الاعتماد على الوسائل العلمية هو الوسيلة المفضلة لاثبات الهلال
لم يكن السجال الذي دار في السنوات الاخيرة حول مسألة اثبات الهلال مجرد سجال في مسألة فقهية فرعية , بل هو يمثل تباينا بين مدرستين فكريتين في فهم الدين الاسلامي :
-المدرسة الاولى تؤمن بالاجتهاد "الفعلي" وتسعى الى مواكبة التغيرات الزمانية والمكانية , ولا تقف عند ظواهر النصوص الدينية وحرفيتها , بل تسعى نحو روح تلك النصوص , وهذا امر لا يأتي لها الا اذا تجاوزت ظاهر النص وروحه لتحيط بالظروف التاريخية التي صدر فيها النص وعلى الفاظه, والتالي على فهمه.
-المدرسة الثانية تؤمن بالاجتهاد "التقليدي" بسعيها الى المحافظة على اجتهادات من سبق عبر اعطائها صيغة "القداسة" تحت عناوين مختلفة مثل : سيرة السلف الصالح ,مشهور الفقهاء ... وما شاكل ,لذلك كان الوقوف عند "ظاهر النص" ميزة من ميزات هذه المدرسة.
ان وقوف هاتين المدرستين على طرفي نقيض جعل موضوع تحديد اوائل الشهور القمرية مادة سجال ساخن بينهما , وهو الامر الذي كان يدور على مستويين مترابطين.
-الاول حول تحديد حول " الرؤية" في الاحاديث النبوية , وهل يقصد بها "المشاهدة والابصار" او تتجاوز ذلك الى كل ما يحقق العلم بوجود الهلال المرئي في الافق؟
وهل هذه "المشاهدة" غاية في ذاتها ام هي الوسيلة الوحيدة المتوافرة في زمن صدور النص , لذلك كان التركيز عليها ؟
-اما المستوى الثاني فيتناول مدى دقة الحسابات الفلكية العصرية ,وقدرتها على اعطاء العلم بوجود الهلال .
وخلال هذا السجال كان يتم الاستشهاد باراء العلماء والفقهاء واللغويين والفلكيين ... ومن بين هذه الشخصيات سماحة الامام السيد موسى الصدر(اعاده الله),والذي كان رأيه في هذا الموضوع مدار اخذ و رد.
واثناء بحثي في هذا الشأن وقع تحت يدي شريط فيديو يتضمن محاضرة لامام موسى الصدر تبين وجهة نظره في قضية اثبات الهلال , حيث يظهر ان سماحته حسم الجدال بمستوييه الاولي والثانوي,فقرر ان الرؤية مجرد وسيلة ذكرت في الاحاديث لان المراصد العلمية القديمة كانت تصدر حسابتها "على صورة الحدس والتخمين" والاسلام كان "يمنع من الاعتماد على الوسائل التقليدية واقوال المنجمين,ومن ناحية دقة الحسابات الفلكية ,يرى سماحته ان الوسائل العلمية الحديثة "بلغت مداها بصورة لا تقبل الشك .
ويخلص الامام الصدر الى القول: "الاعتماد على الوسائل العلمية هو الوسيلة المفضلة لاثبات الهلال " ولكنه يتوقف عند مسألة عدم توفر الحسابات الدقيقية في المراصد اللبنانية حينها .
وتبقى ملاحظة اخيرة وهي فصل سماحته بين دور رجل الدين ودور رجل العلم,وهي مسألة شائكة دار حولها سجالات كثيرة , وطبقت في عصور وأزمنة مختلفة , حيث كانت "الايديولوجيا تحل محل العلم" وهو الامر الذي وقعت فيه تجربة الكنيسة في العصور الوسطى ,ووقعت فيه الماركسية في الكثير من عناوينها , ووقعت فيه التجربة الاسلامية في الكثير من مراحلها , وهذا ما يحاول البعض الان تطبيقه , رغم ان هناك فئة متنورة من رجال الدين تركز على دور العقل والعلم في الحكم على النص الديني .
================================
----------------المصدر: اعداد وتحقيق جلال حسين شريم---------------
والمحاضرة تحت
لم يكن السجال الذي دار في السنوات الاخيرة حول مسألة اثبات الهلال مجرد سجال في مسألة فقهية فرعية , بل هو يمثل تباينا بين مدرستين فكريتين في فهم الدين الاسلامي :
-المدرسة الاولى تؤمن بالاجتهاد "الفعلي" وتسعى الى مواكبة التغيرات الزمانية والمكانية , ولا تقف عند ظواهر النصوص الدينية وحرفيتها , بل تسعى نحو روح تلك النصوص , وهذا امر لا يأتي لها الا اذا تجاوزت ظاهر النص وروحه لتحيط بالظروف التاريخية التي صدر فيها النص وعلى الفاظه, والتالي على فهمه.
-المدرسة الثانية تؤمن بالاجتهاد "التقليدي" بسعيها الى المحافظة على اجتهادات من سبق عبر اعطائها صيغة "القداسة" تحت عناوين مختلفة مثل : سيرة السلف الصالح ,مشهور الفقهاء ... وما شاكل ,لذلك كان الوقوف عند "ظاهر النص" ميزة من ميزات هذه المدرسة.
ان وقوف هاتين المدرستين على طرفي نقيض جعل موضوع تحديد اوائل الشهور القمرية مادة سجال ساخن بينهما , وهو الامر الذي كان يدور على مستويين مترابطين.
-الاول حول تحديد حول " الرؤية" في الاحاديث النبوية , وهل يقصد بها "المشاهدة والابصار" او تتجاوز ذلك الى كل ما يحقق العلم بوجود الهلال المرئي في الافق؟
وهل هذه "المشاهدة" غاية في ذاتها ام هي الوسيلة الوحيدة المتوافرة في زمن صدور النص , لذلك كان التركيز عليها ؟
-اما المستوى الثاني فيتناول مدى دقة الحسابات الفلكية العصرية ,وقدرتها على اعطاء العلم بوجود الهلال .
وخلال هذا السجال كان يتم الاستشهاد باراء العلماء والفقهاء واللغويين والفلكيين ... ومن بين هذه الشخصيات سماحة الامام السيد موسى الصدر(اعاده الله),والذي كان رأيه في هذا الموضوع مدار اخذ و رد.
واثناء بحثي في هذا الشأن وقع تحت يدي شريط فيديو يتضمن محاضرة لامام موسى الصدر تبين وجهة نظره في قضية اثبات الهلال , حيث يظهر ان سماحته حسم الجدال بمستوييه الاولي والثانوي,فقرر ان الرؤية مجرد وسيلة ذكرت في الاحاديث لان المراصد العلمية القديمة كانت تصدر حسابتها "على صورة الحدس والتخمين" والاسلام كان "يمنع من الاعتماد على الوسائل التقليدية واقوال المنجمين,ومن ناحية دقة الحسابات الفلكية ,يرى سماحته ان الوسائل العلمية الحديثة "بلغت مداها بصورة لا تقبل الشك .
ويخلص الامام الصدر الى القول: "الاعتماد على الوسائل العلمية هو الوسيلة المفضلة لاثبات الهلال " ولكنه يتوقف عند مسألة عدم توفر الحسابات الدقيقية في المراصد اللبنانية حينها .
وتبقى ملاحظة اخيرة وهي فصل سماحته بين دور رجل الدين ودور رجل العلم,وهي مسألة شائكة دار حولها سجالات كثيرة , وطبقت في عصور وأزمنة مختلفة , حيث كانت "الايديولوجيا تحل محل العلم" وهو الامر الذي وقعت فيه تجربة الكنيسة في العصور الوسطى ,ووقعت فيه الماركسية في الكثير من عناوينها , ووقعت فيه التجربة الاسلامية في الكثير من مراحلها , وهذا ما يحاول البعض الان تطبيقه , رغم ان هناك فئة متنورة من رجال الدين تركز على دور العقل والعلم في الحكم على النص الديني .
================================
----------------المصدر: اعداد وتحقيق جلال حسين شريم---------------
والمحاضرة تحت
تعليق