بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونثني عليه الخير كله ، أهل هو أن يعبد ، وأهل هو أن يحمد ، فله الحمد كله ، وله الشكر كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، علانيته وسره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لحمد في الأولى والآخرة ، وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله رحمة للعالمين ، صلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر المحجلين ، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . . أما بعد :
فمن الصفات القبيحة ، والخصال الذميمة ، والأخلاق الدنيئة التي تحلى بها بعض الناس ، خلق اللعن والسباب ، وهما صفتان لا ينبغي لمسلم أن يتصف بهما ، لأنهما من أنواع الذنوب ، ولا شك أن الذنوب تنقص الأجور ، وتوغر الصدور ، وفيها محق للحسنات وجمع للسيئات ، وإنزال في الدركات .
فلما كان الأمر بهذه الخطورة ، كتبت هذه الورقات مبيناً فيها خطورة اللعن والسباب ، وبيان خطورتهما على من اتصف بهما ، ناصحاً لنفسي ولكل من اطلع عليه من إخواني المسلمين للحذر من مغبة الوقوع في هذه الكبيرة العظيمة .
فأقول متوكلاً على الله ربي ، وهو حسبي ونعم الوكيل .
/ معنى اللعن :
اللَّعْنُ : الطرد والإبعاد من الخير ، واللَّعْنَةُ : الاسم ، والجمع لِعانٌ ولَعَناتٌ . [ مختار الصحاح ] .
/ معنى السباب :
السَّبُّ : الشَّتْم ، ويقال سَبَّه : يَسُبّه سَباًّ وسٍبَاباً .
قيل : هذا مَحْمُول على من سَبَّ أو قاتَل مُسْلما من غير تأْويل .
ولا تسْتَسِبَّ له أي : لا تُعَرِضْه للسَّبِّ وتَجُرّه إليه ، بأن تَسُبَّ أبَا غيرِك ، فيسُبَّ أباكَ .
وقد جاء مفسَّرا في الحديث : " إن من أكبر الكبائر ، أن يسُبَّ الرجُل والِد يه ، قيل وكيف يسُبّ والِدَيه ؟ قال : " يَسُبُّ أباَ الرجُل فيسُبُّ أباهُ وأمّه " [ متفق عليه ] .
/ خطورة اللعن والسباب :
لا شك أن اللسان سبب للنجاة من النار ، أو سبب للوقوع فيها .
ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ترك اللسان على غاربه ، في العصيان والطغيان ، وأنه سبب لانتقاص صاحبه أمام الناس في الدنيا ، ونقيصة وعيب في الآخرة ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ " [ متفق عليه ] ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ! أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ " [ متفق عليه ] ، وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ " [ متفق عليه ] .
وعن أبي الدَّرْدَاءَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [ أخرجه مسلم ] .
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَلَا بِغَضَبِهِ وَلَا بِالنَّارِ " [ أخرجه أبو داود والترمذي ، وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا ، فَعَلَى الْبَادِي مِنْهُمَا مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ " [ أخرجه أبو داود والترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَزَكَاتِهِ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيَقْعُدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " [ أخرجه مسلم واللفظ للترمذي ، وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] ، فهذه خطورة اللسان وما ينطق به من لعن أو سب أو قذف للناس بغير وجه حق ، أن تكون عاقبته أخذ من سيئات غيره فتطرح عليه ثم يطرح في النار والعياذ بالله .
سب الأموات :
إذا مات الميت فقد قامت قيامته ، وقد أفضى لما قدم ، فيجب أن يُدعى له بالمغفرة والرحمة ، إن كان مسلماً ، ولا يجوز أن يُسب أو يُلعن ، لأنه لا يستطيع أن يستزيد من أعمال البر والخير ، بل انقطع عمله من هذه الدنيا ، فهو بأمس الحاجة لمن يدعو له بالرحمة وغفران الذنوب .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا " [ أخرجه البخاري ] .
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ فِي أَبٍ كَانَ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَطَمَهُ الْعَبَّاسُ ، فَجَاءَ قَوْمُهُ فَقَالُوا : لَيَلْطِمَنَّهُ كَمَا لَطَمَهُ ، فَلَبِسُوا السِّلَاحَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ أَهْلِ الْأَرْضِ تَعْلَمُونَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " فَقَالُوا : أَنْتَ " ، فَقَالَ : " إِنَّ الْعَبَّاسَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ ، لَا تَسُبُّوا مَوْتَانَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا " ، فَجَاءَ الْقَوْمُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِكَ اسْتَغْفِرْ لَنَا " [ أخرجه النسائي ] ، فانظروا كيف كانت عاقبة سب الأموات ، لقد كادت أن تكون سبباً لقتال المسلمين ، لأن كل إنسان لا يرضى لأحد أن يلعن قريبه الميت مهما عمل من أعمال ، أو اقترف من معاص ، فهناك رحمة لا تزال معلقة بالقلب لكل قريب ، وهناك غيرة لا تسمح لأحد بأن يتعدى على صاحبها .
/ سب الدهر :
ويقصد بالدهر الأيام والأسابيع والشهور والسنين ، فيحرم سب ذلك ، لأن ما يحصل فيها من خير أو شر فهو بقدر الله تعالى ، وقضاء الله خير لمن تأمل وعرف العقيدة الصحيحة ، فمن سب الدهر فقد سب الله تعالى ، لأن الله هو الدهر ، وهو يقلب الليل والنهار ، وكل شيء بيده سبحانه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ ، بِيَدِي الْأَمْرُ ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ " [ متفق عليه ] .
/ لعن الكفار :
لعن الإنسان المعين لا يجوز بحال لمن هو على قيد الحياة ، لكن من مات وهو كافر فهذا عليه لعنة الله ولا شك في ذلك ، قال تعالى : " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون " [ البقرة 161-162 ] ، وقال تعالى : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون * إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين " [ آل عمران 90-91 ] .
فمن مات من الكفار فيجوز لعنه ، كفرعون وهامان وقارون وأبو جهل ، وغيرهم .
أما لعن المعين الذي هو على قيد الحياة لا يجوز ، إلا أن يعمه ضمن جمع ، فيقول : لعنة الله على الكافرين ، فهذا جائز ، لأن الكافر المعين ربما يسلم فيحسن إسلامه ، وينفع الله به ، فلا يجوز لعنه ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا ، أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ قَالَ مَهْلًا يَا عَائِشَةُ عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ قَالَتْ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ " [ متفق عليه ] .
/ لعن الشيطان :
الشيطان ملعون ، لعنه الله عز وجل في كتابه ، فلا نلعنه ، بل الواجب علينا التعوذ من شره وكيده ، لأن كيده عظيماً ، قال تعالى : " إن يتبعون إلا شيطاناً مريداً لعنه الله " [ النساء 117-118 ] .
ولكن لو لعنه أحد فلا شيء عليه ، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لعنه أيضاً في صلاته ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ ثَلَاثًا ، وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ ، قَالَ : " إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي ، فَقُلْتُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قُلْتُ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ ، وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " [ أخرجه مسلم ] .
لعن أصحاب المعاصي غير المعينين :
المعصية موجودة منذ أن خلق الله تعالى آدم عليه السلام ، حيث أمر الله إبليس بالسجود لآدم فأبى واستكبر وكفر ، فلعنه الله تعالى وطرده من رحمته ، ونهى الله تعالى آدم أن يأكل من الشجرة ، فوسوس له الشيطان وزين له الأكل منها ، فأكل منها ، فأهبطه الله إلى الأرض ، ولكنه تاب إلى ربه وأناب ، فقبل الله توبته ، وكذلك أحد ابني آدم قتل أخاه ، وهي معصية عظيمة ، وأمر منكر خطير ، فالمعاصي موجودة ما وجد ابن آدم .
لكن هناك عصاة موحدين ، يؤمنون بالله تعالى ولا يكفرون به ، فمعاصيهم لا تخرجهم من دائرة الإسلام ، بل هم مسلمون ، ولكن إيمانهم ناقص ، لأن الإيمان يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، فهم تحت مشيئة الله تعالى يوم القيامة ، إن شاء عذبهم ، وإن شاء غفر لهم ، ما لم يستحلوا المعصية ، فغن استحلوا المعصية ، وانتفت الموانع ، فهم كفار والعياذ بالله .
فأما الموحد فلا يجوز لعنه بعينه ، لأنه مسلم .
وأما الكافر فلا يجوز لعنه بعينه ، لأنه ربما أسلم ، ولكن يجوز تعميم اللعن ، كما قال تعالى : " ألا لعنة الله على الظالمين " [ هود 18 ] .
وقال تعالى : " فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين " [ الأعراف 44 ] .
وقال تعالى : " ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين " [ آل عمران 61 ] .
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن أناساً من أصحابي المعاصي غير المعينين ، ولعن بعض قبائل العرب ، ولعن اليهود والنصارى ، ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء والعكس ، وإليك طرفاً من تلك الأحاديث :
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ : " لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا " قَالَتْ : وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا " [ متفق عليه ] .
وعَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عير إِلَى ثور ، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا ، أَوْ آوَى مُحْدِثًا ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ ، وَقَالَ : ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ ، وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ " [ متفق عليه ] .
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ ، وَكَسْبِ الْأَمَةِ ، وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ ، وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ " [ أخرجه البخاري ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا ، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ " [ متفق عليه ] .
والملعونين في القرآن الكريم ، والسنة المطهرة كثيرون جداً ، وقد أفردت لذلك كتاباً ، هو عبارة عن محاضرة ، وعدة خطب ، أسأل الله تعالى أن ينفع بذلك ، وأن يكون خالصاً لوجهه الكريم .
/ لعن المؤمن وسبه :
لا يجوز بحال لعن المؤمن ، مهما عمل من أعمال ، لأن ارتكابه للذنوب لا يخرجه من الملة ، فهو مسلم ولو ارتكب المعصية ، ولكن ينقص إيمانه بارتكاب المعصية ، ولا يجوز لعنه بها ، ومن لعن مؤمناً وهو لا يستحق اللعن ، رجعت اللعنة على صاحبها ، ومعنى اللعن : أي الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى ، واللعن من كبائر الذنوب ، لأنه فيه أذية لمن لُعن ، والله تعالى يقول : " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً " [ الأحزاب 58 ] .
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ " [ متفق عليه ] .
ولا يخفى ما في هذا الحديث من شديد العقاب ، وأليم العذاب لمن لعن مؤمناً ، فمن لعن مؤمناً فكأنه قتله ، والقتل من أبشع الجرائم على الإطلاق ، وهو من أكبر الكبائر والعياذ بالله ، وصاحبه مخلد في النار ، كما قال تعالى : " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً " [ النساء ] .
فكما أن القتل حرام ، فاللعن حرام ، وكما أن القتل كبيرة من كبائر الذنوب ، فكذلك اللعن .
ومن خطورة اللعن لشيء معين ، حديث أَبَي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا ، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا ، رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا ، وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا " [ أخرجه أبو داود ] .
فربما حارت اللعنة على قائلها والعياذ بالله ، فيجب على العبد أن يحفظ لسانه من بذيء القول لا سيما اللعن خاصة ، فإنه سبب للهلاك والدمار ، والحرمان من رحمة الله تعالى .
وعموماً فلعن المسلم حرام بإجماع العلماء .
/ لعن الأنبياء عليهم السلام ، ولعن الصحابة رضوان الله عليهم :
من أخطر أنواع اللعن لعن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أو لعن الصحابة رضي الله عنهم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ " [ أخرجه مسلم ] .
ولا يعلن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رجل لا إيمان عنده .
ومن أكثر الناس لعناً لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الشيعة لأنهم أعداء السنة وأهلها ، وأعداء الحق وأهله ، فعليهم من الله ما يستحقون .
/ لعن الوالدين :
ومن أشد أنواع اللعن ، لعن الرجل والديه والعياذ بالله ، وهما سبب وجوده في هذه الحياة ، وقد قرن الله حقهما بحقه ، وطاعتهما بطاعته فقال سبحانه : " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً " [ النساء ] ، وقال تعالى : " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما
أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريماً " هذه وصية الله تعالى بالوالدين ، طاعتهما وبرهما والإحسان إليهما ، وعدم التعرض لإيذائهما ، ولو بكلمة أف ، وهي كلمة مكونة من حرفين ، فكيف بمن يلعن والديه ، لهو من أشد المخاطر ، وأسوأ النتائج ، ومن لعن والديه فهو ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَشْتُمَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَشْتُمُ أَبَاهُ ، وَيَشْتُمُ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ " [ متفق عليه ] .
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ الْمَنَارَ " [ أخرجه مسلم ] .
اخوكم :امير الاسلام
الدوله العلائيه الاسلاميه الهاشميه
تعليق