بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين.
كنا قد عرّجنا عَرَضَاً في موضوع سابق على طبيعة الخلاف بين المنهجين الأصولي والأخباري، وذكرنا أنه وإن كانت رقعة الاختلاف بين الفريقين واسعة إجمالاً إلا أنها لا تخرج أحدهما عن المذهب الحق، وأن واقع الاختلاف في بعض المسائل لفظي، وفي بعضها نظري، وفي بعضها غير ذي أثر، وما يبقى من أوجه اختلاف بينها له شواهد بين الطرفين ويشبه إلى حد كبير الاختلاف بين أساطين كل مدرسة من هذه المدارس.
ورغم أن السائد في حوزاتنا العلمية هو المنهج الأصولي (الاجتهادي)، ورغم أنه لم يبق للمنهج الأخباري من رموز معاصرة.. فإن الحاجة إلى ما سطرته أيدي العلماء الأخباريين في فترات سابقة كما الحاجة الى ما أفاده الأصوليون تستدعي رد شبهة سقوط كل قولٍ للأخباريين مهما كان.. وهو ما ذهب إليه بعض من لم يدرك حقيقة الاختلاف وجوهره بين المنهجين.
ورغم أن الاختلاف قد تجاوز في بعض مراحله الطابع العلمي فسالت دماءٌ بين الفريقين تورّط فيها بعض المتعصبين هنا أو هناك، من العلماء أو العوام، إلا أن لكلمات ومواقف رموز المدرستين في تلك المرحلة وما بعدها أثر كبير في توضيح حدود الاختلاف عند أهل العلم.
وسنعرض ههنا شيئاً من تلك الأقوال التي قد تكون غريبة في مضمونها وقلما يطرحها أتباع المنهجين لأسباب وأسباب.
الشيخ جعفر كاشف الغطاء
يعد الشيخ جعفر كاشف الغطاء رمزاً من رموز المدرسة الأصولية، بعد أن سار على سنة أستاذه الوحيد البهبهاني، واشتد الصراع في أيامه بين النهجين الأصولي والأخباري بشكل كبير ووقع ما وقع بينه وبين الميرزا محمد الأخباري، أحد أكثر الطاعنين بالأصوليين.. فسعى الشيخ جعفر لنفيه ثم قتل الميرزا الأخباري بفتوى الشيخ موسى كاشف الغطاء وجمع من العلماء بعد وفاة والده الشيخ جعفر.
هذه الأحداث التي بدأت بالطعن الشديد وختمت بإسالة الدماء صبغت الخلاف باللون الأحمر القاني حتى ظن المتابع أن لكل من الفريقين دينه الخاص به!! وكان لبعض كلمات الفريقين أثر في ذلك.. لكن الإنصاف يقتضي ملاحظة الكلمات بتمامها ليعرف موقف الطرفين..
فمن كلمات الشيخ جعفر كاشف الغطاء: ..وبعد النّظر فى البين يظهر الرّجوع لكلّ منهما الى احد الثّقلين، فانّ المجتهدين ان لم يرجعوا الى الاخبار ولم يعولوا على ما روى عن النّبىّ صلّى اللّه عليه واله والائمة الاطهار مرقوا عن الدّين ولم يوافقوا شريعة سيّد المرسلين، والاخباريّة ان لم يجتهدوا فى المقدّمات التي يتوقّف عليها فهم الاخبار والرّوايات خرجوا عن طريقة الاماميّة ولم يسلكوا مسلك الفرقة المحقة الجعفريّة، فمرجع الطّرفين الى ما روى عن سادات الثقلين، فالمجتهد اخباري عند التحقيق والاخباري مجتهد بعد النظر الدّقيق، ففضلاء الطرفين بلطف اللّه ناجون الواصلون الى الحقّ منهم والقاصرون، والجهّال المقصّرون والطاعنون على المجتهدين المشيدين لاركان الدّين هالكون (حق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الإخباريين ص3)
فهو وإن بيّن العديد من الأخطاء التي وقع فيها الأخباريون في كتابه المذكور، وعدّ بعضها أو جملة منها مخالفاً لضروري العقل والدين، إلا أنه برر ذلك لهم بسبق الشبهة، وحصر الهلاك بالمقصّرين والطاعنين، ونسب الآخرين منهم إلى النجاة..
ثم تراه يصرح في غير مورد أن الأخباريين أصوليون من حيث لا يشعرون فيقول: ..و ان توهم الاخباريّون انهم على خلاف ذلك فهم مجتهدون من حيث لا يشعرون لكنهم عاملون على الظن من حيث انه ظن بزعم انه علم، والمجتهدون ومقلّدوهم لا يعملون به من جهة كونه ظنا بل من جهة اوله الى العلم، فهم واتباعهم العاملون بالعلم من حيث الحقيقة دون الاخباريّون ..(حق اليقين ص103)
ويخلص إلى أن النتيجة في هذه المسألة وجملة من المسائل الأخرى واحدة من الناحية العملية، وان اختلفت نظرياً او اعتقاداً.. ويصرح بما يشبه ذلك أيضاً عند حديثه عن أصالة البراءة فيقول عن الأخباريين: ثم انّهم رضوان اللّه عليهم موافقون للمجتهدين غالبا بالحكم مخالفون بالاسم (حق اليقين ص12) ومثله في الصفحة 80، ومثله قوله: مع انّ الاجتهاد فى الحقيقة لازم على الطّرفين ومنكره مخالف فى الاسم دون الحكم (المصدر ص46)
نعم تبقى كلمات قاسية موجهة إلى الأخباريين لا تستقيم مع كلامه هذا.. لكنه يوضح في غير مورد أن المراد منها قوم أدخلوا أنفسهم في المنهج الأخباري وأصحابه منهم براء.. فيقول:.. ومنها ما ذكره بعض من ادخل نفسه فى زمرة الاخباريّين وهم براء منه كالمجتهدين لابداعه في الدين وطعنه ولعنه لاعاظم المشيّدين لمذهب الائمّة الطاهرين ... (حق اليقين ص40)
ويشير في مورد آخر إلى أن جمعاً من الحاسدين المذمومين قد مالوا إلى طريقة الأخباريين وأدخلوا أنفسهم فيهم وليسوا منهم ولا من الأصوليين (كما في ص67)
الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق
على الضفة الأخرى يقف رمز من رموز الأخباريين.. الشيخ يوسف البحراني ليقول في حدائقه الناضرة ج1 ص167 وما بعدها:
..وقد كنت في أول الأمر ممن ينتصر لمذهب الأخباريين... إلا أن الذي ظهر لي بعد اعطاء التأمل حقه في المقام وامعان النظر في كلام علمائنا الأعلام هو اغماض النظر عن هذا الباب وارخاء الستر دونه والحجاب ، وإن كان قد فتحه أقوام وأوسعوا فيه دائرة النقض والابرام.
( أما أولا ) فلاستلزامه القدح في علماء الطرفين والازراء بفضلاء الجانبين كما قد طعن به كل من علماء الطرفين على الآخر ، بل ربما انجر القدح في الدين...
( وأما ثانيا ) فلأن ما ذكروه في وجوه الفرق بينهما جله بل كله عند التأمل لا يثمر فرقا في المقام...
و ( أما ثالثا ) فلأن العصر الأول كان مملوءا من المحدثين والمجتهدين، مع أنه لم يرتفع بينهم صيت هذا الخلاف ، ولم يطعن أحد منهم على الآخر بالاتصاف بهذه الأوصاف ....
وحينئذ فالأولى والأليق بذوي الايمان ، والأحرى والأنسب في هذا الشأن هو أن يقال : إن عمل علماء الفرقة المحقة والشريعة الحقة أيدهم الله تعالى بالنصر والتمكين ورفع درجاتهم في أعلى عليين سلفا وخلفا إنما هو على مذهب أئمتهم ( صلوات الله عليهم ) وطريقهم الذي أوضحوه لديهم ، فإن جلالة شأنهم وسطوع برهانهم وورعهم وتقواهم المشهور بل المتواتر على مر الأيام والدهور يمنعهم من الخروج عن تلك الجادة القويمة والطريقة المستقيمة ، ولكن ربما حاد بعضهم أخباريا كان أو مجتهدا عن الطريق غفلة أو توهما أو لقصور اطلاع أو قصور فهم أو نحو ذلك في بعض المسائل ، فهو لا يوجب تشنيعا ولا قدحا...
...ولم يرتفع صيت هذا الخلاف ولا وقوع هذا الاعتساف إلا من زمن صاحب الفوائد المدنية سامحه الله تعالى برحمته المرضية ، فإنه قد جرد لسان التشنيع على الأصحاب وأسهب في ذلك أي إسهاب ، وأكثر من التعصبات التي لا تليق بمثله من العلماء الأطياب...(انتهى كلامه)
بعد عرض نماذج من كلامهما رحمهما الله ..
وبالنظر إلى أن أعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه.
وأن العاقل هو من يعتبر بغيره قبل أن يُعتبر به..
لا بد من النظر في ما وقع فيه غيرنا من فتن وسالت به الدماء بين المؤمنين فنجتنبه.. ونعود إلى جذورنا فننبذ كل ما من شأنه أن يعيد مثل هذه الفاجعة أو يكرر مثل هذه الكارثة.. ونتعظ فلا نقع فريسة لما وقع فيه غيرنا.. ولا نجعل الفروع أصولاً ونحكم بها على سائر المؤمنين..
بل يلزم علينا أن نحسن إدارة الاختلاف حتى مع من نتمايز عنه بأصول الدين والمذهب تسمى به وحاد عنه أم لم يتسم..
وقد اقتصرت سيرة العلماء تبعاً للأئمة عليهم السلام على بيان الحق وإلقاء الحجة، ثم نفس بما كسبت رهينة.
هذا ولم تكن هذه الفتنة فريدة في تاريخنا.. فها هو الشيخ حسين كاشف الغطاء ينقل لنا في عبقاته العنبرية صورة مؤلمة من صور كثيرة وقعت فيما عرف بفتنة (الزقرت والشمرت) وراح ضحيتها الكثير من المؤمنين في النجف خصوصاً والعراق عموماً واستمرت لحوالي قرن من الزمن..
والمثير فيها هو كيفية قتل حاكم النجف في ذلك الوقت (عباس الحداد) في حجرة في الصحن العلوي المبارك، وهو المعين من قبل الشيخ موسى كاشف الغطاء بحسب ما ينقل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، يقول: ... فقطع الخادم رأسه وملأ من دمه طشتا وجاء به هو وأصحابه وأتوا بخيار وخبز وجعلوا يأكلون ويغمّسون الخيار والخبز بذلك الدم!!!!
فأي عصبية هذه التي أودت بأصحابها في هذه المهاوي وأردتهم في هذه المهالك ؟!
ولمّا لم نعتبر في أيامنا تكرر ما يشبه هذه القصة المخزية في النجف قبل سنوات!
فهل سنعتبر الآن أم سننتظر أن تستحكم الفتن فينا ونصبح طعمة لها ولكل متربّص ؟!
اللهم احفظ شيعة آل محمد من كل سوء وفتنة وأصلح أمورهم آمين رب العالمين.
والحمد لله رب العالمين
شعيب العاملي
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين.
كنا قد عرّجنا عَرَضَاً في موضوع سابق على طبيعة الخلاف بين المنهجين الأصولي والأخباري، وذكرنا أنه وإن كانت رقعة الاختلاف بين الفريقين واسعة إجمالاً إلا أنها لا تخرج أحدهما عن المذهب الحق، وأن واقع الاختلاف في بعض المسائل لفظي، وفي بعضها نظري، وفي بعضها غير ذي أثر، وما يبقى من أوجه اختلاف بينها له شواهد بين الطرفين ويشبه إلى حد كبير الاختلاف بين أساطين كل مدرسة من هذه المدارس.
ورغم أن السائد في حوزاتنا العلمية هو المنهج الأصولي (الاجتهادي)، ورغم أنه لم يبق للمنهج الأخباري من رموز معاصرة.. فإن الحاجة إلى ما سطرته أيدي العلماء الأخباريين في فترات سابقة كما الحاجة الى ما أفاده الأصوليون تستدعي رد شبهة سقوط كل قولٍ للأخباريين مهما كان.. وهو ما ذهب إليه بعض من لم يدرك حقيقة الاختلاف وجوهره بين المنهجين.
ورغم أن الاختلاف قد تجاوز في بعض مراحله الطابع العلمي فسالت دماءٌ بين الفريقين تورّط فيها بعض المتعصبين هنا أو هناك، من العلماء أو العوام، إلا أن لكلمات ومواقف رموز المدرستين في تلك المرحلة وما بعدها أثر كبير في توضيح حدود الاختلاف عند أهل العلم.
وسنعرض ههنا شيئاً من تلك الأقوال التي قد تكون غريبة في مضمونها وقلما يطرحها أتباع المنهجين لأسباب وأسباب.
الشيخ جعفر كاشف الغطاء
يعد الشيخ جعفر كاشف الغطاء رمزاً من رموز المدرسة الأصولية، بعد أن سار على سنة أستاذه الوحيد البهبهاني، واشتد الصراع في أيامه بين النهجين الأصولي والأخباري بشكل كبير ووقع ما وقع بينه وبين الميرزا محمد الأخباري، أحد أكثر الطاعنين بالأصوليين.. فسعى الشيخ جعفر لنفيه ثم قتل الميرزا الأخباري بفتوى الشيخ موسى كاشف الغطاء وجمع من العلماء بعد وفاة والده الشيخ جعفر.
هذه الأحداث التي بدأت بالطعن الشديد وختمت بإسالة الدماء صبغت الخلاف باللون الأحمر القاني حتى ظن المتابع أن لكل من الفريقين دينه الخاص به!! وكان لبعض كلمات الفريقين أثر في ذلك.. لكن الإنصاف يقتضي ملاحظة الكلمات بتمامها ليعرف موقف الطرفين..
فمن كلمات الشيخ جعفر كاشف الغطاء: ..وبعد النّظر فى البين يظهر الرّجوع لكلّ منهما الى احد الثّقلين، فانّ المجتهدين ان لم يرجعوا الى الاخبار ولم يعولوا على ما روى عن النّبىّ صلّى اللّه عليه واله والائمة الاطهار مرقوا عن الدّين ولم يوافقوا شريعة سيّد المرسلين، والاخباريّة ان لم يجتهدوا فى المقدّمات التي يتوقّف عليها فهم الاخبار والرّوايات خرجوا عن طريقة الاماميّة ولم يسلكوا مسلك الفرقة المحقة الجعفريّة، فمرجع الطّرفين الى ما روى عن سادات الثقلين، فالمجتهد اخباري عند التحقيق والاخباري مجتهد بعد النظر الدّقيق، ففضلاء الطرفين بلطف اللّه ناجون الواصلون الى الحقّ منهم والقاصرون، والجهّال المقصّرون والطاعنون على المجتهدين المشيدين لاركان الدّين هالكون (حق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الإخباريين ص3)
فهو وإن بيّن العديد من الأخطاء التي وقع فيها الأخباريون في كتابه المذكور، وعدّ بعضها أو جملة منها مخالفاً لضروري العقل والدين، إلا أنه برر ذلك لهم بسبق الشبهة، وحصر الهلاك بالمقصّرين والطاعنين، ونسب الآخرين منهم إلى النجاة..
ثم تراه يصرح في غير مورد أن الأخباريين أصوليون من حيث لا يشعرون فيقول: ..و ان توهم الاخباريّون انهم على خلاف ذلك فهم مجتهدون من حيث لا يشعرون لكنهم عاملون على الظن من حيث انه ظن بزعم انه علم، والمجتهدون ومقلّدوهم لا يعملون به من جهة كونه ظنا بل من جهة اوله الى العلم، فهم واتباعهم العاملون بالعلم من حيث الحقيقة دون الاخباريّون ..(حق اليقين ص103)
ويخلص إلى أن النتيجة في هذه المسألة وجملة من المسائل الأخرى واحدة من الناحية العملية، وان اختلفت نظرياً او اعتقاداً.. ويصرح بما يشبه ذلك أيضاً عند حديثه عن أصالة البراءة فيقول عن الأخباريين: ثم انّهم رضوان اللّه عليهم موافقون للمجتهدين غالبا بالحكم مخالفون بالاسم (حق اليقين ص12) ومثله في الصفحة 80، ومثله قوله: مع انّ الاجتهاد فى الحقيقة لازم على الطّرفين ومنكره مخالف فى الاسم دون الحكم (المصدر ص46)
نعم تبقى كلمات قاسية موجهة إلى الأخباريين لا تستقيم مع كلامه هذا.. لكنه يوضح في غير مورد أن المراد منها قوم أدخلوا أنفسهم في المنهج الأخباري وأصحابه منهم براء.. فيقول:.. ومنها ما ذكره بعض من ادخل نفسه فى زمرة الاخباريّين وهم براء منه كالمجتهدين لابداعه في الدين وطعنه ولعنه لاعاظم المشيّدين لمذهب الائمّة الطاهرين ... (حق اليقين ص40)
ويشير في مورد آخر إلى أن جمعاً من الحاسدين المذمومين قد مالوا إلى طريقة الأخباريين وأدخلوا أنفسهم فيهم وليسوا منهم ولا من الأصوليين (كما في ص67)
الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق
على الضفة الأخرى يقف رمز من رموز الأخباريين.. الشيخ يوسف البحراني ليقول في حدائقه الناضرة ج1 ص167 وما بعدها:
..وقد كنت في أول الأمر ممن ينتصر لمذهب الأخباريين... إلا أن الذي ظهر لي بعد اعطاء التأمل حقه في المقام وامعان النظر في كلام علمائنا الأعلام هو اغماض النظر عن هذا الباب وارخاء الستر دونه والحجاب ، وإن كان قد فتحه أقوام وأوسعوا فيه دائرة النقض والابرام.
( أما أولا ) فلاستلزامه القدح في علماء الطرفين والازراء بفضلاء الجانبين كما قد طعن به كل من علماء الطرفين على الآخر ، بل ربما انجر القدح في الدين...
( وأما ثانيا ) فلأن ما ذكروه في وجوه الفرق بينهما جله بل كله عند التأمل لا يثمر فرقا في المقام...
و ( أما ثالثا ) فلأن العصر الأول كان مملوءا من المحدثين والمجتهدين، مع أنه لم يرتفع بينهم صيت هذا الخلاف ، ولم يطعن أحد منهم على الآخر بالاتصاف بهذه الأوصاف ....
وحينئذ فالأولى والأليق بذوي الايمان ، والأحرى والأنسب في هذا الشأن هو أن يقال : إن عمل علماء الفرقة المحقة والشريعة الحقة أيدهم الله تعالى بالنصر والتمكين ورفع درجاتهم في أعلى عليين سلفا وخلفا إنما هو على مذهب أئمتهم ( صلوات الله عليهم ) وطريقهم الذي أوضحوه لديهم ، فإن جلالة شأنهم وسطوع برهانهم وورعهم وتقواهم المشهور بل المتواتر على مر الأيام والدهور يمنعهم من الخروج عن تلك الجادة القويمة والطريقة المستقيمة ، ولكن ربما حاد بعضهم أخباريا كان أو مجتهدا عن الطريق غفلة أو توهما أو لقصور اطلاع أو قصور فهم أو نحو ذلك في بعض المسائل ، فهو لا يوجب تشنيعا ولا قدحا...
...ولم يرتفع صيت هذا الخلاف ولا وقوع هذا الاعتساف إلا من زمن صاحب الفوائد المدنية سامحه الله تعالى برحمته المرضية ، فإنه قد جرد لسان التشنيع على الأصحاب وأسهب في ذلك أي إسهاب ، وأكثر من التعصبات التي لا تليق بمثله من العلماء الأطياب...(انتهى كلامه)
بعد عرض نماذج من كلامهما رحمهما الله ..
وبالنظر إلى أن أعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه.
وأن العاقل هو من يعتبر بغيره قبل أن يُعتبر به..
لا بد من النظر في ما وقع فيه غيرنا من فتن وسالت به الدماء بين المؤمنين فنجتنبه.. ونعود إلى جذورنا فننبذ كل ما من شأنه أن يعيد مثل هذه الفاجعة أو يكرر مثل هذه الكارثة.. ونتعظ فلا نقع فريسة لما وقع فيه غيرنا.. ولا نجعل الفروع أصولاً ونحكم بها على سائر المؤمنين..
بل يلزم علينا أن نحسن إدارة الاختلاف حتى مع من نتمايز عنه بأصول الدين والمذهب تسمى به وحاد عنه أم لم يتسم..
وقد اقتصرت سيرة العلماء تبعاً للأئمة عليهم السلام على بيان الحق وإلقاء الحجة، ثم نفس بما كسبت رهينة.
هذا ولم تكن هذه الفتنة فريدة في تاريخنا.. فها هو الشيخ حسين كاشف الغطاء ينقل لنا في عبقاته العنبرية صورة مؤلمة من صور كثيرة وقعت فيما عرف بفتنة (الزقرت والشمرت) وراح ضحيتها الكثير من المؤمنين في النجف خصوصاً والعراق عموماً واستمرت لحوالي قرن من الزمن..
والمثير فيها هو كيفية قتل حاكم النجف في ذلك الوقت (عباس الحداد) في حجرة في الصحن العلوي المبارك، وهو المعين من قبل الشيخ موسى كاشف الغطاء بحسب ما ينقل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، يقول: ... فقطع الخادم رأسه وملأ من دمه طشتا وجاء به هو وأصحابه وأتوا بخيار وخبز وجعلوا يأكلون ويغمّسون الخيار والخبز بذلك الدم!!!!
فأي عصبية هذه التي أودت بأصحابها في هذه المهاوي وأردتهم في هذه المهالك ؟!
ولمّا لم نعتبر في أيامنا تكرر ما يشبه هذه القصة المخزية في النجف قبل سنوات!
فهل سنعتبر الآن أم سننتظر أن تستحكم الفتن فينا ونصبح طعمة لها ولكل متربّص ؟!
اللهم احفظ شيعة آل محمد من كل سوء وفتنة وأصلح أمورهم آمين رب العالمين.
والحمد لله رب العالمين
شعيب العاملي
تعليق