إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الفضيلة تنتصر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفضيلة تنتصر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صل على محمد و ال محمد و عجل فرجهم والعن اعدائهم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    احببت ان انقل لكم هذه القصة التي هي من تاليف الشهيدة العلوية بنت الهدى وان شاء الله تكون فيها الفائدة للجميع


    الفضيلة تنتصر


    الفصل الأول :

    في شرفة أحد المنازل جلست فتاتان تكبر أحداهما الأخرى ببضع سنين ، وإن كانت كبراهما تبدو أكبر من واقعها ، نظراً لتراكم الأصباغ على وجهها ، وتعقيد تسريحتها ومكياجها الصارخ ... لكن الثانية كانت على العكس منها ؛ فهي تبدو وكأنها في السادسة عشر ، مع أنها تناهز العشرين .. وكان شعرها الذهبي مرسلاً على كتفيها ببساطة محببة ، وقد دل وضعها على أنها هي صاحبة البيت ، وكانت تستمع إلى رفيقتها ... وقد لاحت على ملامحها علامات الاستياء ، فلم يكن كلام صاحبتها بالكلام المهذب ، ولم تكن قد اعتادت على الخوض في مثله أو الاستماع إلى هذا النمط من الحديث ، فمحدثتها هذه هي بنت خالتها وقد رجعت وشيكاً من أوروبا بعد مدة قضتها هناك بأمل أن يحصل زوجها على شهادة جامعية ، وبعد أن يأسا من ذلك عادا دون أن يتمكن زوجها من نيل الشهادة . تلك هي سعاد ... وقد سمعت أخيراً نبأ عقد قران بنت خالتها نقاء فبادرت إلى زيارتها بعد سماعها للخبر مباشرة وهي مدفوعة إلى ذلك بدوافع عديدة ... وفعلاً فقد كانت تمهد الطريق للدخول في الموضوع فهي مندفعة تحدث بنت خالتها عن أوروبا وعن معالم الحضارة التي سحرتها ، وتحبب إليها السفر إلى هناك ، وتحشو حديثها بكلمات ونكات مبتذلة كان لها تأثير عكسي على نقاء ! فقد كانت تتجهم بدلاً عن الضحك ، وتضيق بالحديث بدلاً من الخوض فيه. فهي فتاة مهذبة نشأت في أحضان أسرة مستقيمة محافظة حريصة على الآداب الدينية. وقد عقد قرانها على شاب عريق الأصل رفيع المنبت حاصل على شهادة ( الليسانس ) يدير محلاً تجارياً يستورد فيه البضائع من الخارج. وعلى هذا فقد استقل بعمله التجاري الذي يدر كان أرباحاً طائلة وهو شاب مسلم واقعي يؤمن بالاسلام كمبدأ وعقيدة ونظام . وقد عجل بالعقد الشرعي ليملك حريته في الاتصال بعروسه. وقد قامت بينهما بعد ذلك علاقة حب وإعجاب متبادل أخذت تتزايد على مر الأيام ، وكانت بعض ظروف الزوج الخاصة تستوجب تأخير الزفاف. وقد ضاعت اتصال نقاء بعريسها من ثبات روحياتها العالية ومن حرصها البالغ على مثل الاسلام وآدابه .. ولهذا فقد كان من حق نقاء أن تستنكر على بنت خالتها أغلب ما كانت تقول ... ولكنها لم تر من اللائق أن ترد عليها أو تعارضها بعنف ـ بما أن سعاد ضيفتها ـ واكتفت بالاستماع. وبعد أن أتمت سعاد كل ما في جعبتها من كلام سكتت برهة ثم أردفت قائلة :
    ـ إن أحسن منطقة تقضيان فيها شهر العسل هي إحدى دول أوروبا.
    وهنا رأت نقاء أن الواجب يدعوها لكي ترد ، فأجابت :
    ـ أوروبا ! لا ، نحن لن نذهب إلى أي بلد أوروبي ... ولكن قد نذهب إلى بعض البلدان الاسلامية...
    وضحكت سعاد وهي ترد عليها في شيء من التهكم.
    ـ لعلكما تنويان أن تقضيا شهر عسلكما في مكة وفي موسم الحج ..
    ـ لا ، قد نذهب إلى الحج ولكن ليس خلال أيام شهر العسل.
    ـ ولماذا لا تقترحين على زوجك السفر إلى لندن أو باريس هل تعتقدين أنه يتمكن على ذلك من الناحية المادية ؟
    ـ إن المادة ليست كل شيء يا سعاد ! ولكن إبراهيم لن يوافق على ذلك مطلقاً وكذلك أنا أيضاً.
    ـ لعله يخشى السفر بالطائرة ، يمكنكما إذن أن تسافرا في السيارة أو على ظهر الباخرة. وعلى فكرة هل يملك زوجك سيارة يا نقاء ؟
    ـ السيارة موجودة يا سعاد ، وهو لا يخاف من ركوب الطائرة أبداً ، ولكن ابراهيم شاب مسلم محافظ لا يحلو له أن يقضي شهر العسل في أوروبا.
    ـ آه ... هل هو متأخر إلى هذا الحد ؟ إن هذا شيء مخيف ، له ما بعده يا نقاء ...
    ـ لا يا سعاد أنه شاب مثقف متنور الأفكار.
    ـ إذن فما الذي يمنعه من السفر معك إلى أوروبا ؟
    ـ الدين ...
    ـ ماذا ! الدين ؟!
    ـ نعم ، الدين ... والدين فقط.
    ـ هل أتمكن أن أفهم من هذا أن زوجك رجل متدين ؟!
    ـ نعم ، والحمد لله.
    ـ أنتِ تقولين : والحمد لله ، لأنك تجهلين معنى أن تتزوج فتاة عصرية مثقفة من رجل متدين وتجهلين ما يستوجب ذلك من قيود وحدود وأحكام صارمة.
    ـ لا ، أبداً أنا لست كما تظنين غافلة أو جاهلة ، ولكني فتاة مسلمة أعرف أن للاسلام أحكامه وآدابه...
    ـ وهل قوانين الاسلام إلا قيود تشدك بأغلالها القاسية ! وهل آدابه سوى أغوار سحيقة تحجبك عن المجتمع تحت سجوفها ؟
    أنت تقفين الآن على أبواب الحياة فلا تمكني الأفكار الرجعية أن تشوه مستقبلك السعيد...
    أنتِ غلطانة يا سعاد ! إبراهيم قادر على أن يهبني السعادة الواقعية في الحياة ، وأنا لا أهوى غير السعادة التي يهيأها لي ، فقد أصبح بالنسبة لي كل شيء...
    ـ بالرغم من هذا ، فأنك لن تصبحي له كل شيء بل ولن تتمكني أن تكوني عنده شيئاً بل ستكونين على هامش حياته وعلى الهامش دائماً !
    ـ سعاد !! إسحبي كلامك بسرعة ، فأن لي لدى إبراهيم المنزلة اللائقة والمحل الرفيع ، الرفيع من الحب والحنان...
    ـ ما دمت في دور الخطوبة وما دامت لم يتمتع بك كما يريد ، ولكنه متى اطمأن إلى استيلائه عليك سوف ترين الرجل المسلم كيف يكون !!
    ـ وأنت ألست مسملة يا سعاد ؟!
    ـ طبعاً أنا مسلمة ولكن ليس على غرار إسلام إبراهيم ، فمن رأيي أن للمرأة الحرية الكاملة بالتمتع في الحياة وبما فيها من بهارج ولذائذ ، ولكن إبراهيم يأبى إلا أن يجعل من المرأة العوبة طيعة وأداة محكومة لا أكثر ولا أقل.
    ـ عجيب أمرك يا سعاد ! ما الذي يدفعك إلى هذه النقمة التي تنقمينها على الاسلام وأنت مسلمة !؟ هل خدعتك أوربا ؟!.
    ـ أبداً ... لم تخدعني أوروبا ، ولكن حبي لك هو الذي دفعني إلى التصريح بآرائي في هذا الصدد. لقد سررت كثيراً عندما سمعت نبأ خطوبتك يا نقاء ... ولكن الآن ؟!

    ـ ولكن الآن ماذا ؟!.
    ـ إذا أردت الواقع فأني قد أسفت بل حزنت ، فقد كنت أعدك لمستقبل أفضل...
    ـ ما يدريك يا سعاد ، فلعلني سعيدة جداً ، كما أنا في الواقع.
    ـ إذا كان زوجك من النفر الذين يتمشدقون بالاسلام ومفاهيمة فهو لن يتمكن من اسعادك مطلقاً.
    ـ أنا لا أرتاح إلى تعبيرك هذا يا سعاد ، فمن تعنين بالنفر ؟ ليس الاسلام وقفاً على نفر فحسب ، ألا ترين الملايين المؤمنة بالإسلام في كل مكان ؟
    ـ أنا أقصد بالنفر : هؤلاء الذين برزوا علينا بأقاويلهم الجوفاء التي لا يبغون من ورائها سوى سيطرتهم على جنس المرأة ، والتحكم فيها ، بفرض القيود والالتزامات.
    ـ ولكن الرجل المسلم ، له أيضاً أحكامه الخاصة والتزاماته المعينة ، وليست الالتزامات وقفاً على النساء فقط.
    ـ لكنهم أحرار يفعلون ما يشاؤون بدون رقيب أو حسيب. أو لم يذهب إبراهيم إلى أوروبا من قبل ، ألا يعتزم أن يذهب إليها بعد الآن ؟
    ـ أنه سوف يذهب إلى فرنسا بعد مدة وجيزة لأجل التعاقد مع إحدى الشركات ، ولتقديم أطروحته للحصول على شهادة الدكتوراه.
    ـ فهذا إذن حلال ، ولكن ذهابك حرام. أنه في حل من الاسلام مهما دار وسار ولكن قيود الاسلام لا تطوق سوى عنقك يا نقاء.
    ـ أنا لست مقيدة يا سعاد ؟ فأنا سعيدة بإبراهيم ، وبكل مثله ومفاهيمه.
    ـ أنا آمل أن تكوني سعيدة ولكنك الآن في غفلة وأخشى أن لا تصحي منها إلا بعد فوات الأوان.
    ـ ماذا تعنين يا سعاد ؟..
    ـ أعني أن الزواج لا يمكن أن يكون زواجاً ناجحاً إذا لم يكن قائماً على أساس من مفاهيم الحضارة الحديثة ، والفتاة لن تحصل على السعادة إلا بزواج ناجح ، ولهذا ترين أن الفتاة العصرية أخذت تتحرر من قيود أهلها وتستقل باختيار الزوج الذي تريده.
    ـ أنا وابراهيم على اتفاق تام ولن تزيدنا الأيام إلا ثقة وتفان ووئاماً.
    ـ قد تبقين أنت قائمة على إخلاصك يا نقاء ، ولكن الرجال ليسوا كالمرأة أنهم يخدعون زوجاتهم بأساليب وأساليب ، منها الدين ومنها العفة والفضيلة ، فهم يحتجزونها في الدار بحجة أنها مسلمة ، ويضنون عليها بكل غال ونفيس ببرهان أنها عفيفة فاضلة.
    ـ وهل تعتبرين جلوس المرأة في دارها وعشها السعيد احتجازاً ؟!.
    ـ نعم ، فالمرأة لا تتمكن من الاحتفاظ بزوجها إلا إذا سايرته ورافقته في رحلاته وسفراته وحفلاته ، ولكن المرأة التي تقبع في عقر دارها وتترك لزوجها الحبل على الغارب لا يمكن لها أن تركن إلى دوام سعادتها في الحياة الزوجية.
    ـ وهل تعرفين إبراهيم يا سعاد ؟ ليتك كنت عرفتيه ...
    هنا سكتت سعاد لحظة حاولت فيها أن يبدو صوتها طبيعياً وهي تقول :
    ـ لم يسبق لي أن رأيته يا عزيزتي.
    ـ لو عرفتيه لتبدلت نظرتك نحوه تبدلاً كلياً يا سعاد ! فهو رجل مثالي ، حلم العذارى المؤمنات ...
    وبدا الارتباك على سعاد ، وتملمت في جلستها ، ثم قامت وهي تقول :
    ـ عليّ الآن أن أذهب فقد طال بي الجلوس ، ثم أني مدعوة إلى حفلة هذه الليلة.
    وعجبت نقاء لفورية عزم سعاد على الخروج ، فقد كانت مندفعة في كلامها وكأنها لا تنوي الانصراف ، وعندما ودعتها ورجعت كان صوت أمها يتناهى إليها وهو يناديها من داخل الدار :
    ـ نقاء ... نقاء ... أين أنتِ يا عزيزتي ؟
    ـ ها أنا ذي يا اُماه.
    ـ منذ ساعة وأنتِ جالسة وحدك في الشرفة.
    ـ لا يا ماما ، لم أكن وحدي فقد كانت معي سعاد.
    ـ سعاد ! ألم تنصرف سعاد منذ ساعة أو أكثر.
    ـ نعم ولكنها اقترحت عليّ أن نجلس قليلاً في الشرفة.
    ـ لماذا ؟!.
    ـ لا أدري.
    ـ ولكن أمك أدرى يا نقاء .. لابد وأنا كانت تحدثك عن أوروبا وحضارتها المزعومة.
    ـ تماماً كما قلت يا ماما.
    ـ الويل لها من غريرة ، ألم يكفها أنها لوثتها حضارة الغرب لتجيء وتسكب على أذنيك كلماتها السامة ، أنها خشيت أن تخوض في هذا الموضوع أمامي ، فآثرت أن تجتمع بك على حدة . يا لها من شيطانة.
    ـ أماه ! إنها بنت أختك فلا يصح لك ان تنعتيها بهذه الأوصاف !
    ـ أنا بريئة منها ومن سلوكها المنحرف ، أنها كانت السبب في التعجيل بموت أختي ، فلم تكن أمها تطيق منها هذا السلوك ، والآن تعالي حدثيني عما كانت تحدثك عنه سعاد ، لأرى أي نوع من الحديث هو ؟
    ـ دعي عنك ذلك يا ماما ، فهي لم تقصد من وراء كلامها أي سوء.
    ـ ليتها كانت هكذا ، وليتك تعرفينها على حقيقتها لكي لا تغرك بكلماتها المعسولة.
    ـ هوني عليك يا ماما ، فأنا لا أتأثر بكلام سعاد وأفكارها ولكني لا أوافق على نعتها بهذه النعوت ، أنها بنت خالتي على كل حال.
    ثم ذهبت نقاء إلى غرفتها واستلقت على سريرها ، وهي تحاول أن تصرف أفكارها عن سعاد ، فهي لا تشك لحظة في اخلاص ابراهيم ، وأنه سوف لن يتوانى عن تهيئة جميع أسباب السعادة لها في الحاضر والمستقبل ، ثم أنها بطبعها أيضاً كانت تشعر بخطأ سعاد وانحرافها بأفكارها عن الصواب ... فكرت بالمكسب الذي جنته سعاد من حياتها هذه وهي لم تحصل أخيراً إلا على زوج عاطل ، لم يتمكن حتى من نيل شهادة جامعية أولية ، سواءاً في بلده أو في الخارج.
    وقد استعاض عن ذلك بأمواله التي ورثها عن أبيه ينفق منها ما يشاء في مغامراته ولهوه دون أن يتخذ نعمة الله مصاريف خير وطمأنينة وهناء ، لكن سعاد لم يكن يهمها غير المال ، ولا تعيش إلا لأجله. وصممت نقاء على أن تسأل إبراهيم عن واقع المرأة في الاسلام ، وعن حقيقة نظرته نحوها ، فهي واثقة من أنه كفيل بإيضاح الواقع وتفسير ناحية فرق المرأة عن الرجل في الاسلام
    .


    يتبع...

  • #2
    نكمل ...

    الفصل الثاني


    أما سعاد فقد استقلت سيارتها ، وانطلقت بأقصى سرعة ، وكأنها كانت تحاول أن تصب جام غضبها على هذه الآلات المتحركة ، وعندما وصلت الدار توجهت إلى غرفتها دون أن تعرج على الصالون ، لترى زوجها هل رجع أم لا ؟ وألقت بنفسها على الكرسي وهي في حالة انفعال عصيب. وتمتمت قائلة :
    ـ الويل له من عنيد ، ألم يكفه أنه ردني عن نفسه ذلك الرد القاسي حتى جاء لينكث جراحي ، فخطب نقاء ، فهو يظن أن نقاء تنسجم مع مفاهيمه ومثله ، وهي التي لا ميزة لها عليّ إلا لتوهمه أنها فتاة فاضلة ... أنا التي سعيت إليه بنفسي قبل أربع سنوات ، لم يستجب لتوسلاتي بحجة أني طائشة ومنحرفة عن آداب الاسلام ، الاسلام الذي يؤمن بمفاهيمه ، ولكنه سوف يعلم أن نقاء هذه لن تكون غير غانية لعوب ، سوف أعرف كيف أنفث فيها السم الذي تجرعته من قبل ، والذي أدى إلى ما أنا عليه من ضيعة وتفاهة في الحياة ، سوف أسدد نحوها نفس السهم الذي أرداني وحرمني من إبراهيم ، سهم الحضارة الحديثة ، سوف أجعلها واحدة من آلاف الفتيات المخدوعات اللواتي سرن وراء النفير الأجنبي فتحطمت حياتهن من جراء ذلك ، أو لست واحدة منهن ؟ ... ألم أضطر أخيراً إلى الزواج من هذا الرجل التافه على أمل أن أشبع نهمي إلى المال وأتمتع بما تصبو إليه نفسي من متعه ولهو ؟ ... ألم أخضع لسلطان ماله فتجرعت مجونه وتبذله لكي أبقي على الذهب بين يدي ؟ .. سوف أحرم نقاء من إبراهيم كما حرمني نفسه من قبل. سوف لن أمكنه من الحصول على غايته المنشودة ، فهو كان يسعى خلف زوجة مثالية مسلمة مستقيمة ... وسوف أريه أن ذلك محال ، سوف يعرف أن نقاء لا تختلف عن سعاد لو أتيحت لها الفرصة ، أنه يذهب للحصول على شهادة الدكتوراه في الوقت الذي لم يحصل زوجي حتى على شهادة جامعية أولية. محال أن أدع نقاء تنعم بزوج كإبراهيم ، أنا كنت أعرف أنه رجل عبقري صلب العقيدة ولكنه عنيد رجعي مغرور.
    وهنا شعرت سعاد أن باب غرفتها يفتح ببطىء ، فتطلعت نحوها لترى زوجها محمود وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة تخابث ثم قال :
    لقد ظننتك مريضة يا سعاد وأنت تتجهين إلى غرفتك دون أن تعرجي عليّ ، والان هل لي أن أدخل ؟ ...
    f ـ وحاولت سعاد أن تبدو طبيعية ، وهي ترد عليه قائلة :
    ـ كنت أشعر بصداع شديد منعني أن أعرج على الصالون.
    ـ ولكنك الآن في صحة جيدة ، ثم هل أن جلوسك على هذا الكرسي وأنت في كامل ملابسك شيء مريح ؟ أم أن مجرد رؤيتي بالخصوص كانت تتعبك يا سعاد ؟
    ـ أرجوك يا محمود ... أراك لا تتوانى عن إثارتي في كل مناسبة ، أنا لم أكن أعرف وجودك في البيت.
    ـ شكراً .. ألم تلاحظي وقوف السيارة في الباب ؟!..
    ـ أبداً ... فقد فاتني ذلك.
    ـ لابد أنك كنت في شغل شاغل عن ذلك.
    ـ قلت لك : أنني كنت أشعر بصداع شديد.
    ـ ولكنك الآن على ما يبدو في أحسن صحة والحمد لله ؟
    ـ محمود ... ما لي أراك تأبى إلا أن تغيظني بأية طريقة ؟
    ـ معاذ الله يا سعاد ، فما أنا سوى واحد من عشرات الراكعين على قدميك ، قدميك ، و...
    ـ يكفي يا محمود ، أنا أعرف كلماتك وأقاويلك مقدماً فلا داعي لتكرارها ، فأنا أصبحت أتمكن أن أخمن ما الذي سوف تتحفني به من حكم وآيات.
    ـ وهل تروقك الحكم يا سعاد ؟ أو هل تتمكني أن تفهمي حكمة واحدة لو كنت حكيماً ؟ إن من حسن طالعك أن ساقني الحظ إليك ، فأنت لا تكوني تصلحي لزوج سواي.
    ـ وأنت ، هل أن هناك امرأة كانت تطيقك غيري وأنت على ما عليه من تفاهة في الحياة ؟ أنت تتكلم عني وتنسى نفسك.
    ـ وكيف ؟ هل أنا سيء إلى هذه الدرجة ؟.
    ـ المهم أن تعرف أني لو لم أكن زوجة ممتازة لما تحملتك يوماً واحداً فليس لديك ما يحببك إلى المرأة.
    ـ فلماذا إذن رضيت بي زوجاً ؟ ولماذا طلبت مني ذلك ودعوتني إليه ؟!.
    ـ يا لك من رجل وضيع ...
    ـ لا بأس يا سعاد ، أنا أعلم أن عندي ما يشدك إليّ ، أنت تعبدين المال وعندي منه الشيء الكثير ، وعندك أيضاً ما يشدني إليك فأنا أعبد اللذة والجمال وعندك منهما الشيء الكثير ، ثم أني أريد أن أعيش حراً ، فلابد وأن تكون زوجتي حرة أيضاً ، وعلى هذا فإن كلاً منّا مشدود لصاحبه.
    ـ هل انتهيت يا محمود ؟
    ـ لا ... فمنذ يومين لم أتمكن أن أراك لحظة واحدة ، لياليك في الحفلات ... وساعات نهارك في محلات التجميل ... وكأنك قد نسيت أن لك زوجاً وبيتاً ... لا أدري ماذا كنا سنصنع لو كان لدينا طفل ؟
    نطق محمود بكلمته الأخيرة بمرارة وكأنه ينتزعها من فمه انتزاعاً ، ولكن سعاد لم تهمله لكي يكمل هجومها عليها ، فقد وقفت وهي تقول : أرجوك أن تتركني وحدي يا محمود أنا تعبانة ومريضة أيضاً ، ولابد لي أن أنام.
    ـ إذن فأنتِ لا تريدين أن تتناولي معي طعام العشاء.
    ـ لا ، مطلقاً ، إذهب عني يا محمود فإن حالي ليس على ما يرام.
    ـ أهكذا تطردينني يا سعاد ، ماذا لو ذهبت إلى غير رجعة ؟.
    وكادت سعاد أن ترد عليه قائلة : إذهب لا أرجعك الله ... ولكنها سرعان ما تمالكت عواطفها ، فمحمود بالنسبة لها رصيد ضخم من المال ، فهل يصح أن تتنازل عن هذا الرصيد ؟ أنها لا تحب محمود ، بل أنها تحتقره وتنفر منه ، فهو لا يعدو عن كونه وجوداً تافهاً في الحياة ، لا يملك غير المال ، وحتى أساليب لهوه ومجونه هي التي علمته إياها ودلته عليها ، لكي يتسنى لها أن تعيش معه وهي حرة كما تريد ، ولكن أمواله وبريق الذهب المكدس في صناديقه ، وداره الفخمة الشاهقة ، وسيارته الفارهة ، لم يكن في مقدورها التنازل عن كل هذه الأمور ، ولهذا فقد حاولت أن تطبع على وجهها ابتسامة كانت قد اعتادت أن تأتي بأمثالها متى شاءت ولمن شاءت ، ثم قالت :
    ـ أنت تعلم يا محمود أنك إذا ذهبت عني فلن تطيب لي الحياة بدونك ، ولكن الصداع ـ وفي نفسها تقول الصراع ـ هو الذي يدعوني إلى الانفراد بنفسي والركون إلى الراحة.
    ليتك لم تكوني جميلة ، أو ليتني لم اكن عبداً لملذاتي ، إذن لعرفت كيف أتصرف معك ، وكيف أميت فيك هذا الغرور ، لابد أنك تودين لو تقولين لي : ليتك لم تكن غنياً ، فدعيني أنا أقولها بدلاً عنك : ليتني لم أكن غنياً ، إذن لما وقعت في أحابيلك الشائكة.
    ـ يا عزيزي ! أنت تتجنى عليّ كثيراً فأنا لا أحب فيك إلا شخصك الكريم.
    ـ شكراً .. شكراً. وأخيراً أما زلت تصرين على إقصائي ؟
    ـ إن جل ما أرجوه أن تكون قريباً مني دائماً ولكن الآن أرجوك أن تنصرف فأنا في حاجة إلى النوم.
    ـ هكذا أنت دائماً ، كلماتك معسولة ، وأفعالك جارحة ، وها أنا ذاهب فإطمإني.
    ثم نهض محمود وغادر الغرفة دون أن يلقي عليها كلمة وداع ، وساء سعاد أن يتركها محمود غاضباً ، وخشيت إلى لحظة أن تكون قد فرطت فيه. ولكنها عادت إلى ثقتها بجمالها وباستحواذها عليه فرددت في نفسها قائلة :
    ـ إن هذا لا يهم فهو رهن إشارتي حين الطلب ، لا يكلفني إرضاؤه سوى بسمة واحدة أو كلمة عذبة ، فلأدعه يغضب حتى أنهي فكري من ناحية إبراهيم ، ذلك الرجل العنيد الذي احتقرني وازدراني بحجة المثل والمفاهيم ، والذي استهان بجمالي وفتوتي ولكوني سافرة ، ولكوني على حد تعبيره منحرفة.
    واستلقت في سريرها ، وقد نسيت كل شيء عن محمود ، وخصامها معه ، فلم يكن هذا بالنسبة لها الشيء الجديد ، وقد درجا عليه منذ اليوم الأول لزواجهما ، ولكن أفكارها كانت متجهة إلى ناحية واحدة ، ومتركزة في اتجاه واحد ، وهو كيفية الانتقام من إبراهيم ، ومن معتقداته وآرائه التي حالت به دونها ، فهي تسعى إلى أن تنتقم من إبراهيم في شخص نقاء ، وأن لا تدع نقاء تفوز به دونها ، أنها لن تترك نقاء تسعد وزوجاً كإبراهيم ، في الوقت الذي تعيش فيه هي مع زوج مثل محمود ، وسهرت سعاد ليلتها تفكر في أحسن طريقة للانتقام.


    يتبع ...
    التعديل الأخير تم بواسطة عاشقة بطلة كربلاء; الساعة 06-05-2008, 10:39 PM.

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 16-05-2025, 03:07 AM
    ردود 0
    20 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة وهج الإيمان
    بواسطة وهج الإيمان
     
    أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 16-05-2025, 03:04 AM
    ردود 0
    10 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة وهج الإيمان
    بواسطة وهج الإيمان
     
    يعمل...
    X