بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
والعن أعداءهم والمجسمة عبدة الشاب الأمرد أجمعين
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
والعن أعداءهم والمجسمة عبدة الشاب الأمرد أجمعين
كثيرا ما تُتهم الشيعة زورا بأنهم يطعنون في عرض السيدة عائشة أم المؤمنين – والعياذ بالله – مع أن الروايات الواردة من طرق الشيعة في هذا المجال لا تصمد أمام النقد السندي أو المتني, كما أن كلمات علمائهم متظافرة في تنزيههن. وفي هذا البحث سأستعرض هذه الروايات مع تعليقات العلماء عليها:
الرواية الأولى:
الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 402 – 403
2 - علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن زرارة عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قلت له : فما تقول في مناكحة الناس فإني قد بلغت ما . تراه وما تزوجت قط ، فقال : وما يمنعك من ذلك ؟ فقلت : ما يمنعني إلا أنني أخشى أن لا تحل لي مناكحتهم فما تأمرني ؟ فقال : فكيف تصنع وأنت شاب ، أتصبر ؟ قلت : أتخذ الجواري قال : فهات الآن فبما تستحل الجواري ؟ قلت : إن الأمة ليست بمنزلة الحرة ( 2 ) إن رابتني بشئ بعتها واعتزلتها ، قال : فحدثني بما استحللتها ؟ قال : فلم يكن عندي جواب . فقلت له : فما ترى أتزوج ؟ فقال : ما أبالي أن تفعل ، قلت : أرأيت قولك : ما أبالي أن تفعل ، فإن ذلك على جهتين تقول : لست أبالي أن تأثم من غير أن آمرك ، فما تأمرني أفعل ذلك بأمرك ؟ فقال لي : قد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تزوج وقد كان من أمر امرأة نوح وامرأة لوط ما قد كان ، إنهما قد كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ، فقلت : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليس في ذلك بمنزلتي إنما هي تحت يده وهي مقرة بحكمه ، مقرة بدينه قال : فقال لي : ما ترى من الخيانة في قول الله عز وجل " فخانتاهما ( 3 ) " ما يعني بذلك إلا الفاحشة ( 4 ) وقد زوج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلانا ، قال : قلت : أصلحك الله ما تأمرني أنطلق فأتزوج بأمرك ؟ فقال لي : إن كنت فاعلا فعليك بالبلهاء من النساء ، قلت : و ما البلهاء قال : ذوات الخدور العفائف .
‹ صفحة 403 ›
فقلت : من هي ( 1 ) على دين سالم بن أبي حفصة ؟ قال : لا ، فقلت : من هي على دين ربيعة الرأي ؟ فقال : لا ولكن العواتق اللواتي لا ينصبن كفرا ولا يعرفن ما تعرفون ، قلت : وهل تعدو أن تكون مؤمنة أو كافرة ؟ فقال : تصوم وتصلي وتتقي الله ولا تدري ما أمركم ؟ فقلت : قد قال الله عز وجل : " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " لا والله لا يكون أحد من الناس ليس بمؤمن ولا كافر . قال : فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : قول الله أصدق من قولك يا زرارة أرأيت قول الله عز وجل : " خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ( 2 ) " فلما قال عسى ؟ فقلت : ما هم إلا مؤمنين أو كافرين ، قال : فقال : ما تقول في قوله عز وجل " إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا " إلى الايمان ، فقلت : ما هم إلا مؤمنين أو كافرين ، فقال : والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين ثم أقبل علي فقال : ما تقول في أصحاب الأعراف ؟ فقلت : ما هم إلا مؤمنين أو كافرين ، إن دخلوا الجنة فهم مؤمنون وإن دخلوا النار فهم كافرون ، فقال : والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين ، ولو كانوا مؤمنين لدخلوا الجنة كما دخلها المؤمنون ولو كانوا كافرين لدخلوا النار كما دخلها الكافرون ولكنهم قوم قد استوت حسناتهم و سيئاتهم فقصرت بهم الأعمال وإنهم لكما قال الله عز وجل . فقلت : أمن أهل الجنة هم أم من أهل النار ؟ فقال : اتركهم حيث تركهم الله قلت : أفترجئهم ؟ قال : نعم أرجئهم كما أرجأهم الله ، إن شاء أدخلهم الجنة برحمته وإن شاء ساقهم إلى النار بذنوبهم ولم يظلمهم ، فقلت : هل يدخل الجنة كافر ؟ قال : لا ، قلت : [ ف ] هل يدخل النار إلا كافر ؟ قال : فقال : لا إلا أن يشاء الله ، يا زرارة إنني أقول ما شاء الله وأنت لا تقول ما شاء الله ، أما إنك إن كبرت رجعت وتحللت عنك عقدك ( 3 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 402 ›
( 1 ) إنما لم يرض الراوي باخباره ( عليه السلام ) بالحق لأنه فهم منه انه يخبره بخلاف رأيه فيفضح عند خصميه ولعله في نفسه رجع إلى الحق ودان به ( في ) .
( 2 ) فرق بين الحرة و الأمة بان الحرة إذا لم توافقه ذهبت بصداقها مجانا مع ما في ذلك من الحزازة بخلاف الأمة فإنه يمكن بيعها وانتقاذ ثمنها . وقوله : " رابتني " من الريب ومعنى قوله ( عليه السلام ) : " بما استحللتها " أنك قبل ان تدخلها في دينك وتكلمها في ذلك كيف جاز لك نكاحها على زعمك فعجز عن الجواب فأشار ( عليه السلام ) بعدم البأس بذلك ( في ) .
( 3 ) التحريم : 9 .
( 4 ) أي الشرك والكفر أو الذنب العظيم .
( 5 ) البلهاء بالفتح مؤنث إبله .
‹ هامش ص 403 ›
( 1 ) في بعض النسخ [ هن ] .
( 2 ) التوبة : 103 .
( 3 ) لا يخفى اشتمال هذا الخبر على قدح عظيم لزرارة ولم يجعله وأمثاله الأصحاب قادحة فيه لاجماع العصابة على عدالته وجلالته وفضله وثقته وورود الأخبار الكثيرة في فضله وعلو شانه وقد قدحوا في هذا الرواية بالارسال وبمحمد بن عيسى اليقطيني .
أقول:
أما سند هذه الرواية فضعيف لجهالة أحد الرواة, وقد صرح بذلك العلامة المجلسي في مرآة العقول ( ج 11، ص: 192 )
أما المتن, فموضع الشاهد هو عبارة: (( ما ترى من الخيانة في قول الله عز وجل " فخانتاهما " ما يعني بذلك إلا الفاحشة )). لكن مع ضعف سند الرواية, فإن المتن ليس فيه دلالة صريحة على وقوع الزنا.
وذلك لأن كلمة ( فاحشة ) لا تعني بالخصوص الزنا, فقد قال ابن منظور في لسان العرب في مادة فحش:
الفُحْش والفَحْشاءُ والفاحِشةُ القبيحُ من القول والفعل ... وفي الحديث إِن اللَّه يُبْغِضُ الفاحِشَ المُتَفَحِّشَ فالفاحِشُ ذو الفحش والخَنا من قول وفعل والمُتَفَحِّشُ الذي يتكلَّفُ سَبَّ الناس ويتعمَّدُه
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ): أي إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار. ( تفسير ابن كثير ج 2 / ص 123 )
كما قال الألوسي في تفسير قوله تعالى ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ): والفاحشة الفعلة القبيحة المتناهية في القبح. ( تفسير الألوسي ج 6 / ص 150 )
وقال ابن حجر العسقلاني في شرح حديث البخاري ( ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها): فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك ، فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم ، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهها بالولادة ونزع العرق فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول ، وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش حاشا وكلا ، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسنت ذلك لآدم عد ذلك خيانة له ، وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها . وقريب من هذا حديث " جحد آدم فجحدت ذريته " وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى ، وأن ذلك من طبعهن فلا يفرط في لوم من وقع منها شيء من غير قصد إليه أو على سبيل الندور ، وينبغي ، لهن أن لا يتمكن بهذا في الاسترسال في هذا النوع بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن ، والله المستعان . ( فتح الباري لابن حجر ج 10 / ص 110 )
وكذلك القرطبي حيث يقول: وقوله: " فخانتاهما " [ التحريم: 10 ] يعني في الدين لا في الفراش، وذلك أن هذه كانت تخبر الناس أنه مجنون، وذلك أنها قالت له: أما ينصرك ربك ؟ فقال لها: نعم. قالت: فمتى ؟ قال: إذا فار التنور، فخرجت تقول لقومها: يا قوم والله إنه لمجنون، يزعم أنه لا ينصره ربه إلا أن يفور هذا التنور، فهذه خيانتها. وخيانة الأخرى أنها كانت تدل على الأضياف على ما سيأتي إن شاء الله. والله أعلم. ( تفسير القرطبي ج 9 / ص 47 )
وقال أيضا: (فخانتاهما) قال عكرمة والضحاك بالكفر. وقال سليمان بن رقية عن ابن عباس: كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تخبر بأضيافه. وعنه: ما بغت امرأة نبي قط. وهذا إجماع من المفسرين فيما ذكر القشيري. إنما كانت خيانتهما في الدين وكانتا مشركتين. وقيل: كانتا منافقتين. وقيل: خيانتهما النميمة إذا أوحى الله إليهما شيئا أفشتاه إلى المشركين، قاله الضحاك. وقيل: كانت امرأة لوط إذا نزل به ضيف دخنت لتعلم قومها أنه قد نزل به ضيف، لما كانوا عليه من إتيان الرجال. ( تفسير القرطبي ج 18 / ص 202 )
أقول: من هذه النصوص يتضح جليا أن معنى الخيانة لا يقتصر على الزنا. وهذا عينه ما ذهب إليه العلامة المجلسي حيث قال: أنهما فعلتا ما فعلتا من إيذائه صلى الله عليه و آله و سلم و الخيانة معه و إفشاء سره و ما ظهر له من نفاقهما كما ذكره الله تعالى في القرآن، و مثل حالهما بحال امرأة نوح و امرأة لوط في أنهما بالنفاق و استبطان الكفر و عدم الإخلاص كفرتا و خرجتا من الإيمان فلم يغن نوح و لوط عنهما من عذاب الله شيئا من الإغناء بحق الزواج حتى يقال لهما عند الموت أو في القيامة: أدخلا النار مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم و بين الأنبياء و ذكر امرأة نوح و امرأة لوط ( مرآة العقول ج 11 / ص 173 )
واستدل العلامة المجلسي بالسياق لترجيح رأيه فقال بعدد ذلك: ويكون المراد بالفاحشة الذنب العظيم و هو الشرك و الكفر، كما قال المفسرون في قوله تعالى:" وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها" وهو أظهر وفيه رد لقول زرارة و هي مقرة بحكمه و دينه إذ علاقة الزوجية لا تستلزم ذلك، لظهور الفاحشة منهما ( نفس المصدر ) .
وقد أكّد ذلك المولى محمد صالح المازندراني في شرح أصول ( ج 10 - ص 106 – 107 )
( وقد كان من امرأة نوح وامرأة لوط ما قد كان أنهما قد كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ) ذم الله عز وجل المرأتين المذكورتين ومثل حالهما بحال امرأة نوح وامرأة لوط في أنهما بالنفاق واستبطان الكفر وعدم الإخلاص كفرتا وخرجتا عن الدين فلم يغن نوح ولوط عنهما من عذاب الله شيئا من الاغناء بحق الزواج حتى يقال لهما عند الموت أو في القيامة : ادخلا النار مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء ، قال المفسرون فيه إشارة إلى أن سبب القرب والرجحان عند الله تعالى ليس إلا الصلاح كائنا من كان وخيانة المرأتين ليست هي الفجور وإنما هي نفاقهما وابطانهما الكفر وتظاهرهما على الرسولين فامرأة نوح قالت لقومه أنه مجنون وامرأة لوط دلت قومه على ضيفانه ، وليس المراد بالخيانة البغى والزنا إذ ما زنت امرأة نبي قط ، وذلك هو المراد بقوله ( عليه السلام ) : ( ما ترى من الخيانة في قول الله عز وجل ( فخانتاهما ) ما يعني بذلك إلا الفاحشة ) هي كلما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي والمراد بها هنا النفاق والمخالفة والكفر. انتهى موضوع الشاهد
كما أن الكلام اللاحق (وقد زوج رسول الله فلانا ) أي عثمان, قرينة أخرى على أن المقصود هو اختلاف العقيدة.
الرواية الثانية:
تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج 2 - ص 377 - 378
قال الحسين وحدثني محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام في قوله ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) قال عليه السلام : يتوب العبد ثم لا يرجع فيه وان أحب عباد الله إلى الله المتقي التائب قال علي بن إبراهيم في قوله ( ضرب الله مثلا ) ثم ضرب الله فيهما مثلا فقال : ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما ) فقال والله ما عنى بقوله فخانتاهما إلا الفاحشة وليقيمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق وكان فلان يحبها فلما أرادت ان تخرج إلى . . . قال لها فلان لا يحل لك ان تخرجي من غير محرم فزوجت نفسها من فلان قوله ( ثم ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون - إلى قوله - ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها )
أقول: الرواية ضعيفة بمحمد بن الفضيل. وقد ذكر العلامة المجلسي هذه الرواية في موسوعته بحار الأنوار ( ج 32 ص 106 – 107 ) فقال:
77 - تفسير علي بن إبراهيم : قال علي بن إبراهيم في قوله : " وضرب الله مثلا " ثم ضرب الله فيهما مثلا فقال : * ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما ) * قال : والله ما عنا بقوله : ..
بيان : المراد بفلان طلحة وهذا إن كان رواية فهي شاذة مخالفة لبعض الأصول ، وإن كان قد يبدو من طلحة ما يدل على أنه كان في ضميره الخبيث مثل ذلك لكن وقوع أمثال ذلك بعيد عقلا ونقلا وعرفا وعادة وترك التعرض لأمثاله أولى .
الرواية الثالثة:
مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - ص 129
( في أسرار الحسن بن علي عليهما السلام ) فمن ذلك : أنه لما قدم من الكوفة جاءت النسوة يعزينه في أمير المؤمنين عليه السلام ، ودخلت عليه أزواج النبي صلى الله عليه وآله ، فقالت عائشة : يا أبا محمد ما مثل فقد جدك إلا يوم فقد أبوك ، فقال لها الحسن : نسيت نبشك في بيتك ليلا بغير قبس بحديدة ، حتى ضربت الحديدة كفك فصارت جرحا إلى الآن فأخرجت جردا أخضر فيه ما جمعته من خيانة حتى أخذت منه أربعين دينارا عددا لا تعلمين لها وزنا ففرقتيها في مبغضي علي صلوات الله عليه من تيم وعدي ، وقد تشفيت بقتله ، فقالت : قد كان ذلك ( 1 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 129 ›
( 1 ) الهداية الكبرى للخصيبي : 197 .
ووردت أيضا في الهداية الكبرى - الحسين بن حمدان الخصيبي - ص 196 – 197
وعنه عن الحسن بن علي المقري الكوفي عن محمد بن جبلة التمار عن المخول بن إبراهيم عن زيد بن كثير الجمحي عن يونس بن ظبيان عن المفضل بن عمر الجعفي عن المولى الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : لما قدم الحسن بن علي ( عليه السلام ) من الكوفة التقاه أهل المدينة معزين بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ومهنئين له بالقدوم ، ودخلت عليه أزواج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت عائشة والله يا أبا محمد ما فقد جدك الا حيث فقد أبوك ولقد قلت يوم قام عندنا ناعيه قولا صدقت فيه ما كذبت . قال لها الحسن ( عليه السلام ) عسى هو تمثلك بقول لبيد بن ربيعة
‹ صفحة 197 ›
حيث يقول :
وبشرتها فاستعجلت بخمارها * يحق على المستعجلين المباشر
وأخبرها الركبان ان ليس بينها * وبين قرى نجران والشام كافر
فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
وأخبرها الركبان ان ليس بينها * وبين قرى نجران والشام كافر
فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
فقالت له يا ابن خبوت جدك وأبوك في علم الغيب ، فمن ذا الذي أخبرك بهذا عني ؟ فقال لها ما هذا غيب لأنك أظهرتيه ، وسمع منك ، وعن نبشك جزرا اخضر في وسط بيتك ليلا ، بلا قش فتترين الحديدة في كفك حتى صار جرحا الا فاكشفي عنه ، وأريه لمن حولك من النساء ، ثم اخراجك الجزر وما فيه وما جمعته من خيانة واخذك منه أربعين دينارا عددا لا تعلمين وزنها وتفريقك له في ضعفة مبغضي أمير المؤمنين من تيم وعدي شكرا لقتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقالت : والله يا حسن لقد كان ما قلت ولله ابن هند فلقد شفا وشفا في . انتهى
وقد كفانا الشيخ علي آل محسن حفظه الله مؤونة الإجابة في كتابه لله وللحقيقة ( ج2 ص 479 ) الذي رد فيه على مدعي الفقاهة والاجتهاد:
قال الكاتب: وأما عائشة فقد قال ابن رجب [ كذا ] البرسي: ( إن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة ) مشارق أنوار اليقين ص 86 (!!) .
وأقول: هذا الخبر رواه الحافظ رجب البرسي مرسلاً، ورواه غيره بسند فيه: علي بن الحسين المقري الكوفي، ومحمد بن حليم التمار، والمخول بن إبراهيم، عن زيد بن كثير الجمحي، وهؤلاء كلهم مجاهيل، لا ذكر لهم في كتب الرجال.
قال المجلسي قدس سره : وهذا إن كان رواية فهي شاذة مخالفة لبعض الأصول. انتهى موضوع الشاهد
كما أن العلامة المجلسي قال عن البرسي أثناء تعداد الكتب التي اعتمد عليها في موسوعته بحار الأنوار:
وكتاب مشارق الأنوار ، وكتاب الألفين للحافظ رجب البرسي . ولا أعتمد على ما يتفرد بنقله لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع . وإنما أخرجنا منهما ما يوافق الاخبار المأخوذة من الأصول المعتبرة . ( بحار الأنوار ج 1 - ص 10 )
الرواية الرابعة:
حدثنا أبو بكر قال نا وكيع عن العلاء بن عبد الكريم اليامي عن عمار بن عمران رجل من زيد الله عن امرأة منهم عن عائشة أنها شوفت جارية وطافت بها وقالت : لعلنا نصطاد بها شباب قريش.
أقول هذه الرواية لم ترد في مصادرنا, بل وردت في مصنف ابن أبي شيبة ( ج 3 / ص 461 ) كما أنها ضعيفة السند. وبعض الوهابية يظن أنها من مصادرنا حين يشاهدون مقطعا مبتورا للسيد الشيرازي وهو يقرأ هذه الرواية من مصادرهم. الحمد لله على نعمة العقل.
والآن بعد أن رأينا أن هذه الروايات لا تصمد أمام النقد العلمي, لنأخذ جولة سريعة على ما ورد في مصادر أهل السنة لنرى صيانة أعراض الأنبياء:
يقول ابن الجوزي: واختلفوا في هذا الذي سأل فيه نوح على قولين:
أحدهما : أنه ابن نوح لصلبه ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والضحاك ، والجمهور .
والثاني : أنه ولد على فراشه لغير رِشدة ولم يكن ابنه

روى ابن الأنباري باسناده عن الحسن أنه قال : لم يكن ابنَه ، إِن امرأته فجرت

وعن الشعبي قال : لم يكن ابنه ، إِن امرأته خانته

وعن مجاهد نحو ذلك

وقال ابن جريج : ناداه نوح وهو يحسب أنه ابنه ، وكان وُلد على فراشه

فعلى القول الأول ، يكون في معنى قوله : { إِنه ليس من أهلك } قولان :
أحدهما : ليس من أهل دينك .
والثاني : ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم . قال ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط ، وإِنما المعنى : ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم . وعلى القول الآخر : الكلام على ظاهره ، والأول أصح ، لموافقته ظاهر القرآن ، ولاجتماع الأكثرين عليه ، وهو أولى من رمي زوجة نبي بفاحشة . ( زاد المسير ج 3 / ص 347 – 348 )
ويقول: قوله تعالى : { إِني أعظك أن تكون من الجاهلين } فيه ثلاثة أقوال:
أحدها : أن تكون من الجاهلين في سؤالك مَنْ ليس مِنْ حزبك .
والثاني : من الجاهلين بوعدي ، لأني وعدت بانجاء المؤمنين .
والثالث : من الجاهلين بنسبك ، لأنه ليس من أهلك . ( زاد المسير ج 3 / ص 348 )
أقول: ابن الجوزي رجح الرأي الذاهب إلى صيانة زوجات الأنبياء, ولكنه لم يشنع على من اتهمهن بالزنا !!
ويقول الطبري في تفسيره:
تفسير الطبري - ( ج 15 / ص 340 ):
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (ليس من أهلك) .
فقال بعضهم: معناه: ليس من ولدك ، هو من غيرك. وقالوا: كان ذلك من حِنْثٍ. (1)
*ذكر من قال ذلك:
18208- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن، في قوله: (إنه ليس من أهلك)، قال: لم يكن ابنه.
18209- حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن جابر، عن أبي جعفر: (ونادى نوح ابنه) ، قال: ابن امرأته.
18210- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية، عن أصحاب ابن أبي عروبة فيهم ، [عن] الحسن قال: لا والله ، ما هو بابنه. (2)
__________
(1) " الحنث " (بكسر الحاء وسكون النون ) ، الذنب والمعصية . وفي الحديث " يكثر فيهم أولاد الحنث " ، أي : أولاد الزنا . ويروى " الخبث " ( بالخاء مضمومة والثاء ) ، من " الخبث " ، وهو الفساد والفجور . وفي الحديث : " إذا كثر الخبث كان كذا وكذا " ، أي : الفسق والفجور . وفي الحديث " أنه أتى برجل مخدج سقيم ، وجد مع أمة يخبث بها " ، أي : يزني بها . ويقال : " هو ابن خبثة " ، لابن الزنية ، ولد لغير رشدة .
(2) الأثر : 18210 - كان في المطبوعة : " عن أصحاب ابن أبي عروبة فيهم الحسن " ، وهو كلام لا معنى له ، وخاصة بعد تصرفه في نص المخطوطة ، لأنه لم يفهم معنى هذا الإسناد ، إذ كان فيها : " عن أصحاب ابن أبي عروبة فيهم الحسن " ، وهذا أيضًا فاسد ، يصلحه ما زدته بين القوسين، فإن " ابن علية " يروي عن " سعيد بن أبي عروبة " ، و " ابن أبي عروبة " روى عن " الحسن البصري ".
تفسير الطبري - ( ج 15 / ص 341 )
18211-. . . . قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر: (ونادى نوح ابنه) ، قال: هذه بلغة طيّ لم يكن ابنه، كان ابن امرأته.
18212- حدثني المثني قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم، عن عوف، ومنصور، عن الحسن في قوله: (إنه ليس من أهلك) ، قال: لم يكن ابنه. وكان يقرؤها: ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) (1)
18213- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قال: كنت عند الحسن فقال: "نادى نوح ابنه"، لعمْر الله ما هو ابنه ! قال: قلت : يا أبا سعيد يقول: (ونادى نوح ابنه) ، وتقول: ليس بابنه؟ قال: أفرأيت قوله: (إنه ليس من أهلك) ؟ قال: قلت إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك، (2) ولا يختلف أهل الكتاب أنه ابنه. قال: إن أهل الكتاب يكذبون.
18214- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: سمعت الحسن يقرأ هذه الآية: (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح)، فقال عند ذلك: والله ما كان ابنه . ثم قرأ هذه الآية: (فَخَانَتَاهُمَا) ، [ سورة التحريم: 10] قال سعيد: فذكرت ذلك لقتادة، قال: ما كان ينبغي له أن يحلف!
18215- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : (فلا تسألن ما ليس لك به علم) ، قال: تبيّن لنوح أنه ليس بابنه.
__________
(1) الأثر : 18212 - انظر ما سيأتي رقم : 18246 .
(2) في المخطوطة : " إنه ليس من أهلي " ، وفوقها حرف ( ط ) دلالة على الخطأ .
تفسير الطبري - ( ج 15 / ص 342 )
18216- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فلا تسألن ما ليس لك به علم) ، قال: بين الله لنوح أنه ليس بابنه.
18217- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد مثله.
18218- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
قال ابن جريج في قوله: (ونادى نوح ابنه) ، قال: ناداه وهو يحسبه أنه ابنه وكان وُلد على فراشه

18219- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل، عن ثوير، عن أبي جعفر: (إنه ليس من أهلك) ، قال: لو كان من أهله لنجا.
18220- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا سفيان، عن عمرو، سمع عبيد بن عمير يقول: نرى أن ما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم "الولد للفراش"، من أجل ابن نوح.
18221- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن الحسن قال: لا والله ما هو بابنه.
وبعد سرد هذه الطعون, ذكر الرأي الآخر الذي يذهب إلى صيانة أعرض الأنبياء. إلى أن قال:
تفسير الطبري - ( ج 15 / ص 346 ):
قال أبو جعفر: ((( وأولى القولين ))) في ذلك بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم، لأنه كان لدينك مخالفًا ، وبي كافرًا = وكان ابنه لأن الله تعالى ذكره قد أخبر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه ابنه فقال: (ونادى نوح ابنه) ، وغير جائز أن يخبر أنه ابنه فيكون بخلاف ما أخبر. وليس في قوله: (إنه ليس من أهلك) ، دلالةٌ على أنه ليس بابنه، إذ كان قوله: (ليس من أهلك) ، محتملا من المعنى ما ذكرنا، ومحتملا أنه ليس من أهل دينك، ثم يحذف "الدين" فيقال: (إنه ليس من أهلك)، كما قيل: (واسأل القرية التي كنا فيها)، [سورة يوسف: 82] .
أقول: نلاحظ أن تعبير الطبري هو أن صيانة أعراض الأنبياء هو (( أولى )) القولين! وأن هناك رأيا آخر قائما بذاته!
ولنر ما يقوله القرطبي:
تفسير القرطبي - ( ج 9 / ص 46 ):
قوله تعالى: (قال يا نوح إنه ليس من أهلك) [ أي ليس من أهلك ] الذين وعدتهم أن أنجيهم، قاله سعيد بن جبير.
وقال الجمهور: ليس من أهل دينك ولا ولايتك، فهو على حذف مضاف، وهذا يدل على أن حكم الاتفاق في الدين أقوى من [ حكم ] النسب.
(إنه عمل غير صالح) قرأ ابن عباس وعروة وعكرمة ويعقوب والكسائي " إنه عمل غير صالح " أي من الكفر والتكذيب، واختاره أبو عبيد.
وقرأ الباقون " عمل " ابنك ذو عمل غير صالح فحذف المضاف، قاله الزجاج وغيره.
قال: ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت * فإنما هي إقبال وإدبار أي ذات إقبال وإدبار.
وهذا القول والذي قبله يرجع إلى معنى واحد.
ويجوز أن تكون الهاء للسؤال، أي إن سؤالك إياي أن أنجيه.
عمل غير صالح. قاله قتادة.
وقال الحسن: معنى عمل غير صالح أنه ولد على فراشه ولم يكن ابنه. وكان لغير رشدة،
وقال أيضا مجاهد. قال قتادة سألت الحسن عنه فقال: والله ما كان ابنه، قلت إن الله أخبر عن نوح أنه قال: " إن ابني من أهلي " فقال: لم يقل مني، وهذه إشارة إلى أنه كان ابن امرأته من زوج آخر، فقلت له: إن الله حكى عنه أنه قال: " إن أبني من أهلي " " ونادى نوح ابنه " ولا يختلف أهل الكتابين أنه ابنه، فقال الحسن: ومن يأخذ دينه عن أهل الكتاب ! إنهم يكذبون. وقرأ: " فخانتاهما " [ التحريم: 10 ].
وقال ابن جريج: ناداه وهو يحسب أنه ابنة، وكان ولد على فراشه، وكانت امرأته خانته فيه، ولهذا قال: " فخانتاهما ".
وقال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، وأنه كان ابنه لصلبه.
وكذلك قال الضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران وغيرهم، وأنه كان ابنه لصلبه.
وقيل لسعيد بن جبير يقول نوح: " إن ابني من أهلي " أكان من أهله ؟ أكان ابنه ؟ فسبح الله طويلا ثم قال: لا اله إلا الله ! يحدث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أنه ابنه، وتقول إنه ليس ابنه ! نعم كان ابنه، ولكن كان مخالفا في النية والعمل والدين، ولهذا قال الله تعالى: " إنه ليس من أهلك "،
وهذا هو الصحيح في الباب إن شاء الله تعالى لجلالة من قال به، وإن قوله: " إنه ليس من أهلك " ليس مما ينفي عنه أنه ابنه.
وقوله: " فخانتاهما " [ التحريم: 10 ] يعني في الدين لا في الفراش، وذلك أن هذه كانت تخبر الناس أنه مجنون، وذلك أنها قالت له: أما ينصرك ربك ؟ فقال لها: نعم. قالت: فمتى ؟ قال: إذا فار التنور، فخرجت تقول لقومها: يا قوم والله إنه لمجنون، يزعم أنه لا ينصره ربه إلا أن يفور هذا التنور، فهذه خيانتها.
وخيانة الأخرى أنها كانت تدل على الأضياف على ما سيأتي إن شاء الله. والله أعلم. ( تفسير القرطبي ج 9 / ص 46- 47 )
وأيضا ابن كثير قال في تفسير قوله تعالى ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ):
وقد نص غير واحد من الأئمة على (( تخطئة )) من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه، وإنما كان ابن زِنْية ، ويحكى القول بأنه ليس بابنه، وإنما كان ابن امرأته عن
مجاهد،
والحسن،
وعُبَيد بن عُمَير،
وأبي جعفر الباقر (!!)
وابن جُرَيج،
واحتج بعضهم بقوله: { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } وبقوله: { فَخَانَتَاهمُا } [التحريم: 10]، فممن قاله الحسن البصري، احتج بهاتين الآيتين. وبعضهم يقول: كان ابن امرأته. وهذا يحتمل أن يكون أراد ما أراد الحسن، أو أراد أنه نسب إليه مجازا، لكونه كان ربيبًا عنده، فالله أعلم. ( تفسير ابن كثير ج 4 / ص 326 )
كما أن ابن كثير صرح في إحدى المواضع بأن زوجات الأنبياء معصومات من الزنا – كما يذهب إليه الشيعة – حيث قال:
وليس المراد: { فَخَانَتَاهُمَا } في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء. ( تفسير ابن كثير ج 8 / ص 171 )
ولكن جاء الألباني في سلسلته الصحيحة فلم يستسغ هذا النص الصريح, وأكد على أن الزنا ممكن الوقوع لزوجات الأنبياء

2507 - " أما بعد يا عائشة ! فإنه قد بلغني عنك كذا و كذا ، [ إنما أنت من بنات آدم ] ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله و توبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه . و في رواية : فإن التوبة من الذنب الندم " .
إلى أن يقول: يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع ببراءة عائشة رضي الله عنها إلا بعد نزول الوحي . ففيه إشعار قوي بأن الأمر في حد نفسه ممكن الوقوع ، و هو ما يدندن حوله كل حوادث القصة و كلام الشراح عليها
و لا ينافي ذلك قول الحافظ ابن كثير ( 8 / 418 ) في تفسير قوله تعالى : *( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين )* ( التحريم : 10 ) : " و ليس المراد بقوله : *( فخانتاهما )* في فاحشة ، بل في الدين ، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور " .و قال هناك ( 6 / 81 ) : " ثم قال تعالى : *( و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم )* ، أي : تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين ، و تحسبون ذلك يسيرا سهلا ، و لو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هينا ، فكيف و هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم الأمي خاتم الأنبياء و سيد المرسلين ، فعظيم عند الله أن يقال في زوجة نبيه و رسوله ما قيل ، فإن الله سبحانه و تعالى يغار لهذا ، و هو سبحانه لا يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك ، حاشا و كلا ، و لما لم يكن ذلك ، فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء زوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا و الآخرة ، و لهذا قال تعالى : *( و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم )* " .
أقول : فلا ينافي هذا ما ذكرنا من الإمكان ، لأن المقصود بـ " العصمة " الواردة في كلامه رحمه الله و ما في معناها إنما هي العصمة التي دل عليها الوحي الذي لولاه لوجب البقاء على الأصل ، و هو الإمكان المشار إليه ، فهي بالمعنى الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " فالمعصوم من عصمه الله " في حديث أخرجه البخاري و غيره ، و ليس المراد بها العصمة الخاصة بالأنبياء عليهم الصلاة و السلام ، و هي التي تنافي الإمكان المذكور ، فالقول بهذه في غير الأنبياء إنما هو من القول على الله بغير علم ، و هذا ما صرح به أبو بكر الصديق نفسه في هذه القصة خلافا لهواه كأب ، فقد أخرج البزار بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها أنه لما نزل عذرها قبل أبو بكر رضي الله عنها رأسها ، فقالت : ألا عذرتني ؟ فقال : أي سماء تظلني ، و أي أرض تقلني إن قلت ما لا أعلم ؟! <2> و هذا هو الموقف الذي يجب على كل مسلم أن يقفه تجاه كل مسألة لم يأت الشرع الحنيف بما يوافق هوى الرجل ، و لا يتخذ إلهه هواه . انتهى كلام الألباني
وراجع كلامه في شرح الحديث رقم 1208
هذه آراء علماء السنة في صيانة زوجات الأنبياء, والآن لننتقل إلى آراء علماء الشيعة:
نقل الشيخ الصدوق رواية صحيحة السند عن الإمام الرضا (ع):
3 - حدثنا أبي رضي الله عنه (شيخ الطائفة) قال : حدثنا سعد بن عبد الله ( بن أبي خلف الأشعري الحنفي القمي الثقة) ، عن أحمد بن محمد بن عيسى (الأشعري القمي الثقة) عن الحسن بن علي الوشاء (ثقة) ، عن الرضا عليه السلام ، قال : سمعته يقول : أبي عليه السلام : قال أبو عبد الله عليه السلام ، إن الله عز وجل قال لنوح : ( يا نوح إنه ليس من أهلك ) ، لأنه كان مخالفا له وجعل من اتبعه من أهله قال : وسئلني كيف يقرؤون هذه الآية في ابن نوح ؟ فقلت : يقرأها الناس على وجهين إنه عمل غير صالح وإنه عمل غير صالح فقال : كذبوا هو ابنه ولكن الله عز وجل نفاه عنه حين خالفه في دينه . ( عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 - ص 82 )
قال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان:
ثم ضرب الله المثل لأزواج النبي حثا لهن على الطاعة ، وبيانا لهن أن مصاحبة الرسول مع مخالفته لا تنفعهن فقال : ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا ) أي نبيين من أنبيائنا ( صالحين فخانتاهما ) قال ابن عباس : كانت امرأة نوح كافرة ، تقول للناس . إنه مجنون ، وإذا آمن بنوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به . وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه ، فكان ذلك خيانتهما . وما بغت امرأة نبي قط ، وإنما كانت خيانتهما في الدين . وقال السدي : كانت خيانتهما أنهما كانتا كافرتين . وقيل : كانتا منافقتين . وقال الضحاك : خيانتهما النميمة إذا أوحى الله إليهما أفشتاه إلى المشركين . ( فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ) أي ولم يغن نوح ولوط مع نبوتهما عن امرأتيهما من عذاب الله شيئا . ( وقيل ) أي ويقال لهما يوم القيامة ( ادخلا النار مع الداخلين ) وقيل : إن اسم امرأة نوح واغلة واسم امرأة لوط وأهله . وقال مقاتل : والغة ووالهة . ( تفسير مجمع البيان ج 10 - ص 64 )
وقد نقل كلامه العلامة المجلسي ( ج11 ص308- 309 )
وقال الشيخ الطوسي في التبيان:
وقوله ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ) قال ابن عباس : كانت امرأة نوح وامرأة لوط منافقتين ( فخانتاهما ) قال ابن عباس : كانت امرأة نوح كافرة ، تقول للناس انه مجنون ، وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه ، فكان ذلك خيانتهما لهما ، وما زنت امرأة نبي قط ، لما في ذلك من التنفير عن الرسول وإلحاق الوصمة به ، فمن نسب أحدا من زوجات النبي إلى الزنا ، فقد أخطأ خطأ عظيما ، وليس ذلك قولا لمحصل. ( التبيان ج 10 ص 52 )
وقال أيضا: " يا نوح انه ليس من أهلك . . " وقيل في معناه ثلاثة أقوال :
أحدها - قال ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وأكثر المفسرين : انه ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم معك ، وانه كان ابنه لصلبه ، بدلالة قوله " ونادى نوح ابنه " فأضافه إليه إضافة مطلقة .
والثاني - انه أراد بذلك أنه ليس من أهل دينك ، كما قال النبي صلى الله عليه وآله ( سلمان ) منا أهل البيت ) وإنما أراد على ديننا .
وثالثها - قال الحسن ومجاهد : انه كان لغيره ، وولد على فراشه ، فسأل نوح على الظاهر فأعلمه الله باطن الامر ، فنفاه منه على ما علمه ، فيكون على هذا هو نفسه عمل غير صالح ، كما يقولون : الشعر زهير .
وهذا الوجه ضعيف ، لان في ذلك طعنا على نبي وإضافة ما لا يليق به إليه . والمعتمد الأول . وقال ابن عباس : ما زنت امرأة نبي قط ، وكانت الخيانة من امرأة نوح انها كانت تنسبه إلى الجنون والخيانة من امرأة لوط انها كانت تدل على أضيافه . ( التبيان ج 5 ص 494 – 495 )
وقال السيد المرتضى في أماليه:
( مجلس آخر 38 )
[ تأويل آية ] . . إن سأل سائل عن قوله تعالى ( ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي ) إلى قوله ( أن تكون من الجاهلين ) . . فقال ظاهر قوله تعالى ( إنه ليس من أهلك ) يقتضى تكذيب قوله عليه السلام انه من أهلي فالنبي لا يجوز عليه الكذب فما الوجه في ذلك وكيف يصح أن يخبر عن ابنه انه عمل غير صالح وما المراد به . الجواب قلنا في هذه الآية وجوه . .
أحدها أن نفيه لان يكون من أهله لم يتناول نفى النسب وإنما نفى أن يكون من أهله الذين وعد بنجاتهم لأنه عز وجل كان وعد نوحا عليه السلام بان ينجي أهله ألا ترى إلى قوله تعالى ( قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ) فاستثنى تعالى من أهله من أراد اهلاكه بالغرق ويدل عليه أيضا قول نوح عليه السلام ( ان ابني من أهلي وان وعدك الحق ) وعلى هذا الوجه يتطابق الخبران ولا يتنافيان وقد روى هذا التأويل بعينه عن ابن عباس وجماعة من المفسرين . .
والجواب الثاني أن يكون المراد بقوله تعالى ( ليس من أهلك ) اي انه ليس على دينك وأراد انه كان كافرا مخالفا لأبيه وكأن كفره أخرجه من أن يكون له أحكام أهله ويشهد لهذا التأويل قوله تعالى طريق التعليل انه عمل غير صالح فبين تعالى انه إنما خرج من أحكام أهله لكفره وسوء عمله وقد روي هذا التأويل أيضا عن جماعة من المفسرين وحكى عن ابن جريج انه سئل عن ابن نوح فسبح طويلا ثم قال لا إله إلا الله يقول الله ونادى نوح ابنه ويقول ليس منه ولكنه خالفه في العمل فليس منه من لم يؤمن . . وروى عن عكرمة أنه قال كان ابنه ولكنه كان مخالفا له في النية والعمل فمن ثم قيل إنه ليس من أهلك . .
والوجه الثالث انه لم يكن ابنه على الحقيقة وإنما ولد على فراشه فقال عليه السلام ان ابني على ظاهر الأمر فأعلمه الله تعالى ان الأمر بخلاف الظاهر ونبه على خيانة امرأته وليس في ذلك تكذيب خبره لأنه إنما خبر عن ظنه وعما يقتضيه الحكم الشرعي فأخبره الله تعالى بالغيب الذي لا يعلمه غيره وقد روى هذا الوجه عن الحسن وغيره . . وروى قتادة عن الحسن قال كنت عنده فقال ونادى نوح ابنه فقال لعمر الله ما هو ابنه قال فقلت يا أبا سعيد يقول الله تعالى ونادى نوح ابنه وتقول ليس بابنه قال أفرأيت قوله ليس من أهلك قال قلت معناه انه ليس من أهلك الذين وعدتك ان أنجيهم معك ولا يختلف أهل الكتاب انه ابنه فقال أهل الكتاب يكذبون . . وروى عن مجاهد وابن جريج مثل ذلك . .
وهذا الوجه يبعد إذ فيه منافاة للقرآن لأنه قال تعالى ( ونادى نوح ابنه ) فأطلق عليه اسم البنوة ولأنه أيضا استثناه من جملة أهله بقوله تعالى ( وأهلك إلا من سبق عليه القول ) ولان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب أن ينزهوا عن مثل هذه الحال لأنها تعر وتشين وتغض من القدر وقد جنب الله تعالى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيما لهم وتوقيرا ونفيا لكل ما ينفر عن القبول منهم وقد حمل ابن عباس ظهور ما ذكرناه من الدلالة على أن تأول قوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط فخانتاهما على أن الخيانة لم تكن منهما بالزنا بل كانت إحداهما تخبر الناس بأنه مجنون والأخرى تدل على الأضياف
والمعتمد في تأويل الآية هو الوجهان المتقدمان. ( الأمالي ج 2 ص 144 – 145 )
وقال الفيض الكاشاني في تفسير الصافي:
( 46 ) قال يا نوح إنه ليس من أهلك : الذين وعدتك بنجاتهم لأنه ليس على دينك . ( التفسير الصافي ج 2 ص 450 )
وقال أيضا: ( 10 ) ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما بالنفاق والتظاهر على الرسولين مثل الله حال الكفار والمنافقين في أنهم يعاقبون بكفرهم ونفاقهم ولا يجابون بما بينهم وبين النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمؤمنين من النسبة والوصلة بحال امرأة نوح وامرأة لوط وفيه تعريض بعائشة وحفصة في خيانتهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بإفشاء سره ونفاقهما إياه وتظاهرهما عليه كما فعلت امرأتا الرسولين فلم يغنيا عنهما من الله شيئا فلن يغن الرسولان عنهما بحق الزواج اغناء ما وقيل لهما عند موتهما أو يوم القيامة ادخلا النار مع الداخلين الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء . ( التفسير الصافي ج 5 ص 197 – 198 )
وقال السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان:
ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين * وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين * ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين.
( بيان ) تتضمن الآيات الكريمة مثلين يمثل بهما الله سبحانه حال الكفار والمؤمنين في أن شقاء الكفار وهلاكهم إنما كان بخيانتهم لله ورسوله وكفرهم ولم ينفعهم اتصال بسبب إلى الأنبياء المكرمين ، وأن سعادة المؤمنين وفلاحهم إنما كان بإخلاصهم الايمان بالله ورسوله والقنوت وحسن الطاعة ولم يضرهم اتصال بأعداء الله بسبب فإنما ملاك الكرامة عند الله التقوى . يمثل الحال أولا : بحال امرأتين كانتا زوجين لنبيين كريمين عدهما الله سبحانه عبدين صالحين - ويا له من كرامة - فخانتاهما فأمرتا بدخول النار مع الداخلين فلم ينفعهما زوجيتهما للنبيين الكريمين شيئا فهلكتا في ضمن الهالكين من غير أدنى تميز وكرامة . وثانيا : بحال امرأتين إحداهما امرأة فرعون الذي كانت منزلته في الكفر بالله أن نادى في الناس فقال : أنا ربكم الاعلى ، فآمنت بالله وأخلصت الايمان فأنجاها الله وأدخلها الجنة ولم يضرها زوجية مثل فرعون شيئا ، وثانيتهما مريم ابنة عمران الصديقة القانتة أكرمها الله بكرامته ونفخ فيها من روحه . وفي التمثيل تعريض ظاهر شديد لزوجي النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث خانتاه في إفشاء سره وتظاهرتا عليه وآذتاه بذلك ، وخاصة من حيث التعبير بلفظ الكفر والخيانة وذكر الامر بدخول النار . قوله تعالى : " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما " الخ ، قال الراغب : الخيانة والنفاق واحد إلا أن الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والأمانة ، والنفاق يقال اعتبارا بالدين ثم يتداخلان فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ونقيض الخيانة الأمانة ، يقال : خنت فلانا وخنت أمانة فلان . ( تفسير الميزان ج 19 ص 342 – 343 )
ويقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل:
وما يراه بعض المفسرين من أن كنعان لم يكن ابن نوح حقيقة ، أو أنه كان ابنا غير شرعي ، أو أنه ابن شرعي من زوجته عن رجل آخر ، بعيد عن الصواب لأن قوله : إنه عمل غير صالح في الواقع علة لقوله : إنه ليس من أهلك أي إنما نقول لك إنه ليس من أهلك فلأنه انفصل عنك بعمله وإن كان الرباط النسبي لا يزال قائما . . ( الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج 6 - ص 554 )
وفي النهاية قد يطرح المخالف إشكالا ملخصه أنه قد روي من طرق الشيعة أن الرسول (ص) أمر الإمام علي (ع) بقتل القطبي الذي كان متهما بالفاحشة مع مارية, فهذا يقتضي كون وقوع الزنا جائزا على زوجات الأنبياء, وإلا فما العلة من الأمر بقتل هذا المتهم؟ والمفروض أن النبي (ص) كان يعلم على علم بأن ذيول الأنبياء لابد وأن يكنّ معصومات من الزنا!
ويقال في الجواب أن هذه الروايات ذكرت أيضا العلة من ذلك, وأن الرسول (ص) كان يعلم أن الفاحشة لم تحصل, وقد شرح ذلك أكثر من عالم من علماء الشيعة. وهنا أستعرض الروايات أولا ثم أعرج على أقوال العلماء:
جاء في تفسير القمي روايتان صحيحتا السند في هذا المضمون:
الرواية الأولى ( تفسير القمي ج 2 - ص 99 – 100):
حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال قال حدثنا عبد الله ( محمد خ ل ) بن بكير عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليهما السلام يقول : لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله حزن عليه حزنا شديدا فقالت عايشة ما الذي يحزنك عليه فما هو إلا ابن جريح ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وأمره بقتله فذهب علي عليه السلام إليه ومعه السيف وكان جريح القبطي في حائط وضرب علي عليه السلام باب البستان فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب فلما رأى عليا عليه السلام عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعا ولم يفتح الباب فوثب علي عليه السلام على الحائط ونزل إلى البستان واتبعه وولى جريح مدبرا فلما خشي ان يرهقه صعد في نخلة وصعد علي عليه السلام في اثره فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته فإذا ليس له ما للرجال ولا ما للنساء فانصرف علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله إذا بعثتني في الامر أكون فيه كالمسمار المحمى في الوتر أم أثبت ؟ قال فقال لا بل أثبت ، فقال والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال ولا ما للنساء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت ( 1 )
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 99 ›
( 1 ) لا يتوهم متوهم ان هذا الخبر دال على منقصة في رسول الله صلى الله عليه وآله حيث امر بقتل القبطي بدون إثبات جرمه وبدون التثبت فيه ، وجوابه ان امر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتله هاهنا مشتمل على مصلحة ، فإنه في عاقبة هذا الامر ظهر كون القبطي عنينا ولو لم يكن هذا الانكشاف لكان دون إثبات براءة مارية القبطية خرط القتاد . ج . ز
الرواية الثانية ( تفسير القمي ج 2 - ص 318 – 319):
وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) فإنها نزلت في مارية القبطية أم إبراهيم عليه السلام وكان سبب ذلك ان عايشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله ان إبراهيم ليس هو منك وإنما هو من جريح القبطي فإنه يدخل إليها في كل يوم ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لأمير المؤمنين عليه السلام : خذ السيف واتني برأس جريح فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام السيف ثم قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله انك إذا بعثتني في أمر أكون فيه كالسفود ( 1 ) المحماة في الوبر فكيف تأمرني أثبت فيه أو امض على ذلك ؟ فقال له
‹ صفحة 319 ›
رسول الله صلى الله عليه وآله : بل تثبت ، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى مشربة ( 1 ) أم إبراهيم فتسلق عليها فلما نظر إليه جريح هرب منه وصعد النخلة فدنا منه أمير المؤمنين عليه السلام وقال له انزل ، فقال له يا علي ! اتق الله ما ها هنا أناس ، اني مجبوب ثم كشف عن عورته ، فإذا هو مجبوب ، فاتي به إلى رسول صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ما شأنك يا جريح ! فقال : يا رسول الله ان القبط يجبون حشمهم ( 2 ) ومن يدخل إلى أهليهم والقبطيون لا يأنسون إلا بالقبطيين فبعثني أبوها لادخل إليها وأخدمها وأؤنسها فأنزل الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ " الآية ، وفي رواية عبد الله ( عبيد الله ط ) بن موسى عن أحمد بن رشيد ( راشد ط ) عن مروان بن مسلم عن عبد الله بن بكير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك كان رسول الله صلى الله عليه وآله امر بقتل القبطي وقد علم أنها قد كذبت عليه ، أو لم يعلم وإنما دفع الله عن القبطي القتل بتثبت علي عليه السلام ؟ فقال بلى قد كان والله أعلم ولو كانت عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وآله القتل ما رجع علي عليه السلام حتى يقتله ، ولكن إنما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله لترجع عن ذنبها ، فما رجعت ولا اشتد عليها قتل رجل مسلم بكذبها .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 318 ›
( 1 ) سفود كيهود : حديدة يشوى عليها اللحم ج . ز
‹ هامش ص 319 ›
( 1 ) أرض دائمة النبات .
( 2 ) حشم كخدم لفظا ومعنى . ج . ز
وذكره السيد المرتضى مرسلا في أماليه ( ج1 ص54 وما بعدها )
وقد ناقش الفيض الكاشاني هذه المسألة في تفسيره الصافي, فقال:
أقول إن صح هذا الخبر فلعله صلى الله عليه وآله إنما بعث عليا إلى جريح ليظهر الحق ويصرف السوء وكان قد علم أنه لا يقتله ولم يكن يأمر بقتله بمجرد قول عايشة . يدل على هذا ما رواه القمي في سورة الحجرات عن الصادق عليه السلام إنه سئل كان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بقتل القبطي وقد علم أنها قد كذبت عليه أو لم يعلم وأنما دفع الله عن القبطي القتل بتثبت علي عليه السلام فقال بلى قد كان والله علم ولو كانت عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وآله القتل ما رجع علي عليه السلام حتى يقتله ولكن إنما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله لترجع عن ذنبها فما رجعت ولا اشتد عليها قتل رجل مسلم بكذبها . ( التفسير الصافي ج 3 - ص 424 )
وذكر الشيخ المفيد ثلاثة وجوه للجواب:
فأول ذلك : أن أمر الحكماء في الاطلاق والتقييد ، والاجمال والتفصيل بحسب معرفة المأمور ، وحكمته وذكائه والاختصار ، فإن كان في الوسط منه احتاج إلى تأكيد وزيادة بيان . وإن كان دون ذلك احتيج معه إلى الشرح والتفصيل والإعادة للمقام والتكرار ، حالا بعد حال . وبحسب الثقة به في الطاعة أيضا ، والسكون إلى سداده يختلف ما ذكرناه . فهذا بين يتفق عليه كافة أهل النظر وجمهور العقلاء ، فلا حاجة بنا إلى تكليف دليل عليه ، لما وصفعناه . فإذا كان الأمر فيه على ما قدمناه لم ينكر أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله - أطلق الأمر بقتل القبطي - وإن كان الشرط لازما - لعلمه بأن أمير المؤمنين - عليه السلام - يعرف ذلك ولا يحتاج فيه إلى ذكره له في نفس الكلام . ولو كان غير أمير المؤمنين - عليه السلام - المأمور - ممن لا يؤمن عليه فهل الشرط والتعليق بمطلق الأمر بالإقدام ، على غير الصواب - يقيد له الكلام ، بجعل الشرط فيه ظاهرا ، ولم يجد عنه محيصا . ولترك النبي صلى الله عليه وآله - التقييد في الأمر فائدة في الإبانة عن فضل أمير المؤمنين - عليه السلام - على الجماعة ، بإظهار الاشتراط فيه والاستخبار عن المراد ، لتعلم الجماعة أنه قد عرف من باطن الحال ما كشفها لهم بالسؤال .
ولأمير المؤمنين - عليه السلام - به فضيلة من جهة أخرى : وهي رفع الشبهة عمن لا بصيرة له بحق النبي صلى الله عليه وآله - ومنزلته من الله في غلطه ، وإقدامه على قتل من هو برئ محقون الدم عند الله ، ليبين له مراده في الاشتراط ، ويعلمه أنه - وإن أطلق الأمر - فإنما قصد به ما ظهر فيه بالبيان . ولو كان النبي - صلى الله عليه وآله - اشترط في الكلام ما كان فيه في الجواب لم يبن لأمير المؤمنين - عليه السلام - الفضل الذي أبانه الاشتراط والاستفهام . ولو ترك أمير المؤمنين - عليه السلام - الاشتراط والاستفهام وعمل على علم بالباطن وكف عن قتل القبطي لمشاهدته الحال ، لم يبن من فضل رسول الله - صلى الله عليه وآله - للكافة ما أبانه الاستفهام ، ولظن كثير من الناس أنه - عليه السلام - أخطأ في الأمر المطلق بقتل الرجل ، وإن عليا أصاب في خلافه الظاهر بشاهد الحال ، وكان في إطلاق النبي صلى الله عليه وآله - الأمر لعلي - عليه السلام - ، واستفهام أمير المؤمنين - عليه السلام - له عن المراد وكشفه لذلك ما استنبطه من الكلام ، من الفوائد في فضلهما وعصمتهما ونطقهما عن الله - عز وجل - ما بيناه عنه وأوضحناه ، ولم يبق لمخالف الحق طريق معه إلى إثبات شئ من الشبه التي تعلق بها فيما حكيناه .
ووجه آخر : وهو أنه قد كان جايزا من الله تعالى أن يأمر نبيه - صلوات الله عليه - بقتل القبطي على جميع الأحوال ، لدخوله بيت النبي - صلى الله عليه وآله - بغير إذنه له في ذلك ، وعلى غير اختيار منه له ورأي ، فاستفهمه أمير المؤمنين - عليه السلام - لهذه الحال ، فأخبره بما عرف الحكم فيه وأنه غير مباح دمه على كل حال .
ويجوز ويمكن أن يكون الحكم فيه مفوضا إليه - عليه السلام - فلما استفهمه أمير المؤمنين - عليه السلام - بان له حال التفويض إليه . فقال : إن شاهدته بريئا ، فلك فيه الرأي ، الآن اقتضت الحال التي تشاهدها منه قتله أو العفو عنه فذلك إليك ، وقد فوضت ما فوض إلي إليك ، فاعمل فيه بما تراه . وهذا - أيضا - مما دل الله - تعالى - به الأنام على مشاكلة أمير المؤمنين لنبيه - صلوات الله عليهما - في العصمة والكمال ، ومشابهته له في تدبير الدين والحكم في العباد . ولو لم يقع الاطلاق في الأمر والاشتراط من أمير المؤمنين - عليه السلام - لما عرف ذلك ، حسب ما بيناه . والله الموفق للصواب . ( رسالة حول خبر مارية ص 20 – 23 )
كما أجاب عنها السيد المرتضى في أماليه:
فأول ما فيه أن لقائل أن يقول كيف يجوز أن يأمر الرسول بقتل رجل على التهمة بغير بينة ولا ما يجري مجراها . .
والجواب عن ذلك ان القبطي جاز أن يكون من أهل العهد الذين أخذ عليهم أن تجري عليهم أحكام المسلمين وأن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام تقدم إليه بالانتهاء عن الدخول إلى مارية فخالف وأقام على ذلك وهذا نقض للعهد وناقض العهد من أهل الكفر مؤذن بالمحاربة والمؤذن بها مستحق للقتل . .
فأما قوله بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب - فإنما عني به رؤية العلم لا رؤية البصر لأنه لا معنى في هذا الموضع لرؤية البصر فكأنه عليه الصلاة والسلام قال بل الشاهد يعلم ويصح له من وجه الرأي والتدبير ما لا يصح للغائب ولو لم يقل ذلك لوجب قتل الرجل على كل حال وإنما جاز منه عليه الصلاة والسلام أن يخير بين قتله والكف عنه ويفوض إلى أمير المؤمنين عليه السلام من حيث لم يكن قتله من الحدود والحقوق التي لا يجوز العفو عنها ولا يسع الا اقامتها لأن ناقض العهد ممن إلى الإمام القائم بأمر المسلمين إذا قدر عليه قبل التوبة أن يقتله وان يمن عليه . .
ومما فيه أيضا من الاحكام اقتضاؤه ان مجرد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام لا يقتضي الوجوب لأنه لو اقتضى ذلك لما حسنت مراجعته ولا استفهامه وفي حسنها ووقوعها موقعها دلالة على أنه لا يقتضي ذلك . .
ومما فيه أيضا من الاحكام دلالته على أنه لا بأس بالنظر إلى عورة الرجل عند الامر ينزل ولا يوجد من النظر إليها بد إما لحد يقام أو لعقوبة تسقط لان العلم بأنه أمسح أجب لم يكن الا عن تأمل ونظر وإنما جاز النظر والتأمل لتبيين هل هو ممن يكون منه ما قرف به أم لا والواجب على الامام فيمن شهد عليه بالزنا وادعى انه مجبوب أن يأمر بالنظر إليه وتبيين أمره وبمثله أمر النبي عليه الصلاة والسلام في قتل مقاتلة بني قريظة لأنه أمر أن ينظروا إلى مؤتزر كل من أشكل عليهم أمره فمن وجدوه قد أنبت قتلوه ولولا جواز النظر إلى العورة عند الضرورة لما قامت شهادة الزنا لأن من رأى رجلا مع امرأة واقعا عليها ولم يتأمل أمرهما حق التأمل لم تصح شهادته ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة وقد سأله عمن وجد مع امرأته رجلا أيقتله فقال لا حتى يأتي بأربعة شهداء ولو لم يكن للشهداء إذا حضروا تعمد النظر إلى عورتيهما لإقامة الشهادة كان حضورهم كغيبتهم ولم تقم شهادة الزنا لأن من شرطها مشاهدة العضو في العضو كالميل في المكحلة . .
فان قيل كيف جاز لأمير المؤمنين الكف عن القتل ومن أي جهة آثره لما وجده أجب وأي تأثير لكونه أجب فيما استحق به القتل وهو نقض العهد . .
قلنا إنه عليه الصلاة والسلام لما فوض إليه الامر في القتل والكف كان له أن يقتله على كل حال وان وجده أجب لان كونه بهذه الصفة لا يخرجه من نقض العهد وإنما آثر الكف الذي كان إليه ومفوضا إلى رأيه لإزالة التهمة والشك الواقعين في أمر مارية ولأنه أشفق من أن يقتله فيحقق الظن ويلحق بذلك العار فرأى عليه السلام ان الكف أولى لما ذكرناه. ( الأمالي ج1 ص55 – 56 )
ويقول السيد جعفر مرتضى في كتاب حديث الإفك:
من القريب جدا : أن النبي لم يكن أمره بالقتل على الحقيقة ، وإنما كان ذلك مقدمة لإظهار البراءة الواقعية لمارية ، فأراد علي أن يثبت - من قصد النبي هذا فسأله بما يدل عليه وأجابه النبي بذلك أيضا . .
... أما هذا فهو موافق للسنة الجارية في أمور مثل هذه يحتاج فيها إلى الكشف واليقين ورفع التهمة ولا سيما وأن الآيات - آيات الإفك - إنما تدل على البراءة الشرعية . فتحتاج إلى ما يدل على البراءة الواقعية أيضا . ( راجع رسالة حول خبر مارية للشيخ المفيد - ص 31 )
كما أجاب عنه أيضا النووي في شرحه لصحيح مسلم:
( باب براءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة )
ذكر في الباب حديث أنس أن رجلا كان يتهم بأم ولده صلى الله عليه وسلم ، فأمر عليا - رضي الله عنه - أن يذهب يضرب عنقه ، فذهب فوجده يغتسل في ركي ، وهو البئر ، فرآه مجبوبا فتركه ،
قيل : لعله كان منافقا ومستحقا للقتل بطريق آخر ، وجعل هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنا ، وكف عنه علي - رضي الله عنه - اعتمادا على أن القتل بالزنا ، وقد علم انتفاء الزنا . والله أعلم. ( شرح النووي على مسلم ج 9 / ص 150 )
من هذه النصوص يتضح أن ذيول الأنبياء معصومات عن الزنا, وأن أمر الرسول (ص) للإمام علي (ع) بقتل القبطي إنما كان لكشف الحقيقة للناس.
والحمد لله رب العالمين ,,
تعليق