سنتان على حرب صيف 2006 وهزيمة لبنان ..
خيرالله خيرالله
بعد أيام قليلة تكون مرت سنتان على حرب صيف العام 2006، الحرب الإسرائيلية الأخرى والتي قد لا تكون الأخيرة على لبنان. أنها مناسبة لامتلاك حد أدنى من الشجاعة للاعتراف بأن لبنان خرج خاسراً من هذه الحرب التي لم تجرّ عليه سوى الويلات، بل أعادته ثلاثين عاماً الى خلف في أقل تقدير. هل من يريد أن يفكر ملياً في النتائج التي ترتبت على الحرب التي تسبب بها "حزب الله" الذي كان يعرف من دون شك كيف سترد إسرائيل على أي خرق لما يسمى "الخط الأزرق" وهو خط اتفاق الهدنة بين لبنان والدولة العبرية. ربما كان "حزب الله" يتوقع ذلك. توقع مثل هذا الرد الإسرائيلي على لبنان نظرا الى أنه كان يراهن على أن الدولة العبرية ستدمر مشروع الإنماء والإعمار، أي المشروع الذي أعاد الحياة الى لبنان والذي من دونه لا مستقبل للوطن الصغير. من دون الإنماء والإعمار، هناك فقط مستقبل للبؤس في لبنان. مستقبل لأحزاب بائسة تتغذى من المذهبية وتعتبر البؤس والبائسين حلفاء لها. ليس صدفة أن يكون "حزب الله" لم يجد من يتحالف معه ويوفّر له غطاء لارتكاباته في حق لبنان واللبنانيين غير ميشال عون وأمثاله من المستعدين لأن يكونوا أدوات للأدوات.
من لم يكن يتوقع مثل هذا الرد على قتل جنود إسرائيليين وخطف جنديين عند "الخط الأزرق" يستغبي اللبنانيين ويحسبهم جميعا في المستوى العقلي للنائب ميشال عون الذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بفهم التوازنات الأقليمية بدليل رهانه على صدّام حسين وياسر عرفات عند خوضه ما أسماه "حرب التحرير" في العامين 1988 و1989. اللبنانيون ليسوا في هذا المستوى المتدني من الثقافة السياسية في أي حال من الأحوال وذلك مهما ساءت الظروف في البلد وفي محيطه. ولذلك، كان هناك من حذّر "حزب الله" مسبقا من الأقدام على مغامرة من نوع خرق "الخط الأزرق" الذي تعتبر الأمم المتحدة أن إسرائيل انسحبت الى خلفه تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الأمن في العام 1978 من القرن الماضي.
دفع لبنان واللبنانيون غالياً ثمن ما أقدم عليه "حزب الله". ليس هناك من يرفض الاعتراف بأن الحزب قدم تضحيات كبيرة وأنه لعب دورا كبيرا، بل حاسما، في اجبار إسرائيل على الأنسحاب من جنوب لبنان في أيار من العام 2000 تنفيذا لوعد أيهود باراك الى الناخبين الإسرائيليين قبل فوزه في الانتخابات التي واجه فيها بنيامين نتانياهو. لا يمكن إلا الإنحناء أمام اي شهيد لبناني سقط في مواجهة العدو الإسرائيلي من أجل تحرير الأرض. ولكن لا يمكن في الوقت نفسه إلا الإعتراف بأن اللبنانيين ليسوا بالغباء الذي يظنه حزب الله". اللبنانيون يفهمون لغة الأرقام. يعرفون قبل أي شيء آخر كم فوتت عليهم حرب صيف العام 2006 من الفرص. يعرفون كم عدد اللبنانيين الذين هجّرتهم هذه الحرب من لبنان. من يريد رقما يعطي فكرة عن عدد الذين هاجروا منذ تحقيق "حزب الله" ما يسميه "الانتصار الإلهي"، يستطيع الاكتفاء بأن عدد اللبنانيين في دولة قطر كان قبل صيف العام 2006 نحو سبعة آلاف شخص. الآن هناك نحو خمسين ألف لبناني في قطر وحدها. لا يمكن الا شكر قطر على استقبالها هذا العدد الكبير من اللبنانيين. كذلك، لا يمكن الاّ الإعتراف بأن اللبنانيين في دول الخليج العربية يبقون قريبين من لبنان. ولكن ليس ما يمنع من التساؤل لماذا هاجر لبنانيون من لبنان جراء "الانتصار الإلهي"؟ هل من ينتصر في معركة أو حرب يدفع بشعبه الى الهجرة.
من يعترف بأن حرب صيف العام 2006 كان هزيمة ساحقة ماحقة للبنان، هزيمة لا تشبه سوى ذلك المهزوم أبدا الذي لم يفعل سوى تهجير اللبنانيين، والمسيحيين خصوصا، من أرضهم منذ وطأت قدماه قصر بعبدا في العام 1988، يستطيع الإقدام على عملية نقد للذات. لا بدّ من امتلاك حدّ أدنى من الجرأة والشجاعة للأقدام على مثل هذه العملية. مثل هذه العملية تقتضي الإعتراف أوّلا بان احتلال الوسط التجاري في بيروت كان استمرارا للحرب الإسرائيلية على لبنان، كذلك إغلاق مجلس النواب لمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. من طوق السرايا الحكومية لإسقاط حكومة فؤاد السنيورة كان يعمل لمصلحة إسرائيل من حيث يدري أو لا يدري. كان يريد الإنتقام من الحكومة التي قاومت إسرائيل في أثناء الحرب وتصدّت لها. لا يحتاج فؤاد السنيورة الى شهادة في الوطنية لا من "حزب الله" ولا من أدواته.
لم تنتصر إسرائيل في حرب صيف العام 2006، اللهم إلا إذا كان هناك من يريد تصوير عملية تبادل الأسرى والجثث بين إسرائيل و"حزب الله" بأنها انتصار من نوع ما! نعم، انتصر "حزب الله". لم ينتصر على إسرائيل. انتصر على لبنان الذي لا يزال يلملم جراحه ويحاول تأكيد أنه وطن يستحق الحياة في مواجهة الهجمة التي يتعرض لها من المحور الإيراني ـ السوري. ما يؤكد هذا الكلام أن الإنتصار على إسرائيل لا يمكن أن يقود الى "غزوة" لبيروت ولا يمكن أن يقود قبل ذلك الى تغطية هجمة عصابة شاكر العبسي الإرهابية على الجيش اللبناني انطلاقا من مخيّم نهر البارد. لو كان هناك انتصار حقيقي لما صدر القرار الرقم 1701 الذي أغلق نهائيا جبهة جنوب لبنان في وجه ميليشيا "حزب الله" التابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني. أخيرا، لو كان هناك انتصار لبناني حقيقي في صيف العام 2006، لما كان على "حزب الله" متابعة عملية الهروب الى أمام. عملية هروب أدت الى فتنة شيعية ـ سنية تمثّل أكبر خدمة يمكن أن تؤدى لإسرائيل. هل من معنى لمثل هذا النوع من الانتصارات؟
تعليق