بسم الله الرحمان الرحيم
دفع وهمٍ عن كتاب الصحابي الجليل أبي مخنف الغامدي (رضي الله عنه وأرضاه)
أبو مخنف: هو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سالم الأزدي الغامدي..
بقلم: آية الله العلاّمة المحقق الشيخ محمّد جميل حمّود العاملي
وإني لأعجب ممن يدعي التشيع وينسب لنفسه العلم والحجى كيف تسوّل له نفسه الأمارة بالسوء التشكيك بالرجل وبما يرويه، مع أن كتابه كان ولا يزال محط أنظار المحققين وكبار علماء الدين المنصفين، لكن إذا عرف السبب بطل العجب، فالرجل قدح ببني أميّة وعرض مخازيهم ومنكراتهم على الملأ في كتابه الجليل المشهور ب " مقتل الامام الحسين (ع)" فكيف لا تتوجه إليه السهام، وتنحره – بحقدها- سيوف اللئام، فرحمه الله مثال من راوٍ- نظير غيره من رواة الشيعة- هُضم حقه في سبيل آل البيت عليهم السلام، وقذف بالمعايب والتهم لأجل دفاعه عن سيد المظلومين الامام أبي عبدالله الحسين (ع)" ...
ومن شكك بالراوي الجليل لا يعرف شيئاً من الدراية ولم يذق حلاوة العلم من الرواية، لأن عامة المؤرخين وعلماء الرجال والفقهاء وثقوا الشيخ لوط بن يحيى وأطروا عليه بأحسن الأوصاف، وفاجئني أحد المؤمنين بالقول: بأن بعض المواقع الالكترونية الشيعية قدحت بالرجل والقدح علامة التضعيف..
ويجاب عن هذا: بأن قدح بعض الجهلة بالرواية والدراية لا يضر بهما ولا بوثاقة الرجل، ما دام الاجماع منعقداً على وثاقته، وكونه من أصحاب الامام الصادق (ع) وأبوه من أصحاب الامام أمير المؤمنين علي (ع) ...
نعم ذكر المحشي على كتاب اللهوف لابن طاووس في مقدمة تحقيقه: إن كتاب المقتل لأبي مخنف هو لابن طاووس أخذه من مقتل ابي مخنف وزاد عليه ونقص، ومقتل ابي مخنف لم يصل إلينا سوى ما نقله الطبري في تاريخه عنه والجواب عنه: أن دعواه مجرد إدعاء لا شاهد عليه، مضافاً إلى اعترافه بأن أصل الكتاب لأبي مخنف، والزائد على هذا القول مجرد دعوى بحاجة إلى دليل وهو مفقود في البين.. والأصل عدم كونه لابن طاووس، كما أن الأصل عدم وجود زيادة عليه، وما الشاهد على كون ما في كتاب الطبري هو المقتل الكامل لأبي مخنف ؟
بل القدر المتيقن أن المطبوع في تاريخ الطبري هو جزء من مقتل أبي مخنف، وذلك لوجود قرائن في الكتاب المطبوع لا تتوافق مع مذهب الطبري العامي، فالقول بوجود حذف في روايات أبي مخنف في كتاب الطبري في محلها، ووجودها أو نقصانها في كتاب اللهوف المطبوع حالياً تبقى مجرد دعوى بحاجة إلى دليل قطعي بل لا يعدو سوى مجرد أوهام وإحتمال لا عبرة به في سوق العلم.
فالمترجم من أصحاب الأئمة(ع) وذو شخصية مهمة في الأوساط العلمية، وله عدة كتب في المقاتل والمغازي أهمها:
كتاب السقيفة وكتاب الردة وكتاب فتوح الاسلام وكتاب الشورى وكتاب الجمل وكتاب صفين وكتاب النهروان وكتاب الحكمين وكتاب الغارات، وكتاب مقتل أمير المؤمنين علي(ع) وكتاب مقتل الامام الحسن وكتاب مقتل الامام الحسين وهو أهم المقاتل، وكتاب مقتل حجر بن عدي وكتاب أخبار المختار وكتاب أخبار الحججاج وكتاب أخبار محمد بن أبي بكر وكتاب مقتل محمد، وكتاب أخبار ابن الحنفية وكتاب خطبة السيدة الزهراء(ع) ..الخ..
فكثرة هذه الكتب المتعلقة بالمقاتل الخاصة بأهل البيت وشيعتهم تستلزم القول بجلالة قدر الرجل وأهميته على الصعيد الولائي لأهل بيت العصمة والطهارة، لذا لا نرى وجهاً لأي ذمٍ أو قدحٍ يصدر من الرعاع الذين لا يستضيئون بنور العلم ولا يهتدون إلى ركنٍ وثيقٍ، فإن ديدنهم التشويش على رجالات التشيع في كل عصر ومكان، ولن يألوا جهداً بالقدح بكل مخلصٍ يذب عن حريم الولاية الطاهرة لأهل بيت العصمة والقداسة.
والظاهر أن أصل الذم بلوط بن يحيى منشؤه ابن أبي الحديد المعتزلي وقد تأثر به بعض المتعلمين الشيعة الذين لا يبالون من أي كتاب نقلوا ولا أيةَ رواية أخذوا.
فقد صرّح العلامة الممقاني الرجالي العريق في تنقيح المقال:
"لا ينبغي التأمل في كونه شيعياً إمامياً كما صرّح بذلك جماعة، وإنكار ابن أبي الحديد ذلك بقوله في شرح النهج: وأبي مخنف من المحدثين وممن يرى صحة الامامة بالاختيار وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالاتها" انتهى..
ثم عقّب الممقاني بالقول: ما ذكره ابن أبي الحديد من الخرافات التي تعودت العامة عليها في مذهبهم وفيما يرجع اليه، كيف! وقد صرّح جماعة منهم بتشيعه، بل جعل بعضهم تشيعه سبباً لردّ روايته كما هي عادتهم غالباً، ألا ترى إلى قول صاحب القاموس في مادة خ ن ف ومخنف كمنبر، وأبو مخنف لوط بن يحيى إخباري شيعي تالف متروك.. انتهى، والعجب العجاب ان ابن أبي الحديد نطق بما سمعت بعد أن روى أشعاراً في أن الامام علياً(ع) وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: "ذكر هذه الأشعار والأراجز بأجمعها أبو مخنف لوط بن يحيى في كتاب وقعة الجمل". فإن نقله لتلك الأشعار شاهد لتشيعه وإلاّ لم يكن ليرويها كما هي عادة أهل السنّة غالباً. وبالجملة فكون الرجل شيعياً إمامياً مما لا ينبغي الريب فيه.
وقول النجاشي أنه شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم وكان يسكن إلى ما يرويه، مدح معتدٌ به يثبت حسنه(1).
وذكر الكشي أن لوط من أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام عدا عن كونه من أصحاب الامام الصادق(ع)، وقد استنكر الشيخ الطوسي كونه من أصحاب الامام علي (ع) ، وردّ هذا الاستنكار العلامة الممقاني بأنه ما المانع من ذلك ما دام الأمر ممكناً لأن الفاصلة الزمنية بين زمان أمير المؤمنين وأول إمامة مولانا الصادق(ع) ست وسبعون سنة، فيمكن أن يكون أبو مخنف قد لقي أمير المؤمنين وعمره خمسة عشر سنة، وأدرك من زمان الامام الصادق(ع) سنة مثلاً فيكون المجموع نحوأ من اثنتين وتسعين سنة وذلك عمر متعارف فلا مانع من دركه أمير المؤمنين بل يمكن إدراكه إياه قبل البلوغ.. فلا موجب لما صدر من الشيخ من إنكاره ذلك.
قال النجاشي (372-450 هـ) وهو العريق في علم الرجال: ]لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سالم الأزدي الغامدي "أبو مخنف" شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة، ووجههم وكان يسكن إلى ما يرويه، روى عن الامام جعفر بن محمد عليهما السلام وقال أنه روى عن الامام أبي جعفر عليه السلام ولم يصح... وصنف كتباً كثيرة منها: كتاب المغازي وكتاب السقيفة... وعدد كتبه كلها والتي منها مقتل الامام الحسين(2)[.
وقال الطوسي (385-460 هـ): لوط بن يحيى يكنى أبا مخنف من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ومن أصحاب الامامين الحسن والحسين عليهما السلام على ما زعم الكشي، والصحيح أن أباه كان من أصحاب الامام علي(ع) وهو لم يلقه، له كتب كثيرة في السير منها: كتاب مقتل الحسين(ع) وكتاب أخبار المختار بن أبي عبيد الثقفي وكتاب مقتل محمد بن أبي بكر(3) .. الخ.. وذكر الكتب التي ذكرها النجاشي.
وكرر الطوسي ذكر لوط في كتابه الرجال(4) وعده من أصحاب الامام علي تارة، ومن أصحاب الامامين الحسن والحسين(ع) تارة أخرة، ومن أصحاب الامام الصادق طوراً رابعاً.
وقال الشيخ محمد بن اسماعيل المازندراني (المتوفي سنة 216 هـ):
" أبو مخنف بن سليم الأزدي الغامدي رضي الله عنه، شيخ من أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم(5) .. وساق نفس كلام النجاشي.
وبالجملة: فلا ريب بوثاقة الرجل وعدالته وكونه من خيرة أصحاب الأئمة الأطهار(ع) ، وولاؤه لهم (ع) دعا المخالفين إلى تضعيف روايته، وقد مرّ عليك –أخي القارئ-كلام ابن أبي الحديد كما أن الذهبي من علماء العامة العمياء عبّر عنه بأنه شيعي تالف متروك، وقال الدارقطني عنه أنه ضعيف، وقال ابن عدي بأنه "شيعي محترق صاحب أخبارهم.. وقصده بالمحترق أي المتعذب بالنار. وقال صاحب القاموس بأن لوط بن يحيى إخباري شيعي تالف متروك.. فهذه أقاويل أساطين العامة بحق لوط بن يحيى رضي الله تعالى، وكلها تصب في خانة واحدة وهي الحقد والعداوة لعلماء شيعة أهل البيت(ع) ، فإذا كان الحال هكذا فلا ينبغي التأمل في كونه صالحاً خيّراً وشيخ أصحاب الأخبار بالكوفة على حد تعبير النجاشي، نعم إنه رئيس الإخباريين الثقاة في الكوفة، فلا يجوز التعويل على كل عويل وصراخ..!!
ومذمة المخالفين له دليل على عدالته ووثاقته وهو كما قال الشاعر:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل
(1)- تنقيح المقال ج2 ص44 ط. هجري
(2)- رجال النجاشي ج2 ص191-192 رقم 873
(3)- الفهرست ص129 ترجمة رقم 573
(4)- المشهور بـ "رجال الطوسي"
(5)- منتهى المقال ج5 ص261
تمت بتاريخ:10/آب/2007 الموافق:26رجب/1428هـ
مقتطع من موقع: www.aletra.org