منقول
الانتصار الذي حققه المالكي في البصرة
الانتصار الذي حققه المالكي في البصرة
كتابات - طاهر الخزاعي
لا يختلف اثنان على أن البصرة أصبحت مرتعا للمجرمين وقطاع الطرق وفرق الموت ومافيات الفساد والتهريب وتجارة المخدرات .. كما أن في البصرة دون غيرها أحزاب وحركات طرأت على الساحة لأول مرة بعد السقوط وبدعم خارجي معروف , ونتيجة لسقوط مؤسسات الدولة بسقوط النظام المقبور أصبحت لغة السلاح هي السائدة في البصرة , فالمعارك العشائرية في البصرة تتسبب في قطع الطرق الرئيسة بين بغداد والبصرة ولأيام عديدة .. والتصفيات والاغتيالات السياسية والثأرية بلغت ذروتها في البصرة بالمقارنة مع كل محافظات العراق الاخرى .. في البصرة أكثر من ثمانية مرافيء مستحدثة لتهريب النفط تتمركز أكثرها حول ميناء ابو فلوس .. وفي البصرة تجوب آلاف السيارات شوارعها دون أرقام ودون أوراق اصولية , وهي سيارات حديثة وسريعة تُجلبها بواخر من الامارات بطرق التهريب العلني !! .. في البصرة ومنذ السقوط وحتى الآن يستقبل أهالي البصرة صباح كل يوم بعشرات الجثث المقتولة غيلة بعضها بحق وكثير منها بغير وجه حق , أو على الأقل التقادير خلافا للقانون ! .. الامر الذي زرع الرعب والخوف لدى كل البصريين بأنهم أمام مصير مجهول .. فهناك أرقام كثيرة للقتل حصلت نتيجة نقد لهذا الحزب أو توجيه لوم لتلك الجهة .. في البصرة يُختطف الناس في سيارات مظللة على مرأى ومسمع من نقاط الشرطة !!
في البصرة كل الأوراق مختلطة , فالمخابرات الاقليمية (ايرانية – كويتية – سعودية) تمارس أجندات كل حسب دولته , والقوات الأجنبية في البصرة لها دورها الواضح لمصالحها .. ولا يوجد من يبحث عن مصلحة المواطن البصري هناك .. فالحكومة المحلية بدرجة من الضعف بحيث هجمت أحد العشائر على مبنى المحافظة وحرقت جزءاً منه قبل عامين على خلفية اختطاف وقتل أحد وجوه العشيرة في سيارة مظللة دخلت مبنى المحافظة !! .. الكفاءات البصرية تحت تهديد الخطف والقتل .. كل هذا أدى بالنتيجة الطبيعية أن تكون كل الدوائر والمرافق في البصرة - الخدمية والعلمية وحتى الأمنية – رهينة وأسيرة هذا النمط الخاص الذي فرضته هذه الأيادي الخفية للحياة في البصرة .
وعندما نقول (الأيادي الخفية) لأن الجميع يتنصل – في العلن – مما يجري , وتلك الجرائم مرفوضة من كل الشارع البصري ولا يتشرف بها أي طرف , بل ولا يتحمل المسؤولية عنها أي طرف في البصرة الا الحكومة المحلية هناك باعتبارها مسؤولة عن أمن الناس ... ولأن الحكومة المحلية عجزت وفشلت فشلاً ذريعا في التصدي لهؤلاء ووقف الجريمة في البصرة , وأهل البصرة يرونها جزءً كبيراً من المشكلة - .. وبعد أن تعالت الصيحات من أهل البصرة ومن ممثليهم في مجلس النواب في وجوب وضع حد لظاهرة الجريمة في البصرة كان لزاما على الحكومة المركزية أن تتدخل لعلاج المعضل .. فكانت الخطوة الأولى أن استبدلت قائد الشرطة هناك قبل أشهر ثم تلتها بارسال موحان الفريجي للبصرة لاعادة هيكلة المؤسسة الأمنية ومحاربة عصابات الجريمة في البصرة .. لكن الفريجي جوبه بعقبة كأداء متمثلة بالحكومة المحلية هناك وبالعصابات معاً حتى وصل الأمر الى نجاته من العديد من محاولات الاغتيال !! ولم يحصل أي تحسن في الوضع الأمني بل ازدادت الأمور سوءً .. وحتى هذه اللحظة لا يوجد مؤئر على جهة بعينها أنها وراء ما يجري , بالرغم من انتحال بعض العصابات الاجرامية لهذا الاسم أو ذاك , والانتحال سهل المنال ..
من هنا كانت كل المعطيات تقول بوجوب خطة لفرض القانون في البصرة من أجل القضاء على كل هذه الجماعات والعناصر الاجرامية التي عاثت في البصرة فسادا .. ولأن حكومة البصرة المحلية فشلت في ذلك وكل المحاولات العلاجية الاخرى فشلت أيضا كانت مبادرة رئيس الوزراء أن يقف شخصيا على الوضع في البصرة بمعية الوزراء الامنيين , وهي مبادرة شجاعة وجريئة وتنم عن تحمل للمسؤولية باعتبار القمة في هرم القرارات ولها أثرها الكبير في الحزم والحسم .. ذهب المالكي الى البصرة ( وللأمانة سمعت من أحد المقربين من المالكي حال ذهابه للبصرة ان المالكي قال : لا يوجد حل غير أن أذهب بنفسي وأجلس في موانيء التهريب لمطاردة هؤلاء ) .. ذهب الى البصرة وهو يحدوه الأمل بأن تقدم له الأحزاب والحكومة المحلية هناك المعلومات الأمنية المتوفرة لديها من أجل القضاء على كل مظاهر الجريمة والفساد هناك , لكن الذي حصل لم يكن متوقعا ولم يدر بخلد أحد !! .. فقد امتلأت شوارع البصرة بحملة السلاح بكل أنواعه واُلغمت الشوارع بالعبوات الناسفة وهوجمت مراكز الشرطة والجيش قبيل واثناء وصول رئيس الوزراء للبصرة !! .. والمشكلة الأكبر أن تبنى التيار الصدري هذه المظاهر المسلحة أثناء تواجد رئيس الوزراء في البصرة .. بل وقبل أن يبدأ المالكي خطته كانت زغات من قذائف الهاون والكاتيوشا تنزل على القصور الرئاسية في حي البراضعية في البصرة !! .. واُحيطت أحياء البصرة بالألغام والعبوات الناسفة واُحرقت آليات الجيش والشرطة وفُجرت الجسور والمحطات الكهربائية ومرافق للدولة عديدة !! ..
قد يكون ثمة لبس قد حصل .. وبالتأكيد هناك من أوصل رسالة تحريضية الى أتباع التيار الصدري في البصرة بأن المالكي جاء لتصفية التيار (ولا أعلم كيف تتم تصفية تيار واسع) .. وكان المالكي في البصرة يصرح مرارا وتكرارا أن الخطة الأمنية لا تستهدف تيارا أو جهة معينة إنما هي لملاحقة عصابات وأفراد أجرموا بحق العراق والبصرة , الا أن الغريب في الأمر أن المظاهر المسلحة في البصرة تتعاظم يوما بعد يوم واصرار عجيب على مواجهة القوات الأمنية حتى أخذت طابعا رسمياً من قبل بعض قيادات التيار الصدري ! ..
وفي تقديري – مع وجود الكثير من الدلالات – بوضع خطة مقابلة لخطة المالكي الأمنية تقتضي تحريك جيش المهدي ليرفع السلاح بوجه الحكومة من أجل إفشال فرض القانون في البصرة ومن أجل أن تبقى البصرة على ماهي عليه مسيطر عليها من قبل العصابات الاجرامية ومافيات التهريب والقتل .. وحصل الذي حصل ورفع جيش المهدي سلاحه بوجه الحكومة وفي أغلب مدن ومحافظات العراق !! .. وهنا كان الامتحان الأعسر للمالكي ..
أدرك السيد المالكي اللعبة جيداً , فأعطى أوامره وأمهل المسلحين ثلاثة أيام للكف عن حمل السلاح في شوارع البصرة مع التأكيد أنه لم يأت لمواجهة جيش المهدي , بل صرح بأن المظاهر المسلحة في الشوارع كانت مفاجئة .. كل ذلك لم يثن جيش المهدي من اعلان المواجه والنزول الى الشوارع في كل المدن تقريبا ! .. لابد اذن من وجود مستفيد حقيقي من اشعال الحرب بين التيار والحكومة , وهذا المستفيد هو الذي يدفع بالامور للمواجهة .. حتى أن أحد الذين ذهبوا للقاء السيد مقتدى الصدر لاصدار البيان الذي ساعد كثيرا على احتواء الازمة , صرح هذا المسؤول بأن الصورة التي عند السيد مقتدى الصدر قبل اصداره البيان صورة مغايرة تماماً للواقع على الساحة ! .. ولقد كانت الفكرة واضحة وضوح الشمس وهي فرض المواجهات على رئيس الوزراء ومحاصرة كل الخيارات أمامه الا أن يستخدم القوات الأمنية ضد جيش المهدي وبالنتيجة حرب أهلية لا قبل لها ولا دبر ! .. وهذه هذا المخطط سهلة جدا , فالمالكي أعلن أنه يريد مطاردة العصابات الخارجة على القانون .. وهؤلاء في الشوارع يحملون السلاح ويوجهونه ضد مؤسسات الدولة وبالتالي فهم خارجون على القانون , سواء في البصرة أم في المدن الأخرى , ووفقا لهذه الصورة فإن المواجهة يجب أن تكون حتمية , وستكون النتائج وخيمة على العراق كله سياسيا واقتصاديا واجتماعيا , ومن ثم يكون الرابح الوحيد والمنتصر الوحيد هم العصابات التي جاء المالكي لمكافحتها ومن يقف وراءها , وستعود الأمور الى المربع الأول وتستفيد القوى الأجنبية والاقليمية اللاعبة في الميدان العراقي ..
المالكي ولإدراكه خطورة اللعبة كان قد أعطى مهلة أخرى مدتها عشرة أيام لتفويت الفرصة على أصحاب السيناريو المدمر للعراق , فكان بعدها بيان السيد مقتدى الصدر لتفويت ذات الفرصة وبجهود خيرة من القوى السياسية الفاعلة في الحكومة .. ليأتي بيان السيد الصدر متطابقا تماماً وتوجهات الحكومة في فرض القانون ومحاربة الخارجين عليه حيث تبرأ السيد مقتدى الصدر ممن يحمل السلاح ضد المؤسسات الحكومية .. الأمر الذي يعطي قوة وزخما أكبر للمالكي بأن يسير باتجاه الحل العسكري الشامل لكل من يحمل السلاح بعد صدور البيان باعتبار أن مقتدى الصدر قد تبرأ منه .. الا أن شيئا من هذا لم يحصل وأصر المالكي حتى النفس الأخير بأنه لم ولن يستهدف أي جهة سياسية بل جاء لمطاردة العصابات والمافيات والجماعات التي تعبث بأمن وأرواح البصريين .. أصدر قراراته التي أثبتت أنها ليست ضد التيار الصدري .. وأمر بمنع الاعتقالات والمداهمات دون أوامر قضائية .. وشكل غرفة عمليات أوكل مهمتها بعده لوزير الدفاع ليبقى في البصرة وتستمر الخطة التي ذهب بها من أجل البصرة .. من هنا يكون المالكي قد فوت الفرصة على كل الذين أرادوها مواجهة بين الحكومة والتيار الصدر فهي بالتأكيد مواجهة خاسرة للطرفين بكل المعايير , وستنضم كل العصابات الاجرامية رسميا تحت هذه اليافطة التي أصبحت أعرض مما ينبغي !! .. هنا هو مغزى الانتصار العظيم للمالكي , لا بمعنى أنه قضى على العصابات الاجرامية في البصرة , بل بمعنى عدم الانجرار وراء اللعبة القذرة التي لعبتها أطراف داخلية وخارجية لا تريد للعراق والعراقيين خيراً .. ولعل أوضح الأدلة على ما أقول هو عزوف المالكي عن الاستنجاد بالقوات البريطانية المرابطة في مطار البصرة ولا حتى طلب الاسناد من القوات الامريكية التي تتحين الفرص للدخول بمثل هكذا مواجهات ..
عدم الوقوع في الفخ , فخ المواجهة العسكرية الشاملة مع التيار الصدري , يمثل انتصاراً حقيقيا للمالكي , رغم أن التيار وقع في الفخ من رأسه حتى أخمص قدميه !! .. وكل متابع عن قرب , وكل من عايش الاحداث من داخلها ليس بوسعه أن ينكر هذه الحقيقة .. ولعل دخول أياد علاوي على الخط واجتماعاته ببعض عناصر التيار ليصبح التيار عند أياد علاوي ودون مقدمات تيارا وطنيا مستضعفا , اشارة الى ما أردت الوصول اليه .. ولعل أشارة أخرى صارخة أيضا هي المزايدات العمائمية التي أتحفتنا ببيانات فتنوية جهنمية من مثل الأفعى الرقطاء فاضل المالكي !! .. ومن تابع قناة الشرقية يدرك حجم المخطط الدموي الموجه ضد الحكومة والتيار الصدري معاً .. وايران أشهر من نار على علم في تأجيج هذه الأزمة وضخ السلاح بأنواعه الى الشارع العراقي !! .. كل هذا ورغم أن المعلومات الدقيقة المستوحاة من الميدان في البصرة أثبتت تورط ثلاثة أحزاب (من غير جيش المهدي) في حمل السلاح ضد مؤسسات الدولة في البصرة جنبا الى جنب بقية المسلحين .. حزبان تمدهما ايران وثالث تمده بريطانيا !! .. دون التمييز بين جيش المهدي وبين هؤلاء .. رغم كل ذلك لم يتمكنوا من جر المالكي للوقوع في الفخ ولم يتراجع عن خطته لفرض القانون ومطاردة العصابات والمافيات في البصرة والتي ستُحقق أكلها في الاسابيع القليلة المقبلة .
Kza_tahir@yahoo.com
تعليق