إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

استشهاد الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) للمقدس الغريفي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • استشهاد الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) للمقدس الغريفي

    صدر لسماحة آية الله السيد أبو الحسن حميد المقدّس الغريفي (دام ظله) بيان ((استشهاد الإمام موسى الكاظم (ع)))
    """""""""""""" إليكم نص البيان """"""""""""""
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
    السلام على المعصومين الأربعة عشر
    السلام على صاحب العصر والزمان .
    السلام عليكم يا انصار الحجة (عج) في كل مكان
    ورحمة الله وبركاته .
    ((ولِكَيْ لا تضيع كركوك ))
    قال تعالى : ((فَنَقَّبُواْ فِي البِلادِ هَلْ مِنْ مَّحيصٍ)) ق/36 . صدق الله العلي العظيم.

    في دراسة موضوعية شاملة للوضع العراقي وتداعياته السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية ... وفي خِضَمِّ تجاذبات الكتل السياسية في محاور عِدَّة كان وما يزال أبرزها هو موضوع الفدرالية كنظام مطروح على الساحة العراقية بالرغم من كونه ثبِّتَ في الدستور، وقد تَعَرَضْتُ له في بحث مختصرٍ تحت عنوان ( الفدرالية من منظور فقهي) طرحت فيه رأياً فقهياً صريحاً وفق ما ثبت لدينا من دليل ، ولذا ينبغي مراجعة هذا البحث والإطلاع على تفاصيله ، وليس بخافٍ على أحدٍ إنَّ الكثير من النتائج التي توصلنا إليها في حساباتنا قد حصلت في ظرف أقل من سنة بسبب تداعيات الدعوة إلى تطبيق هذا النظام الفدرالي في عموم العراق وتَخَوُّف الشعب من آثاره السلبية على الوضع العراقي العام وخصوصاً أنَّه طُبِّق في شمال العراق تطبيقاً قومياً وطائفياً انفصالياً في واقعه كما سيأتي الحديث عنه ، وهذه الحسابات والنتائج لم تستند على أسس وهمية أو تكهنات غيبية بل اعتمدت على مقدمات حاصلة وموجودة على الساحة العراقية ولها واقع محسوس ، ولذا كانت النتيجة واضحة لا غبار عليها ، ولا زالت الأحداث تتفاعل في عموم محافظات العراق ليتمخض عنها مقترحاً للسيناتور جوزيف بايدن عضو الكونغرس الأمريكي يكشف فيه عن النوايا المبيَّتة للعراق ومضمون اقتراحه الذي يطلب تحصيل موافقة الكونغرس عليه من أجل حَلْ مشاكل العراق ، والحَلُّ برأيهِ هو : أن يُقسَّم العراق إلى ثلاث دول في الشمال والوسط والجنوب ، وللأسف لاقى هذا المقترح استحساناً صريحاً وترحيباً من قبل الأخوة الأكراد الحاكمين في شمال العراق وعلى لسان الرئيسين الكُرديين جلال الطالباني و مسعود البارزاني وباقي أعضاء حكومة شمال العراق لكون هذا الرأي يتوافق مع طموحات الأكراد بحسب قولهم ، وصار طرف آخريستخدم التأويل في كلام (بايدن) الصريح ليقول : أنَّ المراد من مقترحه هو الفدرالية الموجودة في دستورنا العراقي وليس التقسيم الذي نرفضه ، وهذا التأويل يُخالف فَهْم رئيس الوزراء نوري المالكي وكثير من السياسيين العراقيين الذين أدانوا صريحاً مقترح السيناتور الداعي للتقسيم ، وكأنَّ هذا التأويل يُريد أن يُحسِّن الصورة ويُبعد شبح التهمة وخطورة الموقف بأنَّ مطلب الفدرالية في العراق يُمكن أن يقع ضمن هذا المخطط الآني أو المستقبلي لتقسيم العراق لا سامح الله ، وطرف ثالث يرى أنَّ الفرصة غير مناسبة لإقامة هذا النظام الفدرالي ونحن في ظل الإحتلال ولا نملك سيادة تؤهلنا للحفاظ على وحدة العراق واستقراره ، وطرفٌ رابع يرى أنَّ الفدرالية العراقية وفق النموذج المُطبَّق في شمال العراق هو التقسيم بعينهِ ، ولذا يجب تحديد المفهوم الصحيح والمناسِب وضبط معالمه وحدوده وآليات العمل به وفق ضوابط رصينة وثابتة لا تخلُّ بوحدة العراق في أرضه وشعبه وسياساته الداخلية والخارجية واقتصاده و.... وطرفٌ خامِسٌ رفض هذا المشروع جملة وتفصيلا لأسبابٍ كثيرة وعرضَ بدلَهُ توسيع صلاحيات مجالس المحافظات بما لا يؤثر على وحدة السياسة مع المركز العاصمة ، ومع ذلك فإنَّ الموجود في الدستور والمطروح على الساحة العراقية وتطبيقات الأكراد له في شمال العراق ليس نظاماً فدرالياً وإنَّما هونظام كنفدرالي أقرب ما يكون إلى الدولة المستقلَّة إنْ لم تكن هي فعلاً دولة مستقلّة لها أرضها وشعبها ومصالحها وسياستها الداخلية والخارجية على حَدِّ تعبيراتِهِم ولكنَّها ترتبط بالمركز العاصمة فقط مؤقتاً وبخيط رفيع فيما يجلب لها مصالحها الخاصّة ويُحقق أهدافها الستراتيجية كما هو واقع ، فيكون أنَّ الأخوة الأكراد يطمحون في استكمال مطاليبهم وتحقيق كامل إرادتهم من خلال الحكومة العراقية ويستغلّون الظروف العصيبة التي يمرُّ بها العراق للضغط على الحكومة من أجل تحقيق دولة كردستان الكبرى التي توفر لهم دولة مستقلة ومنفصلة قابلة للحياة بضم كركوك النفط إليهم وجزء من محافظة الموصل وجزء من محافظة ديالى ، وجزء من محافظة الكوت وصلاح الدين ....إلخ على نحو تدريجي وبهذا تصبح أرض كردستان تُمَثِّل على الخارطة العراقية ما يُقارب نصف العراق وبتقادم الزمن وتغير هذا الجيل يحصل التطبيع على دولة كردستان المستقلة المنفصلة شأنها شأن الكثير من الدول المتولدة بهذه الطريقة ، ولكنَّنا نقول : إنَّ التعاون لإنجاح هذا المشروع المتكامل الخطير أو التسهيل لضم كركوك إلى الأخوة الأكراد تحت أيِّ ذريعة يكون خارجاً عن إر ادة الشعب العراقي ومنافياً لمصلحة الوطن ، لأنَّ العراق وذرّات ترابه غير خاضعة للبيع والشراء والمساومة بين السياسيين في تحالفاتهم ومصالحهم الفئوية أو الرضوخ للضغوط الخارجية أو الداخلية ، ونتمنى أن يكون الجميع فوق مستوى الشبهات ، وأمّا ما يُمكن أن يتذرع به السياسي هو أنّ قضية كركوك تبحث دستورياً وهي خاضعة للمادة(140) المثبتة في الدستور وعلى هذا الأساس يتم التصويت عليها ، ولكن هذه ذريعة غير مستوفية لشروطها وليست منسجمة مع واقع كركوك ولا تخدم مصالحها الحقيقية ، ولَمَّا كانت المادَّة الدستورية ليست نصَّاً قرآنياً يجب التعبد به ، والجميع يعلم أنَّ الدستور إنّما تمَّ التصويت عليه بنحوٍ إجمالي وليس بنحو تفصيلي والضرورة دعت لذلك لدعم العملية السياسية وتذليل العقبات أمامها من أجل أن لا يختطفها الإحتلال والإرهاب ومِنْ أجِل إخراج المُحتل وليس إبقاءه تحت أيِّ ذريعة ، ومع ذلك فإنَّ النزاع والصراع بين الأكراد والتركمان والعرب وباقي الأقليات مع تدخل دولة تركيا بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا النزاع حول هوية كركوك ومشروع انضمامها إلى اقليم كردستان العراق وما يلزم عن ذلك من تحديد التعداد السكّاني لأهالي كركوك ومعرفة هويتهم والسعي للتغيير الديموغرافي للسكّان وما تقوم به جميع الأطراف المختلفة من تهيأة أسباب ومقدمات هذا العمل مع استغلال هذا الموقف للقيام بعمليات التهجير والتصفية والتفجيرات والتلاعب والتزوير بالحساب والعدد السكّاني كما حصلت عمليات التزوير في التصويت السابق أثناء الإنتخابات النيابية في مراكز كركوك والمثبّت في لجنة المفوضية العليا للإنتخابات ، كما ويُستغل هذا النزاع أيضاً من قبل الإرهابيين والنفعيين والمُحتلِّين لتحقيق مآرب شيطانية تضر بمصالح كركوك ، لذا ومن أجل درأ المفاسد العظمى التي تطال جميع العراقيين وخصوصاً أبناء محافظة كركوك العراق الذين هم أحباؤنا وأبناؤنا واخواننا وشركاؤنا في الوطن بلا تمييز بين طوائفهم ومذاهبهم وقومياتهم وبما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا التي لا تدرك واقعاً أو تنال بالتصويت على قضية كركوك كما هو مخطط لها ، لأنَّ نتائج التصويت مهما كانت نزيهة ولو على النحو الجدلي لا تكون سبباً لحل النزاع والخصومة بل قد تكون سبباً لتعقيدها ، ولو كان التصويت هو الحل لما حصل نزاع وخصومة حول مواد كثيرة من الدستور أو حول سير العملية السياسية وهيكلية الحكومة مع أنَّه قد تمَّ التصويت عليها فتأمل ، وكذلك تأجيل انتخابات المجالس المحلية في كركوك إلى وقتٍ آخر لغرض استكمال بعض الإجراءات الشوروية العامَّة والخاصَّة أوالتهرب من هذه العقدة والدخول في التسويف والمماطلة أو لأجل عقد مساومات وصفقات بين القوى السياسية فإنَّ جميع ذلك لا يُشكِّل حلاًّ دستورياً ولا وطنياً ، بل هو مما يُفَرِّع على الأزمة أزمات فتدبر ، هذا وبسب تأخير معالجة المادة الدستورية(140) أو الغاؤها فقد تداخلت الأمور في طرح تطبيق المادَّة(140) و تزامنها مع وقت انتخابات المجالس المحلية في عموم العراق ، ولذا اقترح السياسيون عدَّة معالجات لقضية كركوك منها :
    أولاً : تطبيق المادّة(140) من الدستور وبالنتيجة يتم التصويت على انضمام كركوك لإقليم كردستان وهو مطلبٌ كردي ، والنتيجة في هذا الأمر معلومة ومحسومة مسبقاً لصالح الأخوة الأكراد وبأيِّ طريق كان .
    ثانياً : أن تخضع كركوك لإقليم خاص بها يضم جميع القوميات والأديان ، وهذا ضَرْبٌ من الجنون ، حيث ستصبح كركوك ملعباً مفتوحاً لتفجير طاقات كل القوى وأرباب المصالح وبالتالي سيخسرها العراق وسيخسر أبناء كركوك محافظتهم .
    ثالثاً : تُقَسَّم كركوك إدارياً وفق محاصصة لكل المكونات القومية وبإدارة مجلس المحافظة وبنسَب يتوافقون عليها بحيث تصبح كركوك عبارة عن ممالك وولايات صغيرة أي كنفدراليات داخل كنفدرالية وما أدراك ماهي ؟ نار حامية .
    وهذه طروحات غير صائبة بل هي قنابل موقوتة تستهدف العراق بكركوك وأبنائها ، ويغفل السياسيون عن كون كركوك محافظة يشترك فيها جميع العراقيين كما هو حال باقي المحافظات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ، ولذا ينبغي أن تخضع محافظة كركوك فيما هو الرأي الراجح إلى العاصمة لتوحيد أبنائها ودرأ الخطر عنهــا ، ويتم تعديل المادّة الدســتوريـة(140) فيها أو إلغاؤها أو تفسيرها بما ينسجم وواقع مرجعيتها إلى العاصمة ويكون إلغاؤها أفضل من ترقيعها ، وتكون نسب أعضاء مجالس المحافظة متساوية بين القوميات الثلاث أو بما يمنع طغيان وتسلط أحدهما على الآخر مع مراعاة حقوق الأقليات ويكون الجميع على المحك الوطني الذي يستكشف النوايا الحقيقية للجميع، ويكون هذا الموقف الخلافي محفزاً للجميع لكي لا يتركوا المواد الدستورية المتنازع عليها بلا حلول سليمة ولكي لا تكون مبرراً ومسوّغاً وذريعة لظهور المستبدّين الديكتاتوريين في المستقبل فينسفوا الدستور جملة وتفصيلا ، هذا وأنَّ مَنْ كتَبَ الدستور ليس بمعصوم كما أنَّ الدستور لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعا ولا يحمي نفسه وإنَّما الشعب هو من يحمي الدستور إذا توفرت لديه القناعة الكاملة فيه والتي تحصل بموافقة موادِّه وبنوده لإرادة الشعب الطالبة للعدل والإنصاف ، ولذا قامت لجنة كتابة الدستور بتغيير واعادة بعض بنود الدستور مراعاةً لمتطلبات الحياة العراقية والتي يجب أن تكون قضية كركوك جزءاً من هذا التغيير . هذا ومن جملة المخاطر أنَّ الأخوة الأكراد وبالرغم مِنْ كونهم لم يُعلنوا انفصالهم رسمياً عن العراق ولم تكن الفرصة لهذا الأمر حاصلة لوجود بعض المتعلقات والعوائق الداخلية والخارجية ولتصفية وَحَل قضية المناطق المختلف عليها جغرافياً والتي يصطلحون عليها الأراضي المتنازع عليها وكأنَّهُم دولة غريبة في مُقابل دولة أخرى يتفاوضون فيما بينهم لحل قضايا الأراضي المتنازع عليها ، والأكثر من ذلك أنَّ إقليم كردستان في شمال العراق أسَّسَ وزارة خاصَّة لمتابعة هذا الشأن بإسم (وزارة الأراضي المتنازع عليها) ومع كُلِّ ذلك أنَّهُمْ يتصرفون في هذه الأراضي وكأنَّها تحت سيطرتهم فعلاً مِنْ خلال تدخلاتهِم وبسط نفوذِهِم إضافَة إلى أنّهم أنشأوا عقوداً لأستثمار النفط والغاز وَصَلَ عددها إلى السبعَة عشر عقداً مع شركات عالمية نفطية مشاركة في الإنتاج غالبيتها شركات غير معروفة لتعمل في مناطق كردستان وفي أجزاء خارجة عن حدودهم الجغرافية من أراضي الموصل وديالى وصلاح الدين وكركوك والكوت من دون علم الحكومة العراقية ، وفي هذه التصرفات والتجاوزات والمطالبات التي لا تنتهي ينكشف للجميع أبعاد الخطر الشامل على مصالح الشعب العراقي عموماً ولمنافاة ذلك للعدالة وللسياسة العراقية التي يجب أن تكون موحدة في إطار المصلحة العليا للوطن ، كما يُعَدُّ هذا تلاعباً وتجاوزاً على حقوق الشعب العراقي ، إضافة إلى أنَّ التصرفات الكيفية عموماً مِن بعض المسؤولين الأكراد وعلى مستوى عالٍ والكاشفة عن عدم مبالاتِهم بالآخرين وعدم الشعور بالمسؤولية إتجاه الشعب العراقي والأمَّة العربية والإسلامية عموماً بشأن قضية فلسطين المركزية ومحاربة إسرائيل لشعوب المنطقة والإضرار بها وانتهاك جميع الحقوق الإنسانية والمقدَّسات ...إلخ كما قد حصلَ في موقف الرئيس العراقي جلال الطالباني الكردي القومية وقيامِهِ بمصافحة الإسرائيلي إيهود باراك وزير الحرب الإسرائيلي على هامش مؤتمر الإشتراكية الدولية المُنعَقِد في أثينا (اليونان) عام2008م نهاية حزيران ، وقد سَبَقَهُ لهذا العمل المُشابه وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الكردي عندما صافح المسؤول الإسرائيلي في مجلس الأمم المتحدة وكذا حضور السفير العراقي الكردي لدى الأمم المتحدة الإحتفال الصهيوني حول المحرقة اليهودية " الهولكوست" ، إضافة إلى تجرأ حكومة كردستان بمطالبة الحكومة العراقية بالتوقيع على وثيقة مماثلة لوثيقة اعلان المبادئ مع الولايات المتحدة الأمريكية في حينِها لكون رئيس الوزراء المالكي وقع تلك الوثيقة مع الرئيس الأمريكي بوش لإعلان المساواة والنِدِّية بين حكومة الإقليم وحكومة المركز ، وكذلك في حديث صحفي لرئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني وقوله : لا مانع لدينا أن توجد قنصلية لإسرائيل في كردستان إذا ارتأى العراق أن يفتح سفارة في بغداد . وهذا يعني أنّه لا مانع لديه في المبدأ من إقامة هذه العلاقة في جهة استقلاليتهِ لولا العراق ، وهذا الإنفتاح الكردي نحو إسرائيل وبما لا نعلم ما يدور خلف الكواليس وعدم إلتزامهم بسياسة موحدة مع حكومة المركز وعدم مبالاتِهم لإرادة الشعب العراقي وشعوب المنطقة أمرٌ ينبغي على الشعب العراقي أن يُعلن رفضه الصريح لتلك المواقف كما أنَّ على الحكومة الوطنية أن لا تستهين به ولا تجد له ذرائعاً وهمية فهو أخطر من الإرهاب على العراق فكونوا حذرين من التساهل والتسامح والتدرج في العلاقة الذي يؤدي إلى فرض سياسة الإستسلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني مستقبلاً حتى لو كان صورياً ، وهو أمرٌ يَخِلُّ بشرعية وعدالة ووطنية العاملين على ذلك . إذن المعاملات الكردية وعلاقاتهم والمطالب الكثيرة التي لا تنتهي إلى حد تحتاج إلى نَفَس وطني شجاع من أجل المصارحة والمكاشفة معهم وبلا حياء أو تردد كما هُم يفعلون ذلك من أجل إيقافهم عند حدود معينة لكون بعضها يؤدي إلى التمييز العرقي وتقسيم البلاد والبعض الآخر يدخل في دائرة الفساد والأمر الثالث تدرجَهم بتطبيع العلاقة مع إسرائيل ...إلخ ، وللأسف أنَّهُم إضافة إلى ذلك أصبحوا يؤسِّسون لأدبيات دولة الأكراد القومية المستقلة باستعمال ألفاظ ومصطلحات وقوانين تمييزية وعرقية كقولهم مصلحة الشعب الكردي وحقوقهِ واستثماراتهِ وحدوده الجغرافية وعلاقاته الخارجية ودستوره .... إلخ ومن ثَمَّ تأسيسه لوزارة الأراضي المتنازع عليها ليتم بهذا ممارسة نفس الوضع الذي يعيشه العرب في نزاعهم مع إسرائيل حول الأراضي ، في حين أنَّ العراق أرضه واحدة من الشمال إلى الجنوب وليس فيه إلاَّ شعباً واحداً وهو الشعب العراقي الذي يضم بين حدوده كل أطيافِه الدينية والمذهبية والقومية ، والإختلاف فيهم لا يمنحهُم حق الإستقلال والإنفصال ولو صورياً حتى بلفظة الشعب الكردي أو الشعب التركماني أو الشعب العربي لأنَّ هذا يؤسِّس للتمييز العرقي بين أبناء البلد الواحد الذين تربطهم جميعاً روابط كثيرة مشتركة ومتجذرة ، ودعوى أنَّ هذا السلوك في ظل نظام فدرالي بهذه الصورة يُخَلِّصنا من الديكتاتورية المستبدة التي عانينا منها على طول الزمن والتي نرفض الرجوع إليها بأيِّ حالٍ من الأحوال هي دعوى واهمة وباطلة ، لأنَّ هذا النظام الفدرالي هو من يؤسِّس لتقسيم العراق وهو مَنْ يؤسِّس لإيجاد ديكتاتوريات مستبدّة على رأس كل إقليم فتتعدد القيادات الحاكمة المستبدة وكُلٌّ يحمل حُجَجَهُ و ذرائعه ومُبرِّراته القانونية والدستورية للعمل بالإستبداد الواقعي داخل إقليمهِ ، ويصبح الشعب العراقي مُشتتاً طائفياً وقومياً واثنياً ويبقى مظلوماً ومتفرجاً ويصبر على الألم والإضطهاد والمعاناة قهراً ، وهنا لابد من القول أيضاً : أنَّ الدولة بجميع أجهزتها التشريعية والتنفيذية والقضائية والجهات المتنفذة فيها إن لم تتدارك الوضع لمعالجة هذه القضايا وحسمِها فإنَّها ستكون وفي ظل هذه السياسات مسؤولة بل ستكون هي مَنْ تفسح المجال لخلق أسباب المعاناة والظلم والتشتت والتقسيم لتسامحها في هذه الأمور من دون علاج جذري لها، ومع كُلِّ ما قرأتموه وغيره الكثير فإنناَّ نسمع اليوم مراراً وتكراراً القول بأنَّ التجربة الفدرالية الكردية ناجحة في شمال العراق ، ولكن هذا تصورٌ خاطئ لأنَّ مقياس النجاح لا يُضبط من خلال بسط نفوذ بعض الأحزاب على الإقليم وتحقيق بعض مشروعهم القومي الذين يُطالبون دائماً بإستكماله من خلال استكمال مقومات انفصالهم الكُلِّي عن العراق على حساب مصلحة الشعب العراقي والسياسة الوطنية العادلة والأرض والموارد النفطية والمائية التي يجب أن تستوعب جميع البلاد ، وعليه فالنجاح هو ما يجب أنْ يشمل خيره لجميع العراقيين وليس لقومية أو طائفَةٍ محددة وفي أرضٍ منعزلة ، بل هذا دليل فشل ويؤكده ما ذكرناه من بعض سلوكياتهم و خروقاتهم للدستور وانعزالِهم ضمن سياسة خاصَّة ورفضِهم لمشاركة باقي العراقيين من العرب والتركمان ... في وظائف حكومية داخل إقليم كردستان وفق نظرةٍ قومية ، وكذا رفضَهم للأكراد الفيلية للتمثيل النيابي والتوزير في حكوماتهم وفق نظرة مذهبية لكون (الفيلية) من الأكراد الشيعة ، وفي المقابل يشترك الأخوة الأكراد السنَّة مع باقي إخوتهم العراقيين في جميع مؤسسات ودوائر الدولة العراقية وبأرفع المستويات الوظيفية ، وهذا ترسيخ فاضح للبُعد القومي والمذهبي ، إضافة إلى إلحاحهم اللامشروع لضم الكثير من مناطق العراق إلى إقليم كردستان ليكون تحت نفوذهم السلطوي الرسمي وكذلك مواقفهم العملية السلوكية من مجاملة قادة الكيان الصهيوني وإلى الكثير من المفردات السلبية والمؤاخذات الجماهيرية عليهم ، فكيف يأمن ويطمئن العراقيون بما فيهم أهالي كركوك إلى تسليم كركوك إلى الأخوة الأكراد تحت أيِّ ظرف وهم يسيرون وفق مخطط أيديولوجي يتنافى مع المصالح العامَّة للبلد ؟! وهذا جميعه هو دليل فشل لهذه التجربة الفدرالية وليس دليل نجاح فيما يزعمون ، ومن هنا نهيب بالشعب العراقي والحكومة والمجلس النيابي والكُتل السياسية الوطنية أن لا يسمحوا بتضييع هوية كركوك العراقية فإنَّها ليست كردية ولا تركمانية ولا عربية بل هي عراقية ولكلِّ العراقيين وعلى الجميع أن يرفض كُلّ المساومات الإنتهازية والتحالفات السياسية الهادفة لتطبيع الوضع فيها لمصلحة أيِّ قومية فيها لأنَّ هذا يُعَدّ ظُلماً وجُرْماً في حق الشعب العراقي ، ولذا على الدولة العراقية أيضاً أنْ تمنع حصول أي تغيير ديموغرافي في كركوك طمعاً في فوز الإنتخابات القادمة لمجالس المحافظات أو غيرها من أجل كسب ما يطمح إليه الأكراد من تكريد هوية كركوك وضمَّها إلى الإقليم ضمن مشروعهم التوسعي القومي ، ولذا نؤكد على ضرورة خلق توازنات توافقية مشروعة بين جميع الأطراف وبآليات مدروسة حكيمة لضمان صيرورة عائدية كركوك إلى جميع العراقيين وتحت إشراف حكومة المركز العاصمة وإدارة مجلس محافظة كركوك المتساوي في نسبة أعضائه بين العرب والأكراد والتركمان ، مُضافاً لما ذكرنا فإنَّ مسلكية إقليم شمال العراق وللأسف الشديد أنَّهُم كلَّما شعروا بضيق وخناق استنجدوا بالحكومة العراقية ، وكلَّما عاشوا برخاء وهدوء تجدهم منفصلين عن الواقع العراقي ليعيشوا في عالمهم الخاص ، وهذه بوادر لممارسات هي من المؤكد خطيرة ولو في المستقبل . وعلى كلِّ حال فإنَّ دعوى أنَّ هذا النظام الفدرالي يُوفر لهم الحماية والأمان ويضمن لهم الحقوق ويُحقق لهم الخلاص من الديكتاتورية المركزية واستبداد سلطات المركز كما كان على عهد الأنظمة السابقة فهي دعوى وتخوّف لا يعدوا كونه احتمالاً ضعيفاً لم يستند إلى أمر واقعي وخصوصاً وهم في ظل وضع قد حققوا فيه مكاسباً وانجازاتٍ كثيرة على صعيد الحاكمية والنفوذ والمال منذ تسعينات القرن العشرين وبرعاية الأُمم المتحدة وفي ظِل نظام البعث الصدَّامي المقبور ، إضافة إلى أنَّ هذا الإحتمال الضعيف يُقابله احتمال أقوى وهو حصول ديكتاتورية في سلطة الإقليم الفدرالي فنكون قد هربنا من ديكتاتورية النظام المركزي إلى ديكتاتورية النظام الفدرالي في الأقليم ولعدم وجود ضمانة حقيقية تمنع من حصول ذلك ، وخصوصاً فيما لو كانت المناخات غير مكيَّفة والإستعدادات غيرجيِّدة والحقوق غير متوازنة والنظام غير متكامل والأهلية غير متوفرة ليفرز عن ذلك كلِّه صراع داخل الإقليم بين القوى المتنازعة والمتنافسة على المناصب والمكاسب وبالتالي يتم اللجوء إلى القوَّة والقهر لرؤية كُلٍّ طرفٍ منهم أنَّهُ هو الأولى والأصلح للقيادة والحُكم فترتكب لذلك مفاسد كثيرة وتنتهك حرمات كبيرة تحت مبرّرات ومسوِّغات مصطنعة وبإسم القانون وشرعية النظام الدستوري الفدرالي ، وهذا عمَلٌ وأسلوب استبدادي تسلطي ديكتاتوري فيكون منطقهم حينئذٍ داخل الأقاليم هو الحكم للأقوى وليس للأفضل . فتكون دعوى الخلاص من الديكتاتورية المركزية دعوى في غير محلِّها لوجود أساليب متعددة وطرق متنوعة للخلاص من الديكتاتورية تكون مشروعة وهي أسلَم وأقرب إلى الواقع من إقامة نظام فدرالي في عموم العراق ، والذي هو في واقعه نظام كنفدرالي وهي تسمية أدق وأصح لإرجاع الأمور إلى مسميَّاتها الحقيقية ، ثمَّ كيف تتسرب الديكتاتورية إلى نظام حكم ديمقراطي دستوري وهم على قمَّة هرم السُلطة ؟ !!! ، ثُمَّ كيف نتخوَّف من تسلُط الديكتاتورية من جديد ونحن في ظل نظام دستوري ديمقراطي ؟! ، إذن لابد من وجود خلَلٍ كبير في ديمقراطية العراق والقوى اللاعبة على ساحتهِ ولذا يُثار هذا التخوِّف من عودة السياسة الديكتاتورية ، ثمَّ لو تسلط الديكتاتور في ظل النظام الفدرالي على حكومة المركز الضعيفة واغتصبها تحت أيِّ عنوان أو على أحد الأقاليم فإنَّه حتماً لا يستأذن ولا يترخص من الشعب في ممارساته الطغيانية ولا يلتزم بمواد الدستور ولا يمنعه النظام الفدرالي من ذلك ، وإذا صارالأمر بهذا الحال فإنَّه سيخلق المشاكل الداخلية والخارجية أو يُحارب وحينئذٍ لا تسلم الأقاليم من شرِّه حتى لو أعلنت انفصالها أو أغلقت حدودها وكذا الحال فيما بين الأقاليم ونكون قد وقعنا فيما نحذر منه ونخاف ، وحينئذٍ فالإقليم لا يُحقق مبتغاه فيكون إحتمال تسلط الديكتاتور على الحُكم ومؤسسات الدولة قائم بنسبةٍ متساوية سواء كان النظام فدرالياً ليحصل التسلط في الإقليم أو المركز العاصمة أو كان نظام الدولة غيرالفدرالي وبالتالي لا يكون الإقليم وغيره في حصنٍ حصين لأنَّ نوع النظام الإداري ليس له مدخلية واقعية في منع تسلط الطغاة كما ليس من شأنِه جلب الأمن والقوَّة بل الشعب الواعي والقيادة الوطنية العادلة الأمينة المراعية لشؤون ومصالح الشعب هُمَا مَنْ يجلبا ذلك ، إضافة إلى أنَّ النظام الفدرالي يُضيِّع على الأكثرية في بلدنا فرصة حاكمية جميع العراق بوطنية وعدالة واستقلال وفق قواعد النظام الوضعي الديمقراطي ، كما أنَّهم يُصبحون مُحاصرين ومهددين بالفتن والصراعات والسقوط داخل إقليمهم فينعكس هذا الضعف أو السقوط على الطائفة أو المذهب أو القومية وهذا من أخطر النتائج التي تُهدِّد العراق وشعبه ، والحديث في هذا المجال طويل وعميق . وأما ما يدور على لسان بعض السياسيين من استعراض مزايا النظام الفدرالي وتشبيهه بنظام دولة الإمارات العربية المتحدة وكذا الولايات المتحدَّة الأمريكية وغيرها فهذا غير صحيح للفرق الشاسع بينهما في الظروف وفي طبيعة تأسيس هذا النظام ، لأنَّ هذه الأنظمة العالمية الفدرالية إنَّما بُِنيَت بالإتساع وتقوية أواصر بلدانها اجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وغير ذلك من الفوائد الكثيرة التي تجنيها من اتحاد هذه الإمارات والولايات والدول ذات السيادة المستقلَّة والمتجاورة والراغبة بمحض إرادتها للإتحاد ، وهذا يختلف عن النظام الفدرالي في العراق المبني على التجزأة والتضييق للبلد الواحد وفي ظل سيادة منقوصة إن لم نقل معدومة والتقسيم الحاصل وفق الطبيعة الجغرافية لمناطق العراق التي يتمحورأبناؤها وقادتها بسياسة طائفية أوعرقية من أجل الدفاع عن حقوق أبرز عنوان يجمعهم وهو المذهب أو القومية ولإستمكان ذلك في نفوسهم بما لا يمكن التهرب من هذه الحقيقة حتى لو صرخ الجميع برفض الطائفية والعنصرية فإنَّ الواقع السلوكي يفرض نفسه على الساحة كما حصلَ في الإنتخابات والحكومة والمُحاصَصة والتعيينات الوظيفية والمكاسب المتنوعة الأخرى ، ومما يزيد في توليد الحسّاسيات والنعرات انحصار كل طائفة أو قوميّة في إقليم ليترسخ ويتجذر فيهم البعد العصبي والطائفي وبالتالي يُضعف القدرة المجموعية للبلد الواحد ويتم تشتيتها في اطار سياسات طائفية أو عنصرية أو ديكتاتورية أو انفصالية أوعميلة أو غير متعاونة ....إلخ ليتغلب هذا الطابع السلبي المعيَّن على مسيرة أبناء كل طائفة أو مذهب أو قومية ليحرصوا على هويتهم وانتمائهم الضيِّق دون الحرص على الإنتماء للوطن والمشتركات العامّة بين الجميع أو يكون الحرص الوطني بنسبة ضعيفة لا يرقى إلى المستوى المطلوب أو إلى حد الوسط فيؤثر هذا سلباً على المسيرة العامَّة في البلد ، وبهذا نكون قد ساهمنا في تأسيس وتحقيق مقدمات المشروع الصليبي الصهيوني في العراق ، إضافة إلى ذلك كلِّه هو ما يترشح اليوم عن الأهداف الأمريكية في العراق في ممارساتها لبعض التطبيقات العملية لتقوية المشروع الأمريكي الإستراتيجي في المنطقة ليخدم مصالحها الخاصّة كما هي الرغبة بعقد اتفاقية أمنية طويلة الأمَد مع الحكومة العراقية تُشَرِّع لهم البقاء في العراق ، وكذلك إبرام عقود استثمارية للنفط والغاز طويلة الأمد تكون هي مشاركة في الإنتاج الوطني وكذلك الحال في تشكيل (الصحوة) لتعمَل معَهُم ضِمْنَ شبكة تجسّسية واسعة النطاق وميليشيا شعبية ضاربة من داخل الشعب وكيان سياسي جديد وكُلُّ هذا يجري وفق دعوى حماية مصالح العراق ومحاربة الإرهاب ، ولكنَّ هذه الصحوة تختلف دوافعها عن الدوافع التي من أجلها أسّست الحكومة صحوة الأنبار ، ومن الجدير بالذكر أيضاً أن نشير إلى ما تضمنه خطاب الرئيس الأمريكي بوش في2008/1/30 م من أنّ هذه السنة الجديدة(2008م) ستشهد في العراق حروباً ومعاركاً دامية و فعلاً قد حصلت كما في محافظة البصرة ومدينة الصدر وبعض محافظات ومدن العراق . وحتماً أنَّ كثيراً من أسباب وآليات وأدوات هذه الحروب هِي بيد قوَّات الإحتلال كفى اللهُ العراقيين شرَّهُم ووجودهم في العراق ، وحفظ الله العراق ووحدته أرضاً وشعباً ، وفرَّجَ اللهُ عن كركوك أزمتها وفتح لها أُفُقاً عادلاً بما يضمن سلامتها ووحدتها والتصاقها بالعراق الحبيب الذي يستوعب الجميع عرباً وكُرداً وتركماناً وكذا باقي الأقليات ، ونود أن نُشير هنا إلى أنَّ ما نطرحه في هذا البيان وغيره إنَّما يصدر بدافع الحرص على الوطن وشعبه وقد كفل الدستور للعراقيين ذلك ، ولا ينبغي تفسيره على نحو سلبي إتجاه أيِّ طائفة أو قومية أو كتلة سياسية ، لأنَّ المطلوب من الجميع في عراق ما بعد الطاغوت أن يُساهموا في بناء عراق مُوَحَّد جديد ولو بكلمة صادقة ونصيحة هادفة وحركة فاعلة وابتكارٍمتقدّم يسير نحو الوحدة والسلام والإزدهار، والإختلاف في الطروحات ووجهات النظر إنَّما يخدم المسيرة ويفتح آفاقاً واسعة ويكشف عن حلول ناجعة ويختصر الزمن ويطرد الآفات المفجعة ويمنع من الوقوع في الخطأ و الإستبداد. ونسأل الله تعالى تعجيل الفرج لصاحب العصر والزمان منقذ البشرية ومخلصها من الدجل والبدع والإختلاف والظلم والإستبداد ....آمين ربّ العالمين .

    ابو الحسن حميد المقدس الغريفي
    النجف الاشرف
    15/رجب/1429 هـ

  • #2
    عنوان موضوعك لا يتطابق مع مضمون موضوعك

    مكان موضوعك في المنبر الحر لان هذا القسم للحوارات العقائدية


    بالتوفيق

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم
      الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا
      محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
      السلام على المعصومين الأربعة عشر ،
      السلام على صاحب العصر والزمان
      الحجة المنتظر (عج) ورحمة الله وبركاته .
      السلام عليكم يا انصار الحجة (عج) في كل مكان ورحمة الله وبركاته.
      [ استشهاد الإمام موسى الكاظم (C)]
      قال تعالى:(الذين يُنفقونَ في السرّاء والضرّاء والكاظمين الغيظَ والعافين عن الناس والله يُحبُّ المحسنين)آل عمران/134.
      بالرغم من المعاناة المستمرة و الآلام الشديدة والضغوطات الواسعة والمواقف الظالمة والإجراءات القمعية من قبل سلاطين الجور وبطانتهم الفاسدة ونفاق الانتهازيين النفعيين التي تمارس بحق الشعوب منذ فجر التأريخ وإلى يومنا هذا إلاّ أنّها لم تكن قادرة على منع العناصر الرسالية من السمو الدائم نحو الكمال وإصرارهم على الدعوة إلى الله سبحانه والتأثير في الجماهير ، لأنَّ هذه العناصر في حركتها الإنسانية المعطاء إنَّما تسير في خطٍ معلوم مؤدي إلى الله تعالى وهو سالك ومنتج سواء على الصعيد الدنيوي أو الأخروي ، وفي طبيعة حركتها أيضاً أنَّها تترك خلفها نوازع النفس الأمّارة بالسوء وقواها الغضبية والشهوانية وترفض الانحدار والوقوع في مستنقعات الإثم والرذيلة لتثبت للعالم أنّ المسيرة الجهادية في علاقات الناس فيما بينهم ينبغي أن تتحرك وفق أهداف سامية نبيلة تُبنى على أساس متين من التقوى والتعاون والسعي الجاد نحو الخير لتسود الفضيلة وينتصر الحق وتُحفظ الحقوق وتُصان الحُرمات ، وبالتالي فإنّ قوّة الارتباط الإيماني بالله سبحانه والأنس الحقيقي بالمحبوب الخالق جعل توجه الأنبياء والأوصياء في مقام الاختيار بين الحق والباطل ، وبين الشدّة والرخاء ، وبين الحبس والحرية قولهم (ربِّ السجن أحبّ إلي مما يدعونني إليه ) لأنهم يُدركون طبيعة هذه المقامات فيختارون المقام الشريف والقريب والحبيب إلى الله سبحانه وتعالى وهذا ما أدّى أن يكون يوسُف الصدّيق وموسى الكاظم عليهما السلام في السجن لسنين عديدة من دون خضوعهم إلى أدنى تنازل أو مساومة باطلة في المبدأ والعقيدة والحق عموماً ليكونوا أحراراً في سجونهم ، وهذه النتيجة الظالمة من الحبس والاضطهاد لم تكن عن حالة الاستضعاف الذاتي في شخصيتهما (H) كما يمكن أن يتصوره البعض ، وإنما هو استضعاف جماهيري إزاء مناصرة الحق والعدل ، كما وأنه يكشف عن استكبار الطاغوت وانتهاكه لأبسط حقوق الإنسان في الحرية الشخصية والدينية والتعبير عن الرأي الذي أرست دعائمه وقنّنت مواده كل الشرائع السماوية وحكماء البشر، كما أنَّ السجن لم يؤثر على الدعاة الرساليين في مواصلة عملهم الوظيفي وتحدِّيهم للطغاة بشجاعة وبطولة وإقدام وبوسائل وكيفيات مختلفة ، وكثيراً ما سَجَّلَ التأريخ كيف أن السجناء القادة وعلى رأسهم الإمام الكاظم(C) كانوا يتصلون بالأنصار والأتباع من دون انقطاع لملئ الفراغات القيادية في المجتمعات ولبعث الرسائل وإيصال المكاتبات وغيرها ، ولذا تجد العالم الحُر المناضل والمدافع عن حقوقه المشروعة في مختلف مجالات الحياة والذي يسعى لاستنقاذ حقوقه وليرفع عن نفسه الظلم والإضطهاد والإستعباد يعترفون برمزية سجناءهم الثوَّار الذين رفضوا كل الإنتهاكات الفكرية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية والعسكرية و...الخارجة عن ميزان العدل والإنصاف ، فهم في قضية واحدة حيث يشتركون في الدفاع عن وجودهم وحقوقهم ، وبإيمانهم وعدالة قضيتهم وشجاعتهم وثقتهم بالله تعالى يرفضون الخضوع والخنوع لإرادة الطغاة المستبدّين فيصنعون لأنفسهم وأجيالهم نُصُباً تذكارية صَمَّاء جامدة يضعوها في مكانٍ عام ترمز إلى قضاياهم ومواقفهم التحررية وآراءهم العادلة الشجاعة الحُرَّة وإن كانوا على خطأ أو انحرافٍ في مساراتٍ أخرى من حياتهم ، وتفترق الشعوب الإسلامية عن غيرها في هذا الأمر هو أنَّ الرموز الإسلامية وخصوصاً ما كان منها على قمة الهرم كالمعصوم (C) تكونحيَّة ولها قدسية وهيبة وتكامل واستقامة في الفكر والمنهج والسلوك وبما يستوعب جميع مفردات الحياة وحيث تنبعث من هذه الرموز أطياف نورانية تتفاعل مع الناس وتُسَدِّدَهُم في حركاتهم ودعواتهم ومطالبهم وتكون لهم أسوة وقدوة كما هو حال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (C) الرمز الحي الشهيد الذي نذهب لزيارته في مرقده المبارك في بغداد ونستلهم منه المعاني والعبر ودروس الحياة الكريمة الحُرَّة ومعرفة التطبيقات الصالحة والاستفادة منها في حركية الأمَّة نحو النهوض والتحرر التي تبدأ بالكفر بالطاغوت ومن ثمَّ السير إلى دعوة الطغاة إلى الله تعالى وتبليغهم بالالتزام بتعاليمه العادلة كما في قوله تعالىفمن يكفر بالطاغوتِ ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى)البقرة/256، وقوله تعالىاذهب إلى فرعون إنَّه طغى . فقُلْ هَل لَّك إلى أن تَزكَّى)النازعات17 ، 18، وقوله تعالىوأمَّا مَنْ طَغَى وآثَرَ الحياة الدنيا . فإنَّ الجحيم هي المأوى)النازعات/37 ، 38 ،39 ، إذن رمزنا الحي (الكاظم) Cمع ما يحمل من مبادئ وقيم وتطبيقات عادلة ينبغي علينا جميعاً أن نستَحضرها في أنفسنا و أمام الجماهير والشعوب ونستذكرها بوعي وصدق وإيمان ونستقوي بها في كل عام ونُعلنها شعيرة وطنية تُصادق عليها الشعوب


      بدمائها كما حدث للشهداء على جسر الأئمة الذي يزيد عددهم على الألف زائر حينما ساروا مشياً على الأقدام لزيارة الإمام الكاظم (C) ونالوا الشهادة في يوم استشهاد إمامهم في 25 رجب على ذلك الجسر ، ومن ثمَّ لتتفاعل إحياء هذه الشعيرة بانسجام وامتزاج مع تلك الروح الحيَّة في مواجهة الظلم والطغيان والإستبداد وكَسر كل القيود التي تحجب الشعوب عن نيل حقوقها وحريتها ، لأنَّ هذا الإمام العظيم الحَي الشهيد هو يشهد ويحضر تلك الجموع الغفيرة المُعزِّية لأنَّه مصداق لقوله تعالى : (وَلاَ تَقولوا لِمَن يُقْتَلُ في سبيلِ الله أمواتٌ بل أحيَاءٌ وَلَكِنْ لاَّ تشعرون) البقرة/154 ، وقوله تعالىولا تحسبنَ الذين قُتلُوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربِّهم يُرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون) آل عمران/169، ومع أداء هذه الوظيفة الرسالية التي تقترن بمزايا الخُلُق السامي في مسلكية المعصومين (E) في إنفاقِهم وعفوهم وإحسانِهم ، حيث أنَّهُم يُدركون حقيقة الإحسان وفاعليته على ديمومة الحياة الكريمة بين الناس وطهارة هذا العمل وأشباهه في تأسيس الألفة والمودَّة والرحمة والمَحبَّة بين الناس التي هي انتفاضة داخلية على النفس لتجريدها من كُل مظاهر الظلم والفساد والطغيان والأنانيةِ والهوى والإرتقاء بها إلى حيث تأمر الشريعة العادلة السمحاء التي يتقرب الإنسان المؤمن من خلالها إلى الله سبحانه وتعالى لتشكل بذلك في الدنيا القوَّة الإيمانية الرادعة للظلم والطغيان ، وقد نَصَّت الآية المباركة التي ذكرناها في صدر البيان على نقاط أربعة هي من المبادئ التي جَسَّدَها صاحب الذكرى الإمام الكاظم (C) رمز أحرار العالم في سجون الطغاة الظالمين وهي :
      1- الإنفاق على الناس بشكل ثابت ومستمر بحيث لا تؤثر على هذا العمل الشريف حالات المنفق المتغيرة من (السرّاء- الرخاء) والضرّاء(الشدّة) ليدل ذلك على أصالة العمل وصدق السيرة رغم تبدل الأحوال في السرّاء والضرّاء ، وهذا الإنفاق والكرم في مختلف الأحوال ينفي صفة البخل والشحّ المقيتة التي تمنع الإنسان من أداء وظيفته الرسالية اتجاه الخالق والمخلوقين وبالتالي تؤدي به إلى حساب عسير نتيجته نار جهنم والعياذ بالله تعالى ، ولذا ورد في الحديث الحث على السعي لفعل الخيرات فهو بمنزلة الإنفاق(الساعي بالخير كفاعله) وفي مقابل ذلك تحكي الآية صورة البخلاء والآمرين بالبخل الذين يبخلون على الناس بالعطاء بل حتى بالكلمة الطيبة لأنهم يسعون بلؤمٍ وخبث لمنع الخيرات وهؤلاء أيضاً من أهل النار والعياذ بالله كما في قوله تعالىالذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) النساء/37 ، وقوله تعالىهَاأنتُم هَؤلاءِ تُدعَوْنَ لِتُنفِقوا فِي سبيلِ اللهِ فَمِنكُمْ مَنْ يبخل وَمَنْ يَبْخَلْ فإنمَّا يبخلُ عن نَّفسهِ والله الغني وأنتم الفقراء)محمد/38 ، ولهذا تجد أنّ الإمام الكاظم(C) يُجسِّد لنا قمّة الكرم والخلق الرفيع والدعوة السامية ، فكان(C) إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرة دنانير ، وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتين دينار ، فكانت صرار موسى مثلاً يُضرَبُ بها بين الناس . وأيضاً كما في حادثة قد اصطنعها الإمام الكاظم(C) للإنفاق من أجل تأليف القلوب وكسب مودة الأعداء ، فهذا شخص من ولد عمر بن الخطاب كان يؤذي أبا الحسن موسى (C) ويسبّه إذا رآه ، ويشتم عليّاً ، فقال له بعض حاشيته يوماً : دعنا نقتل هذا الفاجر .فنهاهم عن ذلك أشد النهي وزجرهم ، وسأل عن ألعمري فذكر أنه يزرع ناحية من نواحي المدينة ، فركب إليه ، فوجده في مزرعة له ، فدخل المزرعة بحماره ، فصاح به ألعمري : لا توطئ زرعنا . فتوطأه (C) بالحمار حتى وصل إليه ونزل وجلس عنده ، وباسطه وضاحكه ، وقال له : كم غرمت على زرعك هذا ؟ قال : مائة دينار ، قال : فكم ترجو أن تصيب ؟ قال : لست أعلم الغيب . قال له : إنما قلت كم ترجو أن يجيئك فيه ؟ قال : أرجو أن يجيء مائتا دينار . قال : فأخرج له أبو الحسن (C) صرّة فيها ثلاثمائة دينار ، وقال هذا زرعك على حاله ، والله يرزقك فيه ما ترجو. قال : فقام ألعمري فقبّل رأسه وسأله أن يصفح عنه ، فتبسم إليه أبو الحسن وانصرف . قال: وراح إلى المسجد فوجد ألعمري جالساً ، فلمّا نظر إليه قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته . فكان الإنفاق سبباً لهداية هذا الإنسان ، وأيضا يكون حال الساعي للخير كحال المنفق في العمل والثواب كما أن عمل الخير لا يحدّه وقتٌ ولا حال مهما تغيرت الظروف ، ولذا ينبغي الحذر من ذرائع البخيل اللئيم الذي يَفرُّ من الجنّة إلى النار فانتبهوا لذلك .
      2- كظم الغيظ ، والكظم في الأصل هو شدّ رأس القربة بعد ملئها فاستعير للإنسان إذا امتلأ حزنا أو غضباً ، والغيظ هيجان الطبع للانتقام بمشاهدة كثرة ما لا يرتضيه ، والحال يكون الإنسان بهذه الصورة وهو يكظم غيظه في صدره ويتجنب الانفعال الخارجي معناه أنه يمتلك قدرة فائقة على التحكم بقواه الغضبية والشهوانية التي تدفعه للانتقام والأفعال الهوائية ، ولذا وصف الإمام موسى بن جعفر(C) بالكاظم لكظمه الغيظ لشدّة ما لاقاه من معانات والآلام واضطهاد وحبس لقسوة السلاطين وكثرة جواسيسهم وانتهاكهم لحقوق الإنسان ، ووضعه في دائرة الاتهام نتيجة التقارير المكذوبة والمفترات عليه ، وهذا ناتج من خوف السلاطين وزبانيتهم على حكمهم وسلطانهم من الإمام (C) رغم حركيته في تقية مكثفة حتى صارت الرواية عنه خوفاً عليه وعلى أصحابه بذكر لقبه أو كنيته أو صفته كالعبد الصالح والكاظم والصابر وأبي الحسن وغيرها ، وهذا يعني أنّ الإمام (C) كان يعمل سرّاً لتوعية الجماهير ونشر مبادئ الإسلام الصحيح وفتح آفاق ثقافية عالية لمقاومة الفساد والشبهات والانحراف وتحصين المؤمنين فصار القدوة والأسوة في كظم الغيظ .
      3- العفو عن الناس ، الذي يستند على قواعد رصينة يمتلكها الإنسان الرسالي في فهمه لطبيعة الإنسان الخطّاء ، ليساعده على تدارك حالة النقص المنبعثة من ارتكابه للخطأ وتوفير فرص الندم والتوبة والعودة إلى الحياة السليمة لتقويم ما انحرف من فهم وسلوك ، والعفو عن الناس يعني رسوخ الرحمة والرأفة في نفس صاحب العفو ، وحجب أو سلخ كل النوازع النفسية الدافعة للانتقام والثأر ما دامت عناصر الصحوة متوفرة من الندم و التوبة وتصحيح العمل ، إذن العفو صفة رحمانية راسخة ومستقرّة في قلوب الرساليين ، وليست حالة انفعالية تذهب وتجيء ، وهذا مما يُروى عن النبي(1) وأهل بيته الكرام في تكامل الأخلاق الفاضلة عندهم ففي قصّة الإمام السجاد (C) مع جاريته حيث يُروى : ان جارية جعلت تسكب عليه الماء يتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجّه فرفع رأسه إليها فقالت : إنَّ الله يقول : والكاظمين الغيظ . قال: قد كظمت غيظي .قالت: والعافين عن الناس قال: قد عفوت عنك . قالت: والله يُحبُّ المحسنين . قال: اذهبي فأنت حرّة .
      4- والله يُحبُّ المحسنين ، والإحسان إلى المسيء تدخل في تكامل العمل الرسالي الذي يفتح نوافذاً مضيئة لرفع العتمة وإزالة كل ما يمكن أن يعلق بالإنسان من رواسب نفسية كالهوى والعصبية والحقد التي ترجع بالإنسان إلى الوراء وتحجب عنه الحركة التكاملية نحو الإمام ، ولذا فالإحسان بعد العفو يُعتبر خاتمة طيبة للأعمال وتتويج لطيف لها كما أنه يكشف عن الكرماء والنبلاء من الناس الذين تتغلب فيهم القوة العاقلة على باقي القوى ، وتتجسد فيهم صورة الإيمان والوعي والإخلاص وتتقدم بهم المسيرة نحو الرقي والتقدم والازدهار .
      إذن نحن نقف أمام سيرة قرآنية متكاملة تتجسد في حركية المعصوم (C) على أرض الواقع ، فهذا الإمام الكاظم (C) ما كان ليُحْبَس ويُضطهد ويُقتل شهيداً مظلوماً إلاّ لكونه يُمثل عنصراً للتحدّي والممانعة الرافضة لقوى الطغيان والاستبداد والظلام ، وليكون رمزاً للعاملين الأحرار الذين يرفضون الخنوع والاستعباد لشياطين الإنس والجن كما هو شأن جميع أئمة أهل البيت (E) الذين هُم دعاة إلى تحرير النفس الإنسانية أولاً من قيود الذل والهوان والهوى وبنفس الوقت هم دعاة إلى تقييدها بما يزينها ويرقى بها إلى السمو والكمال من خلال تكليفها بتحمل مسؤولية الرسالة السماوية التي تُعزّ الإنسان وتحترمه وتأبى عليه الانقياد وراء الشهوات والنوازع النفسية المريضة والآفات الخبيثة التي يحملها الطغاة وأذنابهم من النفعيين الإنتهازيين ، فكان نتاج حركية الإمام الكاظم (C) الحكيمة الهادفة أنه استطاع أن يخترق قصر الخلافة بوزراء وموظفين في العهد العبّاسي من أجل تقويم مسار حاكمية الدولة وإصلاح الفساد بالقدر الممكن خدمة للشعب وتخفيفاً للضغط عليهم وتحسيناً للنظام العام في الدولة مما حدا بالخليفة وجواسيسه الظلمة الكذبة أن يستشعروا وجود هذه الحركة ، فصاروا يتوجسون خيفة من ذلك ، فأخذ الحاكم العبَّاسي هارون يستجيب لمضمون ما يُكتب من التقارير الكثيرة الكاذبة المفتراة على الإمام (C) وأتباعه بأنَّهم دعاة سلطة وحكم ويسعون للثورة أو الإنقلاب على الخليفة ويُعدُّون العُدَّة لذلك من الرجال والأموال والسلاح حتى صار خوف الحاكم العبّاسي هارون يأخذ مأخذا شرِّيراً من الإمام وحاشيته ونفوذه ، فكان خلفاء بني العبّاس كما هو شأن غيرهم من سلاطين الجور يستبقون الأحداث ويصدرون الأحكام الظالمة نتيجة خوفهم من وجود عناصر رسالية قيادية في الشعب تسعى لتغيير الوضع السيء بالكلمة الصادقة والدعوة الخالصة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى ولو بالأقل الممكن ، مما جعل الحكّام الطغاة المستبدين يُفَسِّرون ذلك بالسعي نحو الثورة أو الانقلاب عليهم وإزاحتهم عن الحكم وهذا الخوف الإستباقي اللا مُبَرَّر إنَّما هو من وحي الشيطان وأتباعه وحرصاً على ملذَّاتهم وشهواتهم وسُلطتهم ، كما أنَّه يُمثل أسلوب الجبناء الظلمة الذين يقتاتون على دماء المؤمنين الصادقين بلا سبب شرعي أو عقلائي سوى اعتمادهم على بطانةٍ وصولية منافقة تكتب التقارير الكاذبة لإزاحة ومصادرة وتصفية كل ما يُحتمل أن يكون عائقاً أمام مسيرتهم الضالَّة وتخوفهم الأحمق هذا على مناصبهم ومصالحهم ينبع من أدنى شبهة وريبة ، ولذا أدَّى الحال بالإمام الكاظم (C) أن قامت السلطة العبَّاسية الهارونية بمصادرة حقوقه وحبسه لمدَّةٍ تزيد على العشرة سنوات ومن ثمَّ تصفيته بالسُمِّ . بينما الإمام (C) لم يسعى للوصول إلى الحكم ونيل منصب الخلافة بالرغم من كونه أحقُّ بها من غيره ولكنه مارس دوره الطبيعي الرسالي لبناء الإنسان وتكامله وحفظ الشريعة وأبناءها وقضاء حوائج الناس كما أخذ يؤدّب أصحابه على الخلق الكريم من التواضع واحترام الآخرين وحفظ حقوقهم والسعي لهداية الضالِّين والإقبال الصادق على ربِّ العالمين ، و كما عن محمد بن علي الصوفي قال: استأذن إبراهيم الجمّال رضي الله عنه على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه ، فحج علي بن يقطين في تلك السّنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر فحجبه ، فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين : سيدي ما ذنبي ؟ فقال: حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمّال ، وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك حجب إبراهيم الجمّال . فقلت : يا سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة ؟ فقال : إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك ، واركب نجيباً هناك مسرجاً . قال : فوافى البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمّال بالكوفة ، فقرع الباب وقال : أنا علي بن يقطين . فقال إبراهيم الجمّال من داخل الدار : وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي ؟! فقال علي بن يقطين : يا هذا إن أمري عظيم ، وآلى عليه أن يأذن له . فلما دخل قال : يا إبراهيم إنّ المولى(C) أبى أن يقبلني أو تغفر لي . فقال: يغفر الله لك . فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمّال أن يطأ خدّه ، فامتنع إبراهيم من ذلك . فآلى عليه ثانياً ففعل ، فلم يزل إبراهيم يطأ خدّه ، وعلي بن يقطين يقول : اللهم اشهد ، ثمّ انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر (C) بالمدينة ، فأذن له ودخل عليه فقبله.
      فالإمام موسى بن جعفر(C) ذلك الإنسان الكامل الشهيد المظلوم باب الحوائج الكاظم الصابر الحليم العابد حريٌ بنا أن نقصده ونحجّ إليه في يوم استشهاده ونتظاهر في مسيرة إيمانية تتشح بالسواد حزناً عليه ومواساة لأهل بيته واستذكاراً لمظلوميته لنرفع به راية الأحرار المجاهدين الصابرين بشجاعة وإيمان ليفتح لنا أُفق الإعداد المطلوب ، ولذا نوصي جميع الأحرار بالخروج في مواكب جماهيرية إيمانية في الخامس والعشرين من رجب لإحياء هذه الشعيرة فإنّ في إحياء هذه الشعيرة بإيمانٍ وإخلاصٍ وبما يتطلب من مراسيم هو من دواعي العزّ والكرامة والمُشاركة الواعية للمطالبة بالهدف الإسلامي السامي الذي كان ينشده الإمام (C) والذي ضَحَّى من أجلِهِ إضافة إلى نيل رضوان الله تعالى والفوز بالجنان ، وإلى جميع الموالين نقول : أحسن الله عزاءكم بهذا المصاب العظيم ولا سيما نوجه تعازينا إلى حفيده صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن عجّل الله تعالى فرجه الشريف وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّ اللهم على سيّدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
      ابو الحسن حميد المقدس الغريفي
      النجف الاشرف
      15/رجب/1429 هـ

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

      يعمل...
      X