ثورة الحسين (ع) وواقعنا الراهن*
بقلم الإمام المرشد الشيخ محمد مهدي شمس الدين -قده
ما نريده ونلح على أنه ضروري لنا في مرحلتنا الثورية الراهنة هو أنسنة التاريخ،هو جعله ذا صلة بحياة الإنسان ومطامحه، هو إعداده ليندمج مع الكائن الإنساني في تركيب عضوي متفاعل متكامل، وليس مجرد إنعكاس خاو لحياة إنسانية سابقة.
لقد دأب مدونو التاريخ العرب على الإهتمام بالتاريخ الشخصي للملوك والقادة، فسجلوا- بإسهاب عظيم – حروبهم وإنتصاراتهم، ومجالس لهوهم، ولم يولوا الجانب الإجتماعي من الحياة الإسلامية – وهو ما يتصل بحياة الأمة- إهتماماً وإن ضئيلاً. ومن هنا أضحى التاريخ عندنا بالنسبة غلى الجماهير مجرد إنعكاس لحيوات سابقة لا يسهم في تكوين الشخصية الإنسانية. إنه قد يسهم في إثارة الحماس الخلاق تارة، والغرور المدمر أخرى، ولكنه لا يسهم أبداً في تكوين شخصية إنسانية سوية متكاملة، ترتكز على أصول إنسانية عريقة فلا تفقد محور الإرتكاز حين تتعرض لإمتحان قاس لا يجتازه إلا الإنسان….
وإن حقبتنا الحياتية الراهنة لتحتم علينا أن نتناول التاريخ تناولاً إنسانياً. تناولاً يتيح له أن يكون عاملاً مطوراً فيما يتعلق بموقفنا من الحياة والكون.
إن أمتنا الإسلامية تجتاز في هذه الحقبة أدق وأخطر مرحلة من مراحل كفاحها الطويل عبر العصور. لقد حققت إنتصارات باهرة يجب أن تحافظ عليها،وتعمل في الوقت نفسه لتحقيق إنتصارات جديدة. وهنا تكمن الخطورة في هذه المرحلة . إنها الآن حين تقنع بالإنتصارات التي حققتها وتقعد عن محاولة تحقيق غيرها تتعرض لخطر فقد هذه الإنتصارات نفسها.
ولذلفك فيجب أن تحمى هذه الأمة من نفسها ، من تطرق الوهن والإستسلام إليها، يجب ألا ترضى عن نفسها.
هذه واحدة.
وأخرى… وهي أنها: إذا صممت على السير، ولم تهن، ولم تنكل، يخشى عليها من أن تزيغ وتنحرف في تطورها، إذا لم يكن عندها … في أعماقها محور ترتكز عليه، وترجع إليه. محور نابع من شخصيتها التاريخية، وذاتيتها العقائدية.
وما يؤمنها من نفسها، وما يؤمنها من الزيغ والإنحراف في تطورها هو أن تعي تاريخها بعد تطهيره. فتاريخها هي – تاريخ الأمم – ليس تاريخ حروب حكامها وإنتصاراتهم ومجالس لهوهم. وإنما هو تاريخ ثوراتها على هؤلاء الحكام. إن ثورات الأمم هي التي تمثل روحها، ونضالها وإيمانها.
أما الحكام الذين ثارت عليهم فليسوا منها لو كانوا منها لما ثارت عليهم، لو كانوا منها لأحسوا بعذابها، ولما خلقوا بتصرفاتهم مبررات ثورتها.
إن تاريخ الثورات هو تاريخ الشعوب.
ولكي تبقى هذه الشعوب في يقظة دائمة لئلا تخدع عن إنتصاراتها، ولكي تبقى في وعي دائم لعملها التطويري الذي تمارسه يجب أن تكون في ثورة دائمة على أعدائها في الخارج والداخل لتحتفظ بإنتصارتها، وثورة دائمة على نفسها،تتناول نفسها بالنقد، وتفحص موقفها دائماً، لئلا تزيغ وتنحرف. ولكي تبقى في ثورة دائمة تصحح بها أوضاعها من الداخل والخارج يجب أن تلقن تاريخ نفسها، تاريخ ثوراتها . ففي هذا التاريخ تجد الأساس التاريخي لشخصيتها العقائدية والنضالية ، فتعصمها شخصيتها العقائدية من الزيغ والإنحراف، وتعصمها شخصيتها النضالية من الوهن والنكول.
ولقد أهمل المؤرخون الأقدمون تأريخ الثورات أو زيفوه، لأنهم – بوحي من أنفسهم أو حكامهم – كانوا يعتبرون هذه الثورات حركات تمرد وعصيان ضد السلطة الشرعية.
أما الآن، وقد أصبحت دفة التاريخ بيد هؤلاء الذين صنعوا الثورات، فيجب أن يصحح الوضع، يجب أن يكتب التاريخ النضالي لأمتنا كتابة صحيحة يجب أن يكشف عن العذاب، والإضطهاد، والجوع الذي كان يدفع بالناس إلى الثورة، إلى الموت، إحتجاجاً على واقعهم ، ويجب أن يكشف عن الشخصية التاريخية لهذه الأمة ، وخحور إرتكازها العقائدي والنضالي عبر التاريخ يجب أن يكشف عن مناقبية الثائرين التي كانت تعصمهم دائماً من ان ينقلبوا إلى لصوص، أو سفاحي دماء، لا هدف لهم، ولا يشعرون بمسؤوليتهم ….
وتاريخ أمتنا النضالي تاريخ مضيء، فالثورات التي قامت بها أمتنا عبر العصور كانت دائماً تعبّر تعبيراص تلقائياً حراً عن هذه الأمة، وعن إنسانيتها ، وعن رغبتها الحارة في أن تعيش متمتعة بكافة حقوقها الإنسانية.
وتأتي ثورة الحسين (عليه السلام) في كربلاء على رأس هذا التاريخ.
فهي رأس الحربة في التاريخ الثوري، هي الثورة الأولى التي عبأت الناس ودفعت بهم في الطريق الدامي الطويل طريق النضال، بعد أن كادوا أن بفقدوا روحهم النضالية بفعل سياسة الأمويين.
وهي أغنى ثورة بالعزم والتصميم على المضي في النضال الدامي إلى نهايته أو النصر، فقد عرضت على الثائرين أمتع حياة، ولكنهم أبوا هذه الحياة التي سيسكتون معها على الظلم والتعسف وإرهاب الأمة.
وهي ثورة إمتحن أبطالها بأقسى ما إمتحن به الثائرون على مدى التاريخ، فلم يهنوا، ولم ينكلوا بل ثبتوا- رغم كل شيء- ثائرين إلى اللحظة التي توجوا فيها عملهم العظيم بسقوطهم صرعى في سبيل مبدئهم الحق.
وهي أنبل ثورة قام بها جماعة من الناس فإن الثائرين بكربلاء لم يستهدفوا من ثورتهم مغنماً شخصياً لأتفسهم، وإنما إستهدفوا من ثورتهم تحرير مجتمعهم من الطغاة الذين كانوا يسومونه العذاب ويجرعونه المصاب.
ومن هنا تأتي أهميتها التاريخية والتطويرية.
من أنها النموذج المحتذى ، النموذج الذي جاء كاملاً، والذيب يجب أن يستوحى.
وحيث كانت بهذا النسبة وجب أن تنال عناية خاصة من القيمين على شأن الكلمة عندنا. فعلى هؤلاء – وهم القوة المطورة والقائدة في الأمة – أن يهتموا إهتماماً جدياً بهذه الثورة: بشرح الدور الذي أسهمت به في تغذية روح النضال وإلهابها، وبالكشف عن مناقبيتها التي بشرت بها وبإحلالها في محلها اللائق بها من تاريخنا الثوري.
وإن أدوات الإداء الحديثة لتتيح إمكانات لا حد لها لإستخدام تاريخنا الثوري في تطوير مجتمعنا، وفي إبراز شخصيته التاريخية لعينيه، ليعمل على تركيز نضاله الحديث على الأسس التاريخية والعقائدية لحركته النضالية عبر العصور.
_____________________________________________
*10-محرم 1380ه الموافق 10/تموز/ 1960- مجاة الأضواء النجفية العدد الثالث.
تعليق