ثم الفخار المصري


ولكن معلوم أن الفخار يحتوي على كميات كبيرة من الرصاص Lead
والرصاص من المواد الخطيرة جدا على الدماغ البشري خصوصا لما يتعرض له بكميات قليلة على فترات طويلة

وهذا ما يحدث مع الطهي المتكرر
والتسمم الرصاصي الطويل الأمد هو ما يصاب به عساكر المرور في البلاد النامية لدخول الرصاص وإضافته إلى وقود السيارت الردئ لزيادة كفائته
ويسمى
Lead Madness
وهو في أغلب الأحوال لا يكون جنونا بمعنى البله
ولكنه يكون بتغير في الصفات الشخصية
وهو ما يسمى بالـ Organic Lead Encephalopathy
وقد يكون من هذه التغيرات الشخصية أن يصير الانسان لا مبال بأي شئ حوله لا يهتم لا بحلال ولا بحرام ولا بأخلاق ولا بقرابة ولا بواجبات ولا بأي شئ

والعجيب أن نفس الشئ يحدث لمريض الكبد في آخر فترات عمره في نوبات من الغيبوبة الكبدية
Hepatic Encephalopathy
وهو ذات الشئ ويكون المريض فيه في حالة من التوهان واللامبلاة حتى بنفسه وربما يتخذ شكلا عصبيا شرسا أو هدوئيات طفولية وفي كلتا الحالتين يكون لا مباليا منعزلا عن كل ما حوله (نفسيا)



والأمر ألأكثر أهمية أن صناعة الفخار وهي الصناعة العريقة جداً في مصر وكانت مصر مشهورة بين بلاد الاسلام كلها بصناعة الفخار خاصة
حتى وصفها ناصر خسرو لما زارها في عهد المنتصر بالله قائلا:

" يصنعون بمصر الفخار من كل نوع، لطيف وشفاف، حتى أنه يمكن أن ترى باطن الإناء باليد الموضوعة خلفه، وكانت تصنع بمصر الفناجين والقدور والبراني والصحون والأواني الأخرى وتزين بألوان تشبه النسيج المعروف باسم البوقلمون، وهو نسيج تتغير ألوانه باختلاف سقوط الضوء عليه "

ومن المعلوم أيضا أن هذه الصناعة تراجعت في مصر بظهور الدولة الأيوبية لأنها كانت دولة تسامح مع الصليبيين وتذابح مع الشيعة المسلمين ففر أكثر أهل هذه الصناعة الذين كانوا من الشيعة إلى إيران وكان لهم الأثر في ازدهار هذه الصناعة في ايران
وان لم تندحر هذه الصناعة كلية في مصر واستمرت حتى في عهد الأيوبيين
المهم ما أردنا التنبيه عنه أنه إذا كان الحديث يتحدث عن نقطتين إعجازيتين منفصلتين
أحدهما مخاطر مياه النيل
والثاني مخاطر الفخار
وهما من أشهر الأشياء التي اشتهرت بهما مصر (نيلها) و (فخارها)
وهذا من أعجب الإعجاز

أما عن ما هي العيوب الأصلية لصناعة الرصاص
فأولا الفخار يصنع من الطين والطين في مصر كما أورد مولانا الفاضل ملوث بالرصاص
خصوصاً أن أفضل أنواع الطين لصنع الآنية الفخارية هو الطمي الغني عضويا

فيها خطوة مهمة جدا وهي دهن الهيئة الطينية للفخار بأكسيد الرصاص لكي يتماسك ويتهيأ وهي ما تسمى بعملية (صقل البخار)
وهي الطريقة التي تستخدم منذ العصر البرونزي بما يزيد عن ثلاثمائة قرن قبل الميلاد.
بل ويستخدم محلول الرصاص الخفيف مع محلول النحاس من أجل تلوين الفخار أيضا
وكانت مصر رائدة التلوين والتشكيل وإبتداع كل ما هو جديد في هذه الصناعة

أي أن الفخار المصري (شُرك) في الرصاص من أوله لآخره
من جوهره وهو الطين
ومن عرضه وهو ما يصقل به هذا الطين