أسرار نظامنا الشمسيّ...
عوالم جديدة مذهلة
==============
نعيش اليوم في عصر من الاستكشاف الفضائي لم يسبق له مثيل، وذلك بفضل المسابر الفضائية التي باتت تنطلق بسرعة أكبر من ذي قبل لتتوغل داخل الفضاء السحيق. كذلك يتميز هذا العصر بفهم أعمق لجيران الأرض الأقرب. سيعرض لنا دايفد وايتهوس آخر اكتشافات عالم الفضاء.
كلما أمعنا النظر في العوالم التي تدور حول الشمس، لاحظنا أنها مذهلة وغامضة جداً. ومع نجاح عدد متزايد من المسابر الفضائية في بلوغ وجهات بعيدة جداً، تحولت بقع الضوء الغامضة البعيدة تلك إلى مشاهد غريبة تملأها أسئلة لا أجوبة لها.
أرسل العلماء أخيراً مركبة الفضاء «ماسنجر» لتحلق بمحاذاة عطارد وتبعث بصور فريدة عن كوكب لم يشاهده إنسان من قبل. لكن هذا ليس المسبار الوحيد الذي يقدم صوراً جديدة ومثيرة للاهتمام لجيراننا الأقرب. فمع تزايد المركبات التي أُطلقت إلى الفضاء، صار عدد لم يسبق له مثيل من هذه المركبات موزعاً في الفضاء. نتيجة لذلك، حصلنا على كمية هائلة من الصور والمعلومات من أرجاء النظام الشمسي المختلفة وما وراءه.
اليوم، صار بإمكان مركبات من دون رائد فضاء الاقتراب من الشمس ونارها المستعرة والسفر عبر المسافات الباردة للنظام الشمسي وغيره من البقاع التي لم يتوصل الإنسان بعد إلى سبرها. تحلق هذه المركبات في مدار خمسة عوالم، منها الأرض والقمر وتطوي المسافات بين الكواكب، فتقيس سحب غاز البلازمة الدوامية والغبار المتناثر من المذنبات. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ البشرية التي يتمكن فيها الإنسان من السفر إلى عوالم بعيدة كهذه.
سنتناول الآن كل كوكب على حدة لنتأمل في الأسرار التي كُشفت أخيراً عن ماضي نظامنا الشمسي وحاضره ولنرى كيف يمكن لهذا البحث المبدع أن يؤثر في مستقبل البشرية خلال الأعوام القليلة الماضية.
الشمس
تسيطر الشمس على كامل نظامنا الشمسي، فتزود الأرض بالطاقة والاستقرار وتشكل مركز جاذبية تدور حوله الكواكب جميعها. وعلى الرغم من أنها تدعم كل وجه من أوجه حياتنا واستمرارنا، ما زالت ألغاز كثيرة تحيط بها.
وفي محاولة لكشف النقاب عن أسرار الشمس، يدور حول الأرض أسطول من المركبات الفضائية التي تصب اهتمامها على الشمس. تهدف هذه المركبات إلى فهم شمسنا وتحسين قدرتنا على توقع الحوادث المهمة التي تقع عليها، مثل الفترات التي تندفع فيها سحب الكتل الاكليلية المقذوفة باتجاه الأرض. تتألف هذه السحب من غاز ممغنط يندفع إلى الفضاء إثر ثورانات على سطح الشمس تتخطى كتلها مليارات الأطنان، قد تصل سرعتها إلى 2000 كيلومتر في الثانية ويمكن أن تشكل خطراً على الأقمار الاصطناعية والاتصالات اللاسلكية وأنظمة الطاقة.
ومن بين المركبات الفضائية التي ترصد الشمس هنالك مسبارا مهمة «مراقبة العلاقات بين الشمس والأرض» Stereo. وضعت إحدى هاتين المركبتين الفضائيتين المتطابقتين تقريباً أمام مدار الأرض مباشرة والأخرى خلفه تماماً. وبما أن خطَّي مراقبتهما سطح الشمس يختلفان بدرجات بسيطة، يمكنهما تعقب سحب الغاز وتحديد ما إذا كانت متجهة نحو الأرض. التقطت هذه المهمة صوراً فريدة من نوعها لاصطدام سحابة غاز مقذوفة بمذنب، فعندما غمرت السحابة المذنب، فقد ذنبه.
تؤدي المركبة الفضائية اليابانية هاينود مهمة مماثلة. قدمت صوراً مفصلة مذهلة تظهر البقع الشمسية خصوصاً الغاز الملتهب الذي يعلو فوقها، يمكن من خلالها رؤية تفاصيل ما يدعى الحبيبات الدقيقة على سطح الشمس، حيث ترتفع خلايا الغاز الحارة إلى السطح، فتبرد قبل أن تغوص ثانية.
القمر
بعد عقود من الإهمال، ندخل عصراً جديداً من الاستكشاف القمري. إنه أمر ضروري جداً، فعلى الرغم من أن العلماء درسوا مئات الكيلوغرامات من الصخور القمرية، إلا أن الكثير من الأسئلة حولها ما زالت بلا إجابة ولسنا متأكدين من أين جاء القمر أساساً.
هناك مسباران في مدار القمر سيليهما مزيد من المسابر. أُطلق مسبار كاغويا الياباني في إيلول (سبتمبر) الماضي ويعتبر أكبر مهمة أرسلت إلى القمر منذ أيام أبولو. يقع في مدار منخفض على ارتفاع 128 كيلومتراً فوق السطح ونشر قمرين صناعيين صغيرين. يُتوقع الحصول على دفعة أولى من المعلومات خلال وقت قصير مع أنه سجل شريط الفيديو الأول العالي الوضوح من المدار القمري خلال عبوره الظلال العميقة للقطب الشمالي القمري فيما سجل بزوغ الأرض في الأفق. تخطط اليابان لمتابعة مسبار كاغويا على الأرجح قبل العام 2010. في نظرة إلى المستقبل، تفكر الوكالة الفضائية اليابانية في إرسال طاقم ليحط على سطح القمر عام 2020 وقاعدة قمرية مزودة بطاقم عام 2030.
أطلقت الصين مسبارها الأول إلى القمر «تشانغ أه-أ» في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وأصدر صورته الأولى بعد شهر من إطلاقه. إن أحد أهداف المسبار هو مسح سطح القمر بحثاً عن الهيليوم-3، وهو نوع من الهيليوم نادر الوجود على الأرض وإن وُجد بكميات كافية على سطح القمر، فسيكون مورداً قيّماً لاستخراجه وشحنه إلى الأرض لاستخدامه في مفاعلات الالتحام النووي. تخطط الصين لإرسال عربة فضائية إلى سطح القمر عام 2012 وإجراء اختبار لرحلة العودة عام 2017 ووقعت حديثاً اتفاقية للتعاون مع روسيا لإرسال رواد فضاء إلى هناك.
في وقت لاحق من هذا العام، سيُطلق مسبار شاندرايان-1 الهندي الذي يضم أدوات مصنوعة في الولايات المتحدة وأوروبا. كذلك، تخطط منظمة البحوث الفضائية الهندية لإرسال طاقم في مهمة استكشافية إلى الفضاء في العقد المقبل وإرسال رائد فضاء إلى سطح القمر بحلول العام 2020. لا بد من الإشارة إلى إنه أمر تفاؤلي نظراً إلى نقص الخبرة التقنية الفضائية والميزانية في الهند.
كذلك، ستلتقط العربة المدارية الاستطلاعية الأميركية المقرر إطلاقها هذه السنة صوراً عالية الوضوح لسطح القمر استعداداً لإرسال طاقم عام 2017 وستسعى إلى الإجابة عن أحد أعظم ألغاز القمر: هل من جليد مخفي في ظلال القطب القمري؟ في حال وجود الجليد، فسيكون مورداً قيّماً لإنشاء قاعدة قمرية (محطة اختبارية على سطح القمر).
في هذه الأثناء، تنوي روسيا استئناف مشروعها «لونا-غلوب» وهو عبارة عن عربة مدارية فضائية غير مأهولة يُفترض إطلاقها عام 2012 وأعلنت ألمانيا في آذار (مارس) 2007 عن إطلاق عربة مدارية إلى القمر عام 2012 فيما تبحث مهمة فضائية بريطانية إلى القمر عن التمويل والدعم.
عطارد
لطالما كان عطارد كوكباً غريباً وبعيداً، فهذا الكوكب الذي يحمل اسم أحد الآلهة قلما يُدرس بسبب صعوبة مراقبته والوصول إليه. إنه الأصغر في النظام الشمسي ويحتاج إلى 88 يوماً ليكمل دورته حول الشمس، وبما أن مداره قريب من هذه الأخيرة فهو لا يبتعد مطلقاً عن نارها الملتهبة، لذلك يتطلب إيصال مسبار إلى عطارد سنوات طويلة من المناورات الفضائية والرحلات التي تمر إلى جانب كواكب أخرى.
إلا أن مسبار ماسنجر مرّ أخيراً على بعد نحو 241 كيلومتراً من عطارد وهذه هي المرة الأولى منذ 33 سنة يزور فيها مسبار هذا الكوكب، فالتقط بعض الصور المذهلة، في حين لم يتمكن المسبار السابق، مارينر 10، عام 1975 من رؤية سوى نصف الكوكب.
يبدو عطارد للوهلة الأولى شبيهاً بالقمر، لكنه يخفي تحت سطحه مزايا فريدة. فكثافته عالية جداً ويتمتع بنواة ضخمة، مما يظهر أن طبقات الكوكب الخارجية انفجرت وانفصلت عنه بفعل اصطدام قبل مليارات السنين، فعندما كان النظام الشمسي لا يزال حديث العهد، انهالت على الكوكب مذنبات وكويكبات سيارة تسببت بثوران المغما التي غمرت السهول. لاحقاً، بدأت المغما تبرد وتتقلص، فتشقق سطحها مشكلاً الحيود التي تنتشر على سطح الكوكب.
تعتبر صور حوض كالوريس الذي ظهر كاملاً للمرة الأولى هي الأهم التي التقطها ماسنجر. تشكَّل هذا الحوض بسبب اصطدام كبير وهو يمتد على مسافة 1287 كيلومتراً تقريباً وتحيط به جبال يصل ارتفاعها إلى 2133 متراً ويُدعى كالوريس أي حرارة باللاتينية، لأن الشمس غالباً ما تصب أشعتها عليه مباشرة. وبما أنه قريب جداً منها، يمكن أن تصل حرارته إلى 430 درجة مئوية.
من المقرر أن يمر ماسنجر قرب عطارد في مناسبتين أخريين، الأولى في وقت لاحق من هذه السنة والأخرى عام 2009 وستؤدي هاتان الرحلتان إلى إبطاء سرعة المسبار، فيتمكن مدار عطارد من جذبه في العام 2011. حينذاك، سيعمل على مسح كامل الكوكب ووضع الخرائط له. كذلك تخطط الوكالة الفضائية الأوروبية لإرسال مسبار إلى عطارد يُدعى بيبي- كولومبو، سيصل في العام 2019.
الزهرة
إذا استيقظت باكراً، من المرجح أنك سترى الزهرة في السماء إلى الجنوب الشرقي. اعتبر الناس قديماً أن هذا الكوكب يتحلى ببريق صافٍ وغامض. فهو الكوكب الأكثر سطوعاً في سماء الليل بعد الشمس والقمر.
تلف هذا الكوكب طبقة من الغيوم العاكسة التي تضم قطرات صغيرة من حمض الكبريت. تمكن العلماء خلال السنوات العشرين الماضية من وضع خرائط لهذا الكوكب بواسطة الأقمار الاصطناعية والرادارات. فعثروا على عدد ضئيل نسبياً من الحفر، يعتقد علماء الفلك أن هذا دليل على النشاط البركاني المفرط الذي يؤدي كل بضعة ملايين من السنين إلى إذابة السطح ومسح كل الحفرات الناجمة عن عمليات الاصطدام. يملك كوكب الزهرة براكين تفوق عدد البراكين على الأرض بمرات، ويبلغ عرض نحو ألفين منها 100 كيلومتر.
يتألف معظم كوكب الزهرة من سهول بركانية ملساء فيما تتشكل باقي مساحته من منطقتين جبليتين تقع إحداهما في نصف الكرة الشمالي والأخرى جنوبي خط الاستواء. يعادل حجم القارة الشمالية المسماة أرض عشتار حجم أستراليا ويقع جبل ماكسويل مونتس، الأعلى على كوكب الزهرة، على أرض عشتار ويبلغ ارتفاع قمته حوالي عشرة كيلومترات فوق متوسط ارتفاع السطح. تدعى القارة الجنوبية أرض أفروديت ويوازي حجم إحدى المنطقتين الجبليتين الأكبر مساحة حجم أميركا الجنوبية. تغطى معظمها شبكة من الكسور والتصدعات.
إن المركبة الفضائية الوحيدة الموجودة في مدار الزهرة الآن هي فينوس إكسبرس التي أطلقتها الوكالة الفضائية الأوروبية، فسجلت وجود برق كثيف في الطبقات العليا للجو. كان وجود هذا البرق موضع خلاف منذ أن رصدت مسابر فينيرا السوفياتية انفجارات اشتبه بها منذ ثلاثين عاماً، إلا أن فينوس إكسبرس رصدت موجات صفيرية ناتجة عن البرق ويشير ظهورها المتقطع إلى نموذج مرتبط بالنشاط المناخي. يبلغ معدل البرق على الأقل نصف معدله على الأرض.
وجدت فينوس إكسبرس أدلة عن وجود محيطات سابقة واكتشفت دوامة جوية مزدوجة ضخمة في القطب الجنوبي للكوكب. تظهر الدراسات أن الجو فوق سطح الزهرة كان يشبه إلى حد كبير جو الكرة الأرضية وعلى الأرجح أنه كان يوجد الكثير من الماء السائل على سطحه. نتج أثر الدفيئة الجامح عن تبخر المياه الذي – بالإضافة إلى جو الزهرة الغني بثاني أكسيد الكاربون والغيوم الكثيفة المؤلفة من ثاني أكسيد الكبريت – أدى إلى الاحتباس الحراري الكوكبي الأقوى في النظام الشمسي وزيادة درجات الحرارة على السطح إلى أكثر من 460 درجة مئوية ما يجعل سطح الزهرة أكثر حرارة من سطح عطارد مع أن مسافة الزهرة تبلغ ضعفي مسافة عطارد من الشمس ويتلقى 25 في المئة من إشعاع عطارد الشمسي فحسب.
المريخ
ظن الرومان أنه كقطرة دم عالقة في السماء وسمّوه تيمناً بإله الحرب خاصتهم. في الحقيقة، المريخ عبارة عن عالم صخري صغير يضم مساحة برية بقدر الأرض ويتمتع بجو قليل الضغط تتكون فيه الغيوم والعواصف الغبارية. كذلك يتمتع بجوانب عديدة مشتركة مع الأرض مثل البراكين الخامدة، الوديان، الصحاري النقالة والأغطية الجليدية القطبية. أولمبوس مونز هو أعلى جبل معروف في النظام الشمسي وفاليس مارينيريس هو الأخدود الأكبر. بالنسبة إلى الكثير من العلماء، يعتبر المريخ العالم الجديد الأول والهدف الأساسي لاستكشاف الفضاء. يبرز حالياً في السماء ليلاً ويبزغ من الجهة الشمالية الشرقية قبل ساعتين من غروب الشمس ويتوسط كبد السماء بحلول الحادية عشرة ليلاً.
يستضيف الكوكب ثلاث مركبات فضائية مدارية هي مارس اوديسي، مارس اكسبرس والعربة المدارية الاستطلاعية مارس. عانى مسبار رابع هو “Mars Global Surveyor” من اختلال وظيفي في الصيف الماضي وتوقف عن العمل. كذلك ستُرسل عربتان استكشافيتان إلى المريخ هما سبيريت وأبورتيونيتي. تقترح الأدلة التي جُمعت عبر هذه المهام وغيرها أن المياه كانت تغطي المريخ وهناك ما يشير إلى حدوث ثورانات شبيهة بالينابيع الحارة. تفيد ملاحظات المركبة الفضائية Mars Global Surveyor أن أجزاء من الغطاء الجليدي القطبي الجنوبي كانت تتقلص، يبدو أن للمريخ مشاكله الخاصة مع الاحتباس الحراري.
اكتشفت المركبة الفضائية مارس أوديسي للتو مداخل إلى سبعة كهوف محتملة على منحدرات بركان. إنه اكتشاف يجذب الانتباه إلى وجود مواطن محتملة تحت الأرض لأشكال بدائية من الحياة.
في أيلول (سبتمبر) 2006، بلغت العربة أبورتيونيتي حافة حفرة فيكتوريا في سهل ميريدياني بلانوم وأرسلت المشاهد الأولى لحفرة يبلغ عرضها 609 أمتار تتضمن حقلاً من الكثبان. تعتبر الحفر مهمة بالنسبة إلى العلماء لأنها تسمح بالنفاذ إلى الطبقات الموجودة تحت سطح الكوكب وتشكل وسيلة لتحليل تاريخ المريخ الجيولوجي. بعد هبوب عاصفة رملية على وسع الكوكب أرجأت الدخول إلى حفرة فيكتوريا لستة أسابيع. دخلت عربة أوبورتيونيتي رقعةً تدعى «داك باي» وتشقّ حالياً طريقها نزولاً إلى الحفرة، فتجمع بيانات من طبقات الصخور وتبحث في مجموعة من الصخور ذات الألوان الفاتحة تحت حافة الحفرة. خطط العلماء لتوجيه رأس العربة مباشرةً إلى الأسفل نحو صخرة ملقبة بـ{رونوف»، لكنهم اضطروا إلى تغيير خططهم عندما تبين للمهندسين أن هذا المسلك قد يميل العربة بدرجات أكبر من اللازم.
وأخيراً، شاهدت المركبة في المدار عاصفة رملية تغمر المريخ واكتشف العلماء أن هذه العاصفة تحمّي الغلاف الجوي ولكنها تبرد سطحه. من الجيد أن ذلك بعيد الحصول على الأرض، وإلا سنغرق في الظلمة لأشهر فضلاً عن الآثار الكارثية التي قد تطال الأنظمة البيئية.
عوالم جديدة مذهلة
==============
نعيش اليوم في عصر من الاستكشاف الفضائي لم يسبق له مثيل، وذلك بفضل المسابر الفضائية التي باتت تنطلق بسرعة أكبر من ذي قبل لتتوغل داخل الفضاء السحيق. كذلك يتميز هذا العصر بفهم أعمق لجيران الأرض الأقرب. سيعرض لنا دايفد وايتهوس آخر اكتشافات عالم الفضاء.
كلما أمعنا النظر في العوالم التي تدور حول الشمس، لاحظنا أنها مذهلة وغامضة جداً. ومع نجاح عدد متزايد من المسابر الفضائية في بلوغ وجهات بعيدة جداً، تحولت بقع الضوء الغامضة البعيدة تلك إلى مشاهد غريبة تملأها أسئلة لا أجوبة لها.
أرسل العلماء أخيراً مركبة الفضاء «ماسنجر» لتحلق بمحاذاة عطارد وتبعث بصور فريدة عن كوكب لم يشاهده إنسان من قبل. لكن هذا ليس المسبار الوحيد الذي يقدم صوراً جديدة ومثيرة للاهتمام لجيراننا الأقرب. فمع تزايد المركبات التي أُطلقت إلى الفضاء، صار عدد لم يسبق له مثيل من هذه المركبات موزعاً في الفضاء. نتيجة لذلك، حصلنا على كمية هائلة من الصور والمعلومات من أرجاء النظام الشمسي المختلفة وما وراءه.
اليوم، صار بإمكان مركبات من دون رائد فضاء الاقتراب من الشمس ونارها المستعرة والسفر عبر المسافات الباردة للنظام الشمسي وغيره من البقاع التي لم يتوصل الإنسان بعد إلى سبرها. تحلق هذه المركبات في مدار خمسة عوالم، منها الأرض والقمر وتطوي المسافات بين الكواكب، فتقيس سحب غاز البلازمة الدوامية والغبار المتناثر من المذنبات. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ البشرية التي يتمكن فيها الإنسان من السفر إلى عوالم بعيدة كهذه.
سنتناول الآن كل كوكب على حدة لنتأمل في الأسرار التي كُشفت أخيراً عن ماضي نظامنا الشمسي وحاضره ولنرى كيف يمكن لهذا البحث المبدع أن يؤثر في مستقبل البشرية خلال الأعوام القليلة الماضية.
الشمس
تسيطر الشمس على كامل نظامنا الشمسي، فتزود الأرض بالطاقة والاستقرار وتشكل مركز جاذبية تدور حوله الكواكب جميعها. وعلى الرغم من أنها تدعم كل وجه من أوجه حياتنا واستمرارنا، ما زالت ألغاز كثيرة تحيط بها.
وفي محاولة لكشف النقاب عن أسرار الشمس، يدور حول الأرض أسطول من المركبات الفضائية التي تصب اهتمامها على الشمس. تهدف هذه المركبات إلى فهم شمسنا وتحسين قدرتنا على توقع الحوادث المهمة التي تقع عليها، مثل الفترات التي تندفع فيها سحب الكتل الاكليلية المقذوفة باتجاه الأرض. تتألف هذه السحب من غاز ممغنط يندفع إلى الفضاء إثر ثورانات على سطح الشمس تتخطى كتلها مليارات الأطنان، قد تصل سرعتها إلى 2000 كيلومتر في الثانية ويمكن أن تشكل خطراً على الأقمار الاصطناعية والاتصالات اللاسلكية وأنظمة الطاقة.
ومن بين المركبات الفضائية التي ترصد الشمس هنالك مسبارا مهمة «مراقبة العلاقات بين الشمس والأرض» Stereo. وضعت إحدى هاتين المركبتين الفضائيتين المتطابقتين تقريباً أمام مدار الأرض مباشرة والأخرى خلفه تماماً. وبما أن خطَّي مراقبتهما سطح الشمس يختلفان بدرجات بسيطة، يمكنهما تعقب سحب الغاز وتحديد ما إذا كانت متجهة نحو الأرض. التقطت هذه المهمة صوراً فريدة من نوعها لاصطدام سحابة غاز مقذوفة بمذنب، فعندما غمرت السحابة المذنب، فقد ذنبه.
تؤدي المركبة الفضائية اليابانية هاينود مهمة مماثلة. قدمت صوراً مفصلة مذهلة تظهر البقع الشمسية خصوصاً الغاز الملتهب الذي يعلو فوقها، يمكن من خلالها رؤية تفاصيل ما يدعى الحبيبات الدقيقة على سطح الشمس، حيث ترتفع خلايا الغاز الحارة إلى السطح، فتبرد قبل أن تغوص ثانية.
القمر
بعد عقود من الإهمال، ندخل عصراً جديداً من الاستكشاف القمري. إنه أمر ضروري جداً، فعلى الرغم من أن العلماء درسوا مئات الكيلوغرامات من الصخور القمرية، إلا أن الكثير من الأسئلة حولها ما زالت بلا إجابة ولسنا متأكدين من أين جاء القمر أساساً.
هناك مسباران في مدار القمر سيليهما مزيد من المسابر. أُطلق مسبار كاغويا الياباني في إيلول (سبتمبر) الماضي ويعتبر أكبر مهمة أرسلت إلى القمر منذ أيام أبولو. يقع في مدار منخفض على ارتفاع 128 كيلومتراً فوق السطح ونشر قمرين صناعيين صغيرين. يُتوقع الحصول على دفعة أولى من المعلومات خلال وقت قصير مع أنه سجل شريط الفيديو الأول العالي الوضوح من المدار القمري خلال عبوره الظلال العميقة للقطب الشمالي القمري فيما سجل بزوغ الأرض في الأفق. تخطط اليابان لمتابعة مسبار كاغويا على الأرجح قبل العام 2010. في نظرة إلى المستقبل، تفكر الوكالة الفضائية اليابانية في إرسال طاقم ليحط على سطح القمر عام 2020 وقاعدة قمرية مزودة بطاقم عام 2030.
أطلقت الصين مسبارها الأول إلى القمر «تشانغ أه-أ» في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وأصدر صورته الأولى بعد شهر من إطلاقه. إن أحد أهداف المسبار هو مسح سطح القمر بحثاً عن الهيليوم-3، وهو نوع من الهيليوم نادر الوجود على الأرض وإن وُجد بكميات كافية على سطح القمر، فسيكون مورداً قيّماً لاستخراجه وشحنه إلى الأرض لاستخدامه في مفاعلات الالتحام النووي. تخطط الصين لإرسال عربة فضائية إلى سطح القمر عام 2012 وإجراء اختبار لرحلة العودة عام 2017 ووقعت حديثاً اتفاقية للتعاون مع روسيا لإرسال رواد فضاء إلى هناك.
في وقت لاحق من هذا العام، سيُطلق مسبار شاندرايان-1 الهندي الذي يضم أدوات مصنوعة في الولايات المتحدة وأوروبا. كذلك، تخطط منظمة البحوث الفضائية الهندية لإرسال طاقم في مهمة استكشافية إلى الفضاء في العقد المقبل وإرسال رائد فضاء إلى سطح القمر بحلول العام 2020. لا بد من الإشارة إلى إنه أمر تفاؤلي نظراً إلى نقص الخبرة التقنية الفضائية والميزانية في الهند.
كذلك، ستلتقط العربة المدارية الاستطلاعية الأميركية المقرر إطلاقها هذه السنة صوراً عالية الوضوح لسطح القمر استعداداً لإرسال طاقم عام 2017 وستسعى إلى الإجابة عن أحد أعظم ألغاز القمر: هل من جليد مخفي في ظلال القطب القمري؟ في حال وجود الجليد، فسيكون مورداً قيّماً لإنشاء قاعدة قمرية (محطة اختبارية على سطح القمر).
في هذه الأثناء، تنوي روسيا استئناف مشروعها «لونا-غلوب» وهو عبارة عن عربة مدارية فضائية غير مأهولة يُفترض إطلاقها عام 2012 وأعلنت ألمانيا في آذار (مارس) 2007 عن إطلاق عربة مدارية إلى القمر عام 2012 فيما تبحث مهمة فضائية بريطانية إلى القمر عن التمويل والدعم.
عطارد
لطالما كان عطارد كوكباً غريباً وبعيداً، فهذا الكوكب الذي يحمل اسم أحد الآلهة قلما يُدرس بسبب صعوبة مراقبته والوصول إليه. إنه الأصغر في النظام الشمسي ويحتاج إلى 88 يوماً ليكمل دورته حول الشمس، وبما أن مداره قريب من هذه الأخيرة فهو لا يبتعد مطلقاً عن نارها الملتهبة، لذلك يتطلب إيصال مسبار إلى عطارد سنوات طويلة من المناورات الفضائية والرحلات التي تمر إلى جانب كواكب أخرى.
إلا أن مسبار ماسنجر مرّ أخيراً على بعد نحو 241 كيلومتراً من عطارد وهذه هي المرة الأولى منذ 33 سنة يزور فيها مسبار هذا الكوكب، فالتقط بعض الصور المذهلة، في حين لم يتمكن المسبار السابق، مارينر 10، عام 1975 من رؤية سوى نصف الكوكب.
يبدو عطارد للوهلة الأولى شبيهاً بالقمر، لكنه يخفي تحت سطحه مزايا فريدة. فكثافته عالية جداً ويتمتع بنواة ضخمة، مما يظهر أن طبقات الكوكب الخارجية انفجرت وانفصلت عنه بفعل اصطدام قبل مليارات السنين، فعندما كان النظام الشمسي لا يزال حديث العهد، انهالت على الكوكب مذنبات وكويكبات سيارة تسببت بثوران المغما التي غمرت السهول. لاحقاً، بدأت المغما تبرد وتتقلص، فتشقق سطحها مشكلاً الحيود التي تنتشر على سطح الكوكب.
تعتبر صور حوض كالوريس الذي ظهر كاملاً للمرة الأولى هي الأهم التي التقطها ماسنجر. تشكَّل هذا الحوض بسبب اصطدام كبير وهو يمتد على مسافة 1287 كيلومتراً تقريباً وتحيط به جبال يصل ارتفاعها إلى 2133 متراً ويُدعى كالوريس أي حرارة باللاتينية، لأن الشمس غالباً ما تصب أشعتها عليه مباشرة. وبما أنه قريب جداً منها، يمكن أن تصل حرارته إلى 430 درجة مئوية.
من المقرر أن يمر ماسنجر قرب عطارد في مناسبتين أخريين، الأولى في وقت لاحق من هذه السنة والأخرى عام 2009 وستؤدي هاتان الرحلتان إلى إبطاء سرعة المسبار، فيتمكن مدار عطارد من جذبه في العام 2011. حينذاك، سيعمل على مسح كامل الكوكب ووضع الخرائط له. كذلك تخطط الوكالة الفضائية الأوروبية لإرسال مسبار إلى عطارد يُدعى بيبي- كولومبو، سيصل في العام 2019.
الزهرة
إذا استيقظت باكراً، من المرجح أنك سترى الزهرة في السماء إلى الجنوب الشرقي. اعتبر الناس قديماً أن هذا الكوكب يتحلى ببريق صافٍ وغامض. فهو الكوكب الأكثر سطوعاً في سماء الليل بعد الشمس والقمر.
تلف هذا الكوكب طبقة من الغيوم العاكسة التي تضم قطرات صغيرة من حمض الكبريت. تمكن العلماء خلال السنوات العشرين الماضية من وضع خرائط لهذا الكوكب بواسطة الأقمار الاصطناعية والرادارات. فعثروا على عدد ضئيل نسبياً من الحفر، يعتقد علماء الفلك أن هذا دليل على النشاط البركاني المفرط الذي يؤدي كل بضعة ملايين من السنين إلى إذابة السطح ومسح كل الحفرات الناجمة عن عمليات الاصطدام. يملك كوكب الزهرة براكين تفوق عدد البراكين على الأرض بمرات، ويبلغ عرض نحو ألفين منها 100 كيلومتر.
يتألف معظم كوكب الزهرة من سهول بركانية ملساء فيما تتشكل باقي مساحته من منطقتين جبليتين تقع إحداهما في نصف الكرة الشمالي والأخرى جنوبي خط الاستواء. يعادل حجم القارة الشمالية المسماة أرض عشتار حجم أستراليا ويقع جبل ماكسويل مونتس، الأعلى على كوكب الزهرة، على أرض عشتار ويبلغ ارتفاع قمته حوالي عشرة كيلومترات فوق متوسط ارتفاع السطح. تدعى القارة الجنوبية أرض أفروديت ويوازي حجم إحدى المنطقتين الجبليتين الأكبر مساحة حجم أميركا الجنوبية. تغطى معظمها شبكة من الكسور والتصدعات.
إن المركبة الفضائية الوحيدة الموجودة في مدار الزهرة الآن هي فينوس إكسبرس التي أطلقتها الوكالة الفضائية الأوروبية، فسجلت وجود برق كثيف في الطبقات العليا للجو. كان وجود هذا البرق موضع خلاف منذ أن رصدت مسابر فينيرا السوفياتية انفجارات اشتبه بها منذ ثلاثين عاماً، إلا أن فينوس إكسبرس رصدت موجات صفيرية ناتجة عن البرق ويشير ظهورها المتقطع إلى نموذج مرتبط بالنشاط المناخي. يبلغ معدل البرق على الأقل نصف معدله على الأرض.
وجدت فينوس إكسبرس أدلة عن وجود محيطات سابقة واكتشفت دوامة جوية مزدوجة ضخمة في القطب الجنوبي للكوكب. تظهر الدراسات أن الجو فوق سطح الزهرة كان يشبه إلى حد كبير جو الكرة الأرضية وعلى الأرجح أنه كان يوجد الكثير من الماء السائل على سطحه. نتج أثر الدفيئة الجامح عن تبخر المياه الذي – بالإضافة إلى جو الزهرة الغني بثاني أكسيد الكاربون والغيوم الكثيفة المؤلفة من ثاني أكسيد الكبريت – أدى إلى الاحتباس الحراري الكوكبي الأقوى في النظام الشمسي وزيادة درجات الحرارة على السطح إلى أكثر من 460 درجة مئوية ما يجعل سطح الزهرة أكثر حرارة من سطح عطارد مع أن مسافة الزهرة تبلغ ضعفي مسافة عطارد من الشمس ويتلقى 25 في المئة من إشعاع عطارد الشمسي فحسب.
المريخ
ظن الرومان أنه كقطرة دم عالقة في السماء وسمّوه تيمناً بإله الحرب خاصتهم. في الحقيقة، المريخ عبارة عن عالم صخري صغير يضم مساحة برية بقدر الأرض ويتمتع بجو قليل الضغط تتكون فيه الغيوم والعواصف الغبارية. كذلك يتمتع بجوانب عديدة مشتركة مع الأرض مثل البراكين الخامدة، الوديان، الصحاري النقالة والأغطية الجليدية القطبية. أولمبوس مونز هو أعلى جبل معروف في النظام الشمسي وفاليس مارينيريس هو الأخدود الأكبر. بالنسبة إلى الكثير من العلماء، يعتبر المريخ العالم الجديد الأول والهدف الأساسي لاستكشاف الفضاء. يبرز حالياً في السماء ليلاً ويبزغ من الجهة الشمالية الشرقية قبل ساعتين من غروب الشمس ويتوسط كبد السماء بحلول الحادية عشرة ليلاً.
يستضيف الكوكب ثلاث مركبات فضائية مدارية هي مارس اوديسي، مارس اكسبرس والعربة المدارية الاستطلاعية مارس. عانى مسبار رابع هو “Mars Global Surveyor” من اختلال وظيفي في الصيف الماضي وتوقف عن العمل. كذلك ستُرسل عربتان استكشافيتان إلى المريخ هما سبيريت وأبورتيونيتي. تقترح الأدلة التي جُمعت عبر هذه المهام وغيرها أن المياه كانت تغطي المريخ وهناك ما يشير إلى حدوث ثورانات شبيهة بالينابيع الحارة. تفيد ملاحظات المركبة الفضائية Mars Global Surveyor أن أجزاء من الغطاء الجليدي القطبي الجنوبي كانت تتقلص، يبدو أن للمريخ مشاكله الخاصة مع الاحتباس الحراري.
اكتشفت المركبة الفضائية مارس أوديسي للتو مداخل إلى سبعة كهوف محتملة على منحدرات بركان. إنه اكتشاف يجذب الانتباه إلى وجود مواطن محتملة تحت الأرض لأشكال بدائية من الحياة.
في أيلول (سبتمبر) 2006، بلغت العربة أبورتيونيتي حافة حفرة فيكتوريا في سهل ميريدياني بلانوم وأرسلت المشاهد الأولى لحفرة يبلغ عرضها 609 أمتار تتضمن حقلاً من الكثبان. تعتبر الحفر مهمة بالنسبة إلى العلماء لأنها تسمح بالنفاذ إلى الطبقات الموجودة تحت سطح الكوكب وتشكل وسيلة لتحليل تاريخ المريخ الجيولوجي. بعد هبوب عاصفة رملية على وسع الكوكب أرجأت الدخول إلى حفرة فيكتوريا لستة أسابيع. دخلت عربة أوبورتيونيتي رقعةً تدعى «داك باي» وتشقّ حالياً طريقها نزولاً إلى الحفرة، فتجمع بيانات من طبقات الصخور وتبحث في مجموعة من الصخور ذات الألوان الفاتحة تحت حافة الحفرة. خطط العلماء لتوجيه رأس العربة مباشرةً إلى الأسفل نحو صخرة ملقبة بـ{رونوف»، لكنهم اضطروا إلى تغيير خططهم عندما تبين للمهندسين أن هذا المسلك قد يميل العربة بدرجات أكبر من اللازم.
وأخيراً، شاهدت المركبة في المدار عاصفة رملية تغمر المريخ واكتشف العلماء أن هذه العاصفة تحمّي الغلاف الجوي ولكنها تبرد سطحه. من الجيد أن ذلك بعيد الحصول على الأرض، وإلا سنغرق في الظلمة لأشهر فضلاً عن الآثار الكارثية التي قد تطال الأنظمة البيئية.
تعليق