الإمام الحسن(ع) في ذكرى ولادته: علمٌ وأخلاقٌ ومظلوميّة تحكي سيرته
الإمام الحسن(ع) والرّعاية النبويّة
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(الأحزاب:33).
في الخامس عشر من هذا الشهر، شهر رمضان المبارك، كان الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أوَّل وليد لعلي(ع) وزوجته السيدة فاطمة(ع)، وقد عاش الإمام الحسن(ع) في أحضان رسول الله(ص) كأخيه الإمام الحسين(ع) الذي شاركه هذا الاحتضان النبويّ، وقد ورد أن رسول الله(ص) كان يضمّهما إليه، ويحملهما على كتفه، ليعرّف المسلمين أنه يحبّهما حبّ الأب لأولاده. وقد ورد في حديث البخاري عن رسول الله(ص) أنّه قال: "الحسن والحسين ريحانتاي في الدنيا"، كما ورد عنه(ص) أيضاً: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، وورد عنه(ص) في مناجاته لله تعالى: "اللهمَّ إني أحبّهما، فأحبّهما وأحبّ من يحبّهما".
وينقل كتّاب سيرته أنَّه كان أشبه النَّاس برسول الله(ص) في صورته الجسدية، وقد ورد عن أنس بن مالك أنّه قال: "لم يكن أحدٌ أشبه برسول الله(ص) من الحسن بن علي". وعن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه زين العابدين (عليهم السلام) قال: "إن الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم ـ مع أنَّ المال كان بين يديه ـ وأفضلهم ـ علماً وعملاً وأخلاقاً ـ وكان إذا حجّ حجّ ماشياً، وربما مشى حافياً ـ تواضعاً لله تعالى، واحتراماً للسير إلى بيت الله الحرام، وكان لا يمر في شيء من أحواله إلا ذَكَرَ الله سبحانه، حيث كان ذكر الله لا يغيب عن لسانه في أيِّ حال من حالاته، لأنَّ نور الله تعالى كان يشرق في عقله، ويملأ قلبه، ويسير معه في حركته، وكان(ع) ممن باع نفسه لله وأخلص كل حياته له سبحانه، تماماً كأبيه عليّ(ع) ـ وكان أصدق النَّاس لهجةً، وأفضلهم منطقاً ـ كان إذا تكلَّم تكلم بالبليغ من القول ممّا ينفذ إلى عقول الناس وقلوبهم وينفتح بهم على خطِّ الهدى ـ وكان(ع) إذا بلغ المسجد رفع رأسه ويقول: "إلهي ضيفك ببابك ـ وضيافة الله لعباده هي رحمته وعفوه ولطفه ومحبته ـ يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم".
عظمته الرّوحيّة والفكريّة
ونحن نعرف أنّ الإمام الحسن(ع) كان في أرفع درجة من العصمة الروحية والأخلاقيَّة والفكريَّة، فقد كان يعيش في طفولته روحانية رسول الله(ص)، إلى جانب روحانية والدته السيدة المعصومة فاطمة الزهراء(ع)، وكان يعيش مع الله في صحبة أبيه الّذي كان ينطلق في المحبة المطلقة لله سبحانه، حتى إنّه كان يقول يسمعه: "فهبني يا إلهي صبرت على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني صبرت على حرّ نارك، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك"...
ويروي صاحب السيرة، محمَّد بن إسحاق: "ما بلغ أحدٌ من الشرف بعد رسول الله ـ من الهيبة والتقدير والاحترام والتعظيم ـ ما بلغ الحسن بن علي، كان يُبسط له على داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق ـ كانوا لا يمرون أمامه هيبةً له ـ فما يمر أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فيمرّ الناس". وفي رواية أخرى: "ولقد رأيته في طريق مكَّة نزل عن راحلته فمشى، فما من أحد من خلق الله إلاّ نزل ومشى، حتى رأيت سعد بن أبي وقاص قد نزل ومشى إلى جانبه". وعن واصل بن عطاء قال: "كان الحسن بن علي عليه سيماء الأنبياء، وبهاء الملوك".
وعاش الحسن(ع) طفولته مع أبيه وجدّه وأمّه، فكانت شخصيّته خلاصة قيمهم الروحيَّة، وسموّهم الأخلاقي الروحاني، وعلمهم الغزير. تقول بعض كتب السيرة، إنه كان يأتي إلى المسجد وهو طفل ويستمع إلى جدّه وهو يعظ الناس، فيحفظ كلّ ما يقوله(ص)، ويأتي إلى أمه ليحدّثها عما قاله جدّه في موعظته للناس، ثم يأتي عليّ(ع)، فتحدّثه الزهراء(ع) عمَّا قاله رسول الله، فيسألها: هل كنت معنا؟ فتقول(ع): إن ابني هذا يحدثني بذلك.
وكان(ع) منذ طفولته يراقب إخلاص أمه لله وللناس، حتّى إنّه كان يشاهدها في صلاة الليل وهي تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها، مع أن الزهراء(ع) كانت من خلال الجهد الذي تقوم به في شؤون بيتها، والحمل المتتابع، ضعيفة البدن، وكانت تعيش وضعاً صحياً صعباً حتى آخر حياتها، فالتفت هذا الصبي الصغير الطاهر، وسألها: "يا أماه، لم لا تدعين لنفسك؟" فقالت(ع): "يا بني، الجار ثم الدار".
وكان الإمام الحسن(ع) من أكرم الناس، حتى إنّه خرج من ماله مرتين، وقاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات.
رعاية الوحدة الإسلاميّة
كما كان (ع) رفيق أبيه في كلِّ ملمَّاته وبلاءاته وأوضاعه، وصاحبه في رعايته الوحدة الإسلامية، على الرغم من أنّ الخلافة كانت حقه الذي فرضه الله على المسلمين، والّذي بلّغهم إيّاه رسول الله(ص) في قوله: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللَّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقَّ معه حيثما دار". وكان عليّ(ع) يعتمد عليه في معالجة ما حدث من بعض الفتن في الكوفة، إذ وقف(ع) مع الناس، وأخذ يعرّفهم من هو عليّ وما هي عظمته، وأنّه أسبق الناس إلى الإسلام وأقربهم إلى الله تعالى.
الحسن(ع) في حكمه ومواعظه
وعاش الإمام الحسن(ع) مع أبيه كرفيق له في كلِّ قضاياه، وكان الناس يسألون عليّاً(ع) بعض الأسئلة في وقت يكون مشغولاً، فكان يحيلهم إلى ولده الحسن(ع) الذي كان يجيبهم، وكان(ع) يمضي كل ما قاله الحسن(ع). ثم بعد استشهاد الإمام عليّ(ع)، امتدَّت الفتنة التي أطلقها معاوية ضد عليّ(ع)، فنقلها إلى الإمام الحسن(ع) الذي بايعه المسلمون في الكوفة، وحدثت أمور انتهت إلى قرار رأى فيه الحسن(ع) أنّ مصلحة المسلمين هي في أن يهادن معاوية، لأنّ الواقع الإسلامي كان في وضع معرَّضٍ للانهيار.
ودسّ معاوية السمّ للإمام الحسن(ع) على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، فاستشهد(ع) مسموماً، وأوصى أخاه الحسين بأن يُدفن عند قبر جده رسول الله(ص)، ولكنّ بني أمية بزعامة أمّ المؤمنين، رفضوا أن يُدفن الحسن(ع) عند قبر جدّه(ص)، وكان الحسن(ع) قد أوصى أخاه(ع) بأن لا يهرق في أمره ملء محجمة دماً، وهكذا دفن في مكان آخر.
وروي عن جنادة بن أبي أمية قال: "زرته عندما كان يجود بنفسه ـ في حال الاحتضار ـ فقلت له: يا مولاي، ما لك لا تعالج نفسك؟" فقال(ع): "يا عبد الله بماذا أعالج الموت"؟ فقلت: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ثم قلت: عظني يا بن رسول الله"، قال: "نعم، استعدَّ لسفرك ـ وهو السَّفر للآخرة ـ وحصّل زادك قبل حلول أجلك واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأتِ على يومك الذي أنت فيه، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلاّ كنت فيه خازناً لغيرك ـ عندما تجمع المال، فإنّك تستفيد مما تأكله وتلبسه وتسكن فيه وتتلذَّذ به، أمّا الباقي فإنّه للورثة ـ واعلم أن الدنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فأَنْزِل الدنيا بمنـزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فإن كان حلالاً كنت قد زهدت فيه، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر، فأخذت منه كما أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فالعتاب يسير. واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ـ ولذلك لا بدَّ من أن يكون عملك في الدنيا مما ينجّيك عند الله يوم القيامة ـ وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته ـ والعزَّة بطاعة الله ومحبته والقرب منه سبحانه ـ وإذا نازعتْك إلى صحبة الرجال حاجةٌ، فاصحب مَن إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونةً أعانك، وإن قلتَ صدّق قولك، وإن صلت شدّ صولك، وإن مددت يدك بفضلٍ مدّها، وإن بدت منك ثلمة سدّها، وإن رأى منك حسنةً عدّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتداك، وإن نزلتْ بك إحدى الملمَّات واساك، مَن لا تأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منقسماً (أو منفساً) آثرك". قال جنادة: ثم انقطع نَفَسُه، واصفّر لونه حتى خشيت عليه.
هذا هو الإمام الحسن بن علي(ع)، الذي عاش الإسلام كلّه في حضن جدّه وأمه وفي عقل أبيه، وتحمّل مسؤوليَّته عن الواقع الإسلامي، وعانى الكثير من الحاقدين والمنحرفين، ولقي ربَّه وهو في أعلى درجات القرب منه.
فالسلام عليه يوم وُلد، ويوم استُشهد، ويوم يبعث حيّاً.
--------المصدر:منقول_جريدة بينات_العلامة المرجع سماحة آية الله العظمى
السيد محمد حسين فضل الله
الإمام الحسن(ع) والرّعاية النبويّة
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(الأحزاب:33).
في الخامس عشر من هذا الشهر، شهر رمضان المبارك، كان الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أوَّل وليد لعلي(ع) وزوجته السيدة فاطمة(ع)، وقد عاش الإمام الحسن(ع) في أحضان رسول الله(ص) كأخيه الإمام الحسين(ع) الذي شاركه هذا الاحتضان النبويّ، وقد ورد أن رسول الله(ص) كان يضمّهما إليه، ويحملهما على كتفه، ليعرّف المسلمين أنه يحبّهما حبّ الأب لأولاده. وقد ورد في حديث البخاري عن رسول الله(ص) أنّه قال: "الحسن والحسين ريحانتاي في الدنيا"، كما ورد عنه(ص) أيضاً: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، وورد عنه(ص) في مناجاته لله تعالى: "اللهمَّ إني أحبّهما، فأحبّهما وأحبّ من يحبّهما".
وينقل كتّاب سيرته أنَّه كان أشبه النَّاس برسول الله(ص) في صورته الجسدية، وقد ورد عن أنس بن مالك أنّه قال: "لم يكن أحدٌ أشبه برسول الله(ص) من الحسن بن علي". وعن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه زين العابدين (عليهم السلام) قال: "إن الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم ـ مع أنَّ المال كان بين يديه ـ وأفضلهم ـ علماً وعملاً وأخلاقاً ـ وكان إذا حجّ حجّ ماشياً، وربما مشى حافياً ـ تواضعاً لله تعالى، واحتراماً للسير إلى بيت الله الحرام، وكان لا يمر في شيء من أحواله إلا ذَكَرَ الله سبحانه، حيث كان ذكر الله لا يغيب عن لسانه في أيِّ حال من حالاته، لأنَّ نور الله تعالى كان يشرق في عقله، ويملأ قلبه، ويسير معه في حركته، وكان(ع) ممن باع نفسه لله وأخلص كل حياته له سبحانه، تماماً كأبيه عليّ(ع) ـ وكان أصدق النَّاس لهجةً، وأفضلهم منطقاً ـ كان إذا تكلَّم تكلم بالبليغ من القول ممّا ينفذ إلى عقول الناس وقلوبهم وينفتح بهم على خطِّ الهدى ـ وكان(ع) إذا بلغ المسجد رفع رأسه ويقول: "إلهي ضيفك ببابك ـ وضيافة الله لعباده هي رحمته وعفوه ولطفه ومحبته ـ يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم".
عظمته الرّوحيّة والفكريّة
ونحن نعرف أنّ الإمام الحسن(ع) كان في أرفع درجة من العصمة الروحية والأخلاقيَّة والفكريَّة، فقد كان يعيش في طفولته روحانية رسول الله(ص)، إلى جانب روحانية والدته السيدة المعصومة فاطمة الزهراء(ع)، وكان يعيش مع الله في صحبة أبيه الّذي كان ينطلق في المحبة المطلقة لله سبحانه، حتى إنّه كان يقول يسمعه: "فهبني يا إلهي صبرت على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني صبرت على حرّ نارك، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك"...
ويروي صاحب السيرة، محمَّد بن إسحاق: "ما بلغ أحدٌ من الشرف بعد رسول الله ـ من الهيبة والتقدير والاحترام والتعظيم ـ ما بلغ الحسن بن علي، كان يُبسط له على داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق ـ كانوا لا يمرون أمامه هيبةً له ـ فما يمر أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فيمرّ الناس". وفي رواية أخرى: "ولقد رأيته في طريق مكَّة نزل عن راحلته فمشى، فما من أحد من خلق الله إلاّ نزل ومشى، حتى رأيت سعد بن أبي وقاص قد نزل ومشى إلى جانبه". وعن واصل بن عطاء قال: "كان الحسن بن علي عليه سيماء الأنبياء، وبهاء الملوك".
وعاش الحسن(ع) طفولته مع أبيه وجدّه وأمّه، فكانت شخصيّته خلاصة قيمهم الروحيَّة، وسموّهم الأخلاقي الروحاني، وعلمهم الغزير. تقول بعض كتب السيرة، إنه كان يأتي إلى المسجد وهو طفل ويستمع إلى جدّه وهو يعظ الناس، فيحفظ كلّ ما يقوله(ص)، ويأتي إلى أمه ليحدّثها عما قاله جدّه في موعظته للناس، ثم يأتي عليّ(ع)، فتحدّثه الزهراء(ع) عمَّا قاله رسول الله، فيسألها: هل كنت معنا؟ فتقول(ع): إن ابني هذا يحدثني بذلك.
وكان(ع) منذ طفولته يراقب إخلاص أمه لله وللناس، حتّى إنّه كان يشاهدها في صلاة الليل وهي تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها، مع أن الزهراء(ع) كانت من خلال الجهد الذي تقوم به في شؤون بيتها، والحمل المتتابع، ضعيفة البدن، وكانت تعيش وضعاً صحياً صعباً حتى آخر حياتها، فالتفت هذا الصبي الصغير الطاهر، وسألها: "يا أماه، لم لا تدعين لنفسك؟" فقالت(ع): "يا بني، الجار ثم الدار".
وكان الإمام الحسن(ع) من أكرم الناس، حتى إنّه خرج من ماله مرتين، وقاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات.
رعاية الوحدة الإسلاميّة
كما كان (ع) رفيق أبيه في كلِّ ملمَّاته وبلاءاته وأوضاعه، وصاحبه في رعايته الوحدة الإسلامية، على الرغم من أنّ الخلافة كانت حقه الذي فرضه الله على المسلمين، والّذي بلّغهم إيّاه رسول الله(ص) في قوله: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللَّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقَّ معه حيثما دار". وكان عليّ(ع) يعتمد عليه في معالجة ما حدث من بعض الفتن في الكوفة، إذ وقف(ع) مع الناس، وأخذ يعرّفهم من هو عليّ وما هي عظمته، وأنّه أسبق الناس إلى الإسلام وأقربهم إلى الله تعالى.
الحسن(ع) في حكمه ومواعظه
وعاش الإمام الحسن(ع) مع أبيه كرفيق له في كلِّ قضاياه، وكان الناس يسألون عليّاً(ع) بعض الأسئلة في وقت يكون مشغولاً، فكان يحيلهم إلى ولده الحسن(ع) الذي كان يجيبهم، وكان(ع) يمضي كل ما قاله الحسن(ع). ثم بعد استشهاد الإمام عليّ(ع)، امتدَّت الفتنة التي أطلقها معاوية ضد عليّ(ع)، فنقلها إلى الإمام الحسن(ع) الذي بايعه المسلمون في الكوفة، وحدثت أمور انتهت إلى قرار رأى فيه الحسن(ع) أنّ مصلحة المسلمين هي في أن يهادن معاوية، لأنّ الواقع الإسلامي كان في وضع معرَّضٍ للانهيار.
ودسّ معاوية السمّ للإمام الحسن(ع) على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، فاستشهد(ع) مسموماً، وأوصى أخاه الحسين بأن يُدفن عند قبر جده رسول الله(ص)، ولكنّ بني أمية بزعامة أمّ المؤمنين، رفضوا أن يُدفن الحسن(ع) عند قبر جدّه(ص)، وكان الحسن(ع) قد أوصى أخاه(ع) بأن لا يهرق في أمره ملء محجمة دماً، وهكذا دفن في مكان آخر.
وروي عن جنادة بن أبي أمية قال: "زرته عندما كان يجود بنفسه ـ في حال الاحتضار ـ فقلت له: يا مولاي، ما لك لا تعالج نفسك؟" فقال(ع): "يا عبد الله بماذا أعالج الموت"؟ فقلت: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ثم قلت: عظني يا بن رسول الله"، قال: "نعم، استعدَّ لسفرك ـ وهو السَّفر للآخرة ـ وحصّل زادك قبل حلول أجلك واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأتِ على يومك الذي أنت فيه، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلاّ كنت فيه خازناً لغيرك ـ عندما تجمع المال، فإنّك تستفيد مما تأكله وتلبسه وتسكن فيه وتتلذَّذ به، أمّا الباقي فإنّه للورثة ـ واعلم أن الدنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فأَنْزِل الدنيا بمنـزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فإن كان حلالاً كنت قد زهدت فيه، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر، فأخذت منه كما أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فالعتاب يسير. واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ـ ولذلك لا بدَّ من أن يكون عملك في الدنيا مما ينجّيك عند الله يوم القيامة ـ وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته ـ والعزَّة بطاعة الله ومحبته والقرب منه سبحانه ـ وإذا نازعتْك إلى صحبة الرجال حاجةٌ، فاصحب مَن إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونةً أعانك، وإن قلتَ صدّق قولك، وإن صلت شدّ صولك، وإن مددت يدك بفضلٍ مدّها، وإن بدت منك ثلمة سدّها، وإن رأى منك حسنةً عدّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتداك، وإن نزلتْ بك إحدى الملمَّات واساك، مَن لا تأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منقسماً (أو منفساً) آثرك". قال جنادة: ثم انقطع نَفَسُه، واصفّر لونه حتى خشيت عليه.
هذا هو الإمام الحسن بن علي(ع)، الذي عاش الإسلام كلّه في حضن جدّه وأمه وفي عقل أبيه، وتحمّل مسؤوليَّته عن الواقع الإسلامي، وعانى الكثير من الحاقدين والمنحرفين، ولقي ربَّه وهو في أعلى درجات القرب منه.
فالسلام عليه يوم وُلد، ويوم استُشهد، ويوم يبعث حيّاً.
--------المصدر:منقول_جريدة بينات_العلامة المرجع سماحة آية الله العظمى
السيد محمد حسين فضل الله
تعليق