان في رواة الرواية :
الأول : أبو الفضل الحسن بن يعقوب البخاري النيسابوري الشيخ الصدوق النبيل . قال الحاكم : هو أبو الفضل العدل ، كان هو وأبوه من ذوي اليسار والثروة . له خطة ومسجد وبساتين ، فانفق هذه الأموال على العلماء والصالحين ، وبقي يأوي إلى مسجد توفي سنة 342هـ ( ( 289 ) .
الثاني : أبو احمد محمد بن عبد الوهاب بن حبيب بن مهران الفراء ألعبدي النيسابوري . روى عن احمد بن حنبل والازرقي والأصمعي وعلي بن عثام العامري وغيرهم . قال النسائي : ثقة وذكره ابن حبان في كتاب الثقات . وقال فيه الحاكم : الأديب الفقيه المحدث المعروف بالفراء ، وكان من اعقل مشايخنا وتوفي سنة 272هـ ( 290 ) .
ثالثا : أبو الحسن علي بن عثام بن علي العامري الكلابي الكوفي . نزيل نيسابور روى عن احمد بن حنبل وسفيان بين عينيه وابن المبارك والأصمعي ومالك وروى عنه الكثير . وكان راويته محمد بن عبد الوهاب ـ انف الرازي : قال أبو الحاتم الرازي : ثقة . وقال الحاكم : أديب فقيه حافظ زاهد وأحد عصره ، وكان لا يحدث إلا بعد الجهد ، وأكثر ما اخذ عنه الحكايات والزهديات والأشعار والتفسير وأقاويله في الجرح والتعديل .
وقد ذكر الحاكم بعضاً من هذه الروايات ، توفي بطرسوس ( 291 ) سنة 228 هـ ( 292 ) .
يلاحظ على الأمر :
1 ـ إن رواة الرواية موصوفون بالثقة .
2 ـ إن وصف الشخص بالثقة لايعني صحة ما يرويه ، فالمعروف إن الكذب أكثر ما يوجد عند الصالحين الذين يرون إن هدفهم من الكذب لأغراض ايجابية ( 293 ) .
3 ـ إن مصدر الرواية وهو علي بن عثام كان يهتم بالحكايات ، والمعروف إن من يهتم بذلك يكون لديه تساهل ومبالغة . فهل يا ترى الإشارة لولادة الحكيم من هذه الحكايات .
4 ـ إن الذهبي ( ( 294 ) الذي لخص المستدرك أهمل هذه الرواية ولم يخرجها ، لان منهجه في التلخيص قائم على ما يراه موضوعا .
5 ـ الأهم من كل ذلك إن الرواية مرسلة فبين علي بن عثام ت228هـ ، وبين ولادة حكيم قبل الهجرة بست وسيتين سنة ما يقارب ( 296 ) سنة ، فمن هو مصدر علي بن عثام ؟ ! ! .
الرواية الثانية : ( اخبرنا أبو بكر محمد بن احمد بن بالويه ، حدثنا إبراهيم بن اسحق الحربي ، حدثنا مصعب بن عبد الله فذكر نسب حكيم بن حزام . وزاد فيه : وأمه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزى ، وكانت ولدت حكيماً في الكعبة وهي حامل فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة ، فولدت فيها فحملت في نطع وغسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم ولم يولد قبله ولأبعده في الكعبة احد . قال الحاكم : وهم مصعب في الحرف الأخير ، فقد تواترت ( ( 295 ) الأخبار إن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ) ( 296 ) .
لنرى الان ما يقوله علماء الجرح والتعديل في سند الرواية.
الأول : ابو بكر محمد بن احمد بن بالويه النيسابوري ، يعد من أعيان المحدثين والرؤساء قال عنه البرقاني : ثقة توفي 340هـ ( 297 ) .
الثاني : أبو اسحق إبراهيم بن إبراهيم بن بشير بن عبد الله بن ديسم الحربي .
ولد سنة 198هـ ، وكانت أمه تغلبية وأهلها يعتنقون النصرانية ( ( 298 ) ، وسمي بالحربي ، لأنه اجتاز قنطرة العتيقة في الكرخ ، ومن يجتاز هذه القنطرة يعد حربياً . سمع من مشايخ عدة ، وقد وصف الخطيب بأنه ( كان إماماً في العلم رأساً في الزهد عارفاً في الفقه بصيراً بالإحكام حافظا للحديث مميزا لعلله قيما بالأدب جماعا للغة. الثالث: 285 هـ ( 299 ) .
الثالث : مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام . وقد لاحظنا انه صاحب كتاب ( نسب قريش ) ورأينا انه وصف بأنه ( كان راوياً أديبا محدثا شاعر ) . وقد استوطن بغداد حتى وفاته في 233 أو 236 هـ وله 96سنة ( 300 ) .
يلاحظ على ما مر :
1 ـ إن رواة الرواية يوصفون بالثقة .
2 ـ قلنا إن وصف الشخص بالثقة لايعني صحة ما يرويه ، وخاصة وان المحدثين يتساهلون في الروايات التي لا تخص الأحكام الشرعية .
3 ـ إن الحاكم كان هادئاً فيما يرويه عن الحكيم ، ولكنه رد على مصعب حينما أشار الأخير لانفراد حكيم بالولادة في الكعبة ، فرد عليه ، فرد الحاكم قائلا : ( وهم مصعب في الحرف الأخير ، فقد تواترت الأخبار إن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ) .
إن الحاكم أعلاه لم يقدم لنا رواية تفيد ولادة الإمام علي ( ع ) بالكعبة ، وكأنه أمر شائع للخاص والعام لذا جاء بلفظة ( تواترت ) وهو نقل رواية لرواية يصعب تواطؤهم على الكذب .
وإذا كان الحاكم في كتابه المستدرك اكتفى بذلك ، لكننا نجده في مناسبة أخرى ينفي ولادة الحكيم في الكعبة . إذ نقل الكنجي الشافعي ت658هـ قول الحاكم : ( ولد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب بمكة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلاث عشر ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه ، إكراماً له بذلك ، وإجلالاً لمحله في التعظيم ) ( 301 ) .
4 ـ إن الرواية تنتهي بمصعب بن عبد الله ت 233 أو 236 هـ أي إن هناك فارق زمني بين مصعب وبين ولادة حكيم مقداره ( 299 ) سنة ، حيث لم يشر مصعب لمصدره ، فهل هو مصعب بن عثمان ؟ أو أبيه عبد الله بن مصعب ، وكلاهما اشرنا لحالهم قبلاً !
5 ـ أن مصعب له تأليفاً عن نسب قريش ذكر فيه حكيم بن حزام لكنه لم يشر إلى ولادته في الكعبة ، فهل هذا يعني عدم ثقته بالرواية . أم انه رواها حينما كبر سنه وبلغ التسعين .
6 ـ هل جاءت هذه الرواية خضم في الصراع الفكري بين آل علي وآل الزبير ؟ وهل تأثر مصعب بهذا الصراع ، حيث كان اَل الزبير قد اتخذو موقفاً سلبياً من الإمام علي ( ع ) منذ معركة الجمل ، وقد اتخذت بعض الشخصيات الزبيرية موقفاً سلبياً من الإمام علي واَل بيته كعبد الله بن الزبير ( 302 ) وعبد الله بن مصعب ( 303 ) .
ومن الأمثلة على تأثره بهذا الصراع انه حينما ألف كتاب نسب قريش قدم اَل العباس على آل أبي طالب ( ( 304 ) ، وهو أمر لا يطابق الواقع لان أبا طالب هو الأكبر .
أما المصادر الباقية فهي مجرد ناقلة لرواية الزبير بن بكار أو الحاكم كابن عبد البر ( ( 305 ) ، وابن الجوزي ( 306 ) ، وابن الأثير ( 307 ) ، والمزي ( 308 ) والذهبي ( 309 ) وابن كثير ( 310 ) وابن حجر ( 311 ) وزين الدين العراقي ( 312 ) والصفوري ( 313 ) الذي اشار انها حدثت اتفاقاً وليس قصداً على العكس من ولادة الإمام علي ( ع ) حيث يرى الصفوري إن فاطمة بنت أسد أم الإمام علي ( ع ) قصدت الولادة في الكعبة ، والحلبي ( 314 ) .
وقد شك ابن أبي الحديد ( 315 ) في ولادة حكيم في الكعبة ، فيما نفي الالوسي ( 316 ) ولادة حكيم في الكعبة حيث قال في معرض حديثه عن ولادة الإمام علي ( ع ) في الكعبة ( وفي كون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة . . . ولم يشتهر وضع غيره كرم الله وجهه كما اشتهر وضعه ) .
يتضح من كل ما مر :
1 ـ إن روايات ولادة حكيم مرسلة بأكملها ، فلا توجد هناك رواية واحدة كاملة الإسناد .
2 ـ لو قلنا صحة الولادة مع ضعف روايتها فإنها جاءت مصادفة وليست نتيجة قصد من أم حكيم بن حزام .
لقرآءة البحث كاملاً "الاستاذ جواد كاظم النصر الله" :
http://www.basracity.net/pather/report/01.html
أخوكم
نزار قاسم
(منقول)
تعليق