بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
أما بعد ،
يقول الأخ "الناصح الأمين" أن الشيعة خذلوا أمير المؤمنين (ع) في زمن خلافته ، قد احتج بعدة روايات من كتاب "نهج البلاغة" الذي ألفه أمير المؤمنين (ع)
ولقد قال مسبقا :
أقول : قال ابن تيمية في منهاج السنة 4/132 :
" واتـهم طائفة من الشيعة الأولى بتفضيل علي على عثمان ولم يتهم أحد من الشيعة الأولى بتفضيل علي على أبي بكر وعمر بل كانت عامة الشيعة الأولى الذين يحبون عليا يفضلون عليه أبا بكر وعمر لكن كان فيهم طائفة ترجحه على عثمان ، وكان الناس في الفتنة صاروا شيعتين شيعة عثمانية وشيعة علوية وليس كل من قاتل مع علي كان يفضله على عثمان بل كان كثير منهم يفضل عثمان عليه كما هو قول سائر أهل السنة ".
وهذا اعتراف من ابن تيمية على أن شيعة علي بن أبي طالب (ع) التي قاتلت معه ليسوا مثلنا في العقيدة كما قال ابن تيمية !
فالشيعة الأولى هم أهل السنة المتشيعة لأن بعضهم كان يقول أن عليا (ع) أفضل من عثمان وبعضهم يقول أن عثمان أفضل من علي (ع) ، وجميعهم كانوا يقولون أن أبو بكر وعمر أفضل من الإمام علي (ع) !! ... وبلا شك أنهم يختلفون عن المصطلح الشيعة اليوم ، فهناك شيعتان : شيعة عامة وشيعة خاصة
فمن اتبع الإمام علي (ع) بصفته خليفة راشد للمسلمين وأنه ليس إمام معصوما ، فهذا يعتبر من الشيعة العامة .... وأما الشيعة الخاصة ، فهم الموالين لأمير المؤمنين (ع) ويعتقدون بوجوب ولايتة وعصمته وأن إمامته إلهية ، والذين يتبعون الأئمة المعصومين (ع) من أبناءه
وبهذا يكون المخاطبون هم أهل السنة المتشيعين الذين كانوا يفضلون أبو بكر وعمر على علي بن أبي طالب (ع) ، لأن شيعته (الخاصة) لا يخالفون أمير المؤمنين في أي شيء يقوله لأنهم متمسكين بولايته ...
هل هناك أي أسئلة أو استفسارات ؟
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
أما بعد ،
يقول الأخ "الناصح الأمين" أن الشيعة خذلوا أمير المؤمنين (ع) في زمن خلافته ، قد احتج بعدة روايات من كتاب "نهج البلاغة" الذي ألفه أمير المؤمنين (ع)
ولقد قال مسبقا :
أما أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فقد استلم الخلافة الإسلامية الراشدة وبايعه العالم الإسلامي ولم يخرج عليه إلا معاوية وأهل الشام فقط ولكنه انتصر على الخلافة الراشدة وحولها إلى خلافة ملكية وراثية
إذن أبو بكر أقام الخلافة الراشدة وفي زمن الإمام علي سقطت وقامت الدولة الأموية
فلاشك بأن أبو بكر أفضل, والإمام علي رضي الله عنه عندنا أهل السنة هو رابع الخلفاء الراشدين الذين أمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بأن نهتدي بهديهم رضي الله عنهم وأرضاهم
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَشِيرِ بْنِ ذَكْوَانَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي الْمُطَاعِ قَالَ سَمِعْتُ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ يَقُولُ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَظْتَنَا مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ فَاعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي اخْتِلَافًا شَدِيدًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ
انتهى الاختصار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طبعاً سقوط الخلافة الراشدة كان كارثة على الإسلام لا زلنا نعاني منها إلى اليوم
والإمام علي ليس مسئولاً عن سقوط الخلافة فهو معروف بشجاعته وعلمه ولكنه يحمل المسئولية لشيعته
وهنا اذكر النصوص التي يحمل فيها الإمام علي رضي الله عنه شيعته الهزيمة أمام جيش معاوية
وجميع النصوص من كتاب نهج البلاغة
صفحة 80
فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِم فِي أَيَّامِ الحَرِّ قُلْتُمْ: هذِهِ حَمَارَّةُ القَيْظِ(2) أَمْهِلْنَا يُسَبَّخُ عَنَّا الحَرُّ(3)، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ: هذِهِ صَبَارَّةُ القُرِّ(4)، أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا البَرْدُ، كُلُّ هذا فِرَاراً مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ; فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ!
____________
2. حَمَارّة القيظ ـ بتشديد الراء وربما خففت في ضرورة الشعر ـ: شدة الحر.
3. التسبيخ ـ بالخاء المعجمة ـ: التخفيف والتسكين.
4. صَبَارّة الشتاء ـ بتشديد الراء ـ: شدة برده، والقُر ـ بالضم ـ: البرد، وقيل هو بردالشتاء خاصة.
5. حِجال: جمع حَجَلة وهي القبة، وموضع يزين بالستور، وربات الحجال: النساء.
6. السّدَم ـ محرّكة ـ: الهم مع أسف أوغيظ، وفعله كفرح.
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلاَ رِجَالَ! حُلُومُ الاَْطْفَالِ، وَعُقُولُ رَبّاتِ الحِجَالِ(5)، لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكمْ مَعْرِفَةً ـ وَاللهِ ـ جَرَّتْ نَدَماً، وَأَعقَبَتْ سَدَماً(6).
____________
5. حِجال: جمع حَجَلة وهي القبة، وموضع يزين بالستور، وربات الحجال: النساء.
6. السّدَم ـ محرّكة ـ: الهم مع أسف أوغيظ، وفعله كفرح.
ص 81
قَاتَلَكُمُ اللهُ! لَقَدْ مَلاَْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً(1)، وَشَحَنْتُمْ(2) صَدْرِي غَيْظاً، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ(3) التَّهْمَامِ(4) أَنْفَاساً(5)، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَالخذْلاَن، حَتَّى قَالَتْ قُريْشٌ: إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِب رَجُلٌ شُجَاعٌ، وَلْكِنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالحَرْبِ.
للهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً(6)، وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي؟! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ العِشْرِينَ، وها أناذا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ!(7) وَلكِنْ لا رَأْيَ لَمِنْ لاَ يُطَاعُ!
____________
1. القيح: ما في القرحة من الصديد، وفعله كباع.
2. شحنتم صدري: ملاتموه.
3. النُغب: جمع نُغْبَة كجرعة وجُرَع لفظاً ومعنى.
4. التّهْمَام ـ بالفتح ـ: الهم، وكل تَفْعال فهو بالفتح إلاّ التِبيان والتِلقاءفهما بالكسر.
5. أنفاساً: أي جرعةً بعد جرعة، والمراد أن أنفاسه أمست هماً يتجرّعه.
6. مِراساً: مصدر مارسه ممارسة ومراساً، أي عالجه وزاوله وعاناه.
ص 84
أَيُّهَا النَّاسُ، الُْمجْتَمِعَةُ أبْدَانُهُمْ، الُمخْتَلِفَةُ أهْوَاؤُهُمْ(1)، كَلامُكُم يُوهِي(2) الصُّمَّ الصِّلابَ(3)، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الاَْعْدَاءَ! تَقُولُونَ فِي الَمجَالِسِ: كَيْتَ وَكَيْتَ(4)، فَإذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ: حِيدِي حَيَادِ!(5) مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ، وَلاَ اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ، أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ(6)، دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ
____________
1. أهواؤهم: آراؤهم وما تميل إليه قلوبهم، والاهواء جمع هوى، بالقصر.
2. يُوهي: يُضعف ويُفَتِّت. 3. الصمّ: جمع أصم، وهو من الحجارة الصّلْبُ المُصْمَت، والصِلاب: جمع صليب، والصليب: الشديد، وبابه ظريف وظراف، وضعيف وضِعاف.
4. كَيْت وكَيْت: كلمتان لا تستعملان إلاّ مكررتين:إما مع واوالعطف وإما بدونها، وهي كناية عن الحديث.
5. حِيدي حَيادِ: كلمة يقولها الهارب عند الفرار، وهي من الحَيَدَان: الميل والانحراف عن الشيء، وحيادِ ـ مبني على الكسر ـ كما في قولهم فِيحي فَيَاحِ، وهي من أسماء الافعال كَنَزَالِ.
6. أعاليل بأضاليل: جمع أُعْلُولة كما أن الاضاليل جمع أُضلولة، والاضاليل متعلقة بالاعاليل، أي: أنكم تتعللون بالاباطيل التي لا جدوى لها.
ص 85
المَطُولِ(1)، لاَ يَمنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ! وَلاَ يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلاَ بِالْجِدِّ! أَيَّ دَار بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ، وَمَعَ أَىِّ إِمَام بَعْدِي تُقَاتِلُونَ؟ المَغْرُورُ وَاللهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمْنْ فَاز َبِكُمْ فَازَ بَالسَّهْمِ الاَْخْيَبِ(2)، وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ(3) نَاصِل(4).
أَصْبَحْتُ وَاللهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، وَلاَ أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ، وَلاَ أُوعِدُ العَدُوَّ بِكُم.
مَا بَالُكُم؟ مَا دَوَاؤُكُمْ؟ مَا طِبُّكُمْ؟ القَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ، أَقَوْلاً بَغَيْرِ عِلْم! وَغَفْلَةً مِنْ غَيْرِ وَرَع! وَطَمَعاً في غَيْرِ حَقٍّ؟!
____________
1. المَطولُ: الكثير المطل، وهو تأخير أداء الدّيْن بلا عُذر.
2. السهم الاخْيَبُ: هو من سهام المَيْسِرِ الذي لا حظّ له.
3. الافْوَقُ من السهام: مكسور الفوق، والفوق موضع الوتر من السهم.
4. الناصل: العاري عن النصل، ولا يخفى طيش السهم الذي لا فوق له ولا نصل.
ص 93
أُفٍّ لَكُمْ(1)! لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ! أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الاْخِرَةِ عِوَضاً؟ وَبِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً؟ إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ(2)، كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَة(3)، وَمِنَ الذُّهُولِ في سَكْرَة، يُرْتَجُ(4) عَلَيْكُمْ حَوَارِي(5) فَتَعْمَهُونَ(6)، فَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ(7)، فَأَنْتُمْ لاَ تَعْقِلُونَ.
____________
1. أُفّ لكم: كلمة تضَجّر واستقذار ومهانة.
2. دوَرَان الاعين: اضطرابها من الجزع.
3. الغمرة: الواحدة من الغمر وهو: الستر، وغمرة الموت: الشدّة الّتى ينتهي إليها المحتضر.
4. يُرْتَجُ: بمعنى يغلق، تقول: رتج الباب أي: أغلقه. 5. الحَوار ـ بالفتح وربما كسر ـ: المخاطبة ومراجعة الكلام.
6. تَعْمَهُون: مضارع عَمِهَ، أي تَتَحَيّرون وتتردّدون.
7. المَألُوسة: المخلوطة بمس الجنون.
ص 94
مَا أَنْتُمْ لي بِثِقَة سَجِيسَ اللَّيَالي(1)، وَمَاأَنْتُمْ بِرُكْن يُمَالُ بِكُمْ(2)، وَلاَ زَوَافِرُ(3) عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ. مَا أَنْتُمْ إِلاَّ كَإِبِل ضَلَّ رُعَاتُهَا، فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِب انْتَشَرَتْ مِن آخَرَ، لَبِئْسَ ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ سُعْرُ(4) نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ! تُكَادُونَ وَلاَ تَكِيدُونَ، وَتُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلاَ تَمْتَعِضُونَ(5); لاَ يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ في غَفْلَة سَاهُونَ، غُلِبَ وَاللهِ الْمُتَخَاذِلُونَ! وَأيْمُ اللهِ إِنِّي لاََظُنُّ بِكُمْ أنْ لَوْ حَمِسَ(6) الْوَغَى(7)، وَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ(8)، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِب انْفِرَاجَ الرَّأْسِ(9).
____________
1. سَجِيس ـ بفتح فكسر ـ: كلمة تقال بمعنى أبداً، وسجيس: أصله من «سجس الماء» بمعنى تغيّر وتكدّر، وكان أصل الاستعمال: «مادامت الليالي بضلامها».
2. يُمال بكم: يُمَال على العدوبعزكم وقوتكم.
3. الزّافرة من البناء: رُكْنُهُ، ومن الرجل عشيرته وأنصاره. 4. السَّعْر ـ بالفتح ـ مصدر سَعَرَ النار ـ من باب نَفَعَ ـ: أوقدها، وبالضم جمع ساعر، وهو ما أثبتناه، والمراد «لبئس مُوقدوا الحرب أنتم».
5. امْتَعَضَ: غَضِبَ.
6. حَمِسَ ـ كفَرِحَ ـ: اشتد وصَلُبَ في دينه فهو حَمِسٌ. 7. الوَغى: الحرب، وأصله الصوت والجَلَبَة.
8. اسْتَحَرّ: بلغ في النفوس غاية حدّته.
9. انفرجتم انفراج الرأس: أي كما ينفلق الرأس فلا يلتئم.
ص 129
إِنَّكُمْ ـ وَاللهِ ـ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ(1)، قَليِلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ، وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ(2)، وَلكِنِّي واللهِ لاَ أَرى إِصْلاَحَكُمْ بَإِفْسَادِ نَفْسِي.
أَضْرَعَ اللهُ خُدُودَكُمْ(3)، وَأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ(4)! لاَ تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ،وَلاَ تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبطَالِكُمُ الْحَقَّ!
يعني(عليه السلام) بالاود: الاعوجاج، وباللدد: الخصام. وهذا من أفصح الكلام.
____________
1. الباحات: الساحات.
2. أوَدَكم ـ بالتحريك ـ: اعوجاجكم.
3. أضْرَعَ الله خُدُودَكم: أذلّ الله وجوهكم.
4. وأتْعَسَ جُدُودَكم، أي: حط من حظوظكم. والتّعَسَ: الانحطاط والهلاك والعثار.
ص 130
ومن كلام له (عليه السلام)
في ذم أَهل العراق
[وفيها يوبّخهم على ترك القتال، والنصر يكاد يتمّ، ثم تكذيبهم له]
أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ، حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ(1)، وَمَاتَ قَيِّمُهَا(2)، وَطَالَ تَأَيُّمُهَا(3)، وَوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا.
أَمَا وَاللهِ مَا أَتَيْتُكُمُ اخْتِيَاراً، وَلكِنْ جَئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقاً، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: [عَليٌّ ] يَكْذِبُ، قَاتَلَكُمُ اللهُ! فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ؟ أَعَلَى اللهِ؟ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ! أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ؟ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ! كَلاَّ وَاللهِ، ولكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا، وَلَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَيْلُ امِّهِ(4)، كَيْلاً بِغَيْرِ ثَمَن! لَوْ كَانَ لَهُ وِعَاءٌ، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين).
____________
1. أمْلَصَت: أسقطت، وألقت ولدها ميتاً.
2. قَيّمها: زوجها.
3. تأيُّمُها: خلُوّها من الازواج.
4. ويْلُ امّهِ: كلمة استعظام تقال في مقام المدح وإن كان أصل وضعها لضده، ومثل ذلك معروف في لسانهم، يقولون للرجل يعظمونه ويقرظونه: «لا أبالك». في الحديث «فاظفر بذات الدين تربت يداك».
ص 217
أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَظْهَرَنَّ هؤُلاَءِ الْقَوْمُ عَلَيْكُمْ، لَيْسَ لاَِنَّهُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكُمْ، وَلكِنْ لاِِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صَاحِبِهِمْ، وَإِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي.
وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ الاُْمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا، وَأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي. اسْتَنْفَرْتُكُمْ لِلْجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا، وَأَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُكُمْ سِرّاً وَجَهْراً فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا، وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا.
شُهُودٌ كَغُيَّاب(4)، وَعَبِيدٌ كَأَرْبَاب! أَتْلُوا عَلَيْكُمُ الْحِكَمَ فَتَنْفِرُونَ مِنْهَا،
____________
4. شُهُود جمع شاهد: بمعنى الحاضر. وغُيّاب: جمع غائب.
ص 218
وَأَعِظُكُمْ بِالمَوْعِظَةِ الْبَالِغَةِ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنْهَا، وَأَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَا(1)، تَرْجِعُونَ إِلى مَجَالِسِكُمْ، وَتَتَخَادَعُونَ عَنْ مَوَاعِظِكُمْ، أُقَوِّمُكُمْ غُدْوَةً، وَتَرْجِعُونَ إِلَيَّ عَشِيَّةً، كَظَهْرِ الْحَنِيَّةِ(2)، عَجَزَ الْمُقَوِّمُ، وَأَعْضَلَ الْمُقَوَّمُ(3).
أَيُّهَا الشَّاهِدةُ أَبْدَانُهُمْ، الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، الْـمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ، المُبْتَلَى بِهمْ أُمَرَاؤُهُمْ، صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ، وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ، لَوَدِدْتُ وَاللهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَني بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ، فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ!
يَاأَهْلَ الْكُوفَةِ، مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلاَث وَاثنَتَيْنِ: صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاع، وَبُكُمٌ ذَوُو كَلاَم، وَعُمْيٌ ذَوُو أَبْصَار، لاَ أَحْرَارُ صِدْق عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلاَ إِخْوَانُ ثِقَة عِنْدَ الْبَلاَءِ! تَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ! يَا أَشْبَاهَ الاِْبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا! كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِب تَفَرَّقَتْ مِنْ آخَرَ، وَاللهِ لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيَما إخالُ(4): لَوْ حَمِسَ
____________
1. قالوا: إن سبأ هو أبو عَرَبِ اليمن كان له عشرة أولاد، جعل منهم ستة يميناً له، وأربعة شمالاً تشبيهاً لهم باليدين، ثم تفرّق أولئك الاولاد أشدّ التفرّق.
2. ظَهْر الحَنِيّة: القَوْس.
3. أعْضَلَ: استعصى واسْتَصْعَبَ.
4. إخال: أظنّ.
ص 219
الْوَغَى(1)، وَحَمِيَ الضِّرَابُ، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبي طَالِب انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا(2)، وَإِنِّي لَعَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي، وَمِنْهَاج مِنْ نَبِيِّي، وَإِنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً(3).
____________
1. حَمِسَ ـ كَفَرِحَ ـ: اشتد; والوَغَى: الحرب.
2. انفراج المرأة عن قُبُلها يكون عند الولادة أوعندما يُشْرَعُ عليها سلاح. وفيه كناية عن العَجْز والدناءة في العمل.
3. اللّقطْ: أخذ الشيء من الارض.
ص 400
ومن كلام له (عليه السلام) في ذمّ أصحابه
أَحْمَدُ اللهَ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْر، وَقَدَّرَ مِنْ فِعْل، وَعَلَى ابْتِلاَئِي بِكُم أَيَّتُهَا الْفِرْقَةُ الَّتِي إذَا أَمَرْتُ لَمْ تُطِعْ، وَإذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ، إنْ أُمْهِلْتُمْ(1) خُضْتُمْ، وَإنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ(2)، وَإنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إمَام طَعَنْتُمْ، وَإنْ أُجِبْتُمْ إلَى مُشَاقَّة(3) نَكَصْتُمْ(4).
لاَ أَبَا لِغَيْرِكُمْ(5)! مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ وَالْجِهَادِ عَلَى حَقِّكُمْ؟ الْمَوْتَ أَوِ الذُّلَّ لَكُمْ؟ فَوَاللهِ لَئِنْ جَاءَ يَوْمِي ـ وَلَيَأْتِيَنِّي ـ لَيُفَرِّقَنَّ بَيْني وَبَيْنَكُمْ وَأَنا لِصُحْبَتِكُمْ قَال(6)، وَبِكُمْ غَيْرُ كَثِير(7).
____________
1. أُمهِلْتم: أُخّرْتم، ويروى «أهملتم» بمعنى: خُلّيتم وتُرِكتم. 2. خُرْتم: ضعفتم وجبنتم.
3. المشاقّة: المقاطعة والمصارمة.
4. نَكَصْتُمْ: رجعتم القهقرى وأحجمتم.
5. المعروف في التقريع: لا أبا لكم، ولا أبا لك، وهو دعاء بفقد الاب أو تعيير بجهله، فتلطف الامام بتوجيه الدعاء أو الذمّ لغيرهم.
6. قَال: أي كاره.
7. غير كَثِير بكم: أي إني أفارق الدنيا وأنا في قلة من الاعوان، وإن كنتم حولي كثيرين.
ص 401
لله أَنْتُمْ! أمَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ! وَلاَ مَحْمِيّةٌ تَشْحَذُكُمْ(1)! أَوَلَيْسَ عَجَباً أَنَّ مُعَاوِيَةَ يَدْعُو الْجُفَاةَ(2) الطَّغَامَ(3) فَيَتَّبِعُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَعُونَة(4) وَلاَ عَطَاء، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ ـ وَأَنْتُمْ تَرِيكَةُ الاِْسْلاَمِ(5)، وَبَقِيَّةُ النَّاسِ ـ إلَى الْمَعُونَةِ أَو طَائِفَة مِنَ الْعَطَاءِ، فَتَفَرَّقُونَ عَنِّي وَتَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ؟ إِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِي رِضىً فَتَرْضَوْنَهُ، وَلاَ سُخْطٌ فَتَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، وَإنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لاَق إِلَيَّ الْمَوْتُ! قَدْ دَارَسْتُكُمُ الْكِتَابَ(6)، وَفَاتَحْتُكُمُ الْحِجَاجَ(7)، وَعَرَّفْتُكُمْ مَا
____________
1. من شحذ السكين ـ كمنع ـ: أي حددها.
2. الْجُفَاةَ ـ جمع جاف ـ: أي غليظ.
3. الطَّغَامَ ـ بالفتح ـ: أرذال الناس.
4. المعونة: يراد بها هنا ما يعطى للجند لاصلاح السلاح، وعلف الدواب زائداً على العطاء المفروض، والارزاق المعينة لكل منهم.
5. التريكة ـ كسفينة ـ: بيضة النعامة بعد أن يخرج منها الفرخ تتركها في مجثمها، والمراد: أنتم خلف الاسلام وعِوَض السلف.
6. دَارَسْتُكُمُ الكتابَ: أى قرأت عليكم القرآن تعليماً وتفهيماً.
7. فاتحتكم: مجرده فتح بمعنى قضى، فهو بمعنى قاضيتكم أي حاكمتكم. والحِجاج: المحاجّة، أي قاضيتكم عند الحجة حتى قضيت عليكم بالعجز عن الخصام.
ص 402
أَنْكَرْتُمْ، وَسَوَّغْتُكُمْ مَا مَجَجْتُمْ(1)، لَوْ كَانَ الاَْعْمَى يَلْحَظُ، أَوِ النَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ! وَأَقْرِبْ بِقَوْم(2) مِنَ الْجَهْلِ بِاللهِ قَائِدُهُمْ مُعَاوِيَةُ! وَمُؤَدِّبُهُمُ ابْنُ النَّابِغَةِ(3)!
____________
1. سَوَّغْتُكُمْ مَا مَجَجْتُمْ: سوّغْت لاذواقكم من مشرب الصدق ما كنتم تمجّونه وتطرحونه، فسوّغ الشيء: جعله سائغاً مقبولاً، ومجّ الشيء من فيه: رمى به.
2. أقْرِبْ بهم: ما أقربَهم من الجهل.
3. ابن النابغة: عمروبن العاص.
إذن أبو بكر أقام الخلافة الراشدة وفي زمن الإمام علي سقطت وقامت الدولة الأموية
فلاشك بأن أبو بكر أفضل, والإمام علي رضي الله عنه عندنا أهل السنة هو رابع الخلفاء الراشدين الذين أمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بأن نهتدي بهديهم رضي الله عنهم وأرضاهم
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَشِيرِ بْنِ ذَكْوَانَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي الْمُطَاعِ قَالَ سَمِعْتُ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ يَقُولُ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَظْتَنَا مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ فَاعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي اخْتِلَافًا شَدِيدًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ
انتهى الاختصار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طبعاً سقوط الخلافة الراشدة كان كارثة على الإسلام لا زلنا نعاني منها إلى اليوم
والإمام علي ليس مسئولاً عن سقوط الخلافة فهو معروف بشجاعته وعلمه ولكنه يحمل المسئولية لشيعته
وهنا اذكر النصوص التي يحمل فيها الإمام علي رضي الله عنه شيعته الهزيمة أمام جيش معاوية
وجميع النصوص من كتاب نهج البلاغة
صفحة 80
فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِم فِي أَيَّامِ الحَرِّ قُلْتُمْ: هذِهِ حَمَارَّةُ القَيْظِ(2) أَمْهِلْنَا يُسَبَّخُ عَنَّا الحَرُّ(3)، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ: هذِهِ صَبَارَّةُ القُرِّ(4)، أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا البَرْدُ، كُلُّ هذا فِرَاراً مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ; فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ!
____________
2. حَمَارّة القيظ ـ بتشديد الراء وربما خففت في ضرورة الشعر ـ: شدة الحر.
3. التسبيخ ـ بالخاء المعجمة ـ: التخفيف والتسكين.
4. صَبَارّة الشتاء ـ بتشديد الراء ـ: شدة برده، والقُر ـ بالضم ـ: البرد، وقيل هو بردالشتاء خاصة.
5. حِجال: جمع حَجَلة وهي القبة، وموضع يزين بالستور، وربات الحجال: النساء.
6. السّدَم ـ محرّكة ـ: الهم مع أسف أوغيظ، وفعله كفرح.
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلاَ رِجَالَ! حُلُومُ الاَْطْفَالِ، وَعُقُولُ رَبّاتِ الحِجَالِ(5)، لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكمْ مَعْرِفَةً ـ وَاللهِ ـ جَرَّتْ نَدَماً، وَأَعقَبَتْ سَدَماً(6).
____________
5. حِجال: جمع حَجَلة وهي القبة، وموضع يزين بالستور، وربات الحجال: النساء.
6. السّدَم ـ محرّكة ـ: الهم مع أسف أوغيظ، وفعله كفرح.
ص 81
قَاتَلَكُمُ اللهُ! لَقَدْ مَلاَْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً(1)، وَشَحَنْتُمْ(2) صَدْرِي غَيْظاً، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ(3) التَّهْمَامِ(4) أَنْفَاساً(5)، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَالخذْلاَن، حَتَّى قَالَتْ قُريْشٌ: إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِب رَجُلٌ شُجَاعٌ، وَلْكِنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالحَرْبِ.
للهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً(6)، وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي؟! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ العِشْرِينَ، وها أناذا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ!(7) وَلكِنْ لا رَأْيَ لَمِنْ لاَ يُطَاعُ!
____________
1. القيح: ما في القرحة من الصديد، وفعله كباع.
2. شحنتم صدري: ملاتموه.
3. النُغب: جمع نُغْبَة كجرعة وجُرَع لفظاً ومعنى.
4. التّهْمَام ـ بالفتح ـ: الهم، وكل تَفْعال فهو بالفتح إلاّ التِبيان والتِلقاءفهما بالكسر.
5. أنفاساً: أي جرعةً بعد جرعة، والمراد أن أنفاسه أمست هماً يتجرّعه.
6. مِراساً: مصدر مارسه ممارسة ومراساً، أي عالجه وزاوله وعاناه.
ص 84
أَيُّهَا النَّاسُ، الُْمجْتَمِعَةُ أبْدَانُهُمْ، الُمخْتَلِفَةُ أهْوَاؤُهُمْ(1)، كَلامُكُم يُوهِي(2) الصُّمَّ الصِّلابَ(3)، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الاَْعْدَاءَ! تَقُولُونَ فِي الَمجَالِسِ: كَيْتَ وَكَيْتَ(4)، فَإذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ: حِيدِي حَيَادِ!(5) مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ، وَلاَ اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ، أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ(6)، دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ
____________
1. أهواؤهم: آراؤهم وما تميل إليه قلوبهم، والاهواء جمع هوى، بالقصر.
2. يُوهي: يُضعف ويُفَتِّت. 3. الصمّ: جمع أصم، وهو من الحجارة الصّلْبُ المُصْمَت، والصِلاب: جمع صليب، والصليب: الشديد، وبابه ظريف وظراف، وضعيف وضِعاف.
4. كَيْت وكَيْت: كلمتان لا تستعملان إلاّ مكررتين:إما مع واوالعطف وإما بدونها، وهي كناية عن الحديث.
5. حِيدي حَيادِ: كلمة يقولها الهارب عند الفرار، وهي من الحَيَدَان: الميل والانحراف عن الشيء، وحيادِ ـ مبني على الكسر ـ كما في قولهم فِيحي فَيَاحِ، وهي من أسماء الافعال كَنَزَالِ.
6. أعاليل بأضاليل: جمع أُعْلُولة كما أن الاضاليل جمع أُضلولة، والاضاليل متعلقة بالاعاليل، أي: أنكم تتعللون بالاباطيل التي لا جدوى لها.
ص 85
المَطُولِ(1)، لاَ يَمنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ! وَلاَ يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلاَ بِالْجِدِّ! أَيَّ دَار بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ، وَمَعَ أَىِّ إِمَام بَعْدِي تُقَاتِلُونَ؟ المَغْرُورُ وَاللهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمْنْ فَاز َبِكُمْ فَازَ بَالسَّهْمِ الاَْخْيَبِ(2)، وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ(3) نَاصِل(4).
أَصْبَحْتُ وَاللهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، وَلاَ أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ، وَلاَ أُوعِدُ العَدُوَّ بِكُم.
مَا بَالُكُم؟ مَا دَوَاؤُكُمْ؟ مَا طِبُّكُمْ؟ القَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ، أَقَوْلاً بَغَيْرِ عِلْم! وَغَفْلَةً مِنْ غَيْرِ وَرَع! وَطَمَعاً في غَيْرِ حَقٍّ؟!
____________
1. المَطولُ: الكثير المطل، وهو تأخير أداء الدّيْن بلا عُذر.
2. السهم الاخْيَبُ: هو من سهام المَيْسِرِ الذي لا حظّ له.
3. الافْوَقُ من السهام: مكسور الفوق، والفوق موضع الوتر من السهم.
4. الناصل: العاري عن النصل، ولا يخفى طيش السهم الذي لا فوق له ولا نصل.
ص 93
أُفٍّ لَكُمْ(1)! لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ! أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الاْخِرَةِ عِوَضاً؟ وَبِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً؟ إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ(2)، كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَة(3)، وَمِنَ الذُّهُولِ في سَكْرَة، يُرْتَجُ(4) عَلَيْكُمْ حَوَارِي(5) فَتَعْمَهُونَ(6)، فَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ(7)، فَأَنْتُمْ لاَ تَعْقِلُونَ.
____________
1. أُفّ لكم: كلمة تضَجّر واستقذار ومهانة.
2. دوَرَان الاعين: اضطرابها من الجزع.
3. الغمرة: الواحدة من الغمر وهو: الستر، وغمرة الموت: الشدّة الّتى ينتهي إليها المحتضر.
4. يُرْتَجُ: بمعنى يغلق، تقول: رتج الباب أي: أغلقه. 5. الحَوار ـ بالفتح وربما كسر ـ: المخاطبة ومراجعة الكلام.
6. تَعْمَهُون: مضارع عَمِهَ، أي تَتَحَيّرون وتتردّدون.
7. المَألُوسة: المخلوطة بمس الجنون.
ص 94
مَا أَنْتُمْ لي بِثِقَة سَجِيسَ اللَّيَالي(1)، وَمَاأَنْتُمْ بِرُكْن يُمَالُ بِكُمْ(2)، وَلاَ زَوَافِرُ(3) عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ. مَا أَنْتُمْ إِلاَّ كَإِبِل ضَلَّ رُعَاتُهَا، فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِب انْتَشَرَتْ مِن آخَرَ، لَبِئْسَ ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ سُعْرُ(4) نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ! تُكَادُونَ وَلاَ تَكِيدُونَ، وَتُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلاَ تَمْتَعِضُونَ(5); لاَ يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ في غَفْلَة سَاهُونَ، غُلِبَ وَاللهِ الْمُتَخَاذِلُونَ! وَأيْمُ اللهِ إِنِّي لاََظُنُّ بِكُمْ أنْ لَوْ حَمِسَ(6) الْوَغَى(7)، وَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ(8)، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِب انْفِرَاجَ الرَّأْسِ(9).
____________
1. سَجِيس ـ بفتح فكسر ـ: كلمة تقال بمعنى أبداً، وسجيس: أصله من «سجس الماء» بمعنى تغيّر وتكدّر، وكان أصل الاستعمال: «مادامت الليالي بضلامها».
2. يُمال بكم: يُمَال على العدوبعزكم وقوتكم.
3. الزّافرة من البناء: رُكْنُهُ، ومن الرجل عشيرته وأنصاره. 4. السَّعْر ـ بالفتح ـ مصدر سَعَرَ النار ـ من باب نَفَعَ ـ: أوقدها، وبالضم جمع ساعر، وهو ما أثبتناه، والمراد «لبئس مُوقدوا الحرب أنتم».
5. امْتَعَضَ: غَضِبَ.
6. حَمِسَ ـ كفَرِحَ ـ: اشتد وصَلُبَ في دينه فهو حَمِسٌ. 7. الوَغى: الحرب، وأصله الصوت والجَلَبَة.
8. اسْتَحَرّ: بلغ في النفوس غاية حدّته.
9. انفرجتم انفراج الرأس: أي كما ينفلق الرأس فلا يلتئم.
ص 129
إِنَّكُمْ ـ وَاللهِ ـ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ(1)، قَليِلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ، وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ(2)، وَلكِنِّي واللهِ لاَ أَرى إِصْلاَحَكُمْ بَإِفْسَادِ نَفْسِي.
أَضْرَعَ اللهُ خُدُودَكُمْ(3)، وَأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ(4)! لاَ تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ،وَلاَ تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبطَالِكُمُ الْحَقَّ!
يعني(عليه السلام) بالاود: الاعوجاج، وباللدد: الخصام. وهذا من أفصح الكلام.
____________
1. الباحات: الساحات.
2. أوَدَكم ـ بالتحريك ـ: اعوجاجكم.
3. أضْرَعَ الله خُدُودَكم: أذلّ الله وجوهكم.
4. وأتْعَسَ جُدُودَكم، أي: حط من حظوظكم. والتّعَسَ: الانحطاط والهلاك والعثار.
ص 130
ومن كلام له (عليه السلام)
في ذم أَهل العراق
[وفيها يوبّخهم على ترك القتال، والنصر يكاد يتمّ، ثم تكذيبهم له]
أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ، حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ(1)، وَمَاتَ قَيِّمُهَا(2)، وَطَالَ تَأَيُّمُهَا(3)، وَوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا.
أَمَا وَاللهِ مَا أَتَيْتُكُمُ اخْتِيَاراً، وَلكِنْ جَئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقاً، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: [عَليٌّ ] يَكْذِبُ، قَاتَلَكُمُ اللهُ! فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ؟ أَعَلَى اللهِ؟ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ! أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ؟ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ! كَلاَّ وَاللهِ، ولكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا، وَلَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَيْلُ امِّهِ(4)، كَيْلاً بِغَيْرِ ثَمَن! لَوْ كَانَ لَهُ وِعَاءٌ، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين).
____________
1. أمْلَصَت: أسقطت، وألقت ولدها ميتاً.
2. قَيّمها: زوجها.
3. تأيُّمُها: خلُوّها من الازواج.
4. ويْلُ امّهِ: كلمة استعظام تقال في مقام المدح وإن كان أصل وضعها لضده، ومثل ذلك معروف في لسانهم، يقولون للرجل يعظمونه ويقرظونه: «لا أبالك». في الحديث «فاظفر بذات الدين تربت يداك».
ص 217
أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَظْهَرَنَّ هؤُلاَءِ الْقَوْمُ عَلَيْكُمْ، لَيْسَ لاَِنَّهُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكُمْ، وَلكِنْ لاِِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صَاحِبِهِمْ، وَإِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي.
وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ الاُْمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا، وَأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي. اسْتَنْفَرْتُكُمْ لِلْجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا، وَأَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُكُمْ سِرّاً وَجَهْراً فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا، وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا.
شُهُودٌ كَغُيَّاب(4)، وَعَبِيدٌ كَأَرْبَاب! أَتْلُوا عَلَيْكُمُ الْحِكَمَ فَتَنْفِرُونَ مِنْهَا،
____________
4. شُهُود جمع شاهد: بمعنى الحاضر. وغُيّاب: جمع غائب.
ص 218
وَأَعِظُكُمْ بِالمَوْعِظَةِ الْبَالِغَةِ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنْهَا، وَأَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَا(1)، تَرْجِعُونَ إِلى مَجَالِسِكُمْ، وَتَتَخَادَعُونَ عَنْ مَوَاعِظِكُمْ، أُقَوِّمُكُمْ غُدْوَةً، وَتَرْجِعُونَ إِلَيَّ عَشِيَّةً، كَظَهْرِ الْحَنِيَّةِ(2)، عَجَزَ الْمُقَوِّمُ، وَأَعْضَلَ الْمُقَوَّمُ(3).
أَيُّهَا الشَّاهِدةُ أَبْدَانُهُمْ، الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، الْـمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ، المُبْتَلَى بِهمْ أُمَرَاؤُهُمْ، صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ، وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ، لَوَدِدْتُ وَاللهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَني بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ، فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ!
يَاأَهْلَ الْكُوفَةِ، مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلاَث وَاثنَتَيْنِ: صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاع، وَبُكُمٌ ذَوُو كَلاَم، وَعُمْيٌ ذَوُو أَبْصَار، لاَ أَحْرَارُ صِدْق عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلاَ إِخْوَانُ ثِقَة عِنْدَ الْبَلاَءِ! تَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ! يَا أَشْبَاهَ الاِْبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا! كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِب تَفَرَّقَتْ مِنْ آخَرَ، وَاللهِ لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيَما إخالُ(4): لَوْ حَمِسَ
____________
1. قالوا: إن سبأ هو أبو عَرَبِ اليمن كان له عشرة أولاد، جعل منهم ستة يميناً له، وأربعة شمالاً تشبيهاً لهم باليدين، ثم تفرّق أولئك الاولاد أشدّ التفرّق.
2. ظَهْر الحَنِيّة: القَوْس.
3. أعْضَلَ: استعصى واسْتَصْعَبَ.
4. إخال: أظنّ.
ص 219
الْوَغَى(1)، وَحَمِيَ الضِّرَابُ، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبي طَالِب انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا(2)، وَإِنِّي لَعَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي، وَمِنْهَاج مِنْ نَبِيِّي، وَإِنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً(3).
____________
1. حَمِسَ ـ كَفَرِحَ ـ: اشتد; والوَغَى: الحرب.
2. انفراج المرأة عن قُبُلها يكون عند الولادة أوعندما يُشْرَعُ عليها سلاح. وفيه كناية عن العَجْز والدناءة في العمل.
3. اللّقطْ: أخذ الشيء من الارض.
ص 400
ومن كلام له (عليه السلام) في ذمّ أصحابه
أَحْمَدُ اللهَ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْر، وَقَدَّرَ مِنْ فِعْل، وَعَلَى ابْتِلاَئِي بِكُم أَيَّتُهَا الْفِرْقَةُ الَّتِي إذَا أَمَرْتُ لَمْ تُطِعْ، وَإذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ، إنْ أُمْهِلْتُمْ(1) خُضْتُمْ، وَإنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ(2)، وَإنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إمَام طَعَنْتُمْ، وَإنْ أُجِبْتُمْ إلَى مُشَاقَّة(3) نَكَصْتُمْ(4).
لاَ أَبَا لِغَيْرِكُمْ(5)! مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ وَالْجِهَادِ عَلَى حَقِّكُمْ؟ الْمَوْتَ أَوِ الذُّلَّ لَكُمْ؟ فَوَاللهِ لَئِنْ جَاءَ يَوْمِي ـ وَلَيَأْتِيَنِّي ـ لَيُفَرِّقَنَّ بَيْني وَبَيْنَكُمْ وَأَنا لِصُحْبَتِكُمْ قَال(6)، وَبِكُمْ غَيْرُ كَثِير(7).
____________
1. أُمهِلْتم: أُخّرْتم، ويروى «أهملتم» بمعنى: خُلّيتم وتُرِكتم. 2. خُرْتم: ضعفتم وجبنتم.
3. المشاقّة: المقاطعة والمصارمة.
4. نَكَصْتُمْ: رجعتم القهقرى وأحجمتم.
5. المعروف في التقريع: لا أبا لكم، ولا أبا لك، وهو دعاء بفقد الاب أو تعيير بجهله، فتلطف الامام بتوجيه الدعاء أو الذمّ لغيرهم.
6. قَال: أي كاره.
7. غير كَثِير بكم: أي إني أفارق الدنيا وأنا في قلة من الاعوان، وإن كنتم حولي كثيرين.
ص 401
لله أَنْتُمْ! أمَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ! وَلاَ مَحْمِيّةٌ تَشْحَذُكُمْ(1)! أَوَلَيْسَ عَجَباً أَنَّ مُعَاوِيَةَ يَدْعُو الْجُفَاةَ(2) الطَّغَامَ(3) فَيَتَّبِعُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَعُونَة(4) وَلاَ عَطَاء، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ ـ وَأَنْتُمْ تَرِيكَةُ الاِْسْلاَمِ(5)، وَبَقِيَّةُ النَّاسِ ـ إلَى الْمَعُونَةِ أَو طَائِفَة مِنَ الْعَطَاءِ، فَتَفَرَّقُونَ عَنِّي وَتَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ؟ إِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِي رِضىً فَتَرْضَوْنَهُ، وَلاَ سُخْطٌ فَتَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، وَإنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لاَق إِلَيَّ الْمَوْتُ! قَدْ دَارَسْتُكُمُ الْكِتَابَ(6)، وَفَاتَحْتُكُمُ الْحِجَاجَ(7)، وَعَرَّفْتُكُمْ مَا
____________
1. من شحذ السكين ـ كمنع ـ: أي حددها.
2. الْجُفَاةَ ـ جمع جاف ـ: أي غليظ.
3. الطَّغَامَ ـ بالفتح ـ: أرذال الناس.
4. المعونة: يراد بها هنا ما يعطى للجند لاصلاح السلاح، وعلف الدواب زائداً على العطاء المفروض، والارزاق المعينة لكل منهم.
5. التريكة ـ كسفينة ـ: بيضة النعامة بعد أن يخرج منها الفرخ تتركها في مجثمها، والمراد: أنتم خلف الاسلام وعِوَض السلف.
6. دَارَسْتُكُمُ الكتابَ: أى قرأت عليكم القرآن تعليماً وتفهيماً.
7. فاتحتكم: مجرده فتح بمعنى قضى، فهو بمعنى قاضيتكم أي حاكمتكم. والحِجاج: المحاجّة، أي قاضيتكم عند الحجة حتى قضيت عليكم بالعجز عن الخصام.
ص 402
أَنْكَرْتُمْ، وَسَوَّغْتُكُمْ مَا مَجَجْتُمْ(1)، لَوْ كَانَ الاَْعْمَى يَلْحَظُ، أَوِ النَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ! وَأَقْرِبْ بِقَوْم(2) مِنَ الْجَهْلِ بِاللهِ قَائِدُهُمْ مُعَاوِيَةُ! وَمُؤَدِّبُهُمُ ابْنُ النَّابِغَةِ(3)!
____________
1. سَوَّغْتُكُمْ مَا مَجَجْتُمْ: سوّغْت لاذواقكم من مشرب الصدق ما كنتم تمجّونه وتطرحونه، فسوّغ الشيء: جعله سائغاً مقبولاً، ومجّ الشيء من فيه: رمى به.
2. أقْرِبْ بهم: ما أقربَهم من الجهل.
3. ابن النابغة: عمروبن العاص.
وهذا اعتراف من ابن تيمية على أن شيعة علي بن أبي طالب (ع) التي قاتلت معه ليسوا مثلنا في العقيدة كما قال ابن تيمية !
فالشيعة الأولى هم أهل السنة المتشيعة لأن بعضهم كان يقول أن عليا (ع) أفضل من عثمان وبعضهم يقول أن عثمان أفضل من علي (ع) ، وجميعهم كانوا يقولون أن أبو بكر وعمر أفضل من الإمام علي (ع) !! ... وبلا شك أنهم يختلفون عن المصطلح الشيعة اليوم ، فهناك شيعتان : شيعة عامة وشيعة خاصة
فمن اتبع الإمام علي (ع) بصفته خليفة راشد للمسلمين وأنه ليس إمام معصوما ، فهذا يعتبر من الشيعة العامة .... وأما الشيعة الخاصة ، فهم الموالين لأمير المؤمنين (ع) ويعتقدون بوجوب ولايتة وعصمته وأن إمامته إلهية ، والذين يتبعون الأئمة المعصومين (ع) من أبناءه
وبهذا يكون المخاطبون هم أهل السنة المتشيعين الذين كانوا يفضلون أبو بكر وعمر على علي بن أبي طالب (ع) ، لأن شيعته (الخاصة) لا يخالفون أمير المؤمنين في أي شيء يقوله لأنهم متمسكين بولايته ...
هل هناك أي أسئلة أو استفسارات ؟
تعليق