بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه المنتجبينالوادي المقدس
يقول الله عز وجل في كتابه الحكيم : ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) طه / 12 . يفسر البعض الوادي المقدس بالحضرة الإلهية التي ينفرد فيها المخلوق مع معشوقه الخالق ، تلك الحضرة النورانية المقدسة التي يشتاق إليها المؤمنين العارفين ، وقد ذكر الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام الحالة الروحانية التي تعيشها هذه الفئة في مناجاة العارفين حيث يقول : " ترسخت أشجار الشوق في حدائق صدورهم ، وأخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم ، فهم إلى أوكار الأفكار يأوون ، وفي رياض القرب والمكاشفة يرتعون " . إن هؤلاء عرفوا الله عز وجل فعظم في أنفسهم واشتاقوا إلى لقائه ، فراحوا يزيلون الحجب والموانع التي تقف حائلا بينهم وبين حلاوة النظر إلى جمال الله وبهائه ، وقد جزاهم الله بأن كشف الغطاء عن أبصارهم ، فقرت أعينهم بالنظر إلى محبوبهم ببصيرة القلب ... هكذا كانت العلاقة بين الأنبياء والأولياء وبين معشوقهم الأوحد الله عز وجل .
ومن لطف الله وحنانه على خلقه أنه لم يجعل هذا الوادي المقدس مقتصرا على أنبيائه ورسله ، بل أنه من رحمته الواسعة جعله مفتوحا لكل من لديه الرغبة الصادقة في الدخول شريطة أن يخلع نعليه كما ورد في الآية الكريمة ، والمقصود بهذين النعلين كل سلوك أوصفة يتصف بها الإنسان وينتج عنها سوادا في القلب يؤثر على شفافية الروح الإنسانية فتتشكل حجبا غليظة تمنعنا من لذة هذا اللقاء . وإن الرغبة الصادقة والإرادة القوية للتغير والتكامل هي الخطوة الأولى لإزالة هذه الحجب ، يقول الله عز وجل : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد / 11 . ثم يأتي طلب العلم والمعرفة كخطوة ثانية لتعزيز الرغبة الصادقة في اللقاء ، فكلما عرفنا الله عز وجل أكثر كلما ازددنا شوقا للقائه وزادت قدرتنا على إزالة هذه الحجب . أما الخطوة الثالثة فهي محاربة وسوسة الشيطان التي تجعلنا نستحقر أنفسنا ونرى في هذا العالم الروحاني الفسيح عالما محدودا يختص به الأنبياء والأولياء فقط ، فنركن للدنيا الضيقة ونغرق في عالمها المادي البائس ، وهاهو شهر رمضان قد أشرف على نهايته فلنستثمر أيامه ولياليه المتبقية لخلع نعلينا وتجريد أنفسنا من كل سلوك وخلق قبيح فنكون أهلا للدخول لهذا الوادي المقدس ، فقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في فضل هذا الشهر الكريم : ( إن أبواب السماء تفتح في أول ليلة من شهر رمضان ولا تغلق إلى آخر ليلة منه ).
تعليق