مكافأة سعودية لبوش
17/05/2008
الاهداف المعلنة لزيارة الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش للمملكةالعربية السعودية يمكن تلخيصها في ثلاثة، الاول اقناع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز بزيادة انتاج النفط لتخفيض اسعاره، وانقاذ الاقتصاد الامريكي منمرحلة الكساد التي دخلها. والثاني بحث كيفية التعامل مع الطموحات النووية الايرانيةالتي حققت تقدما كبيرا بعد زيادة اجهزة الطرد المركزي الي ستة آلاف وحدة لتخصيبكميات كافية من الوقود النووي لانتاج اسلحة. اما الثالث فهو الاحتفال بمرور 75 عاماعلي العلاقات السعودية ـ الامريكية، الهدف الاول، والأهم، تحقق باعلان السيد عليالنعيمي وزير النفط السعودي زيادة انتاج بلاده بحوالي 300 الف برميل يوميا، بعداختتام الجولة الاولي من مباحثات الرئيس الامريكي مع القيادة السعودية، مع استعدادبزيادات اخري في المستقبل لتلبية احتياجات المستهلكين حسب تصريحاته. اما الهدفالثاني المتعلق بالبرامج النووية الايرانية فهو الاخطر، ومن غير المتوقع ان يتمالتعرف علي اي اتفاقات او تفاهمات بخصوصه بسبب حساسيته وطابعه السري الاستراتيجي،ولكن من الصعب تصور وجود خلاف بين الطرفين السعودي والامريكي حول تبعات امتلاكايران لأسلحة نووية في منطقة تحتل المكانة الابرز في السياسات الخارجية الامريكيةبسبب امتلاكها لثلثي احتياطات النفط في العالم. اما الهدف الثالث، وهو الاحتفالبالعلاقات الامريكية ـ السعودية فهو بروتوكولي بحت، وربما لم يتذكره المضيف السعوديالا بعد اثارته من قبل الضيف الامريكي، فلم نسمع ان البلدين احتفلا من قبل بذكريمرور ربع او نصف قرن علي هذه المناسبة. وربما اراد الضيف الامريكي ان يجاملالسعوديين باختلاق هذه المناسبة للتغطية علي احتفالاته بالذكري الستين لقيام الدولةالعبرية، وهو في هذه الحالة ينطبق عليه المثل الشعبي أي جاء يكحلها فعماها . بالنظرالي ما ورد في خطاب الرئيس بوش من اشادات
الاغتصاب الاسرائيلي لفلسطين، وتهديداتهبانهاء حركات المقاومة في لبنان وفلسطين باعتبارها حركات ارهابية .
الرئيسبوش بزيارته للعاصمة السعودية وبعد هذه الاشادات بالانجازات الاسرائيلية في تشريدشعب عربي مسلم وممارسة التطهير العرقي في حقه، يضع مضيفيه السعوديين في موقف حرجللغاية، خاصة انه لم يتطرق مطلقا الي معاناة الفلسطينيين، وتهويد القدس، ولم يذكرالدولة الفلسطينية التي تعهد باقامتها قبل ختام ولايته الا عرضا وبعد ان اكد الدعمالامريكي المطلق للاسرائيليين علي الصعد كافة.
فزيادة انتاج النفط السعوديتجاوبا مع طلب الرئيس بوش، سيفسر في الشارع العربي علي انه مكافأة له علي مواقفهالمعادية للعرب والمسلمين، وحروبه التي يخوضها ضدهم في العراق وافغانستان، وهيالحروب التي ادت الي تمزيق البلدين وقتل ما يقارب المليونين من ابنائهما، وجرحوتشريد بضعة ملايين اخري.
المملكة العربية السعودية قدمت الكثير للقضايا العربيةوالاسلامية منذ قيامها، وتقديمها كل هذه المساعدات للاقتصاد الامريكي ودون مقابلملموس من الادارة الامريكية الحالية التي تعيش اسوأ ايامها، حيث تنخفض شعبيتها اليالحدود الدنيا، ولم يبق علي وجودها في الحكم الا بضعة اشهر، سينظر اليه في العالمينالعربي والاسلامي علي انه مساعدات مجانية، بالاضافة الي اتسامها بعدم الحكمة، علاوةعلي كونها تنعكس سلبا علي رصيد المملكة الكبير وسمعتها في العالمين العربيوالاسلامي في مثل هذا الوقت بالذات.
فالعلاقات الراسخة والقوية بين المملكةالعربية السعودية والولايات المتحدة قامت قبل ربع قرن من قيام اسرائيل علي حسابنكبة شعب عربي له مكانة عزيزة في قلوب السعوديين خاصة، والعرب والمسلمين عامة، ومنالمفترض ان تجد هذه العلاقات تقديرا خاصا من قبل الادارة الامريكية، ويجعل رئيسهااكثر حرصا علي تعزيزها من خلال مواقف اكثر تفهما للحق العربي، وهو ما لم نره منخلال اصراره علي المشاركة في احتفال اسرائيل بانتهاك حقوق شعب عربي مسلم، وما وردفي خطابه من تأكيد علي حماية هذه الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها بصفة يوميةضده.
وربما يفيد التذكير بان المبادرة العربية للسلام التي تبنتها القممالعربية، واعادة قمة دمشق الاخيرة التأكيد عليها هي سعودية في الأساس، ومن وحيافكار العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكان من المتوقع ان تحظيبتقدير خاص من الادارة الامريكية ورئيسها، والانطلاق من بنودها لتحقيق السلام فيالمنطقة، ولكن من المؤسف ان هذا التقدير غائب كليا من قاموس السياسة الامريكية، رغمان المملكة العربية السعودية قدمت خدمات جليلة للادارة الامريكية الحالية عندماساهمت بدور فعال في حروبها ضد الارهاب في افغانستان، واطاحة النظام العراقي السابقفي بغداد.
ان اكثر ما نخشاه هو ان ينجح الرئيس بوش في توريط القيادةالسعودية في حرب جديدة ضد ايران وسورية، تنطلق من لبنان وربما فلسطين، فتهديداتهبانهاء حزب الله و حماس ، وتوارد تقارير اخبارية عن استعدادات اسرائيلية لاجتياحقطاع غزة كمقدمة لاجتياح لبنان، تجعلنا نضع ايدينا علي قلوبنا، لان معظم طلباتالرئيس بوش من حلفائه العرب مجابة دائما.
فتوقيع اتفاق سعودي ـ امريكي علي هامشزيارة الرئيس بوش، بتعهد الاخير بحماية المنشآت النفطية السعودية، يوحي بأن حربااقليمية قادمة الي المنطقة، وستكون ايران قطعا الهدف الاساسي فيها، بعد ان توسعنفوذها في العراق، وبات علي وشك ان يصل الي الساحل الغربي من الخليج العربي، وبمايهدد الهيمنة الامريكية الممتدة منذ قرن تقريبا.
نصحنا القيادات العربية الحليفةلواشنطن اكثر من مرة بعدم تقديم خدمات مجانية للادارات الامريكية المتعاقبة،والادارة الحالية علي وجه الخصوص، ولكن لم يستمع احد الينا، وهو امر متوقع علي ايحال، وربما من المتأخر تكرار هذه النصائح الآن، بعد ان اصبح الرئيس بوش في طريقعودته الي واشنطن وقد حقق معظم الاهداف التي ارادها من جولته الحالية، ولكن ما يمكنقوله هو ان هذا الرئيس، وسياساته المدمرة في تفتيت هذه الأمة، واغراقها في حروبطائفية، هي الاخطر علي المنطقة العربية من ايران وربما اسرائيل ايضا، ونضيف الاخيرةلانه اثبت انه الرئيس الاكثر صهيونية منذ قيام الدولة العبرية.
من المؤلم انالرئيس بوش يستقبل في جميع عواصم العالم، بما فيها العواصم الغربية، بالمظاهراتالاحتجاجية الصاخبة، والبيض الفاسد بسبب جرائمه التي يرتكبها في بلادنا، اما فيعواصمنا العربية فيفرش له السجاد الاحمر، وتعلق الأوسمة والنياشين علي صدره، تكريماله، واحتفاء بمقدمه. لا بد ان هناك خللا في العقلية العربية بحاجة الي علاج.
القدس العربي
تعليق