إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

خلافة رسول الله (ص) بين النص والشورى

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خلافة رسول الله (ص) بين النص والشورى

    خلافة رسول الله (ص) بين النص والشورى
    كتابات أبو محمد الأنصاري

    لكي تناقش مسألة ما نقاشاً موضوعياً فما عليك سوى أن تتوجه الى المسألة نفسها ، بعد أن تلقي عن كاهلك إرث الأضغان والتصورات المنحرفة المسبقة ، أما أن تأتي محملاً بكل خزعبلات التأريخ التي ورّثها لك أسلافك المنحرفون لتجعل منها فيصلاً تحاكم به تصور الآخرين المختلف ، فأنت بلا ريب من الحمقى الذين أعمى قلوبهم الجهل ، واستخفتهم الأهواء ، وهذا حال بعض من كتبوا أخيراً عن هذه المسألة .
    فالأصل في الخلاف بين المسلمين الشيعة وغيرهم من الفرق المنحرفة عن دين الله يتحدد بمسألة الإمامة ، فهل أوصى رسول الله (ص) بمن يخلفه من بعده ، أم ترك الأمة هملاً دون راع ؟ وبكلمة أخرى هل ورد عن رسول الله (ص) شئ بشأن أخطر الأمور على الإطلاق وهو قيادة الأمة من بعده ، وهو (ص) الذي لم يترك حتى مسألة تقليم الأظافر دون نص منه ، أم إنه ترك الحبل على غاربه كما يزعم دهاقنة الردة ؟ ولأضيف قائلاً هل كان أبن أبي قحافة أكثر شعوراً بالمسؤولية من رسول الله الذي يقول فيه الله عز وجل {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128، فأوصى بالملك من بعده الى شريكه بجريمة غصب الخلافة ، وترك رسول الله (ص) الأمة دون أن يوصي ؟
    هذه هي المسألة يا أصحاب العقول المستقيلة ، فهل فيكم شجاع يطلب الحق فيناقش في هذا الأصل ، أم إنكم استمرأتم باطل آباءكم وحق عليكم القول إنكم لا تؤمنون ؟ {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ }الزخرف22 . {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }البقرة170.
    هذه هي المسألة ، أما أن تسقطوا تخرصاتكم وأضاليكم على الدين الحق وتزعموا أن التزييف الذي أخرجتموه هو الدين ثم تتهمون من لا يوافقكم على تحريفاتكم بأنه هو المنحرف فهذا هو العجب العجاب ، وهذا هو التعصب والعمى بعينه {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران78 .
    وإذا شئتم أن ننهج نهجكم فما أسهل أن نقول ، بل وما أصح أن نقول ونحن أهل الدليل : إن من بين العقد التي بنى عليها النواصب ومغتصبو الحق من أهله إنحرافهم عن دين الحق – وهي أكثر من أن تحصى - ( عقدة "الانتقائية" في الدين,و"الانتقائية"هي نقيصة عانت منها كل الأديان المنحرفة على مر العصور,فلا تكاد ترى ديننا أو عبادة إلا وجدت أصحابها يتخيرون لأنفسهم من الدين ما يشتهون بغض النظر عن كل الشرائع والمباديء والقيم ضاربين عرض الحائط بما يأمرهم به دينهم عندما تتعارض مصالحهم الشخصية مع حدود ذلك الدين,فكانوا يأخذون من الدين ما يوافق هواهم فان خالف الدين هواهم تركوه أو راحوا يحتالون على ذلك الدين حتى يحلوا لأنفسهم ما يشتهون,ولهذا كان مما أوصى به رب العالمين المسلمين أن قال لهم"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب : 36].ولهذا أيضا نهانا ربنا عن إتباع الهوى ,والهوى هو أن تتبع مرادك ورغبتك بعيدا عن الشرع والحق, فقال ربنا محذرا نبيه داوود من إتباع الهوى"يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [صـ : 26].وذلك هو الفيصل بين الدين الإسلامي وبين باقي الأديان الوضعية أو المنحرفة أو حتى الفرق الضالة التي انتسبت للإسلام ظلما وعدوانا,وهذه الانتقائية هي ما ميز الدين الشيعي على مر عصوره ) .
    هذا سفه في الحقيقة فمن يريد أن يتقول ويجرب بذاءة لسانه وسوء خلقه على الآخرين فليعلم لعله هو أولى بما يقول من الآخر ، فالمسألة ليست أن نتقول على الآخرين ، أو نظن أن ما بأيدينا حق وما لدى الآخر ضلال ، هذا يستطيع أن يراه أغبى حمار في الحي ، وإذا كان هذا هو ديدن النواصب أخزاهم الله فلأنهم حرموا من نعمة العقل والتقوى ، نعم من أراد الحق فطريق الحق واضح بينه الله تعالى في كتابه الكريم بقوله تعالى {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة111. وأنى لهم البرهان وهم يعرفون في أنفسهم الباطل ، ولكن صدق الله العلي العظيم {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }الحج46.
    يقول الناصبي المشار إليه في مقال له في كتبات : (( من المعلوم في الدين الشيعي ان ما يقوله المعصوم يجب ان يؤخذ به ,لانه معصوم,وبالتالي فما يقوله يجب ان يكون صوابا حتى لو نافى العقل والمنطق والفطرة السليمة, )) .
    هذا هو الجهل والشيطنة ، وهذه هي المغالطة والإلتفاف على الحقائق فالناصبي أخزاه الله يسمي مذهب الحق بالدين الشيعي ، ويريد بهذه التسمية ما يريده قومه النواصب المنحرفون من طعن بالتشيع وإخراج له من دائرة الإسلام ، ولكن خاب فأله فالتشيع هو الدين الحقيقي والدين الحقيقي هو التشيع ، وما عداه باطل وإنحراف وسيأتي في مقالات لاحقة إن شاء الله أي تراث أحق بوصف الإنحراف ومنافاة العقل والفطرة السليمة والمنطق ؛ تراث المسلمين الحق أم تراث المنحرفين ؟
    سأخصص هذه المقالة بعد التوكل على الله تعالى للحديث عن بعض نظريات مدرسة الخلفاء في الحكم الإسلامي ، وهي على أية حال نظريات كثيرة استدل مصطفى عبدالرازق من تعددها وتضاربها عدم وجود نظرية حقيقية عند القوم ، وهذا حق لا ينكره إلا مكابر ، فكل النظريات التي طرحها متكلمو مدرسة الخلفاء وفقهاؤهم لم تكن في حقيقة الأمر سوى محاولات لتبرير واقع حدث ومن ثم إضفاء صبغة الشرعية عليه ، فإذا حركت أنف الفقيه أو المتكلم روائح يستشعر منها مقولة الشورى – بحسب ما يفهمونها – قال بنظرية الشورى نظاماً إسلامياً للحكم ، وإذا رأى الحاكم يسطو على الحكم بالقوة والإكراه قال بنظرية الغلبة ، وهكذا دواليك .
    ولا يخفى أن نظرية الشورى تحظى برواج واسع بين القوم قياساً بغيرها لاسيما في هذه الأزمان ، ومن هنا كان تخصيص هذا المقال لها ، على أن نتعرض – إذا شاء الله تعالى – لغيرها من النظريات في مقالات لاحقة والله وحده المستعان وعليه التوكل .
    على الرغم من إن الشورى لم تمارس في زمن من الأزمان وعلى طول التأريخ الإسلامي الذي حكمه سلاطين مدرسة الخلفاء ، فبعد وفاة رسول الله (ص) بادر مجموعة من الرجال يتزعمهم عمر وأبو بكر بعقد سقيفة بني ساعدة ، في وقت كان المسلمون فيه وعلى رأسهم أهل البيت عليهم السلام وبنو هاشم كلهم منشغلين بتجهيز النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، ومع قلّة المجتمعين في السقيفة فإن ما دار بينهم لم يسفر عن رضا الجميع ولا عن اتفاقهم أو تشاورهم، بل تطاير الشرُّ بينهم ، وكانت بيعتهم ـ كما قال عمر لاحقا ـ (فلتة وقى الله شرّها ) .
    فالشورى لم تتحقق بين أصحاب السقيفة أنفسهم فضلاً عمن غاب عنها ورفضها كأهل البيت عليهم السلام، وأصحابهم، وبني هاشم كلهم، والأمويون أيضاً كما يدلّ عليه موقف عميدهم، فهذا هو الواقع التاريخي الذي ساد بعد اجتماع السقيفة ، وهذه هي اللحظة المثالية للشورى بالنسبة لمدرسة الخلفاء . ولكن حيث أنهم رأوا أن الدين بحاجة الى الملك والملك بحاجة الى الدين ولا غنى لأحدهما عن الآخر كما تحدث المسعودي ، وأنّ ذلك معلوم بضرورة العقل وبديهته ، وأنّ قيام الدين ممتنع غير ممكن إلاّ بالإسناد إلى واحد يكون على رأس هذا النظام على حد تعبير ابن حزم ، وأن حال الأمة سيؤول الى الفتنة إذا لم يكن لها إمام يقوم بأمر الناس كما ورد عن ابن حنبل ، وبكلمة أخرى لأنهم رأوا ضرورة أن يكون للدين كلمة في شأن من يخلف الرسول (ص) التفتوا الى الواقع الذي أسسه أسلافهم لينظّروا له ويشرعنوه في سابقة خطيرة جعلوا فيها الواقع الخارجي حاكماً على الشرع والعقيدة ، وليس العكس .
    والملفت إن من نظّر لنظام الشورى كان يحاول جاهداً إخفاء الحقيقة التبريرية لنظرية الشورى عبر الإستدلال لها ببعض النصوص القرآنية ، وهي كالآتي :-
    - النصّ الأول :-
    قوله تعالى في شأن الرضاع: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }البقرة233
    ( وهذا حديث في أجواء الأسرة الواحدة، يتشاور الأبوان في شأن وليدهما الرضيع، هل تُتمّ أمه رضاعه إلى الحولين، أم تفصله عن الرضاع ؟ تفاهم ثنائي في مسألة على ضوء المعرفة بحال الاَم وحال الرضيع، وجوّ الاُسرة العامّ، ينتهي إلى قرار مشترك لا إكراه فيه.
    وربما انتهى قرارهما بعد التشاور إلى أن يسترضعا له مرضعة غير اُمّه، قال تعالى : وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتّقوا الله واعلموا أنّ الله بما تعملون بصير ) ومن هذا يتضح أن حشر هذا النص القرآني في مسألة الخلافة وكيفية الإستخلاف لا وجه له على الإطلاق .
    - النصّ الثاني
    {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159.
    هذه الآية الكريمة نزلت بعد انهزام المسلمين في غزوة أحد ، ويتضح منها روح العفو والإستغفار ، بدل التبكيت المتوقع من القادة الدنيويين بعد إنهزام جيوشهم ، والمشاورة الواردة في الآية لا تصلح للتعميم الى مسألة كيفية تعيين الخليفة ، كيف وقد ذيلت بقوله تعالى ( فإذا عزمت فتوكل على الله ) قال الشوكاني في فتح القدير 1: 393 ـ وقوله جامع لأقوال المفسّرين ـ: (إنّ المراد أيّ أمرٍ كان ممّا يشاوَر في مثله، أو في أمر الحرب خاصّة كما يفيده السياق... والمراد هنا المشاورة في غير الأمور التي يرد الشرع بها . فموضع المشاورة إذن هو أمور الدنيا لا الدين . وعن قتادة، قال: (أمر الله نبيّه أن يشاور أصحابه في الاُمور، وهو يأتيه وحي السماء، لاَنّه أطيب لاَنفس القوم، وأنّ القوم إذا شاور بعضهم بعضاً وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على الرشدة ، وعن الحسن، قال: (قد علم الله أنّه ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد أن يستنّ به من بعده . [ الدر المنثور2/358] وكل هذا في أمور الدنيا وليس كيفية تعيين الخليفة منها . ولو تساءلنا : (هل اتّخذت هذه الشورى نظاماً ثابتاً ؟: منذ أن نزلت هذه الآية الكريمة وحتّى وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، هل اتّخذت الشورى شكلاً معيناً ونظاماً ثابتاً ؟ ومن كافّة أمثلة الشورى وتطبيقاتها ـ ومعظمها في شؤون الحرب ـ نجد أنّ النبيّ القائد صلى الله عليه وآله وسلم كان يختار للمشورة أحياناً من يشاء، وأحياناً يستمع إلى مشير يبدي رأيه ابتداءً، دون أن ينتخب أشخاصاً بأعيانهم للمشاورة في النوازل ـ فيوم الخندق؛ أشار عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر خندق حول المدينة، فأخذ برأيه، وأمر بحفر الخندق، فحُفر، وعاد على الاِسلام والمسلمين بكلِّ خير وأيّام الخندق ذاتها؛ أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يفتّ في عضد الاحزاب ويفرّق شملهم ليخفّف على أهل المدينة ضنك الحصار، بأن يصالح كبير غطفان عيينة بن حصن على سهم من ثمر المدينة لينسحب بمن معه من غطفان وهوازن ويخذل الاَحزاب، فدعا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الاَمر سيّدي الاَوس والخزرج من الاَنصار: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، فاستشارهما في ذلك، فقالا: يا رسول الله، إن كنت اُمرتَ بشيء فافعله وامضِ له، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلاّ السيف فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لم اُؤمر بشيء، ولو اُمرت بشيء ما شاورتكما.. بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلاّ لاَنّني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كلِّ جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمرٍ ما». وسُرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقولهما، فقال لعيينة بن حصن، ورفع صوته بها «ارجع، فليس بيننا وبينكم إلاّ السيف ) [ سيرة ابن هشام 3: 234، الاستيعاب 2: 37، تاريخ الطبري 2: 573 عن الزهري] .
    - النصّ الثالث :- {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }الشورى38 .
    إن أمر الملك أو الحكم ليس من أمور الناس حتى يكون داخلاً ضمن مصاديق الآية ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) ، بل هو من الأمور المختصة بالله سبحانه وتعالى . عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له : (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران/26 . أليس الله عز وجل قد آتى بني أمية ؟ قال : (ليس حيث تذهب إن الله عز وجل آتانا الملك وأخذته بنو أمية بمنزلة الرجل يكون له الثوب فيأخذه الآخر فليس هو للذي أخذه ) . والآية والرواية واضحة الدلالة على أن الملك والحكم من الأمور المختصة بالله عز وجل يختار لها من يشاء من خلقه .
    وقوله تعالى : (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) وأيضاً هذه الآية واضحة الدلالة على أن تنصيب الخليفة بيد الله تعالى لا بيد
    والآية ( ناظرة إلى ظواهر يتميّز بها المجتمع الإسلامي التي تمثّل أهداف الإسلام وآدابه، فمع ما يتحلّون به من الإيمان، وحسن التوكّل على الله تعالى، واجتناب الكبائر والفواحش، والعفو والمسامحة، والاستجابة لأمر ربّهم، وإحياء الصلاة، وردّ البغي والعدوان، فهم أيضاً (شأنهم المشاورة بينهم.. ففيه الإشارة إلى أنّهم أهل الرشد وإصابة الواقع، يمعنون في استخراج صواب الرأي بمراجعة العقول. فالآية قريبة المعنى من قوله تعالى : يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ) .
    ولكي لا تبقى خدعة الشورى قائمة أريد في هذا القليل بيان حق علي بن أبي طالب (ع) وانه وال محمد (ع) الأئمة حجج الله على خلقه ، وان مبدأ الشورى في اختيار خليفة الله أو الحاكم بأمر الله باطل وأظن يكفي في بطلانه قصة موسى مع قومه فقد اختار سبعين رجلا لميقات الله فكفروا بأجمعهم ولم يكن في اختيار موسى (ع) صالحاً واحداً من بين سبعين اختيار فكيف يختار ( أهل الشورى ) وهم دون موسى (ع) شخصاً واحداً فيكون من الصالحين .
    وفصل الخطاب في بيان حق علي (ع) والأئمة والمهديين من ولده (ع) وباختصار شديد
    لو كان إنسان يملك سفينة أو مصنع أو أي شيء يعمل فيه مجموعة من الناس أليس من المفروض أن يعين رباناً للسفينة أو مديراً للمصنع أو قائداً لهؤلاء الناس ثم أن ترك هذا وغرقت السفينة أو تلف المصنع أو حدث ضرر ما إلا يوصف عمله هذا بالسفه أو عدم الحكمة
    ثم إن عين رباناً للسفينة أو مديراً للمصنع أو قائداً لهؤلاء الناس ولكنه لم يكن أعلمهم في قيادة السفينة أو إدارة المصنع أو قيادة هؤلاء الناس وحصل نقص في إنتاج المصنع أو حدث طارئ ما تسبب في ضرر معين كغرق السفينة بسبب جهل هذا القائد بقانون تشغيل المصنع أو معالجة الطارئ ألا يوصف عمله هذا بالسفه أو مجانبة الحكمة أليس من المفروض ومقتضى الحكمة اختيار اعلم الموجودين أو تزويد المختار بالعلم اللازم ليكون الأكفأ والأقدر على قيادة السفينة وإيصالها الى بر الأمان وإدارة المصنع وتحقيق أفضل إنتاج .
    ولو فرضنا أن هذا الإنسان عين رباناً للسفينة أو مديراً للمصنع أو قائداً لهؤلاء الناس وكان أعلمهم وأقدرهم على قيادة السفينة وإدارة المصنع ولكنه لم يأمر الناس بطاعة هذا الربان أو المدير أو القائد وتصرف الناس كل بحسب هواه ورغبته لأنهم غير مأمورين بطاعة القائد المعين وحصلت فوضى أو أضرار بسبب عدم أمره للناس بطاعة الربان أو القائد ألا يوصف بأنه جانب الحكمة الى السفه ثم ما فائدة تعيينه للقائد الأقدر إن لم يأمر الناس بطاعته
    لا أظن أن عاقلاً حكيماً سيقول غير هذا ( يجب تعيين قائد ويجب أن يكون لديه أو أن يزود بكل ما يحتاج من العلم ويجب أن يُأمر الذين يقودهم بطاعته )
    وهذا موجود في القرآن فمع أول خليفة لله سبحانه في أرضه وضع هذا القانون وهو قانون معرفة خليفة الله وحجته على عباده بل هو قانون معرفة الله لان بمعرفة خليفة الله يعرف الله
    فتعيين الإمام والقائد وخليفة الله في قوله تعالى :
    (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30)
    وكون هذا الخليفة هو الأعلم في قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:31)
    والأمر بطاعة هذا الخليفة في قوله تعالى : (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر:29)
    بل ومن يرجع للتوراة والإنجيل سيجد نصوصاً كثيرة تنطبق تماما مع النص القرآني في بيان إن قانون معرفة خليفة الله او قانون معرفة الله هو هذه الأمور الثلاثة التي بينتها .
    فمن هو وصي رسول الله ومن هو اعلم الناس بعد رسول الله ومن الذي أمرَ رسول الله بأمرِ الله الناس بطاعته ، يجب أن يكون هناك شخصاً فيه هذه الأمور الثلاثة وإلا فمن يقول بعدمه يتهم الله سبحانه وتعالى بمجانبة الحكمة
    أقول مَنْ ؟ وادع الجواب لمن أسألهم وعسى أن ينصف الناس أنفسهم بالجواب الحق
    وجدير بنا الالتفات الى أن هناك ومنذ البداية من رفض الانصياع لأمر الله سبحانه وتعالى ورفض أن يكون بينه وبين الله واسطه ورفض أن يكون قبلته الى الله آدم (ع) وهذا الرافض الخبيث هو إبليس لعنه الله (طاووس الملائكة) نعم أؤكد هذا كان من رفض السجود لآدم (ع) طاووس الملائكة في حينها أرجو أن يستحضر هذا المعنى كل من يريد الإجابة على السؤال المتقدم قال تعالى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (الكهف:50).
    ولعل اشد من تابعوا إبليس في خطاه ورفضوا أن يكون بينهم وبين الله واسطة كما أراد الله ورفضوا أن يكون خليفة الله وحجته على عباده قبلتهم الى الله هم الوهابيون بل إنهم تجاوزوا إبليس لعنه الله إمامهم وقدوتهم في رفض السجود لخليفة الله حيث لم يكتفوا باقتفاء اثر إبليس بل زادوا عليه في بيان بغضهم وحقدهم على خلفاء الله في أرضه آل محمد (ع) فقاموا بهدم أضرحتهم في البقيع في المدينة المنورة ( وما نورها إلا لان محمد وال محمد (ع) دفنوا فيها ) وأتموا حقدهم في سامراء ويدعون بهذا أنهم يريدون التوحيد ونبذ الشرك
    انظروا أيها المنصفون بعين الحق وليكن القرآن ميزانكم ستجدون إن الشرك الذي يدعي هؤلاء نبذه هو سجود الملائكة لآدم (ع) وستجدون أن التوحيد الذي يدعي هؤلاء طلبه هو رفض إبليس لعنه الله السجود لآدم (ع) .
    هكذا هم بحسب عقيدتهم إبليس لعنه الله سيد الموحدين لأنه رفض السجود لغير الله ، بل وبحسب عقيدتهم الفاسدة فإن الملائكة مشركون لأنهم سجدوا لغير الله
    ولكن أيضا ليس الوهابيون هم متفردون بهذا المنهج من الجهل وإنكار حجة الله ونصب العداء والبغض لآل محمد (ع) فقد سبقهم في هذه الأمة كثير كالأمويين والعباسيين وغيرهم و قتلوا آل محمد (ع) باسمهم وبسيفهم، فيزيد لعنة الله يدعي انه خليفة الرسول محمد (ص) ويقتل الحسين(ع) باسم الرسول (ص) وهكذا فعل بنو العباس رغم إن الأئمة (ع) حجج الله قد جاءوا بالأمور الثلاثة المتقدمة التي مثلت قانوناً إلهياً لمعرفة حجة الله .
    واليوم تعاد نفس الفصول و بأخبث السبل فمنهج الهدم والحرق والقتل والتمثيل وكل سبل النواصب الخبيثة قد مارسها ورثتهم اليوم من يسمون أنفسهم جند المرجعية نعم المرجعية النائبة عن الإمام المهدي (ع) تماما كخلافة يزيد لعنه الله للرسول محمد (ص) ، نفس الفصول ونفس الجرائم ونفس الادعاءات ونفس الطرق فالحسين ابن رسول الله (ص) كان بالأمس عدو الإسلام عند أهل العراق وقد خرجوا بأجمعهم لقتاله نعم لأنه في نظرهم خارج على خليفة الرسول محمد(ص) يزيد ابن معاوية لعنه الله .


  • #2
    خلافة رسول الله (ص) بين النص والشورى2

    خلافة الرسول بين النص والشورى – 2
    كتابات أبو محمد الأنصاري
    خُلق الإنسان لغاية سامية تتمثل بمعرفة الله سبحانه ، قال تعالى : (( و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) ، أي ليعرفون كما ورد عن أهل البيت (ع) ، فما لم تقترن العبادة بمعرفة حقيقية لا تكون عبادة حقيقية ، ولأجل تحقيق هذه الغاية الشريفة نصب الله قادة و أدلاء يرشدون الناس الى الطريق القويم الذي به بلوغ الغاية ، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، ويحيى من حيّ عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة .
    وكان من ألطافه وحكمته جل وعلا أن وضع للناس قانوناً يعرفون به حجة الله على الخلق ، ويميزونه عن الطواغيت المدعين زوراً وبهتاناً ، والقانون المشار إليه يتشكل من ثلاث حلقات ؛ أولها النص الإلهي أو الوصية ، وثانيها العلم والحكمة ، وثالثها الدعوة الى حاكمية الله عز وجل ، أو راية البيعة لله . ولعله غني عن البيان أن هذه العناصر الثلاثة لا تجتمع في غير صاحبها أبداً .
    إن دعوة الحق – كما يشهد تأريخ الدعوات السماوية – لا يمكن أن تكون وحدها في الساحة فلابد من وجود دعوات باطلة ضالة تعارضها ، وهكذا منذ اليوم الذي أوصى فيه آدم (ع) الى خليفته ووصيه هابيل (ع) كان قابيل يقود لواء المعارضة ويدعي لنفسه ما ليس لها . وحيث أنه لا عذر أبداً لمن يترك إتباع ولي الله وحجته على خلقه ، بل إن مصيره الى جنهم وبئس المصير ، ولن ينفعه قوله : إني وجدت الساحة مليئة بالمدعين وتعذر عليّ تمييز المحق من المبطل ، أقول لكل ذلك لابد – بمقتضى الحكمة الإلهية – من وجود قانون إلهي يَعرف به الناس خليفة الله في أرضه ، ولابد أن يكون هذا القانون قد وضع منذ اليوم الأول الذي جعل فيه الله سبحانه خليفة له في أرضه .
    وهكذا منذ اليوم الأول الذي خلق الله فيه آدم (ع) بدأت الرحلة مع قانون الوصية والنص الإلهي ، قال تعالى : ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ))البقرة الآية/30 . وقال تعالى )) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ(( الحجر (28ـ31) .
    في هذه الآيات الكريمة ينص الله تعالى على استخلاف آدم (ع) بمحضر من الملائكة (ع) وإبليس (لع) ، فيستجيب الملائكة للأمر الإلهي بالسجود لآدم (ع) وإطاعته فينجحوا في الإختبار الذي سيكون المحك في تحديد المؤمنين الى يوم القيامة ، بينما يفشل إبليس ( لعنه الله ) بسبب تكبره وشعوره الطاغي بأناه {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }الأعراف12 . فمحك النجاح والفشل يتمثل بإطاعة حجة الله أو خليفته المنصوص عليه ، ومثلما كان القبول والتسليم بتنصيب الله سبب نجاح الملائكة سيكون سبب نجاح المؤمنين ، وكما كان الجحود والكفر سبب فشل إبليس (لع) واستحقاقه الطرد من رحمة الله ، سيكون كذلك بالنسبة لأتباعه من الإنس والجن (( سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا )) .
    واستمر قانون النص الإلهي بعد آدم (ع) بصورة وصية يوصي بها الحجة السابق الى من يليه ، وليست هذه الوصية سوى نص من الله على الحجة ، فعن أبي عبد الله (ع) قال : ((…ثم أوحى الله إلى آدم أن يضع ميراث النبوة والعلم ويدفعه إلى هابيل ، ففعل ذلك فلما علم قابيل غضب وقال لأبيه : ألست أكبر من أخي وأحق بما فعلت به ؟ فقال يا بني أن الأمر بيد الله وأن الله خصه بما فعلت فإن لم تصدقني فقربا قرباناً فأيكما قبل قربانه فهو أولى بالفضل وكان القربان في ذلك الوقت تنزل النار فتأكله . وكان قابيل صاحب زرع فقرّب قمحا ً رديئا ً وكان هابيل صاحب غنم فقرّب كبشا ً سمينا ً فأكلت النار قربان هابيل . فأتاه إبليس فقال : يا قابيل لو ولد لكما وكثر نسلكما افتخر نسله على نسلك بما خصه به أبوك ولقبول النار قربانه وتركها قربانك وإنك إن قتلته لم يجد أبوك بُدا ً من أن يخصك بما دفعه إليه فوثب قابيل إلى هابيل فقتله ... )) قصص الأنبياء/الجزائري 55 .
    فأول إنسان اعترض على تنصيب الله تعالى هو قابيل ( لع ) تلميذ إبليس الملعون فقد ظن أن التنصيب بيد الناس ، أي بيد آدم (ع) ، لا بيد الله سبحانه ، وعندما أخبره آدم (ع) بأن الإختيار لله لا لغيره أصر على تمرده إلى أن سولت له نفسه قتل أخيه هابيل (ع) ، ولكن الوصية لم تنتكس أو تتوقف فقد رزق الله تعالى آدم (ع) ولداً صالحا ً هو هبة الله (ع) فأمره الله تعالى بالوصية إليه .
    عن أبي عبد الله (ع) قال : (( لما انقضت نبّوة آدم وانقطع أكله أوحى الله إليه : يا آدم إنه قد انقضت نبوتك وأنقطع أكلك فأنظر إلى ما عندك من العلم والإيمان وميراث النبوة وآثار العلم والاسم الأعظم فأجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله فإني لن أدع الأرض بغير عالم يُعرف به الدين ويُعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد ما بين قبض النبي إلى ظهور النبي الآخر )). الله جل وعلا إذن لا يترك الأرض بغير عالم يُعرف به الدين ، وتُعرف بطاعته طاعة الله ، وهذا يقتضي استمرار خط الوصية كطريق في تحديد العقيدة الإلهية في كيفية تنصيب الحاكم ومعرفته .
    والوصية حقيقة قرآنية تقررها عدة آيات منها قوله تعالى على لسان عيسى (ع) : (( ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد )) ، وقوله تعالى : ((وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}(النمل/16}.
    وهكذا ف (( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ )) }الحج/75 }. والحق أن جميع الأديان السماوية بمذاهبها المختلفة تقرر هذه الحقيقة ، فقد ورد في القرآن الكريم غير الآيات المنصوصة أعلاه ، آيات كثيرة تؤكد هذا المبدأ ، لاسيما ما يتعلق منها بالبشارة برسول الله (ص) والإشارة إليه .
    وجاء في التوراة : (( وقال الملك داود ادع لي صادوق الكاهن وباثان النبي وبناياهو بن يهوياداع فدخلوا الى أمام الملك ، فقال الملك لهم خذوا معكم عبيد سيدكم وأركبوا سليمان ابني على البغلة التي لي وانزلوا به الى جيحون ، وليمسحه هناك صادوق الكاهن وناثان النبي ملكاً على إسرائيل واضربوا بالبوق وقولوا ليحيَ الملك سليمان وتصعدون وراءه فيأتي على كرسي وهو يملك عوضاً عني وإياه قد أوصيت أن يكون رئيساً على إسرائيل ويهوذا )) [الملوك الأول / الإصحاح الأول] . (( ولما قَرُبت أيام وفاة داود أوصى سليمانَ ابنه قائلاً : أنا ذاهب في طريق الأرض كلها ، فتشدد وكن رجلاً ، احفظ شعائر الرب إلهك ... الخ )) [الملوك الأول/ الإصحاح الثاني] . (( هاأنذا أرسل إليكم إليا النبي قبل مجيء يوم الرب ، اليوم العظيم والمخوف )) [ملاخي/ الإصحاح الرابع] . وجاء في سفر التثنية / الإصحاح الثالث والثلاثون : (( 1 وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته 2 فقال . جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلالا من جبل فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم )) . فموسى (ع) بشر قبل موته – كما في النص – بعيسى الذي يُشرق من ساعير ، وبرسول الله (ص) الذي يتلألأ من جبل فاران ( جبل عرفات ) .
    وجاء في الإنجيل على لسان عيسى (ع) قوله : (( لا تظنوا إني أشكوكم الى الأب ، يوجد الذي يشكوكم وهو موسى الذي عليه رجاؤكم . لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني . فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلامي )) [إنجيل يوحنا] .
    وقال (ع) : (( إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقاً . الذي شهد لي هو آخر وأنا أعلم إن شهادته التي يشهدها لي حق )) [إنجيل يوحنا] .
    وبخصوص وصيته بالمعزي قال (ع) : (( وأما الآن فأنا ماض الى الذي أرسلني ، وليس أحد منكم يسألني أين تمضي . لكني اقول لكم الحق : إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم )) [يوحنا/إصحاح16] . فالوصية قانون إلهي عرفته كل الأديان السماوية دون إستثناء .
    وعن أبي عبد الله (ع) قال : (( عاش نوح (ع) خمسمائة سنة بعد الطوفان ثم أتاه جبرائيل فقال : يا نوح قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فأنظر الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة التي معك فادفعها إلى إبنك سام فأني لا أترك الأرض إلا وفيها عالم تعرف به طاعتي ويعرف به هداي ويكون نجاة فيما بين مقبض النبي ومبعث النبي الآخر ولم أكن أترك الناس بغير حجة لي وداعٍ إلي وهادٍ إلى سبيلي وعارف بأمري فأني قضيت أن أجعل لكل قوم هاديا ً أهدي به السعداء ويكون حجة لي على الأشقياء إلى أن قال : وبشّرهم نوح بهودٍ عليهما السلام وأمرهم بأتباعه وأمرهم أن يفتحوا الوصية في كل عام وينظروا فيها ويكون عيدا ً لهم )) إثبات الهداة 1 / 98 .
    وعن أبي عبد الله (ع) قال : (( أوصى موسى عليه السلام إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع إلى ولد هارون ... إلى أن قال : وبشّر موسى ويوشع بالمسيح (ع) فلما أن بعث الله المسيح قال المسيح إنه سوف يأتي من بعدي نبي إسمه أحمد من ولد إسماعيل يجئ بتصديقي وتصديقكم وعذري وعذركم . وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين ، وإنما سمّاهم الله المستحفظين لأنهم أُستُحفظوا الإسم الأكبر وهو الكتاب يعلم به كل شئ الذي كان مع الأنبياء ... إلى أن قال : فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد (ص) فلما بعث الله محمداً (ص) أسلم له العقب من المستحفظين وكذّب به بنو إسرائيل )) [ إثبات الهداة 1 / 151 ، الكافي 1 / 325] . وجاء في لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة - عبد الملك الجويني - ص 116، قوله : (( لا يصلح للإمامة إلا من تجتمع فيه شرائط أحدها أن يكون قرشيا فإن رسول الله عليه السلام قال الأئمة من قريش والآخر أن يكون مجتهدا من أهل الفتوى ... )) . وقول رسول الله (ص) هذا يدل على أن فكرة النص كانت حاضرة في الوعي المسلم على الرغم من كل الإختلاف الذي نشب حولها فيما بعد ، ويدلك على حضورها فضلاً على ما تقدم أن أبا بكر لم يجد صيغة أخرى لاختيار سلف له غير النص على عمر ومثله فعل عمر حين نص على ستة يتم اختيار الخليفة من بينهم ، بل إن الأمر الأكثر دلالة في هذا الصدد هو أن النظرية الأخرى التي وضعت بمواجهة نظرية النص ، وهي نظرية الشورى واختيار الأمة ( أو أهل الحل والعقد ) للحاكم ، هذه النظرية فضلاً على أنها قد نُقضت بعمل أبي بكر وعمر ، بل لم نجد لها مثالاً تطبيقاً واحداً على مر التأريخ الإسلامي ، أقول فضلاً عن كل ذلك لا نجد نصوصاً قانونية أو تشريعية تعبر عنها ، لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية ، وغياب النصوص هذا يوضحه غياب الثقافة بين المسلمين فيما يتعلق بمسألة اختيار الحاكم من قبل الأمة ، فحتى على مستوى المتكلمين والفقهاء لا نجد من يخبرنا بالكيفية التي تختار بها الأمة الحاكم ؛ فعلى سبيل المثال هل تلجأ الأمة الى آلية الترشيح والتصويت ، وكم عدد أهل الحل والعقد وكيف تحسم الأمور فيما بينهم ... الخ . يقول الدكتور أحمد محمود صبحي : (أمّا من الناحية الفكرية فلم يقدّم أهل السُنّة نظرية متماسكة في السياسة تُحدّد مفاهيم البيعة والشورى وأهل الحلّ والعقد، فضلاً عن هوّة ساحقة تفصل بين النظر والتطبيق، أو بين ماهو شرعي وبين ما يجري في الواقع. لقد ظهرت نظريات أهل السُنّة في السياسة في عصر متأخّر بعد أن استقرّ قيام الدولة الإسلامية على الغَلَبة.. كما جاء أكثرها لمجرّد الردّ على الشيعة.. والتمس بعضها استنباط حكم شرعي من أُسلوب تولّي الخلفاء الثلاثة الأوائل. وإنّ الهوّة الساحقة بين تشريع الفقهاء وبين واقع الخلفاء، فضلاً عن تهافت كثير من هذه الآراء وإخفاقها في استنباط قاعدة شرعية، هو ما مكّن للرأي المعارض ـ القول بالنصّ ـ ممثّلاً في حزب الشيعة ) . [الزيدية: 35 ـ 37.] . والحق إن إشارات وأدلة كثيرة على قانون النص على الخليفة أو الحاكم أو حجة الله تخلل تراث مدرسة الخلفاء ، فالنصوص القرآنية والحديثية التي استدل بها الشيعة على النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لا يكاد يخلو منها كتاب من كتبهم ، بل إن حجاجهم للشيعة ودفاعهم عن باطل خلفائهم اضطرهم الى القول بوجود نص من رسول الله (ص) على ابن أبي قحافة ، ووضعوا بهذا الشأن أحاديث يكفي في ردها تذكر مقولة عمر بشأن خلافة ابن أبي قحافة : ( كانت فلتة وقى الله شرها ) ، بل إن متكلميهم اعترفوا صرحة بضرورة النص وقد نص البعض منهم على أن ( لانزاع بينهم في ثبوت حقّ الخليفة في النصّ على مَن يخلفه، ولافي نفوذ هذا النصّ؛ لاَنّ الاِمام أحقّ بالخلافة، فكان اختياره فيها أمضى، ولا يتوقّف ذلك على رضى أهل الحلّ والعقد ) [الاَحكام السلطانية ـ للفرّاء ـ: 10، الاَحكام السلطانية ـ للبغوي ـ: 25 ـ 26. ] .
    يقول ابن حزم : (( وجدنا عقد الاِمامة يصحّ بوجوه: أوّلها وأصحّها وأفضلها أن يعهد الاِمام الميّت إلى إنسان يختاره إماماً بعد موته، سواء جعل ذلك في صحّته أو عند موته، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأبي بكر، وكما فعل أبو بكر بعمر، وكما فعل سليمان بن عبد الملك بعمر بن عبد العزيز )) .
    أخيراً إذا أردنا أن نسرد ما ورد في كتب المسلمين بحق علي (ع) وأهل بيته من روايات تنص على أنهم خلفاء الله في أرضه لاحتاج الأمر الى مجلدات ، فليتق الله إنسان وينظر لنفسه ، ولا يستخفنه الجاهلون المعاندون .

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
    استجابة 1
    9 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
    بواسطة ibrahim aly awaly
     
    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
    ردود 2
    12 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
    بواسطة ibrahim aly awaly
     
    يعمل...
    X