بسم الله الرحمن الرحيم
أحجية التاريخ
..بين فكر الصدر وخيال شريعتي
((الى أمي الزهراء مرآة التواضع والعاطفة والزهد والتي كانت حياتي بالنسبة لها كلها "تعب" ووجودها لي كله "حنان")).
بهذه الكلمات البسيطة والصادقة والمعبرة أهدى د.علي شريعتي كتابه الممتع والمعنون(فاطمة هي فاطمة)والذي يتحدث به عن سيرة الزهراء"ع" قبل وبعد النبوة بأسلوب أدبي شفاف يمتزج فيه الفكر والعاطفة والخيال ويتناغم مع موروثنا الفكري والاجتماعي والديني المتراكم عبر الأجيال حول شخصية الزهراء (أحجية التاريخ وسرها الغامض).
وقبل المضي مع د.شريعتي في مسرودته الحزينة أنفة الذكر لابأس من إلقاء نظرة ولو سريعة(وهكذا هي دائما) حول المرأة بصفتها شريك ضروري وركن أساسي في صناعة الحياة لكنها ورغم أهميتها لا تزال أكثر الأجناس الاجتماعية عرضة للتبخيس في قيمتها على جميع الأصعدة.
المرأة كما يذكر د.مصطفى حجازي في كتابه(التخلف الاجتماعي) "هي أفصح الأمثلة على وضعية القهر بكل أوجهها وديناميتها ودفاعاتها في المجتمع المتخّلف إنها أفصح معبّر عن العجز والقصور وعقد النقص والعار".
كنا قد تكلمنا في مقال سابق عن الأسباب السياسية والاقتصادية والعسكرية والأعراف والتقاليد التي ساهمت في تكوين هذه الرؤية.وبكلمة واحدة يمكن إن تكون عزاءا للمرأة وتبريرا للإسلاف أن طبيعة الحياة القاسية آنذاك هي الدافع الأكبر وراء تشكّل النظرة الدونية للمرأة ولكنّ هذه السيئة كانت شديدة العدوى ولها قابلية على التكيف مع الضروف المتغيرة وما زالت أثارها الجانبية سارية المفعول في مجتمعنا وان كنا في الألفية الثالثة.
سوف أحاول أن استقصي الجذر المثيلوجي للمثل الشعبي (وراء كل رجل عظيم امرأة) لأنه مصداق ناجح لمن يحاول أن يثبت الوجود الايجابي والفعال لهذا المخلوق الشفاف.ولأننا نعيش في ألطاف وأطياف أمنا الزهراء (عدل القرآن) إن صحت العبارة سوف أقوم بإسقاط حكاية المثل الشعبي على القصص القرآني ذات الصلة بالموضوع كي نساهم في حل لغز التاريخ ونعيد جزء من الكرامة المسلوبة للمرأة.
في البدء كانت حواء وادم"ع" وقد بدأت الخليقة بهما مناصفة مثلما تقاسموا البلاءات والمغريات والمصير الجديد،ومن ثم الخليل إبراهيم"ع" وزوجته المؤمنة هاجر التي شيدت مع النبي أول بيت وضع للناس وكرامة لها استجاب الله لدعاء إبراهيم ونداءاته المتكررة الذي قال"ربي اني اسكنت ذريتي ز"،وبعدها الرواية الدراماتيكية المثيرة لام موسى التي تابعت تابوت النبي الموعود لبني إسرائيل، التابوت المرمي في غياهب الأنهار خوفا من نزوات الدكتاتور ولم تغب عن بالنا يوما حكاية الأنثى التي وضعتها زوجة زكريا"ع""اني وضعتها انثى وليس الذكر" التي تكمل مسلسل الكرامة ورد الاعتبار الممنوح من الله للمرأة وتقف شامخة صلبة في وضع اجتماعي وديني وأخلاقي محرج للغاية لم يمر به سوى يوسف"ع" وهذه إشارات واضحة لعظمة الأنثى التي خاطبها الله" اني فضلتك على"،ثم تأتي حكاية السيدة أم المؤمنين خديجة"رض" زوجة خاتم الرسل محمد "ص" والممول المادي الرئيس لرسالته- على اعتبار إننا نتحدث عن الواقع ومعطياته المحسوسة ومتطلباته الموضوعية تاركين الحديث عن الغيب وتسديداته لحامل الرسالة الى أهل الاختصاص-