بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
كاتب الوحي الذي ارتدَّ في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في بطون الكتب، وأمهات المصادر، العديد من الحقائق التاريخية التي ينبغي لنا الوقوف عندها؛ لأنها تمثل محطات نستقي منها العبر، ونتزوّد بالشواهد التي تمنح منطقنا وفكرنا الترتيب والترابط الصحيح، بما يجعلنا أكثر قدرة على التحليل، وأكثر قدرة على دراسة قضايانا الدينية في مختلف مجالاتها..
ولسنا نوافق فكرة الداعين إلى السكوت عن التاريخ، وإغلاق صفحة الماضي؛ لأننا نعتقد أن هذه الدعوة صورة من صور مصادرة حرية التفكير.. وأنها تؤدي إلى حرماننا من فوائد التاريخ وعبره ومواعظه..
وإنه من الغريب أن الذين يدعون إلى السكوت، إنما يقصدون السكوت عن نوع خاص من القضايا التاريخية، ويبيحون لأنفسهم ولغيرهم الحديث عن نمط آخر يحددون هم شروطه..! ولهذا نعتقد أن دعوتهم ليست إلى تهذيب الفكر، ولا إلى تهذيب التاريخ؛ بل إن دعوتهم – قصدوا ذلك أم لم يقصدوه – هي سلوك يؤدي إلى طمس معالم التاريخ، وإبراز لوحته ناقصة ومشوهة..
ولا نريد أن نتوسع أكثر من هذا فيما يرتبط بهذه النقطة، التي لم نردها إلاّ مدخلاً وتمهيداً لموضوعنا التاريخي المختصر هذا، حيث مدارُه قضية تاريخية ثبتت بسند صحيح، وهي في كتب المسلمين المشهورة، وذات الصيت والاعتبار المُتميِّز.. وأعتقد أنَّ قراءة هذه القضية بعين الباحث المُمحِّص، ونفَس الدارس النزيه، تنتهي (القراءة) بنا إلى نتائج ذات صلة بفكرنا الإسلامي، وبُنية بعض استدلالاتنا الدينية المُهمَّة..
فلنقرأ النص أولاً:
روى إمام أهل السنة والجماعة: أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) في كتابه المسند (ج3 ص245) دار صادر – بيروت، قال:
"حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَمْلَى عَلَيْهِ "سَمِيعًا" يَقُولُ: كَتَبْتُ سَمِيعًا بَصِيرًا، قَالَ دَعْهُ، وَإِذَا أَمْلَى عَلَيْهِ "عَلِيمًا حَكِيمًا" ، كَتَبَ "عَلِيمًا حَلِيمًا" . قَالَ حَمَّادٌ نَحْوَ ذَا . قَالَ: وَكَانَ قَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ مَنْ قَرَأَهُمَا قَدْ قَرَأَ قُرْآنًا كَثِيرًا، فَذَهَبَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ: لَقَدْ كُنْتُ أَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ مَا شِئْتُ، فَيَقُولُ: دَعْهُ . فَمَاتَ، فَدُفِنَ فَنَبَذَتْهُ الأَرْضُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. قَالَ أَبُو طَلْحَةَ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ مَنْبُوذًا فَوْقَ الأَرْضِ.
وقد روى هذا المتن التاريخي غير أحمد بن حنبل، فممن رواه:
1 – الحافظ أبو داود الطيالسي (ت 204 هـ) في مسنده (ص270) دار المعرفة – بيروت.
2 – والحافظ عبد بن حُميد (ت 249 هـ) في مسنده (منتخب مسند عبد بن حميد: ص400 – 401) عالم الكتب - مكتبة النهضة العربية.
3 – والحافظ أبو بكر بن أبي داود السجستاني (ت 316 هـ) في المصاحف (ص7 - 8) دار الكتب العلمية – بيروت.
سند الرواية:
وسند الرواية في مسند أحمد صحيح على شرط مسلم، وكذلك سند أبي داود الطيالسي، وكذلك سند ابن حميد.
وهذا يعني أننا إزاء رواية في غاية الصحة والاعتبار من حيث السند.
مع متن الرواية ودلالتها:
الرواية تتحدث عن أحد الذين كانَ يُملي عليهم النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم – نصَّ القرآن الكريم، فقد كان ضمن من يُعبَّر عنهم بـ "كُتّاب الوحي". ولكن هذا الرجل لم يكن مستقيم السلوك، فكان يتلاعب بألفاظ القرآن الكريم، ويكتب غير ما يُملَى عليه، ثمَّ ختم سلوكه المشين بالارتداد عن دين الإسلام، فتنصَّر، ثم مات على ضلالته. وقد شاء الله تعالى أن يجعله عبرة للمعتبر، فجعل الأرض لا تقبل جثمانه، فتلفظه مرة بعد مرة.. لتكون حالته المزرية تذكرة وعبرة؛ ليعلم الناس عقوبة أعداء الله.
كما إننا نسجل ملاحظتين حول هذه الرواية:
الملاحظة الأولى: أنَّ هذه الرواية تدل على أنَّ كون الشخص كاتباً للوحي، لا يمثل دليلاً كافياً على صلاحه واستقامته، فيجوز أن يكون كاتب الوحي ذا سلوك غير مستقيم، ويجوز أن تؤول عاقبته إلى الكفر الصريح، فضلاً عن غيره من الانحرافات.
الملاحظة الثانية: أنَّنا إذا قارنَّا بين موقع (كاتب الوحي) ، وموقع (زوجة النبي أو صحابي النبي) ، فإننا نلاحظ أن (كاتب الوحي) موقع أهم وأولى بالاستقامة، وبناء عليه: إذا كان الله لا يتكفل باختيار كاتب الوحي، فيمكن أن يكون غير مستقيم، فبنحو أولى: لا يجوز الإصرار على أن الله تعالى اختار للنبي أصحابه وأزواجه، بحيث لا يجوز على بعضهم الانحراف والضلال. فكما يجوز أن يكون بعض كتاب الوحي غير صالحين، فلا يستحيل أن يكون بعض الصحابة أو الأزواج غير صالحين.
ونحن – هاهنا – نتحدث على مستوى الإمكان، وأما على مستوى الإثبات والوقوع، فهناك شواهد تاريخية تثبت ذلك أيضاً.. ولكننا لا نتطرق إليها لئلاَّ يطول بنا الموضوع.
واللهَ نسألُ أن يرزقنا جميعاً الإنصاف والاعتدال في تقييم وفهم التاريخ، ودراسة الشخصيات التاريخية..
والحمد لله رب العالمين.
ولسنا نوافق فكرة الداعين إلى السكوت عن التاريخ، وإغلاق صفحة الماضي؛ لأننا نعتقد أن هذه الدعوة صورة من صور مصادرة حرية التفكير.. وأنها تؤدي إلى حرماننا من فوائد التاريخ وعبره ومواعظه..
وإنه من الغريب أن الذين يدعون إلى السكوت، إنما يقصدون السكوت عن نوع خاص من القضايا التاريخية، ويبيحون لأنفسهم ولغيرهم الحديث عن نمط آخر يحددون هم شروطه..! ولهذا نعتقد أن دعوتهم ليست إلى تهذيب الفكر، ولا إلى تهذيب التاريخ؛ بل إن دعوتهم – قصدوا ذلك أم لم يقصدوه – هي سلوك يؤدي إلى طمس معالم التاريخ، وإبراز لوحته ناقصة ومشوهة..
ولا نريد أن نتوسع أكثر من هذا فيما يرتبط بهذه النقطة، التي لم نردها إلاّ مدخلاً وتمهيداً لموضوعنا التاريخي المختصر هذا، حيث مدارُه قضية تاريخية ثبتت بسند صحيح، وهي في كتب المسلمين المشهورة، وذات الصيت والاعتبار المُتميِّز.. وأعتقد أنَّ قراءة هذه القضية بعين الباحث المُمحِّص، ونفَس الدارس النزيه، تنتهي (القراءة) بنا إلى نتائج ذات صلة بفكرنا الإسلامي، وبُنية بعض استدلالاتنا الدينية المُهمَّة..
فلنقرأ النص أولاً:
روى إمام أهل السنة والجماعة: أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) في كتابه المسند (ج3 ص245) دار صادر – بيروت، قال:
"حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَمْلَى عَلَيْهِ "سَمِيعًا" يَقُولُ: كَتَبْتُ سَمِيعًا بَصِيرًا، قَالَ دَعْهُ، وَإِذَا أَمْلَى عَلَيْهِ "عَلِيمًا حَكِيمًا" ، كَتَبَ "عَلِيمًا حَلِيمًا" . قَالَ حَمَّادٌ نَحْوَ ذَا . قَالَ: وَكَانَ قَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ مَنْ قَرَأَهُمَا قَدْ قَرَأَ قُرْآنًا كَثِيرًا، فَذَهَبَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ: لَقَدْ كُنْتُ أَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ مَا شِئْتُ، فَيَقُولُ: دَعْهُ . فَمَاتَ، فَدُفِنَ فَنَبَذَتْهُ الأَرْضُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. قَالَ أَبُو طَلْحَةَ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ مَنْبُوذًا فَوْقَ الأَرْضِ.
وقد روى هذا المتن التاريخي غير أحمد بن حنبل، فممن رواه:
1 – الحافظ أبو داود الطيالسي (ت 204 هـ) في مسنده (ص270) دار المعرفة – بيروت.
2 – والحافظ عبد بن حُميد (ت 249 هـ) في مسنده (منتخب مسند عبد بن حميد: ص400 – 401) عالم الكتب - مكتبة النهضة العربية.
3 – والحافظ أبو بكر بن أبي داود السجستاني (ت 316 هـ) في المصاحف (ص7 - 8) دار الكتب العلمية – بيروت.
سند الرواية:
وسند الرواية في مسند أحمد صحيح على شرط مسلم، وكذلك سند أبي داود الطيالسي، وكذلك سند ابن حميد.
وهذا يعني أننا إزاء رواية في غاية الصحة والاعتبار من حيث السند.
مع متن الرواية ودلالتها:
الرواية تتحدث عن أحد الذين كانَ يُملي عليهم النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم – نصَّ القرآن الكريم، فقد كان ضمن من يُعبَّر عنهم بـ "كُتّاب الوحي". ولكن هذا الرجل لم يكن مستقيم السلوك، فكان يتلاعب بألفاظ القرآن الكريم، ويكتب غير ما يُملَى عليه، ثمَّ ختم سلوكه المشين بالارتداد عن دين الإسلام، فتنصَّر، ثم مات على ضلالته. وقد شاء الله تعالى أن يجعله عبرة للمعتبر، فجعل الأرض لا تقبل جثمانه، فتلفظه مرة بعد مرة.. لتكون حالته المزرية تذكرة وعبرة؛ ليعلم الناس عقوبة أعداء الله.
كما إننا نسجل ملاحظتين حول هذه الرواية:
الملاحظة الأولى: أنَّ هذه الرواية تدل على أنَّ كون الشخص كاتباً للوحي، لا يمثل دليلاً كافياً على صلاحه واستقامته، فيجوز أن يكون كاتب الوحي ذا سلوك غير مستقيم، ويجوز أن تؤول عاقبته إلى الكفر الصريح، فضلاً عن غيره من الانحرافات.
الملاحظة الثانية: أنَّنا إذا قارنَّا بين موقع (كاتب الوحي) ، وموقع (زوجة النبي أو صحابي النبي) ، فإننا نلاحظ أن (كاتب الوحي) موقع أهم وأولى بالاستقامة، وبناء عليه: إذا كان الله لا يتكفل باختيار كاتب الوحي، فيمكن أن يكون غير مستقيم، فبنحو أولى: لا يجوز الإصرار على أن الله تعالى اختار للنبي أصحابه وأزواجه، بحيث لا يجوز على بعضهم الانحراف والضلال. فكما يجوز أن يكون بعض كتاب الوحي غير صالحين، فلا يستحيل أن يكون بعض الصحابة أو الأزواج غير صالحين.
ونحن – هاهنا – نتحدث على مستوى الإمكان، وأما على مستوى الإثبات والوقوع، فهناك شواهد تاريخية تثبت ذلك أيضاً.. ولكننا لا نتطرق إليها لئلاَّ يطول بنا الموضوع.
واللهَ نسألُ أن يرزقنا جميعاً الإنصاف والاعتدال في تقييم وفهم التاريخ، ودراسة الشخصيات التاريخية..
والحمد لله رب العالمين.
تعليق