بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا التجمع الأخوي الذي يريد أن يصدح بلسان المسلمين في العالم، أود أن أبدأ حديثي بحمد الله و شكره، حمداً لك اللهم على نعمة المعرفة و التوحيد و العبودية و المحبة. حمداً لك اللهم على أخوة الإسلام، و على تكريم الإنسان، و على تعليم الصبر و التوكل، و على التوصية بالإحسان و المروءة.
و أصلي و أسلم على محمّد المصطفى صلّى الله عليه و آله عبدك و رسولك الذي نشر راية التوحيد و العدل و رفع صوت تكريم الإنسان، فحرره من عبودية كل شيء و كل شخص سواك. و أسلّم على آل بيته الطيبين و صحبه المنتجبين و من اهتدى بهداهم، و على جميع عباد الله الصالحين .
و أرحب ترحيباً أخوياً من الصميم بكل الضيوف الأعزاء قادة و زعماء العالم الإسلامي و رؤساء الوفود و كل الأعضاء و الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة و الأمين العام لهذا المؤتمر و سائر الضيوف الأجلاء.
أيّها الأخوة و الأخوات! لقد تجمعتم الآن في بيت من بيوت الإسلام و قاعدة من قواعده، و مضيفكم و ان كان هو رئيس الجمهورية رسمياً، فان كل إيراني يرى نفسه مضيفاً لكم في بلد الإيمان.
أيّها الأعزّة! جمعنا هذا ليس جمع أصحاب ربطتهم مصالح معينة و تستطيع مصالح أخرى يوماً أن تفك رباطهم.. لا، نحن إخوة ربط بيننا القرآن رباطاً أبدياً ليس له انقطاع، و جعل منا رغم الفواصل التاريخية و الجغرافية و السياسية جسداً واحداً هو الأمة الإسلامية . لقد اعتنقنا هذه الرابطة من يوم أن اعتنقنا الإسلام و ليس أمامنا خيار آخر. الاختلافات و الخلافات بل حتى النزاعات ليست سوى غبار يمس وجه هذه الحقيقة و يمكن غسله بزلال الحكمة و العقل و الحلم.
لنتطلع إلى هذا التجمع العظيم و هذا اللقاء التاريخي بهذا المنظار كي نستطيع أن نستثمره لصالح شعوبنا و أمتنا الإسلامية الكبرى.
أيّها الإخوة! أيّها الأعزاء! حديثي في افتتاح هذا المحفل أركزه على ثلاثة موضوعات لأخرج منه بنتيجة، و هذه الموضوعات هي: الإسلام، و الأمة الإسلامية، والمؤتمر الإسلامي و آفاق المستقبل.
الإسلام في فجر بزوغه و في يومنا هذا طريق نحو عالم جديد مقرون بحياة سعيدة تتضمن كل ما يتطلبه صلاح الإنسان و فلاحه. آلام البشر الأصلية التي سعى الإسلام لإزالتها كانت على مر العصور و الأزمان و لا تزال واحدة لا تتغير، و هي: الفقر، و الجهل، و ألوان التمييز، و النزاعات، و انعدام الأمن، ثم الوقوع في شراك المادية و الخصال الدنيئة.
و الإسلام دين الإنسانية و الاعتدال و التعقل و التسليم أمام إرادة ربّ العالمين. و هكذا كان شأن كل الأديان دون شك قبل أن تمسها يد التحريف. لذلك قدم الدواء لهذه الأدواء الإنسانية بطريقة عقلانية لا يشوبها الإفراط و لا التفريط، و دعا الإنسان إلى الذكر و التضرع و الارتباط الداخلي برب العالمين، و علمه و أوصاه أن يكافح الشرور و العدوان و الظلم و الفساد، و أن يواجه باستمرار ما في نفسه من جموح الذات و الأنانية و استفحال الأهواء .
أحكام الإسلام الأساسية تبلورت بهذا الشكل، و منهج الإسلام للحياة الفردية و الاجتماعية و الأخلاقية و السياسية نما من هذه الجذور.
و على هذه الأسس بالذات و لمعالجة تلك الأدواء المزمنة الدائمة يقيم الإسلام نظامه السياسي حيث العدالة الاجتماعية، و الحريات المختلفة، و السلام العادل، و مكافحة الظلم و العدوان، و العلاقات بين الجنسين، و العلاقات بين كل أفراد المجتمع و بين المجتمعات، و هكذا تزكية النفس، و العلاقة الداخلية بين الإنسان و ربه.
البشرية اليوم - رغم الظواهر البراقة الجذابة المعيشية - تعاني من نفس الآلام التي عانت منها على مر التاريخ؛ أكثر شعوب العالم فقيرة و تسيطر أقلية قليلة على أكثر ثروات المعمورة .. أكثر الشعوب محرومة من التطور العلمي، و تتخذ فئة علمها وسيلة للسيطرة على غيرهم. . لظى الحروب تستعر في بقاع عديدة من العالم و يتوجس الناس في غيرها خيفة من اندلاعها، و التمييز بين بلدان العالم على الساحة العالمية و بين الطبقات في أغلب البلدان ظاهرة مشهودة.. مادية الغرب تكتسح الأجواء، و إغراءات المال و البطن و الشهوة طغت على النفوس، ثم إن مظاهر الصفاء و البساطة و السماحة و الإيثار قد تركت مكانها في قسم عظيم من العالم للخداع و التآمر و الحرص و الحسد و البخل و لغيرها من الخصال الدنيئة.. العالم تطور بشكل واسع و سريع في حقول العلم و التقنية لكن الأدواء المزمنة القديمة لا تزال تفتك بالبشر، و العقبات الأساسية لا تزال قائمة دونما تغيير.
الليبرالية الغربية و الشيوعية و الاشتراكية و غيرها من المدارس جربتها البشرية و ثبت فشلها، و الإسلام اليوم - كما في السابق - هو شاطئ النجاة و البلسم الوحيد، و صوت الإسلام اليوم لا يزال كما كان قبل أربعة عشر قرناً يدعو البشرية، إذ يقول: (قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم).
المهم الكشف عن الوجه الناصع للإسلام و معرفته. جهود الأعداء الحقودين خلال قرون التقت مع تصرفات الأصدقاء الجهلة الغافلين خلال قرون أطول لتشوه وجه الإسلام النير، و لتزيد عليه أو تنقص منه عن غرض أو عن ذوق جاهل. و لإن كانت الأذواق المريضة و المصالح الدنيوية لا تزال تفعل فعلها في تعتيم صورة الإسلام من قبل أهله، فان الهجوم الإعلامي لأعدائه يزيد على ذلك بكثير بطرق مدروسة خبيثة.
أحد محاور هذه الجهود الضخمة التي يبذلها الأعداء في هذا المجال هو الهجوم الإعلامي الشرس الضاري على إيران الإسلام بعد إقامة دولة الإسلام في هذا البلد. و للتعتيم على نداء هذه الثورة الكبرى جندوا طاقاتهم لتوجيه التهم لها و نشر الأخبار الكاذبة عنها . ما قالوه كذباً عنا و ما نسبوه إلينا أصبح بسبب تكراره مملاً ثقيلاً على الأسماع
و كان أكثر المرجفين نشاطاً الصهاينة و وسائل الأعلام الصهيونية العالمية المعروفة و عملاء الاستكبار، و فاقهم جميعاً الأمريكيون! أي كل أولئك الذين تضرروا من هذه الثورة أكثر من غيرهم.
أيّها الإخوة المسلمين انطلاقاً من هذا، فإن مهمتنا الكبرى هي معرفة الإسلام و نشره و ترسيخ ما بيننا من أواصر التعارف.
الأمة الإسلامية هي الثمرة الأولى لنهج الإسلام السياسي الإنساني.. هذه الأمة بدأت من مدينة النبي على منوّرها أفضل الصلاة و السلام، و شقت طريقها بصورة مدهشة إعجازية نحو تكونه الكمي و النوعي. لم يمض نصف قرن على هذه الولادة المباركة حتى ضرب الإسلام بجراته في ما يقرب من نصف أصقاع الحضارات القديمة المجاورة، أعني إيران و روما و مصر. ثم بعد قرن أقامت حضارة باهرة و حكومة عزيزة مقتدرة في قلب العالم تمتد من سور الصين شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً و أحراش سيبيريا شمالاً و المحيط الهندي جنوباً.
في القرنين الثالث و الرابع الهجريين و ما بعدهما قامت حضارة باهرة لا تزال بركاتها العلمية و الثقافية مشهودة بوضوح في الحضارة العلمية الراهنة. و لئن حاول المغرضون الغربيون في سردهم لقصة تاريخ العالم و الحضارة ان ينظروا بعين الإجمال و الإهمال لهذه النهضة العلمية و الحضارية العظيمة، و أن يؤرخوا للعلم بدء باليونان و الرومان و ينتقلوا مباشرة إلى النهضة الأوربية حتى و كأن الموت عفا على العلم و الحضارة لألف سنة ثم عاد إلى الحياة من النهضة الأوروبية فجأة!! لكن الحقيقة أن القرون الوسطى كان عصر جهل و ظلام و وحشة للغرب و أوروبا فقط، و كانت للعالم الإسلامي بأصقاعه التي تفوق أوروبا أضعافاً و تمتد من الأندلس حتى الصين، عصر سطوع و يقظة و عروج علمي.
الهدف من هذه العودة إلى التاريخ ليس تفاخراً بالماضي، بل الهدف هو التأكيد على أن الطاقة التي أوجدت هذه الحضارة متمثلة بالإسلام، و معارفه الحياتية لا يزال بين ظهرانينا و ينادينا بقوله: (يا أيّها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول و إذا دعاكم لما يحييكم) . الإسلام أثبت قدرته على دفع أبنائه نحو الاعتلاء المدني و العلمي و العزة و الاقتداء السياسي. الإيمان و المثابرة و الحذر من التفرقة شروط ثلاثة لازمة لتحقق هذا الهدف الكبير، و القرآن يعلمنا بقوله: (و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، و بقوله: (و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين)، و بقوله: (و أطيعوا الله و رسوله و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا إن الله مع الصابرين).
عدم توفر هذه الشروط الثلاثة ساق الأمة الإسلامية اليوم إلى وضعها المؤسف. خلال القرنين الماضيين على الأقل كان للأعداء المتربصين المخططين و بعض الحكومات الإسلامية الهزيلة إلى جانب عوامل و ظروف تأريخية و سياسية مختلفة السهم الأوفى في إيجاد هذا الوضع، و نحن اليوم نرث هذه التركة الثقيلة.
في هذا التجمع الأخوي الذي يريد أن يصدح بلسان المسلمين في العالم، أود أن أبدأ حديثي بحمد الله و شكره، حمداً لك اللهم على نعمة المعرفة و التوحيد و العبودية و المحبة. حمداً لك اللهم على أخوة الإسلام، و على تكريم الإنسان، و على تعليم الصبر و التوكل، و على التوصية بالإحسان و المروءة.
و أصلي و أسلم على محمّد المصطفى صلّى الله عليه و آله عبدك و رسولك الذي نشر راية التوحيد و العدل و رفع صوت تكريم الإنسان، فحرره من عبودية كل شيء و كل شخص سواك. و أسلّم على آل بيته الطيبين و صحبه المنتجبين و من اهتدى بهداهم، و على جميع عباد الله الصالحين .
و أرحب ترحيباً أخوياً من الصميم بكل الضيوف الأعزاء قادة و زعماء العالم الإسلامي و رؤساء الوفود و كل الأعضاء و الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة و الأمين العام لهذا المؤتمر و سائر الضيوف الأجلاء.
أيّها الأخوة و الأخوات! لقد تجمعتم الآن في بيت من بيوت الإسلام و قاعدة من قواعده، و مضيفكم و ان كان هو رئيس الجمهورية رسمياً، فان كل إيراني يرى نفسه مضيفاً لكم في بلد الإيمان.
أيّها الأعزّة! جمعنا هذا ليس جمع أصحاب ربطتهم مصالح معينة و تستطيع مصالح أخرى يوماً أن تفك رباطهم.. لا، نحن إخوة ربط بيننا القرآن رباطاً أبدياً ليس له انقطاع، و جعل منا رغم الفواصل التاريخية و الجغرافية و السياسية جسداً واحداً هو الأمة الإسلامية . لقد اعتنقنا هذه الرابطة من يوم أن اعتنقنا الإسلام و ليس أمامنا خيار آخر. الاختلافات و الخلافات بل حتى النزاعات ليست سوى غبار يمس وجه هذه الحقيقة و يمكن غسله بزلال الحكمة و العقل و الحلم.
لنتطلع إلى هذا التجمع العظيم و هذا اللقاء التاريخي بهذا المنظار كي نستطيع أن نستثمره لصالح شعوبنا و أمتنا الإسلامية الكبرى.
أيّها الإخوة! أيّها الأعزاء! حديثي في افتتاح هذا المحفل أركزه على ثلاثة موضوعات لأخرج منه بنتيجة، و هذه الموضوعات هي: الإسلام، و الأمة الإسلامية، والمؤتمر الإسلامي و آفاق المستقبل.
الإسلام في فجر بزوغه و في يومنا هذا طريق نحو عالم جديد مقرون بحياة سعيدة تتضمن كل ما يتطلبه صلاح الإنسان و فلاحه. آلام البشر الأصلية التي سعى الإسلام لإزالتها كانت على مر العصور و الأزمان و لا تزال واحدة لا تتغير، و هي: الفقر، و الجهل، و ألوان التمييز، و النزاعات، و انعدام الأمن، ثم الوقوع في شراك المادية و الخصال الدنيئة.
و الإسلام دين الإنسانية و الاعتدال و التعقل و التسليم أمام إرادة ربّ العالمين. و هكذا كان شأن كل الأديان دون شك قبل أن تمسها يد التحريف. لذلك قدم الدواء لهذه الأدواء الإنسانية بطريقة عقلانية لا يشوبها الإفراط و لا التفريط، و دعا الإنسان إلى الذكر و التضرع و الارتباط الداخلي برب العالمين، و علمه و أوصاه أن يكافح الشرور و العدوان و الظلم و الفساد، و أن يواجه باستمرار ما في نفسه من جموح الذات و الأنانية و استفحال الأهواء .
أحكام الإسلام الأساسية تبلورت بهذا الشكل، و منهج الإسلام للحياة الفردية و الاجتماعية و الأخلاقية و السياسية نما من هذه الجذور.
و على هذه الأسس بالذات و لمعالجة تلك الأدواء المزمنة الدائمة يقيم الإسلام نظامه السياسي حيث العدالة الاجتماعية، و الحريات المختلفة، و السلام العادل، و مكافحة الظلم و العدوان، و العلاقات بين الجنسين، و العلاقات بين كل أفراد المجتمع و بين المجتمعات، و هكذا تزكية النفس، و العلاقة الداخلية بين الإنسان و ربه.
البشرية اليوم - رغم الظواهر البراقة الجذابة المعيشية - تعاني من نفس الآلام التي عانت منها على مر التاريخ؛ أكثر شعوب العالم فقيرة و تسيطر أقلية قليلة على أكثر ثروات المعمورة .. أكثر الشعوب محرومة من التطور العلمي، و تتخذ فئة علمها وسيلة للسيطرة على غيرهم. . لظى الحروب تستعر في بقاع عديدة من العالم و يتوجس الناس في غيرها خيفة من اندلاعها، و التمييز بين بلدان العالم على الساحة العالمية و بين الطبقات في أغلب البلدان ظاهرة مشهودة.. مادية الغرب تكتسح الأجواء، و إغراءات المال و البطن و الشهوة طغت على النفوس، ثم إن مظاهر الصفاء و البساطة و السماحة و الإيثار قد تركت مكانها في قسم عظيم من العالم للخداع و التآمر و الحرص و الحسد و البخل و لغيرها من الخصال الدنيئة.. العالم تطور بشكل واسع و سريع في حقول العلم و التقنية لكن الأدواء المزمنة القديمة لا تزال تفتك بالبشر، و العقبات الأساسية لا تزال قائمة دونما تغيير.
الليبرالية الغربية و الشيوعية و الاشتراكية و غيرها من المدارس جربتها البشرية و ثبت فشلها، و الإسلام اليوم - كما في السابق - هو شاطئ النجاة و البلسم الوحيد، و صوت الإسلام اليوم لا يزال كما كان قبل أربعة عشر قرناً يدعو البشرية، إذ يقول: (قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم).
المهم الكشف عن الوجه الناصع للإسلام و معرفته. جهود الأعداء الحقودين خلال قرون التقت مع تصرفات الأصدقاء الجهلة الغافلين خلال قرون أطول لتشوه وجه الإسلام النير، و لتزيد عليه أو تنقص منه عن غرض أو عن ذوق جاهل. و لإن كانت الأذواق المريضة و المصالح الدنيوية لا تزال تفعل فعلها في تعتيم صورة الإسلام من قبل أهله، فان الهجوم الإعلامي لأعدائه يزيد على ذلك بكثير بطرق مدروسة خبيثة.
أحد محاور هذه الجهود الضخمة التي يبذلها الأعداء في هذا المجال هو الهجوم الإعلامي الشرس الضاري على إيران الإسلام بعد إقامة دولة الإسلام في هذا البلد. و للتعتيم على نداء هذه الثورة الكبرى جندوا طاقاتهم لتوجيه التهم لها و نشر الأخبار الكاذبة عنها . ما قالوه كذباً عنا و ما نسبوه إلينا أصبح بسبب تكراره مملاً ثقيلاً على الأسماع
و كان أكثر المرجفين نشاطاً الصهاينة و وسائل الأعلام الصهيونية العالمية المعروفة و عملاء الاستكبار، و فاقهم جميعاً الأمريكيون! أي كل أولئك الذين تضرروا من هذه الثورة أكثر من غيرهم.
أيّها الإخوة المسلمين انطلاقاً من هذا، فإن مهمتنا الكبرى هي معرفة الإسلام و نشره و ترسيخ ما بيننا من أواصر التعارف.
الأمة الإسلامية هي الثمرة الأولى لنهج الإسلام السياسي الإنساني.. هذه الأمة بدأت من مدينة النبي على منوّرها أفضل الصلاة و السلام، و شقت طريقها بصورة مدهشة إعجازية نحو تكونه الكمي و النوعي. لم يمض نصف قرن على هذه الولادة المباركة حتى ضرب الإسلام بجراته في ما يقرب من نصف أصقاع الحضارات القديمة المجاورة، أعني إيران و روما و مصر. ثم بعد قرن أقامت حضارة باهرة و حكومة عزيزة مقتدرة في قلب العالم تمتد من سور الصين شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً و أحراش سيبيريا شمالاً و المحيط الهندي جنوباً.
في القرنين الثالث و الرابع الهجريين و ما بعدهما قامت حضارة باهرة لا تزال بركاتها العلمية و الثقافية مشهودة بوضوح في الحضارة العلمية الراهنة. و لئن حاول المغرضون الغربيون في سردهم لقصة تاريخ العالم و الحضارة ان ينظروا بعين الإجمال و الإهمال لهذه النهضة العلمية و الحضارية العظيمة، و أن يؤرخوا للعلم بدء باليونان و الرومان و ينتقلوا مباشرة إلى النهضة الأوربية حتى و كأن الموت عفا على العلم و الحضارة لألف سنة ثم عاد إلى الحياة من النهضة الأوروبية فجأة!! لكن الحقيقة أن القرون الوسطى كان عصر جهل و ظلام و وحشة للغرب و أوروبا فقط، و كانت للعالم الإسلامي بأصقاعه التي تفوق أوروبا أضعافاً و تمتد من الأندلس حتى الصين، عصر سطوع و يقظة و عروج علمي.
الهدف من هذه العودة إلى التاريخ ليس تفاخراً بالماضي، بل الهدف هو التأكيد على أن الطاقة التي أوجدت هذه الحضارة متمثلة بالإسلام، و معارفه الحياتية لا يزال بين ظهرانينا و ينادينا بقوله: (يا أيّها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول و إذا دعاكم لما يحييكم) . الإسلام أثبت قدرته على دفع أبنائه نحو الاعتلاء المدني و العلمي و العزة و الاقتداء السياسي. الإيمان و المثابرة و الحذر من التفرقة شروط ثلاثة لازمة لتحقق هذا الهدف الكبير، و القرآن يعلمنا بقوله: (و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، و بقوله: (و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين)، و بقوله: (و أطيعوا الله و رسوله و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا إن الله مع الصابرين).
عدم توفر هذه الشروط الثلاثة ساق الأمة الإسلامية اليوم إلى وضعها المؤسف. خلال القرنين الماضيين على الأقل كان للأعداء المتربصين المخططين و بعض الحكومات الإسلامية الهزيلة إلى جانب عوامل و ظروف تأريخية و سياسية مختلفة السهم الأوفى في إيجاد هذا الوضع، و نحن اليوم نرث هذه التركة الثقيلة.