التعاون والتنسيق
قال تعالى :
( ألم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من
فروج )
"وبالعدل قامت السماوات والأرض "
إن مصنع الإيجاد ، ونظام الكون – كما يشاهد – قوي ومتين . لقد عمر آلاف الآلاف يشاهد أيضاً ، ومع ذلك فلم يطرأ أي عارض أو سقم في عضو من أعضائه ، ولم يفقد هذا الوجود الهرم نشاطه وحيويته وشبابه .
وكأ، معمار الأزل ، ورسام الوجود انتهى لتوه من تسليم هذه القبة الزاهية الألوان ، وكلما تمر الأيام والأعوام فان هذا البناء المدهش يبدوا جديداً للناظرين .
* * *
من الواضح أن سبب هذا الدوام ، وهذا الاستحكام ، هو التعاون المستند إلى العدل ، وتظافر الجهود في أعضاء هذا الهيكل العظيم وجوارحه .
إن الشموس والكواكب والأقمار التي يتألف منها هذا البنيان الهاتل ، تنسجم فيما يتألف منها هذا البينان الهائل ، تنسجم فيما بيها كالحبيب مع محبوبه ، وتتآلف فيما بينها على اعلى درجات الوفاء ، مستمرة في حياتها في وثام وتنسيق .
وهذا ما يؤدي إلى الحركة الدائبة في هذا الكون المزود بأشد الأجهزة تعقيداً ودقة .
وإذا انتهى عمر نجمة من هذه النجوم ، وأفلت بحكم سنة هذه الحياة الفانية ، وانتشرت في أعماق الفضاء وتلاشت ، فانقطعت صلتها بالأجرام السماوية الأخرى السابحة في الفضاء ، فالتصور الأولى أن يؤدي ذلك إلى المدمار والفناء ، لكن – وكالبرق الخاطف – تستقيد الثوابت والسيارات توازنها وتعادلها ، وتحافظ على التنسيق والانسجام فيما بينها ، فتضمن بذلك بقاء العالم .
"سبحان الذي اتقن كل شيء "
ومتى ولد من هذا المصنع الهائل وليد جيد ، ونجمة فتية ، ونقلت أقدامها نحو هذا المجمع الكوني الضخم ، ودخلت إلى هذه المجرات الملتهبة ، أو ألقت مجرة أخرى جديدة على حد قوله تعلى :
( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)
فإن المجموعة الشمسية تستقبل لداتها وأترابها ، وتحتضن الضيوف الجدد بكل ترحاب ، مدخلة اياها في دائرة التعاون البناء والانسجام الكامل .
وهكذا نفهم سنة الله تعالى في هذا الفضاء الرحب . . .
* * *
إن فهم معاني الحركات التمثلية للموجودات السماوية ، وتصور رموز هذا الإنسان الكبير أمر بالغ الصعوبة للناشئة على الأرض ، وكل ما يتحدث عنه الفلكيون في هذا المجال فانه يستند إلى الحدس والتخمين ، فمن الأفضل أن تفكر في وجودنا ونطالع في داخلنا .
إن النشاط والقدرة وصحة المزاج التي تشاهدها فينا ، تعود إلى الاتحاد والانسجام بين أعضائنا وجوارحنا .
إن التعاون ، وتضافر الجهود ، وقسيم العمل بين أفراد مجتمع الجسم والروح هو الذي يحافظ على وحدة أفراد هذا المجتمع .
لا تباين بين أعضاء هذه اللجنة !
فالأعضاء الرئيسية ، والحواس الظاهرة والباطنة ، العضلات والأعصاب . . . كلها منسجمة فيما بينها ، ولا يوجد اختلاف ، وأنانية ، وغرور ، وحب جاه ، وبخل ، وحسد , ومنافسة فيما بينها .
والغدد المنتشرة في أنحاء الجسم في المخ والرقبة والجهاز الهضمي وسائر زوايا الجسد ، تفرز سوائل مختلفة ، وتصدر أنواعاً من الهورمونات متعاونة بحيث يكتمل بعضها بعضاً .
إنها نموذج للتعايش السلمي البناء حيث تعمل في جو من الوحدة والأخوة والتعاوني، محققة بذلك سلامة الإنسان واعتدال مزاجه .
ما يشاهد من انجراف في المزاج ، أو مرض عارض يؤدي إلى الأمراض المزمنة والعاهات الملازمة فلا تعود إل مسؤولية فيها إلى هذه الأعضاء والجوارح ، بل إن ذلك سيستند غالباً إلى عدم رعاية القوانين الصحية ، وعدم الاهتمام بالحمية .
إن المرض يستند إلى عدم الدقة في منهج الطعام والشراب ، والنوم والراحة ، والعمل والنزهة ، الرياضة والحياة الجنسية ، وخضوع هذه المناهج للطيش والعشوائية . . . الأمر الذي يؤدي إلى عدم وصول الغذاء الكافي وسائر الأمور التي يحتاجها الجسم إليه ، فيؤدي إلى ضعفه وذبوله وتعرضه للهجمات . ونتيجة ذلك ضعف القوات المدافعة عن الجسم ، ونفاد عتادها ، وهذا ما يدعو الأعداء الداخليين ، الذين يخافون سطوة الجيش المجاهد ، فيتعاونون مع القوات المسلحة ، إلى إن يستغلوا ضعف السلطة التنفيذية فيقيموا الفتن والاضطرابات .
من جهة أخرى يرى الأعداء الارجيون حدود المملكة وثغورها خالية من المدافعين والمرابطين فيوجهون ضرباتهم القاصمة إلى هذا الجسم الهزيل ، فتمهد الأرضية للأمراض الفتاكة والأوبة .
* * *
كي تتوثق الصلات البشرية ، ويحل العطف والحنان – اللذان هما أساس كل سعادة – محل العداوة والمنافسة .
وهذه سنة الله ورسالة السماء ، ودستور الخالق الأعظم للسماوات والأرضيين .
* * *
لكن مع الأسف الشديد ، نشاهد أن الرؤساء غالباً ما يكون كالسبع الضاري يريدون افتراس الأفراد الذين هم تحت قيادتهم ، وخاضعون لسيادتهم ، والذين يرتدون زى رجال الدين يسببون التفرقة والضلال ، الساسة يستغلون الضعفاء والبؤساء أبشع استغلال وأشده ، والشعوب القوية تفرض هيمنتها على الشعوب الضعيفة مثل الكابوس الثقيل . . .
القوات المسلحة والحراس لا تؤدي واجباتها كما ينبغي ، التجار والإقطاعيون يمتصون دماء المساكين والضعفاء . . .
ونتيجة ذلك انعدام العدالة والرأفة والإنسانية ، واختلال التوازن والتعاون ، وهذا كله يؤدي إلى أن لا يشموا رائحة الاستقرار والراحة .
لكن الإنسان إذا أراد ، واتبع أوامر العقل ، وتخلى عن الأهواء الضالة ، وسلك طريق الحقيقة ، فانه سينال الراحة في الدنيا والآخرة .
قال تعالى :
(والتين والزيتون ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، ثم رددناه أسفل سافلين ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ) .
{ المصدر الرساله الإنسانيه }