الإمام السيّد علي الخامنئي
الجانب السياسي في حياة ائمة اهل البيت(ع)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول رب العالمين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين[1].
ضرورة الاهتمام بحياة الائمة:
أرجو أن يتحقق في هذا الاجتماع أمل قديم من آمالنا في دراسة حياة أئمة أهل البيت(عليهم السلام).
غربة هؤلاء الائمة لم تقتصر على حياتهم، بل إن غربتهم استمرت بعدهم على مدى القرون، متمثلة بعدم الاهتمام بالجوانب الهامة بل الاصلية من حياتهم. المؤلفات التي دوّنت حول حياة أئمة الهدى(عليهم السلام) على مدى القرون لها دون شك أهمية قصوى، لانها استطاعت أن تجمع شتات الروايات المرتبطة بهم وتقدمها للاجيال، ولكن الروايات التي تتناول حياتهم السياسية خلال مئتين وخمسين عاماً من عهدهم المبارك قد اختفت ـ مع الاسف ـ بين الروايات والاحاديث التي ركزت على الجانب العلمي والمعنوي من حياتهم.
حياة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) لا ينبغي أن تبقى في حدود ذكريات في الاذهان والنفوس; بل لابدّ أن نتلقاها باعتبارها دروساً ومنهجاً للحياة، وذلك لا يتيسّر إلاّ بدراسة سيرتهم السياسية. من هنا كان لي اهتمام بهذا الجانب من حياة الائمة(عليهم السلام).
لا بأس أن أذكر أن توجّهي بشكل جادّ لهذا اللون من الدراسة بدأ أول مرة سنة 1350 هـ . ش (1392هـ . ق) حين كنت أمضي فترة من فترات المحن الصعبة. نعم، لقد كنت قبل ذلك أنظر إلى أئمة أهل البيت(عليهم السلام) باعتبارهم مجاهدين كباراً مضحين على طريق اعتلاء كلمة التوحيد وإقامة الحكومة الالهية، لكن الفكرة التي انقدحت في ذهني آنئذ هي أن حياة هؤلاء العظام ـ رغم ما فيها من تفاوت ظاهر دعا بعض الدارسين إلى القول بوجود تناقض في منهج حياتهم ـ تشكل بمجموعها حركة واحدة مستمرة متواصلة بدأت من السنة الحادية عشر للهجرة واستمرت مئتين وخمسين عاماً، أي حتى سنة مئتين وستين للهجرة إذ بدأ عصر الغيبة.
هؤلاء العظام يشكلون مجموعة واحدة وشخصية واحدة ويتجهون نحو هدف واحد. إذن لماذا ندرسهم بشكل تجزيئي؟ لماذا ندرس حياة الامام الحسن المجتبى والامام الحسين والامام علي بن الحسين السجاد(عليهم السلام)، كلاً على حِدة؟ هذا اللون من الدراسة هو الذي أوقع بعض الدارسين في خطأ خطير حين فهم الاختلاف الظاهري في حياتهم على أنه تعارض وتناقض في سلوكهم. لابد أن نعتقد أن حياتهم باجمعهم حياة إنسان واحد عمّر مئتين وخمسين عاماً، دخل الساحة سنة إحدى عشرة للهجرة وواصل العمل فيها حتى سنة مئتين وستين للهجرة. عندئذ يمكن أن نفهم نشاط هذا الانسان الكبير المعصوم ونفهم خلفيات هذا النشاط.
كل إنسان عاقل حكيم ـ حتى ولو لم يكن معصوماً ـ يضع في خطته البعيدة المدى أو في استراتيجيته، ألواناً من الاساليب المناسبة للظروف أو ألواناً من التكتيك. قد يجد من المناسب في فترة أن تكون الحركة عنيفة سريعة، وقد يجد من المناسب في فترة أخرى أن تكون الحركة بطيئة. وقد يتطلب الامر منه أحياناً أن يعمد إلى تراجع أو انسحاب حكيم، غير أن هذا الانسحاب نفسه في معايير العلم والحكمة والمعايير الرسالية يعتبر تقدماً إلى الامام. وبهذه النظرة تكون حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع حياة الامام المجتبى وحياة الامام الحسين، وحياة الائمة الثمانية من ولد الحسين عليهم جميعاً سلام الله حتى سنة مئتين وستين للهجرة حركة واحدة متواصلة، وهذا هو الذي انقدح في ذهني تلك السنة، ثم رحت أدرس حياة الائمة بهذه النظرة، وكلما تعمّقت في الدراسة تأكدت لي هذه النظرة أكثر فأكثر.
الاتجاه السياسي في حياة الائمة:
لا يسعني في هذه الجلسة أن أتوسّع في هذه المقولة، ولكن أقصر كلامي على مسألة واحدة هي أن حياة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) كانت مقرونة باتجاه سياسي. وهذا ما سأتناوله إن شاء الله.
في العام الماضي كان لي في هذا المجلس كلمة تناولت فيها جانب الجهاد السياسي في حياة الائمة(عليهم السلام) عامة وفي حياة الامام الثامن بشكل خاص، وأودّ أن أتناول هذا الجانب اليوم باذن الله تعالى بمزيد من التفصيل.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] محاضرة أُلقيت في افتتاح مؤتمر الامام الرضا(عليه السلام).
الجانب السياسي في حياة ائمة اهل البيت(ع)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول رب العالمين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين[1].
ضرورة الاهتمام بحياة الائمة:
أرجو أن يتحقق في هذا الاجتماع أمل قديم من آمالنا في دراسة حياة أئمة أهل البيت(عليهم السلام).
غربة هؤلاء الائمة لم تقتصر على حياتهم، بل إن غربتهم استمرت بعدهم على مدى القرون، متمثلة بعدم الاهتمام بالجوانب الهامة بل الاصلية من حياتهم. المؤلفات التي دوّنت حول حياة أئمة الهدى(عليهم السلام) على مدى القرون لها دون شك أهمية قصوى، لانها استطاعت أن تجمع شتات الروايات المرتبطة بهم وتقدمها للاجيال، ولكن الروايات التي تتناول حياتهم السياسية خلال مئتين وخمسين عاماً من عهدهم المبارك قد اختفت ـ مع الاسف ـ بين الروايات والاحاديث التي ركزت على الجانب العلمي والمعنوي من حياتهم.
حياة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) لا ينبغي أن تبقى في حدود ذكريات في الاذهان والنفوس; بل لابدّ أن نتلقاها باعتبارها دروساً ومنهجاً للحياة، وذلك لا يتيسّر إلاّ بدراسة سيرتهم السياسية. من هنا كان لي اهتمام بهذا الجانب من حياة الائمة(عليهم السلام).
لا بأس أن أذكر أن توجّهي بشكل جادّ لهذا اللون من الدراسة بدأ أول مرة سنة 1350 هـ . ش (1392هـ . ق) حين كنت أمضي فترة من فترات المحن الصعبة. نعم، لقد كنت قبل ذلك أنظر إلى أئمة أهل البيت(عليهم السلام) باعتبارهم مجاهدين كباراً مضحين على طريق اعتلاء كلمة التوحيد وإقامة الحكومة الالهية، لكن الفكرة التي انقدحت في ذهني آنئذ هي أن حياة هؤلاء العظام ـ رغم ما فيها من تفاوت ظاهر دعا بعض الدارسين إلى القول بوجود تناقض في منهج حياتهم ـ تشكل بمجموعها حركة واحدة مستمرة متواصلة بدأت من السنة الحادية عشر للهجرة واستمرت مئتين وخمسين عاماً، أي حتى سنة مئتين وستين للهجرة إذ بدأ عصر الغيبة.
هؤلاء العظام يشكلون مجموعة واحدة وشخصية واحدة ويتجهون نحو هدف واحد. إذن لماذا ندرسهم بشكل تجزيئي؟ لماذا ندرس حياة الامام الحسن المجتبى والامام الحسين والامام علي بن الحسين السجاد(عليهم السلام)، كلاً على حِدة؟ هذا اللون من الدراسة هو الذي أوقع بعض الدارسين في خطأ خطير حين فهم الاختلاف الظاهري في حياتهم على أنه تعارض وتناقض في سلوكهم. لابد أن نعتقد أن حياتهم باجمعهم حياة إنسان واحد عمّر مئتين وخمسين عاماً، دخل الساحة سنة إحدى عشرة للهجرة وواصل العمل فيها حتى سنة مئتين وستين للهجرة. عندئذ يمكن أن نفهم نشاط هذا الانسان الكبير المعصوم ونفهم خلفيات هذا النشاط.
كل إنسان عاقل حكيم ـ حتى ولو لم يكن معصوماً ـ يضع في خطته البعيدة المدى أو في استراتيجيته، ألواناً من الاساليب المناسبة للظروف أو ألواناً من التكتيك. قد يجد من المناسب في فترة أن تكون الحركة عنيفة سريعة، وقد يجد من المناسب في فترة أخرى أن تكون الحركة بطيئة. وقد يتطلب الامر منه أحياناً أن يعمد إلى تراجع أو انسحاب حكيم، غير أن هذا الانسحاب نفسه في معايير العلم والحكمة والمعايير الرسالية يعتبر تقدماً إلى الامام. وبهذه النظرة تكون حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع حياة الامام المجتبى وحياة الامام الحسين، وحياة الائمة الثمانية من ولد الحسين عليهم جميعاً سلام الله حتى سنة مئتين وستين للهجرة حركة واحدة متواصلة، وهذا هو الذي انقدح في ذهني تلك السنة، ثم رحت أدرس حياة الائمة بهذه النظرة، وكلما تعمّقت في الدراسة تأكدت لي هذه النظرة أكثر فأكثر.
الاتجاه السياسي في حياة الائمة:
لا يسعني في هذه الجلسة أن أتوسّع في هذه المقولة، ولكن أقصر كلامي على مسألة واحدة هي أن حياة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) كانت مقرونة باتجاه سياسي. وهذا ما سأتناوله إن شاء الله.
في العام الماضي كان لي في هذا المجلس كلمة تناولت فيها جانب الجهاد السياسي في حياة الائمة(عليهم السلام) عامة وفي حياة الامام الثامن بشكل خاص، وأودّ أن أتناول هذا الجانب اليوم باذن الله تعالى بمزيد من التفصيل.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] محاضرة أُلقيت في افتتاح مؤتمر الامام الرضا(عليه السلام).