صوم الفتاة!!
حسين محمد العلي
ما أن يقترب شهر رمضان ينتابني شعور يخالجه الرأفة على هؤلاء الأطفال من الفتيات وذلك بسبب ما ينتظرهن من جوع وألم لمدة شهر كامل وذلك من خلال صيامهن لهذا الشهر الفضيل.
وكان هذا شعور فقط تجاه الأخريات وقبل ثلاث سنوات حاولت أن ألمح وأشير إلى ذلك في بعض الحوارات العابرة لأننا أصبحنا آباء لبنات تبلغ العمر المحدد للتكليف الشرعي المرتبط بالعقل واستيعابه وهو "9 سنوات" كما تراه النظرية المشهورة لكنني لم أستطع طرح الموضوع لسببين:
الأول: لم أطلع على آراء شرعية لها رأي مختلف عن المشهور.
الثاني: لم أظهر على صورتي الحقيقية في المجتمع التي بدأت تتكون خلال هذه السنوات.
أما الآن وقد بدأ الصوت المعارض بالبروز وفرض نفسه في المجتمع كصوت له ما للآخرين من حق في طرح وجهة نظره، فإني سأحاول طرح الموضوع من خلال بعض الملاحظات التي جعلتني أستوقف أمام هذا الرأي "وقلت الملاحظات كي أبعد التشنجات عند البعض الذي ربما يتصور أننا نهاجم أحداً أو نستخف برأي" وهي:
من الأقوال المأثورة «العقل مناط التكليف» وهذا كلام منطقي وجميل جدا فلا يمكن لإنسان أن يكلف بعمل دون أن يكون قادرا من الناحية العقلية لتقبل هذا التكليف.
وهنا يطرح سؤال مهم جدا وهو:
هل يوجد فرق بين عقل الأنثى والذكر؟
أو بالأحرى هل عقل البنت وعمرها " 9 سنوات " هو بمستوى عقل الولد الذكر وعمره " 14 سنة "؟
ألا يعد هذا وفق المقولة أن الأنثى تمتلك إدراكاً وعقلاً أفضل من الذكر.؟ وذلك من خلال العلاقة بين المقولة والتكليف الشرعي.
مع عبارة «النساء ناقصات عقل ودين». هل يوجد من يؤمن بالإنسان والإنسانية ويؤمن بهذه العبارة؟!. وعلى افتراض قبول هذا التأويل والذي مفاده أن عاطفة المرأة تغلب على عقلها.
نقول: إن هذا التأويل لهو أكبر دليل عندكم على أن الذكر يملك عقلا متزناً أكثر من الأنثى ومع ذلك وفق النظرية المشهورة عوملت من قبل الشرع على عكس ذلك حيث كلفت قبل الذكر بسنين.
ألا يعد هذا تناقض بين جعل العقل شرطا للتكليف وبين التمييز بين الجنسين من حيث العمر.؟
العرف الاجتماعي:
وهنا ربما يقال لي الشرع أولا ثم العرف. وهذا كلام جميل في المجتمعات الدينية. لكننا نقول لكم من منا يحاسب فتاة عمرها " 9 سنوات "؟! أليس الجميع يطلق عليها أنها طفلة؟!
هل يعقل أن تكلف وتحاسب طفلة تدرس في الصف الثالث الابتدائي.؟!
ألا تصنف هذه الفئة العمرية عند الجميع بما فيها المؤسسات التربوية الإسلامية على أنها " حدث "؟
هل يحاسب أحد هذه الفتاة على تصرفاتها؟ أم أن الشرع صاغ الحكم وفق المنظومة الذكورية المرحلية. من يدري؟ " أعني النظرية المشهورة " ومع ذلك فإنه لا يمكن أن نحدد رأي الشرع بدقة بسب الاختلاف الفقهي الذي سيتبين خلال المقال.
سنية الدليل:
وأقصد بذلك أن الدليل من السنة وليس من القرآن ومهما حاولنا فلن نستطيع أن نجعل التأثير على المتلقي المسلم متساويا بين القرآن والسنة هذا بالإضافة إلا أن من رأى رأيا مخالفا يستند إلى رواية عن أحد الأئمة في رأيه وهي رواية عمار الساباطي:
«رواية عمار الساباطي عن أبي عبدالله قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة قال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم». وهذه رواية موثوقة " كلام المؤلف. وقد أورد رواية عن أبي جعفر ترى تكليف البنت عند تسع سنوات.[1] ، وربما يتوجه لي سؤال لماذا لم تذكر الروايات الأخرى؟
أقول: لن أكتب شيئا يعرفه أكثر القراء بل أريد أن أبين أن من ذهب إلى تبني هذا الرأي له دليله الروائي كما أن الأكثرية لهم دليلهم وهو المشهور.
رأي مرجعي آخر:
بسبب التقوقع الفكري الذي عشناه وعُيشناه في نفس الوقت كانت النتيجة الحتمية أن الدائرة لدينا ضيقة جدا في مجال التعدد في الآراء الفقهية حيث كنا نعتقد أن الآراء التي نتلقاها أو نقرأها آراء مجمع عليها من قبل المراجع العظام بل كنا نتصور بسبب التوجيه الفكري أنه لا يمكن أن يوجد رأي فكري مخالف لهذه الآراء ومن ضمن هذه الآراء «بلوغ البنت».
وهنا لن أذكر أصحاب الرأي المشهور لأن القارئ الكريم يحتاج إلى أصحاب الرأي الآخر فمن العبث أن أعطي القارئ رأياً يعرفه لذا سأطرح ما اطلعت عليه من أصحاب الرأي الآخر وهم:
آية الله العظمى: يوسف الصانعي
يعتبر هذا المرجع من أكثر المراجع دفاعا عن المرأة فهو نصير المرأة في إيران فهو يرى: «نعتقد أنّ سن البلوغ عند الفتيات هو ثلاثة عشرة عاماً، وأنَّه لا يوجد دليلٌ معتبر يُعتمد عليه لنظرية التسع، ولصرف النظر عن الأصول المعتبرة التي سنعمد إلى بيانها فيما بعد» وقد ناقش المرجع الكبير الموضوع نقاشا وافياً مفندا النظرية المشهورة " 9 سنوات " بأكثر من شكل داعماً رأيه بما يراه من أدلة.[2]
آية الله الشيخ: محمد هادي معرفت.
«يأخذ معرفت بنظرية الفيض الكاشاني في مسألة بلوغ البنت، وهو اختلاف سن البلوغ باختلاف طبيعة التكاليف، أي أنه في العبادات مثل: الصلاة، والصوم، والحج.. يكون بلوغ البنت بثلاثة عشر عاماً أو الحيض».[3]
القرآني الكبير آية الله العظمى: محمد صادقي الطهراني:
يرى هذا المرجع أن تكليف الصلاة للفتى والفتاة عند عشر سنوات، وفي الصوم التكليف عند ثلاث عشرة سنة للفتى والفتاة.[4]
آية الله الشيخ: محمد آصف محسني
ذهب إلى «ان سن بلوغ المرأة هو الثالثة عشر، واعتبر أن الروايات القائلة بالتسع في الأنثى مثل الروايات القائلة بالثلاثة عشر في الذكر على أن يكون بلوغ الذكر خمس عشرة سنة والأنثى ثلاث عشرة سنة فالحمل هنا قبل الحمل هناك».[5]
آية الله: إبراهيم الجناتي:
«إن ظهور البلوغ عند البنت يكون بالعادة الشهرية " الحيض " أما إذا لم تأتها العادة الشهرية لأسباب في الطبيعة أو في المزاج أو.. فعليها الرجوع إلى عادة قريباتها، فتجعل عادتهن زماناً لبلوغها.»[6]
6-آية الله فضل الله:
«لا يوافق فضل الله الرأي المشهور في بلوغ البنت، رغم أنه يصرح بأنه لم يصدر فتوى في هذا المجال بعد " 90 "».[7]
وفي هذا الخصوص أجاب السيد فضل الله على سؤال نصه:
«س: ما هي سن التكليف للفتاة؟
ج: هناك رأيان، فهناك من يقول بإكمال التاسعة من العمر، وهو الموافق للاحتياط، وهناك من يقول ببلوغ سن البلوغ الطبيعي، وهي الحيض.»[8].
5 – وجود بعض آيات القرآن الكريم والتي تضع صفات يكون المرء من خلالها مؤهلاً لتطبيق التكاليف الشرعية وهي:
1 -﴿ وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾.[9]
2- ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾.[10]
3- ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾.[11]
وقد علق آية الله العظمى: يوسف الصانعي على هذه الآيات داعماً لرأيه ومن أحب أن يقرأ التعليق فليراجع الرابط:http://www.feqh.org/ar/feqh/feqh07.htm
الرأي الطبي:
لم نركن إلى رأي طبي نطمئن إليه في هذا الموضوع وهو: هل تحمُل الأنثى للجوع والعطش في سن التاسعة هو نفس تحمل الذكر في عمر " 14 ". مع العلم أنه من المعروف أنه كلما كبر المرء كان تحمله أكثر. هذه من جهة ومن جهة أخرى نلاحظ أن هذه المسألة " أي مسألة التحمل مع فارق العمر " تسقطها قاعدة " العقل مناط التكليف " فالشاب المجنون يتحمل أكثر من الطفلة " 9 سنوات " ومع ذلك هو غير مكلف بالصوم.
مسألة الحيض:
لقد طرحنا رأي المراجع التي ترى أن الحيض سن البلوغ من أجل أن نثبت رأياً يخالف رأي " 9 سنوات " لا لأنه خالٍ من الملاحظات فهو رأي لا يساوي بين الجنسين في مسألة البلوغ. فالملاحظات عليه كما على 9 سنوات فالفتاة مازالت صغيرة في هذه المرحلة.
البنت والتقليد الابتدائي:
من المعروف أن البنت حينما تبلغ "9 سنوات " لا بد أن ترجع لأحد مراجع التقليد وفق النظرية المشهورة، وبما أنها لا تستطيع أن تختار أو تميز بينهم فإن من يتولى أمرها هو ولي أمرها " الأب " فهل يا ترى يستطيع الأب أن يرجِع ابنته إلى من يرى أن سن البلوغ هو " 13 سنة "؟. "ألا تشفع له الملاحظات التي ذكرت في أن يوجه ابنته لهذا الرأي "؟!
و أرجو هنا ألا اُتهم على أني أقف ضد الشرع أو ضد ممثليه فأنا هنا أطرح رأياً شرعياً أعتقد أن الكثير لا يعرفه من جهة ورأفة بحال بناتنا " الأطفال " من جهة أخرى فالجو حار هذه السنة من الصعب عليهن تحمله وأنا لا أريد هنا حثهن على التمرد عن الصيام بل من أرادت أن تصوم لها ومن أراد ولي أمرها أن يحولها وباسم الشرع إلى من يرى سن التكليف عند الثالثة عشر فله الحق في ذلك
وربما يتبادر في ذهن بعض القراء الكرام أن المراجع المذكورين غير مشهورين.
نقول لهم هذا الكلام غير دقيق فالشيخ الصانعي نار على علم وكذلك السيد فضل الله أما الشخصيات الأخرى فهي مشكلة العامة وهي عدم اطلاعهم للمشهد الثقافي الإيراني. والسلام.
[1] راجع: آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله وحركية العقل الاجتهادي لدى فقهاء الشيعة الإمامية، ص: 95 - جعفر الشاخوري البحراني – ط: الأولى 1419- 1998 – دار الملاك – بيروت لبنان.
[2] للمزيد راجع الرابط: http://www.feqh.org/ar/feqh/feqh07.htm
[3] راجع: ص: 89 مجلة نصوص معاصرة – العدد السادس – ربيع 2006- 1427 أو: ص: 131. سلسلة كتاب نصوص معاصرة " المرأة في الفكر الإسلامي المعاصر قضايا وإشكالات – ط: الأولى: 2008 – دار الهادي – بيروت.
[4] راجع: ص: 636 - نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي، المؤلف: حيدر حب الله. الانتشار العربي ـــ الطبعة الأولى 2006.
[5] راجع: ص: 94 - آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله وحركية العقل الاجتهادي لدى فقهاء الشيعة الإمامية – جعفر الشاخوري البحراني – ط: الأولى 1419- 1998 – دار الملاك – بيروت لبنان.
[6] راجع: ص: 129 – سلسلة كتاب نصوص معاصرة " المرأة في الفكر الإسلامي المعاصر قضايا وإشكالات – ط: الأولى: 2008 – دار الهادي – بيروت.
[7] راجع: ص: 140 – سلسلة كتاب نصوص معاصرة " المرأة في الفكر الإسلامي المعاصر قضايا وإشكالات – ط: الأولى: 2008 – دار الهادي – بيروت.
[8] راجع الرابط: http://arabic.bayynat.org.lb/mbayyna...fikrq5_535.htm
[9] النساء: آية: 6.
[10] النور: آيــة: 59.
[11] الإسراء: آية: 34.
حسين محمد العلي
ما أن يقترب شهر رمضان ينتابني شعور يخالجه الرأفة على هؤلاء الأطفال من الفتيات وذلك بسبب ما ينتظرهن من جوع وألم لمدة شهر كامل وذلك من خلال صيامهن لهذا الشهر الفضيل.
وكان هذا شعور فقط تجاه الأخريات وقبل ثلاث سنوات حاولت أن ألمح وأشير إلى ذلك في بعض الحوارات العابرة لأننا أصبحنا آباء لبنات تبلغ العمر المحدد للتكليف الشرعي المرتبط بالعقل واستيعابه وهو "9 سنوات" كما تراه النظرية المشهورة لكنني لم أستطع طرح الموضوع لسببين:
الأول: لم أطلع على آراء شرعية لها رأي مختلف عن المشهور.
الثاني: لم أظهر على صورتي الحقيقية في المجتمع التي بدأت تتكون خلال هذه السنوات.
أما الآن وقد بدأ الصوت المعارض بالبروز وفرض نفسه في المجتمع كصوت له ما للآخرين من حق في طرح وجهة نظره، فإني سأحاول طرح الموضوع من خلال بعض الملاحظات التي جعلتني أستوقف أمام هذا الرأي "وقلت الملاحظات كي أبعد التشنجات عند البعض الذي ربما يتصور أننا نهاجم أحداً أو نستخف برأي" وهي:
من الأقوال المأثورة «العقل مناط التكليف» وهذا كلام منطقي وجميل جدا فلا يمكن لإنسان أن يكلف بعمل دون أن يكون قادرا من الناحية العقلية لتقبل هذا التكليف.
وهنا يطرح سؤال مهم جدا وهو:
هل يوجد فرق بين عقل الأنثى والذكر؟
أو بالأحرى هل عقل البنت وعمرها " 9 سنوات " هو بمستوى عقل الولد الذكر وعمره " 14 سنة "؟
ألا يعد هذا وفق المقولة أن الأنثى تمتلك إدراكاً وعقلاً أفضل من الذكر.؟ وذلك من خلال العلاقة بين المقولة والتكليف الشرعي.
مع عبارة «النساء ناقصات عقل ودين». هل يوجد من يؤمن بالإنسان والإنسانية ويؤمن بهذه العبارة؟!. وعلى افتراض قبول هذا التأويل والذي مفاده أن عاطفة المرأة تغلب على عقلها.
نقول: إن هذا التأويل لهو أكبر دليل عندكم على أن الذكر يملك عقلا متزناً أكثر من الأنثى ومع ذلك وفق النظرية المشهورة عوملت من قبل الشرع على عكس ذلك حيث كلفت قبل الذكر بسنين.
ألا يعد هذا تناقض بين جعل العقل شرطا للتكليف وبين التمييز بين الجنسين من حيث العمر.؟
العرف الاجتماعي:
وهنا ربما يقال لي الشرع أولا ثم العرف. وهذا كلام جميل في المجتمعات الدينية. لكننا نقول لكم من منا يحاسب فتاة عمرها " 9 سنوات "؟! أليس الجميع يطلق عليها أنها طفلة؟!
هل يعقل أن تكلف وتحاسب طفلة تدرس في الصف الثالث الابتدائي.؟!
ألا تصنف هذه الفئة العمرية عند الجميع بما فيها المؤسسات التربوية الإسلامية على أنها " حدث "؟
هل يحاسب أحد هذه الفتاة على تصرفاتها؟ أم أن الشرع صاغ الحكم وفق المنظومة الذكورية المرحلية. من يدري؟ " أعني النظرية المشهورة " ومع ذلك فإنه لا يمكن أن نحدد رأي الشرع بدقة بسب الاختلاف الفقهي الذي سيتبين خلال المقال.
سنية الدليل:
وأقصد بذلك أن الدليل من السنة وليس من القرآن ومهما حاولنا فلن نستطيع أن نجعل التأثير على المتلقي المسلم متساويا بين القرآن والسنة هذا بالإضافة إلا أن من رأى رأيا مخالفا يستند إلى رواية عن أحد الأئمة في رأيه وهي رواية عمار الساباطي:
«رواية عمار الساباطي عن أبي عبدالله قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة قال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم». وهذه رواية موثوقة " كلام المؤلف. وقد أورد رواية عن أبي جعفر ترى تكليف البنت عند تسع سنوات.[1] ، وربما يتوجه لي سؤال لماذا لم تذكر الروايات الأخرى؟
أقول: لن أكتب شيئا يعرفه أكثر القراء بل أريد أن أبين أن من ذهب إلى تبني هذا الرأي له دليله الروائي كما أن الأكثرية لهم دليلهم وهو المشهور.
رأي مرجعي آخر:
بسبب التقوقع الفكري الذي عشناه وعُيشناه في نفس الوقت كانت النتيجة الحتمية أن الدائرة لدينا ضيقة جدا في مجال التعدد في الآراء الفقهية حيث كنا نعتقد أن الآراء التي نتلقاها أو نقرأها آراء مجمع عليها من قبل المراجع العظام بل كنا نتصور بسبب التوجيه الفكري أنه لا يمكن أن يوجد رأي فكري مخالف لهذه الآراء ومن ضمن هذه الآراء «بلوغ البنت».
وهنا لن أذكر أصحاب الرأي المشهور لأن القارئ الكريم يحتاج إلى أصحاب الرأي الآخر فمن العبث أن أعطي القارئ رأياً يعرفه لذا سأطرح ما اطلعت عليه من أصحاب الرأي الآخر وهم:
آية الله العظمى: يوسف الصانعي
يعتبر هذا المرجع من أكثر المراجع دفاعا عن المرأة فهو نصير المرأة في إيران فهو يرى: «نعتقد أنّ سن البلوغ عند الفتيات هو ثلاثة عشرة عاماً، وأنَّه لا يوجد دليلٌ معتبر يُعتمد عليه لنظرية التسع، ولصرف النظر عن الأصول المعتبرة التي سنعمد إلى بيانها فيما بعد» وقد ناقش المرجع الكبير الموضوع نقاشا وافياً مفندا النظرية المشهورة " 9 سنوات " بأكثر من شكل داعماً رأيه بما يراه من أدلة.[2]
آية الله الشيخ: محمد هادي معرفت.
«يأخذ معرفت بنظرية الفيض الكاشاني في مسألة بلوغ البنت، وهو اختلاف سن البلوغ باختلاف طبيعة التكاليف، أي أنه في العبادات مثل: الصلاة، والصوم، والحج.. يكون بلوغ البنت بثلاثة عشر عاماً أو الحيض».[3]
القرآني الكبير آية الله العظمى: محمد صادقي الطهراني:
يرى هذا المرجع أن تكليف الصلاة للفتى والفتاة عند عشر سنوات، وفي الصوم التكليف عند ثلاث عشرة سنة للفتى والفتاة.[4]
آية الله الشيخ: محمد آصف محسني
ذهب إلى «ان سن بلوغ المرأة هو الثالثة عشر، واعتبر أن الروايات القائلة بالتسع في الأنثى مثل الروايات القائلة بالثلاثة عشر في الذكر على أن يكون بلوغ الذكر خمس عشرة سنة والأنثى ثلاث عشرة سنة فالحمل هنا قبل الحمل هناك».[5]
آية الله: إبراهيم الجناتي:
«إن ظهور البلوغ عند البنت يكون بالعادة الشهرية " الحيض " أما إذا لم تأتها العادة الشهرية لأسباب في الطبيعة أو في المزاج أو.. فعليها الرجوع إلى عادة قريباتها، فتجعل عادتهن زماناً لبلوغها.»[6]
6-آية الله فضل الله:
«لا يوافق فضل الله الرأي المشهور في بلوغ البنت، رغم أنه يصرح بأنه لم يصدر فتوى في هذا المجال بعد " 90 "».[7]
وفي هذا الخصوص أجاب السيد فضل الله على سؤال نصه:
«س: ما هي سن التكليف للفتاة؟
ج: هناك رأيان، فهناك من يقول بإكمال التاسعة من العمر، وهو الموافق للاحتياط، وهناك من يقول ببلوغ سن البلوغ الطبيعي، وهي الحيض.»[8].
5 – وجود بعض آيات القرآن الكريم والتي تضع صفات يكون المرء من خلالها مؤهلاً لتطبيق التكاليف الشرعية وهي:
1 -﴿ وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾.[9]
2- ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾.[10]
3- ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾.[11]
وقد علق آية الله العظمى: يوسف الصانعي على هذه الآيات داعماً لرأيه ومن أحب أن يقرأ التعليق فليراجع الرابط:http://www.feqh.org/ar/feqh/feqh07.htm
الرأي الطبي:
لم نركن إلى رأي طبي نطمئن إليه في هذا الموضوع وهو: هل تحمُل الأنثى للجوع والعطش في سن التاسعة هو نفس تحمل الذكر في عمر " 14 ". مع العلم أنه من المعروف أنه كلما كبر المرء كان تحمله أكثر. هذه من جهة ومن جهة أخرى نلاحظ أن هذه المسألة " أي مسألة التحمل مع فارق العمر " تسقطها قاعدة " العقل مناط التكليف " فالشاب المجنون يتحمل أكثر من الطفلة " 9 سنوات " ومع ذلك هو غير مكلف بالصوم.
مسألة الحيض:
لقد طرحنا رأي المراجع التي ترى أن الحيض سن البلوغ من أجل أن نثبت رأياً يخالف رأي " 9 سنوات " لا لأنه خالٍ من الملاحظات فهو رأي لا يساوي بين الجنسين في مسألة البلوغ. فالملاحظات عليه كما على 9 سنوات فالفتاة مازالت صغيرة في هذه المرحلة.
البنت والتقليد الابتدائي:
من المعروف أن البنت حينما تبلغ "9 سنوات " لا بد أن ترجع لأحد مراجع التقليد وفق النظرية المشهورة، وبما أنها لا تستطيع أن تختار أو تميز بينهم فإن من يتولى أمرها هو ولي أمرها " الأب " فهل يا ترى يستطيع الأب أن يرجِع ابنته إلى من يرى أن سن البلوغ هو " 13 سنة "؟. "ألا تشفع له الملاحظات التي ذكرت في أن يوجه ابنته لهذا الرأي "؟!
و أرجو هنا ألا اُتهم على أني أقف ضد الشرع أو ضد ممثليه فأنا هنا أطرح رأياً شرعياً أعتقد أن الكثير لا يعرفه من جهة ورأفة بحال بناتنا " الأطفال " من جهة أخرى فالجو حار هذه السنة من الصعب عليهن تحمله وأنا لا أريد هنا حثهن على التمرد عن الصيام بل من أرادت أن تصوم لها ومن أراد ولي أمرها أن يحولها وباسم الشرع إلى من يرى سن التكليف عند الثالثة عشر فله الحق في ذلك
وربما يتبادر في ذهن بعض القراء الكرام أن المراجع المذكورين غير مشهورين.
نقول لهم هذا الكلام غير دقيق فالشيخ الصانعي نار على علم وكذلك السيد فضل الله أما الشخصيات الأخرى فهي مشكلة العامة وهي عدم اطلاعهم للمشهد الثقافي الإيراني. والسلام.
[1] راجع: آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله وحركية العقل الاجتهادي لدى فقهاء الشيعة الإمامية، ص: 95 - جعفر الشاخوري البحراني – ط: الأولى 1419- 1998 – دار الملاك – بيروت لبنان.
[2] للمزيد راجع الرابط: http://www.feqh.org/ar/feqh/feqh07.htm
[3] راجع: ص: 89 مجلة نصوص معاصرة – العدد السادس – ربيع 2006- 1427 أو: ص: 131. سلسلة كتاب نصوص معاصرة " المرأة في الفكر الإسلامي المعاصر قضايا وإشكالات – ط: الأولى: 2008 – دار الهادي – بيروت.
[4] راجع: ص: 636 - نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي، المؤلف: حيدر حب الله. الانتشار العربي ـــ الطبعة الأولى 2006.
[5] راجع: ص: 94 - آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله وحركية العقل الاجتهادي لدى فقهاء الشيعة الإمامية – جعفر الشاخوري البحراني – ط: الأولى 1419- 1998 – دار الملاك – بيروت لبنان.
[6] راجع: ص: 129 – سلسلة كتاب نصوص معاصرة " المرأة في الفكر الإسلامي المعاصر قضايا وإشكالات – ط: الأولى: 2008 – دار الهادي – بيروت.
[7] راجع: ص: 140 – سلسلة كتاب نصوص معاصرة " المرأة في الفكر الإسلامي المعاصر قضايا وإشكالات – ط: الأولى: 2008 – دار الهادي – بيروت.
[8] راجع الرابط: http://arabic.bayynat.org.lb/mbayyna...fikrq5_535.htm
[9] النساء: آية: 6.
[10] النور: آيــة: 59.
[11] الإسراء: آية: 34.
تعليق