في الحداثة
=========
بقلم المفكر الاسلامي السيد صدر الدين القبانجي
=============
السعادة
=======
بين الفكر الحداثي والفكر الإسلامي سجال ومعركة يقول الفكر الحداثي إن السعادة تتحقق من خلال أتباع النزعة المادية للإنسان، والإسلام يقول إن السعادة من خلال تكامل الإنسان، وحينما نناقش وننتقد الفكر الحداثي لا نقصد بذلك التقدم العلمي بل نحن معه وإنما نقد الفكر الحداثي الفلسفي، وأول أصل من أصول هذا الفكر هو إن سعادة الإنسان من خلال إتباعه للنزعة المادية وتقول إن هذا الإنسان عندما يولد تؤثر لديه ثلاث نزعات هي الراحة، والمنفعة، والحرية، والباقي ركام ويجب إزالته، وإن هذه النزعات هي الأصيلة والإنسان إذا أراد أن يكون سعيداً فإن عليه أن يسعى خلف هذه النزعات الثلاث.
الله تعالى يقول{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً}وهؤلاء يريدوكم أن تنحرفوا عن جادة الكمال والاستقامة والفكر الإسلامي يقول إن السعادة ليست من خلال أتباع النزعة المادية فالإنسان لديه أربع نزعات وليس الثلاث التي ذكرتها الفلسفة الحداثية من خلال الراحة والمنفعة والحرية فإن الحيوان لديه مثل تلك النزعات، ولكن الإسلام يقول إن الإنسان لديه:
أولاً: النزعة المادية المذكورة.
ثانياً: النزعة الاجتماعية وهي إن الإنسان ابن مجتمعه ويريد الاحترام وإقامة علاقات وأحداث تجانسٍ مع الآخرين وليس البحث عن حريته وفردانيته فقط، وهذا المجتمع يفرض عليه استحقاقات ليست كاذبة وأيضاً من منطلق نزعة أصيلة في الإنسان نسميها النزعة الاجتماعية.
ثالثاً: النزعة الدينية، إن كان الإنسان مؤمناً أو غير مؤمن ولكنه يبحث من حيث لا ينتبه ونزوع فطري نحو المطلق الذي يستظلون بظله وكل فرد يريد لحظة من لحظات الاستقرار والركون إلى مصدر الوجود وهو القدرة المطلقة، والإنسان المادي اليوم مهما يركض وراء الشهوات لكنه يجد نفسه ظمآن وغير مرتوٍ، ولهذا البشر اليوم رغم ضلوعهم في المادية لكنهم يريدون لحظات يأنسون فيها سواء في كنيسة، أو مع صنم، أو نار وما شاكل ذلك، ونزعة الارتباط بالمطلق وهو مصدر الخير هذه نزعة أصلية في الإنسان.
رابعاً: النزعة الأبدية، وهي أن الإنسان مؤمناً سواء كان أم كافراً لديه نزعة فطرية ذاتية نحو الحياة الأبدية ويفكرون لما بعد الدنيا، ويقول الإسلام عن هذه النزعة إنها ليست من تعليم علماء الدين للبشر أنه يجب أن تطمعوا للحياة الأبدية بل هي نزعة ذاتية، والإسلام يريد أن يشبع بنا هذه النزعة الذاتية من خلال إيماننا بالحياة الأخرى واستعدادنا لها والنتيجة أن السعادة من خلال تكامل الإنسان في نزعاته المادية، والاجتماعية، والدينية، والأبدية، وليس فقط من خلال النزعة المادية كما تقول الحداثة.
الحياة الأصيلة
=============
نتحدث عن ماهية الحياة الأصيلة وما هي الحياة المجازية ، واليوم المطروح في الفكر الحداثي أن هناك حياة أصيلة وحياة مجازية، والحياة الأصيلة هي ما كانت تهتم بالقضايا الحقيقية وهي عبارة عن غرائز الإنسان والشهوات من جنس، وحرية، ومنفعة، والجاه، أما سواها فهي قضايا اعتبارية وهمية من أخلاق، ومجتمع، وحسن الجوار، وصلة رحم، ومساواة، وإحسان، وهذه كلها قشور بحسب هذه الرؤية، والذي يفكر بهذه الحياة مخدوع.
أما في نظر الإسلام وفي ضوء الآية المذكورة، ومع صحة العنوان نتساءل عما هي القضايا الحقيقية فمثلاً إن العمر الحقيقي هو ذلك العمر الذي يعرفه الإنسان في القضايا الحقيقة، الإسلام يقول إن هناك مجموعة قضايا حقيقية مثل فناء الدنيا وأن الناس قد خلقوا للبقاء إذن البقاء بعد الدنيا قضية حقيقية فالآخرة هي انعكاس للدنيا بالرغم من إن الكثير من الناس يؤمنون بالآخرة فهم يحصدون ما جنوه في الدنيا وليس قضية لا ندري كيف تكون وإذا كان هكذا فيجب أن نفكر بهذه القضية الحقيقية الله تعالى بعث رسلاً وأنزل رسالات لهداية البشر وتعريفهم بالطريق { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}وهذه قضية حقيقية وليست كذباً وخداعاً، فإن الله تعالى لديه كلام ورسالة بعثها للإنسانية والإنسان هو مصدر قيمته، فإنسانية الإنسان هل هي بجماله، أو بماله، أو أهله، أم بقيمته، فالإنسان ليس مجرد حيوان يسير على ساقين، بل إنسانية الإنسان هي المقياس بجوانبه الإنسانية، فهو لم يخلق عبثاً مثل ريشة يتلاعب بها الهواء أم أنه خلق بهدف{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}فإن هناك هندسة ومخطط، وهناك خارطة طريق وأنه لم يخلق عبثاً.
المجتمع مناخ تكامل الإنسان
إن المجتمع هو مناخ تكامل الإنسان، والإنسانية ولا نستطيع أن نحقق إنسانيتنا من خلال العزلة والجلوس في الصوامع كالدراويش، فالإسلام يقول أن المجتمع هو مناخ تكامل الإنسان وظهور إنسانيته من خلال علاقاته الإنسانية، والبر بالوالدين وصلة الرحم، والمساواة وكلها نهي عن العزلة.
وكذلك أيها الإنسان إنك تعيش مع أعظم قضية حقيقية أسمها الله الخالق الباري المصور ولهذه القضية استحقاقاتها عليك، والموت أيضاً قضية حقيقية وليست خيالية، الإسلام يقول إن الحياة الأصلية هي التي تهتم بهذه القضايا الحقيقية، والدنيا مزرعة الآخرة وبمقدار ما تكون الدنيا مزرعة الآخرة فهي أصلية وبمقدار ما أنت لم تزرع شيئاً فإن عمرك ذهب سدى ولهذا يقول العرفاء:
وكل عمر بعيد عن العلاقة بالله العظيم هو مجازي{كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ}فالحياة الأصلية هي التي تهتم بهذه الواقعيات ولهذا الإسلام يربينا على أن تكون حياتنا أصلية ودائماً نفكر{وأشهد أن الموت حق والقبر حق وسؤال منكر ونكير حق والنشور حق وتطاير الكتب حق والجنة حق والنار حق والميزان حق والصراط حق وإن الله يبعث من في القبور}الحياة الأصلية في الإسلام هي ما كانت حياة مزرعة إذا صح هذا التعبير، الحداثة تقول حياة المنفعة هي الحياة الأصلية والإسلام يقول حياة المزرعة ولهذا في زيارة الإمام الحسين(ع) نقول(أشهد أنك عشت حميداً وقتلت سعيداً) الإمام أمير المؤمنين(ع) يصف المتقين ويقول
ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح) ويقول
أيها الناس تجهروا يرحمكم الله وأقلوا العرجة على الدنيا) اللهم أجعل محيانا محيا محمد وآل محمد ومماتنا ممات محمد وآل محمد، اللهم أحيني محيا علي بن أبي طالب وأمتني ممات علي بن أبي طالب(ع).
موضع العقيدة في شخصية الإنسان
============================
وهل للعقيدة موقع في شخصية الإنسان أم هي قضية هامشية وجانبية؟ وهذا الموضوع مهم جداً وأعطاها الإسلام أهمية بالغة.
رأي الحداثة هو ان تكون مؤمنا أو كافراً ليس فرقاً، بل العقيدة ليس لها أثر في شخصية الإنسان والعقيدة مثل اللون لا تأثير لها، وهي مثل أي نظرية رياضية، أو فلكية، أو فلسفية، هل تريد ان تعتقد بأن الأرض تدور حول الشمس، أو ان الشمس تدور حول الأرض، ممكن هذه النظرية صحيحة وتلك خاطئة لكن ليس له أثر في شخصية الإنسان، أي اعتقاد تعتقده في مسألة جغرافية، أو سياسية هذا لا دخل له في شخصية الإنسان وإنسانيته، ورأي الحداثة ان الدين ليس له علاقة بشخصية الإنسان وإن شخصية الإنسان ليست بعقيدته فليس فرقاً أن تكون مؤمناً أو كافراً، بمعنى آخر أن دور العقيدة دور عرضي وشكلي في شخصية الإنسان.
بينما الإسلام يقول أن العقيدة في شخصية الإنسان وإنسانيته هي موقع أساسي، فإنها تتقوم بركنين هما الركن العقيدي، والركن الأخلاقي{الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} آمنوا أي العقيدة، وعملوا الصالحات أي السلوك الأخلاقي القرآن الكريم يقول في سورة العصر{إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فالعقيدة موقعها أساسي في إنسانية الإنسان ولهذا مستقبل الإنسان يرتبط بحسب النظر الديني بعقيدته وعمله الصالح، ويوم القيامة يتقدم الإنسان إلى الجنة من خلال الإيمان، والعمل الصالح، فإذا لم يكن لديه إيمان وعمل صالح سيكون حاله كحال المخلوقات الأخرى، ولهذا القرآن الكريم يقول{الَّذِينَ آمَنُواْ} هذا ركن العقيدة {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} هذا ركن الممارسة العملية، هؤلاء{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ} هذا هو النظام الذي ركب الله تعالى عليه الإنسان ومستقبله، والتأكيد القرآني على هذين الركنين، وهو بحث حضاري مهم حيث الحداثة اليوم تقول: لماذا لديكم هذه القضية مهمة أعبد ما شئت أن تعبد فهذا ليس له موقع في شخصية الإنسان، ولكن المهم في شخصية الإنسان هو كم تستطيع أن تربح من المنفعة من الإيمان أو الكفر إذا نفعك الكفر أذهب وصر كافراً، وإذا ربحت من عبادة الله أذهب وأعبد الله فالمقياس هو الربح وكم تؤدي هذه العقيدة والنظرية التي تعتقد بها إلى منفعتك وكم تؤدي إلى عدم المنفعة.
والإسلام يقول أن المنفعة ليست هي المقياس، بل الإيمان والعمل الصالح هو المقياس{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين، وممن عرف الحقيقة ومهم أن يعرف الإنسان الحقيقة والذي لا يعرفها يخسر(اللهم أرني الحق حقاً فأتبعه والباطل باطلاً فاجتنبه). (نظرية محورية الإنسان، أم محورية الله تعالى؟)
محورية الأنسان
=============
وهذا بحث ساخن وحضاري بين الإسلام وبين الفكر الحداثي والفلسفة الحداثية فالعالم اليوم يطرح نظرية تسمى نظرية محورية الإنسان ويقولون: أنتم أهل الأديان لديكم نظرية تسمى نظرية محورية الله أي يكون محوراً تدور حوله الاهتمامات، وبذلك كبلتم حرية الإنسان ولم تحترموا كرامته وأصبح مكبلاً بالأغلال في ضوء هذه النظرية وأنه ممنوع من العمل والأكل، والشرب، والسفر بأشياء تسموها حرمات، فنحن لا نريد نظرية محورية الله بل نطرح نظرية محورية الإنسان التي تقوم على أساس إطلاق الحرية له بلا حدود وأنه المحور أي أعمل ما تشاء ومحورية الإنسان هي أن لا تقبل قيد للإنسان فهو المحور والأصل ورئيس الدائرة فلا يملي عليه شخص أشياءً، والغرب طرح هذا المشروع، ولكنه الآن بدأ بالعودة إلى الله تعالى ولابد له من الالتزام بالحدود الإلهية وان هذا جدل، والنظرية الإسلامية تقول من الخطأ ان نقول بمحورية الله في مقابل حرية الإنسان ويجب ان نعرض النظرية عرضاً صحيحاً، فالإسلام لا يجعل الله في مقابل الإنسان ولا انسان في مقابل الله تعالى، وإنما الإنسان المكرم المعزز هو خليفة الله تعالى فجمعنا بين محورية الله تعالى ومحورية الإنسان، فالإنسان هو محور لكن على أساس خلافته لله وأخذ الصلاحية منه تعالى وليس محوراً مطلقاً، والمشكلة أن هذه النظريات تعرض بشكل مقزز فحينما نقول أن الإسلام لا يؤمن بنظرية محورية الإنسان يقال أنكم تستعبدونه فطبعاً يقال بتكبيل الحرية والإرادة، والقرآن الكريم يقول{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُْ} فلا يجعل الله تعالى بعيداً عن الإنسان بل الإنسان محوراً ولكن إذا تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه فهو الأصل وينجح من خلال رعاية الحدود الإلهية(ومن عمل عملاً صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها) فالله تعالى لا يستفيد من طاعاتنا ولا تضره معصيتنا، مثل سائق السيارة التي أمرها ومحوريتها بيد السائق لكنها ليست محورية مطلقة بهذه الحدود بل هناك قوانين للمرور والمارة والسيارات والمطبات الموجودة على الطريق وغيرها، إذن هناك محورية موجهة أي ان البراعة ان يوصل الركاب بأمان.
كذلك طالب الجامعة حيث لا تريد الجامعة ان تقمع إرادته بل الأستاذ مهتم بنجاح الطالب ولكنها ليست بمعنى ان محورية الطالب الجامعي ان يأتي إلى الجامعة بحسب إرادته، بل هي محورية الطالب الموجهة نحو النجاح ، فلو قيل لكل العالم ان محورية الطالب موجهة فلا يقال انها كبت للحريات، فحينما نعرض نظرية الإسلام عرضاً واضحاً تكون المسألة مقبولة فالإسلام يقول أنت أيها الإنسان المحور لكن الذي استخلفك هو الله تعالى لخلافة الأررض ولكنها ليست محورية منفلتة.
خطئان للتعامل مع هذا الموضوع وأمر صحيح
أولاً: إغلاق منافذ الحرية وكبت الحريات وهو مر خاطئ كما قد يواجه البعض فلا يدع أبنه يذهب إلى المدرسة مثلاً والزيارة والمسجد والحديقة بعنوان الخوف عليه.
ثانياً: إطلاق منافذ الحريات وهي ان تترك الباب مفتوحاً والتصرف بلا عقلانية، والإسلام يفتح منافذ الحرية لكنه يضع واقياً عن الأمراض والتلوث وغيرها فتكون عبارة عن حرية موجهة.
=========
بقلم المفكر الاسلامي السيد صدر الدين القبانجي
=============
السعادة
=======
بين الفكر الحداثي والفكر الإسلامي سجال ومعركة يقول الفكر الحداثي إن السعادة تتحقق من خلال أتباع النزعة المادية للإنسان، والإسلام يقول إن السعادة من خلال تكامل الإنسان، وحينما نناقش وننتقد الفكر الحداثي لا نقصد بذلك التقدم العلمي بل نحن معه وإنما نقد الفكر الحداثي الفلسفي، وأول أصل من أصول هذا الفكر هو إن سعادة الإنسان من خلال إتباعه للنزعة المادية وتقول إن هذا الإنسان عندما يولد تؤثر لديه ثلاث نزعات هي الراحة، والمنفعة، والحرية، والباقي ركام ويجب إزالته، وإن هذه النزعات هي الأصيلة والإنسان إذا أراد أن يكون سعيداً فإن عليه أن يسعى خلف هذه النزعات الثلاث.
الله تعالى يقول{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً}وهؤلاء يريدوكم أن تنحرفوا عن جادة الكمال والاستقامة والفكر الإسلامي يقول إن السعادة ليست من خلال أتباع النزعة المادية فالإنسان لديه أربع نزعات وليس الثلاث التي ذكرتها الفلسفة الحداثية من خلال الراحة والمنفعة والحرية فإن الحيوان لديه مثل تلك النزعات، ولكن الإسلام يقول إن الإنسان لديه:
أولاً: النزعة المادية المذكورة.
ثانياً: النزعة الاجتماعية وهي إن الإنسان ابن مجتمعه ويريد الاحترام وإقامة علاقات وأحداث تجانسٍ مع الآخرين وليس البحث عن حريته وفردانيته فقط، وهذا المجتمع يفرض عليه استحقاقات ليست كاذبة وأيضاً من منطلق نزعة أصيلة في الإنسان نسميها النزعة الاجتماعية.
ثالثاً: النزعة الدينية، إن كان الإنسان مؤمناً أو غير مؤمن ولكنه يبحث من حيث لا ينتبه ونزوع فطري نحو المطلق الذي يستظلون بظله وكل فرد يريد لحظة من لحظات الاستقرار والركون إلى مصدر الوجود وهو القدرة المطلقة، والإنسان المادي اليوم مهما يركض وراء الشهوات لكنه يجد نفسه ظمآن وغير مرتوٍ، ولهذا البشر اليوم رغم ضلوعهم في المادية لكنهم يريدون لحظات يأنسون فيها سواء في كنيسة، أو مع صنم، أو نار وما شاكل ذلك، ونزعة الارتباط بالمطلق وهو مصدر الخير هذه نزعة أصلية في الإنسان.
رابعاً: النزعة الأبدية، وهي أن الإنسان مؤمناً سواء كان أم كافراً لديه نزعة فطرية ذاتية نحو الحياة الأبدية ويفكرون لما بعد الدنيا، ويقول الإسلام عن هذه النزعة إنها ليست من تعليم علماء الدين للبشر أنه يجب أن تطمعوا للحياة الأبدية بل هي نزعة ذاتية، والإسلام يريد أن يشبع بنا هذه النزعة الذاتية من خلال إيماننا بالحياة الأخرى واستعدادنا لها والنتيجة أن السعادة من خلال تكامل الإنسان في نزعاته المادية، والاجتماعية، والدينية، والأبدية، وليس فقط من خلال النزعة المادية كما تقول الحداثة.
الحياة الأصيلة
=============
نتحدث عن ماهية الحياة الأصيلة وما هي الحياة المجازية ، واليوم المطروح في الفكر الحداثي أن هناك حياة أصيلة وحياة مجازية، والحياة الأصيلة هي ما كانت تهتم بالقضايا الحقيقية وهي عبارة عن غرائز الإنسان والشهوات من جنس، وحرية، ومنفعة، والجاه، أما سواها فهي قضايا اعتبارية وهمية من أخلاق، ومجتمع، وحسن الجوار، وصلة رحم، ومساواة، وإحسان، وهذه كلها قشور بحسب هذه الرؤية، والذي يفكر بهذه الحياة مخدوع.
أما في نظر الإسلام وفي ضوء الآية المذكورة، ومع صحة العنوان نتساءل عما هي القضايا الحقيقية فمثلاً إن العمر الحقيقي هو ذلك العمر الذي يعرفه الإنسان في القضايا الحقيقة، الإسلام يقول إن هناك مجموعة قضايا حقيقية مثل فناء الدنيا وأن الناس قد خلقوا للبقاء إذن البقاء بعد الدنيا قضية حقيقية فالآخرة هي انعكاس للدنيا بالرغم من إن الكثير من الناس يؤمنون بالآخرة فهم يحصدون ما جنوه في الدنيا وليس قضية لا ندري كيف تكون وإذا كان هكذا فيجب أن نفكر بهذه القضية الحقيقية الله تعالى بعث رسلاً وأنزل رسالات لهداية البشر وتعريفهم بالطريق { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}وهذه قضية حقيقية وليست كذباً وخداعاً، فإن الله تعالى لديه كلام ورسالة بعثها للإنسانية والإنسان هو مصدر قيمته، فإنسانية الإنسان هل هي بجماله، أو بماله، أو أهله، أم بقيمته، فالإنسان ليس مجرد حيوان يسير على ساقين، بل إنسانية الإنسان هي المقياس بجوانبه الإنسانية، فهو لم يخلق عبثاً مثل ريشة يتلاعب بها الهواء أم أنه خلق بهدف{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}فإن هناك هندسة ومخطط، وهناك خارطة طريق وأنه لم يخلق عبثاً.
المجتمع مناخ تكامل الإنسان
إن المجتمع هو مناخ تكامل الإنسان، والإنسانية ولا نستطيع أن نحقق إنسانيتنا من خلال العزلة والجلوس في الصوامع كالدراويش، فالإسلام يقول أن المجتمع هو مناخ تكامل الإنسان وظهور إنسانيته من خلال علاقاته الإنسانية، والبر بالوالدين وصلة الرحم، والمساواة وكلها نهي عن العزلة.
وكذلك أيها الإنسان إنك تعيش مع أعظم قضية حقيقية أسمها الله الخالق الباري المصور ولهذه القضية استحقاقاتها عليك، والموت أيضاً قضية حقيقية وليست خيالية، الإسلام يقول إن الحياة الأصلية هي التي تهتم بهذه القضايا الحقيقية، والدنيا مزرعة الآخرة وبمقدار ما تكون الدنيا مزرعة الآخرة فهي أصلية وبمقدار ما أنت لم تزرع شيئاً فإن عمرك ذهب سدى ولهذا يقول العرفاء:
أيها القوم الذي في المدرسه كلما حصلتموه وســــــــوسه
كل عمر ضاع في غير الحبيب لم يكن فيه من الدنيا نصيب
وكل عمر بعيد عن العلاقة بالله العظيم هو مجازي{كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ}فالحياة الأصلية هي التي تهتم بهذه الواقعيات ولهذا الإسلام يربينا على أن تكون حياتنا أصلية ودائماً نفكر{وأشهد أن الموت حق والقبر حق وسؤال منكر ونكير حق والنشور حق وتطاير الكتب حق والجنة حق والنار حق والميزان حق والصراط حق وإن الله يبعث من في القبور}الحياة الأصلية في الإسلام هي ما كانت حياة مزرعة إذا صح هذا التعبير، الحداثة تقول حياة المنفعة هي الحياة الأصلية والإسلام يقول حياة المزرعة ولهذا في زيارة الإمام الحسين(ع) نقول(أشهد أنك عشت حميداً وقتلت سعيداً) الإمام أمير المؤمنين(ع) يصف المتقين ويقول


موضع العقيدة في شخصية الإنسان
============================
وهل للعقيدة موقع في شخصية الإنسان أم هي قضية هامشية وجانبية؟ وهذا الموضوع مهم جداً وأعطاها الإسلام أهمية بالغة.
رأي الحداثة هو ان تكون مؤمنا أو كافراً ليس فرقاً، بل العقيدة ليس لها أثر في شخصية الإنسان والعقيدة مثل اللون لا تأثير لها، وهي مثل أي نظرية رياضية، أو فلكية، أو فلسفية، هل تريد ان تعتقد بأن الأرض تدور حول الشمس، أو ان الشمس تدور حول الأرض، ممكن هذه النظرية صحيحة وتلك خاطئة لكن ليس له أثر في شخصية الإنسان، أي اعتقاد تعتقده في مسألة جغرافية، أو سياسية هذا لا دخل له في شخصية الإنسان وإنسانيته، ورأي الحداثة ان الدين ليس له علاقة بشخصية الإنسان وإن شخصية الإنسان ليست بعقيدته فليس فرقاً أن تكون مؤمناً أو كافراً، بمعنى آخر أن دور العقيدة دور عرضي وشكلي في شخصية الإنسان.
بينما الإسلام يقول أن العقيدة في شخصية الإنسان وإنسانيته هي موقع أساسي، فإنها تتقوم بركنين هما الركن العقيدي، والركن الأخلاقي{الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} آمنوا أي العقيدة، وعملوا الصالحات أي السلوك الأخلاقي القرآن الكريم يقول في سورة العصر{إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فالعقيدة موقعها أساسي في إنسانية الإنسان ولهذا مستقبل الإنسان يرتبط بحسب النظر الديني بعقيدته وعمله الصالح، ويوم القيامة يتقدم الإنسان إلى الجنة من خلال الإيمان، والعمل الصالح، فإذا لم يكن لديه إيمان وعمل صالح سيكون حاله كحال المخلوقات الأخرى، ولهذا القرآن الكريم يقول{الَّذِينَ آمَنُواْ} هذا ركن العقيدة {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} هذا ركن الممارسة العملية، هؤلاء{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ} هذا هو النظام الذي ركب الله تعالى عليه الإنسان ومستقبله، والتأكيد القرآني على هذين الركنين، وهو بحث حضاري مهم حيث الحداثة اليوم تقول: لماذا لديكم هذه القضية مهمة أعبد ما شئت أن تعبد فهذا ليس له موقع في شخصية الإنسان، ولكن المهم في شخصية الإنسان هو كم تستطيع أن تربح من المنفعة من الإيمان أو الكفر إذا نفعك الكفر أذهب وصر كافراً، وإذا ربحت من عبادة الله أذهب وأعبد الله فالمقياس هو الربح وكم تؤدي هذه العقيدة والنظرية التي تعتقد بها إلى منفعتك وكم تؤدي إلى عدم المنفعة.
والإسلام يقول أن المنفعة ليست هي المقياس، بل الإيمان والعمل الصالح هو المقياس{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين، وممن عرف الحقيقة ومهم أن يعرف الإنسان الحقيقة والذي لا يعرفها يخسر(اللهم أرني الحق حقاً فأتبعه والباطل باطلاً فاجتنبه). (نظرية محورية الإنسان، أم محورية الله تعالى؟)
محورية الأنسان
=============
وهذا بحث ساخن وحضاري بين الإسلام وبين الفكر الحداثي والفلسفة الحداثية فالعالم اليوم يطرح نظرية تسمى نظرية محورية الإنسان ويقولون: أنتم أهل الأديان لديكم نظرية تسمى نظرية محورية الله أي يكون محوراً تدور حوله الاهتمامات، وبذلك كبلتم حرية الإنسان ولم تحترموا كرامته وأصبح مكبلاً بالأغلال في ضوء هذه النظرية وأنه ممنوع من العمل والأكل، والشرب، والسفر بأشياء تسموها حرمات، فنحن لا نريد نظرية محورية الله بل نطرح نظرية محورية الإنسان التي تقوم على أساس إطلاق الحرية له بلا حدود وأنه المحور أي أعمل ما تشاء ومحورية الإنسان هي أن لا تقبل قيد للإنسان فهو المحور والأصل ورئيس الدائرة فلا يملي عليه شخص أشياءً، والغرب طرح هذا المشروع، ولكنه الآن بدأ بالعودة إلى الله تعالى ولابد له من الالتزام بالحدود الإلهية وان هذا جدل، والنظرية الإسلامية تقول من الخطأ ان نقول بمحورية الله في مقابل حرية الإنسان ويجب ان نعرض النظرية عرضاً صحيحاً، فالإسلام لا يجعل الله في مقابل الإنسان ولا انسان في مقابل الله تعالى، وإنما الإنسان المكرم المعزز هو خليفة الله تعالى فجمعنا بين محورية الله تعالى ومحورية الإنسان، فالإنسان هو محور لكن على أساس خلافته لله وأخذ الصلاحية منه تعالى وليس محوراً مطلقاً، والمشكلة أن هذه النظريات تعرض بشكل مقزز فحينما نقول أن الإسلام لا يؤمن بنظرية محورية الإنسان يقال أنكم تستعبدونه فطبعاً يقال بتكبيل الحرية والإرادة، والقرآن الكريم يقول{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُْ} فلا يجعل الله تعالى بعيداً عن الإنسان بل الإنسان محوراً ولكن إذا تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه فهو الأصل وينجح من خلال رعاية الحدود الإلهية(ومن عمل عملاً صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها) فالله تعالى لا يستفيد من طاعاتنا ولا تضره معصيتنا، مثل سائق السيارة التي أمرها ومحوريتها بيد السائق لكنها ليست محورية مطلقة بهذه الحدود بل هناك قوانين للمرور والمارة والسيارات والمطبات الموجودة على الطريق وغيرها، إذن هناك محورية موجهة أي ان البراعة ان يوصل الركاب بأمان.
كذلك طالب الجامعة حيث لا تريد الجامعة ان تقمع إرادته بل الأستاذ مهتم بنجاح الطالب ولكنها ليست بمعنى ان محورية الطالب الجامعي ان يأتي إلى الجامعة بحسب إرادته، بل هي محورية الطالب الموجهة نحو النجاح ، فلو قيل لكل العالم ان محورية الطالب موجهة فلا يقال انها كبت للحريات، فحينما نعرض نظرية الإسلام عرضاً واضحاً تكون المسألة مقبولة فالإسلام يقول أنت أيها الإنسان المحور لكن الذي استخلفك هو الله تعالى لخلافة الأررض ولكنها ليست محورية منفلتة.
خطئان للتعامل مع هذا الموضوع وأمر صحيح
أولاً: إغلاق منافذ الحرية وكبت الحريات وهو مر خاطئ كما قد يواجه البعض فلا يدع أبنه يذهب إلى المدرسة مثلاً والزيارة والمسجد والحديقة بعنوان الخوف عليه.
ثانياً: إطلاق منافذ الحريات وهي ان تترك الباب مفتوحاً والتصرف بلا عقلانية، والإسلام يفتح منافذ الحرية لكنه يضع واقياً عن الأمراض والتلوث وغيرها فتكون عبارة عن حرية موجهة.
تعليق