بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
هذا البحث هو حوار بين الإمام الرضا عليه السلام والمأمون من كتاب الإحتجاج للطبرسي:
عقيدتنا في النبي والإمام عليهما السلام، أن يكونا معصومين بمعنى: أننا ننزه النبي والإمام عليهما السلام عن كبائر الذنوب وصغائرها، وعن الخطأ والنسيان بل عما ينافي المروءة وعن كل عمل يستهجن عرفا.
ولو انتفت عنه العصمة: لاحتملنا الخطأ والنسيان والمعصية في كل عمل أو قول يصدر عنه وحينئذ لا تكون أقواله ولا أفعاله حجة علينا، ولا نكون ملزمين باتباعها.
وفي ذلك انتقاض الغرض. وقد أجمع الإمامية على القول بالعصمة. وما يتوهم خلاف ذلك من بعض الأخبار والأدعية فهي مؤولة.
وروي عن علي بن الجهم أنه قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليه السلام
فقال له المأمون:يا بن رسول الله أليس من قولك: (أن الأنبياء معصومون)؟
قال: بلى.
1) عصمة النبي آدم عليه السلام:
قال: فما معنى قول الله عز وجل: (وعصى آدم ربه فغوى)؟
فقال: إن الله تبارك وتعالى قال لآدم عليه السلام: (أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) ولم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة، ولا مما كان من جنسها، فلم يقربا تلك الشجرة، وإنما أكلا من غيرها إذ وسوس الشيطان إليهما
وقال: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة) وإنما نهاكما أن تقربا غيرها، ولم ينهكما عن الأكل منها: (إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) (وقاسمهما أني لكما من الناصحين) ولم يكن آدم وحوا شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا، (فدلاهما بغرور)
فأكلا منها ثقة بيمينه بالله، وكان ذلك من آدم قبل النبوة، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق دخول النار، وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم، فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة.
قال الله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) وقال عز وجل: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين).
قال المصنف (ره): لعل الرضا صلوات الله عليه أراد (بالصغائر الموهوبة):
ترك المندوب وارتكاب المكروه من الفعل، دون الفعل القبيح الصغير بالإضافة إلى ما هو أعظم منه، لاقتضاء أدلة العقول والأثر المنقول لذلك، ورجعنا إلى سياق الحديث.
ثم قال المأمون: فما معنى قول الله عز وجل: (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما)؟
فقال الرضا عليه السلام: أن حوا ولدت خمسمائة بطن، في كل بطن ذكر وأنثى وأن آدم وحوا عاهدا الله ودعواه قالا: (لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين) فلما آتاهما صالحين من النسل، خلقا سويا بريئا من الزمانة والعاهة، كان ما آتاهما صنفين: صنفا ذكرانا وصنفا إناثا، جعل الصنفان لله تعالى شركاء فيما آتاهما ولم يشكراه شكر أبويهما له عز وجل. قال الله تعالى: (فتعالى الله عما يشركون).
2) عصمة النبي ابراهيم عليه السلام:
فقال المأمون: أشهد أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله حقا، فأخبرني عن قول الله عز وجل في إبراهيم: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي)؟
فقال الرضا عليه السلام: أن إبراهيم وقع على ثلاثة أصناف: صنف يعبد (الزهرة)، وصنف يعبد (القمر)، وصنف يعبد (الشمس) ذلك حين خرج من من السرب الذي أخفى فيه.
فلما جن عليه الليل رأى (الزهرة) قال: (هذا ربي؟!) على الانكار والاستخبار. (فلما أفل (الكوكب) قال لا أحب الآفلين) لأن الأفول من صفات المحدث ولا من صفات القديم.
(فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي؟!) على الانكار والاستخبار.
(فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) يقول: لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين.
(فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر) من الزهر والقمر؟!
على الانكار والاستخبار، لا على سبيل الإخبار والإقرار.
(فلما أفلت قال - للأصناف الثلاثة من: عبدة الزهرة، والقمر، والشمس - يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) فإنما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال: أن يبين لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم: أن العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها خالق السماوات والأرض. وكان مما احتج به على قومه مما ألهمه الله عز وجل وآتاه، كما قال الله عز وجل: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه).
فقال المأمون: لله درك يا بن رسول الله! فأخبرني عن قول إبراهيم: (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي).
قال الرضا عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: (إني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أحييت له) فوقع في نفس إبراهيم أنه ذلك الخليل فقال: (ربي أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) على الخلة: (قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله على كل شئ قدير) فأخذ إبراهيم نسرا وبطا وطاووسا وديكا، فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله - وكانت عشرة - منهن جزءا، وجعل مناقيرهن بين أصابعه، ثم دعاهن بأسمائهن، ووضع عنده حبا وماء، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه فخلى إبراهيم عليه السلام عن مناقيرهن، فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب؟
وقلن: يا نبي الله أحييتنا أحياك الله!
فقال إبراهيم: (بل الله يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير).
3) عصمة النبي موسى عليه السلام:
فقال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله:
(فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان).
قال الرضا عليه السلام: إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها - وذلك بين المغرب والعشاء - (فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى) فقضى موسى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فمات. قال: (هذا من عمل الشيطان) يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين، لا ما فعله موسى من قتله إياه (أنه - يعني:الشيطان - عدو مضل مبين).
قال المأمون: فما معنى قول موسى: (رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي)؟
قال: يقول: إني وضعت نفسي غير موضعها، بدخولي هذه المدينة، فاغفر لي أي: استرني من أعدائك. لئلا يظفروا بي فيقتلوني (فغفر له) أي:
ستره من عدوه، (إنه هو الغفور الرحيم) قال: (ربي بما أنعمت علي) من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة، (فلن أكون ظهيرا للمجرمين) بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى. (فأصبح موسى في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين)قاتلت رجلا بالأمس، وتقاتل هذا اليوم لأؤدبنك، فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ظن الذي هو من شيعته أنه يريده (قال: - يا موسى - أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين).
قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن! فما معنى قول موسى لفرعون: (فعلتها إذا وأنا من الضالين)؟
قال الرضا عليه السلام: إن فرعون قال لموسى لما أتاه: (وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) (قال موسى فعلتها إذا وأنا من الضالين) عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك، (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين) وقد قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وآله: (ألم يجدك يتيما فآوى) يقول: ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس؟ (ووجدك ضالا) يعني:
عند قومك (فهدى) أي: هداهم إلى معرفتك. (ووجدك عائلا فأغنى) يقول: أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا.
قال المأمون: بارك الله فيك يا بن رسول الله! فما معنى قول الله: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني) كيف يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟!
فقال الرضا عليه السلام: إن كليم الله موسى بن عمران علم أن الله جل عن أن يرى بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله تعالى وقربه نجيا، رجع إلى قومه فأخبرهم:
أن الله عز وجل كلمه وقربه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، وكان القوم سبعمائة ألف رجل، فاختار منهم سبعين ألفا، ثم اختار منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور، وسأل الله عز وجل أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى: وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال، ووراء وأمام، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة، ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه. فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا، بعث الله عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا.
فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجات الله إياك؟
فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا: إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته.
فقال موسى: يا قوم! إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له، وإنما يعرف بآياته ويعلم بعلاماته.
فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله.
فقال موسى: رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى الله جل جلاله إليه يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى: (رب أرني أنظر إليك) (قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه - وهو يهوى - فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل - بآية من آياته - جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك) يقول:
رجعت إلى معرفتي بك؟ عن جهل قومي، (وأنا أول المؤمنين) منهم بأنك لا ترى.
4) عصمة النبي يوسف عليه السلام:
فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله عز وجل:
ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه)؟
فقال الرضا عليه السلام همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به لكنه كان معصوما والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه، ولقد حدثني أبي عن أبيه الصادق أنه قال: همت بأن تفعل وهم بأن لا يفعل.
5) عصمة النبي يونس عليه السلام:
فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله عز وجل:
(وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه. الآية)؟
فقال الرضا عليه السلام: ذلك يونس بن متى، ذهب مغاضبا لقومه، فظن بمعنى:
استيقن أن لن نقدر عليه، أي: نضيق عليه رزقه، ومنه قوله عز وجل: (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) أي: ضيق وقتر، (فنادى في الظلمات) ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، (أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) بتركي العبادة التي قد قرت عيني بها في بطن الحوت. فاستجاب الله له. وقال عز وجل: (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون).
6) عصمة الرسل عليهم السلام:
فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن! أخبرني عن قول الله عز وجل:
(حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا)؟ .
قال الرضا عليه السلام: يقول الله: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، جاء الرسل نصرنا.
7) عصمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)؟.
قال الرضا عليه السلام: لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما، فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم، وقالوا: (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب * فانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشئ يراد * ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) فلما فتح الله عز وجل على نبيه مكة قال له: يا محمد (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (2) عند مشركي أهل مكة بدعائك إياهم إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر، لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة، ومن بقي منهم لا يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعى الناس إليه، فصار ذنبه عندهم مغفورا بظهوره عليهم.
فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله عز وجل:
(عفا الله عنك لم أذنت لهم).
فقال الرضا عليه السلام: هذا مما نزل (بإياك أعني واسمعي يا جارة) خاطب الله بذلك نبيه صلى الله عليه وآله وأراد به أمته، وكذلك قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) وقوله عز وجل: (ولو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا).
قال المأمون: صدقت يا بن رسول الله! فأخبرني عن قول الله عز وجل:
(وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه).
قال الرضا عليه السلام: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده، فرأى امرأته تغتسل فقال لها: (سبحان الذي خلقك) وإنما أراد بذلك تنزيه الله عن قول من زعم: أن الملائكة بنات الله، فقال الله عز وجل:
(أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما) فقال النبي صلى الله عليه وآله لما رآها تغتسل: (سبحان الذي خلقك) أن يتخذ ولدا يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال، فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجئ رسول الله صلى الله عليه وآله، وقوله لها سبحان الذي خلقك، فلم يعلم زيد ما أراد بذلك وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إن امرأتي في خلقها سوء، وإني أريد طلاقها.
فقال له النبي: (أمسك عليك زوجك واتق الله) وقد كان الله عرفه عدد أزواجه وأن تلك المرأة منهن، فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد، وخشى الناس أن يقولوا: أن محمدا يقول لمولاه أن امرأتك ستكون لي زوجة، فيعيبوه بذلك، فأنزل الله عز وجل: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) يعني: بالإسلام (وأنعمت عليه) يعني: بالعتق (أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) ثم إن زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه فزوجها الله عز وجل من نبيه محمد صلى الله عليه وآله، وأنزل بذلك قرآنا فقال عز وجل:
(فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) ثم علم عز وجل أن المنافقين سيعيبوه بتزويجها فأنزل الله: (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له).
فقال المأمون: لقد شفيت صدري يا بن رسول الله، وأوضحت لي ما كان ملتبسا فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيرا.
قال علي بن الجهم: فقام المأمون إلى الصلاة، وأخذ بيد محمد بن جعفر ابن محمد - وكان حاضر المجلس - وتبعتهما فقال له المأمون: كيف رأيت ابن أخيك؟
فقال: عالم. ولم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم.
فقال المأمون: إن ابن أخيك من أهل بيت النبوة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وآله:
(ألا إن أبرار عترتي، وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغارا، وأعلم الناس كبارا فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا يخرجونكم من باب هدى ولا يدخلونكم في باب ضلالة).
وانصرف الرضا عليه السلام إلى منزله، فلما كان من الغد غدوت إليه، وأعلمته ما كان من قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له، فضحك الرضا عليه السلام ثم قال: يا بن الجهم لا يغرنك ما سمعته منه، فإنه سيغتالني والله ينتقم لي منه.
هذا هو كتاب الإحتجاج:
الجزء الأول
الجزء الثاني
تحياتي
الحـ روح ـياة
نسألكم الدعاء
الحـ روح ـياة
نسألكم الدعاء