بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
مع المشبهة المجسمة من علماء أهل السنة
1ـ الشيخ الإمام(1) أبو علي الحسن بن علي الأهوازي(2) (ت : 446 هـ) :
ألّف كتاباً كبيراً حشاه بالأباطيل من الروايات الموضوعة والاستنباطات المغلوطة، فممّا روى فيه "حديث عَرَق الخيل" الذي نصُّه : "إنَّ الله لمّا أراد أن يخلُق نفسه خلقَ الخيل فأجراها حتّى عرقتْ، ثمَّ خلق نفسَه مِن ذلك العرق" . سبحانك ربَّنا هذا بهتانٌ عظيمٌ !! . وفي ذلك قال الذهبي : "وألّف كتاباً طويلاً في الصفات، فيه كذبٌ، وممّا فيه حديث عَرَق الخيل، وتلك الفضائح، فسـبَّه علمـاء الكلام وغيرُهم" (3).وهُنا تعليقٌ للدكتور السنِّي السعوديِّ "حسن بن فرحان" جديرٌ بالتنويه إذ قال :
"فعجباً لمن يُكفِّرُ مَن يقول إنّ القرآن مخلوق، ولا يُكفِّر مَن يقول إنّ نفس الله مخلوق !!"(4).
فالأهوازي ـ بملاحظة طبيعة كتابه وما حواه من أحاديث التجسيم والتشبيه ـ مُجسِّمٌ بلا ريب .
2ـ شيخ الحنابلة القاضي أبو يعلى بن الفرَّاء(5) (458 هـ) :
ألّف كتاب "إبطال تأويل الصفات" حَوَى الواهي والموضوع من الأحاديث فيما يرتبط بموضوع معرفة صفات الباري عزّ وجل ، وفي ذلك يقول الذهبي : "جمع كتاب إبطال تأويل الصفات فقاموا عليه لما فيه من الواهي والموضوع"(6).
وقال ابن الأثير الجزري (630 هـ) : "وهو مُصنِّف كتاب الصفات أتى فيه بكلِّ عجيبة، وترتيبُ أبوابه يدلُّ على التجسيم المحض تعالى الله عن ذلك"(7).
وكتاب ابن الجوزي "دفع شُبه التشبيه" ردٌّ على كتاب القاضي أبي يعلى "إبطال تأويل الصفات" ومُرتَّبٌ على أدلَّته وأبوابه، وقد ذكر "ابنُ الجوزي" مراراً في كتابه آراءَ "أبي يعلى" في صفات الله عز وجل والتي تُفضي إلى التجسيم أو هي التجسيم بعينه، فلْتُراجَع هُناك .
3 ـ شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي(8) (481 هـ) :
ألَّف كسابقَيه كتاباً يدلُّ على التجسيم فحشاه بالأحاديث الباطلة، وفي ذلك يقول الذهبي : "كدَّر كتابَه "الفاروق في الصفات" بذكر أحاديث باطلة يجب بيانُها وهتكُها"(9).
4 ـ الإمام العلاّمة أبو الحسن علي بن عبيد الله بن الزاغوني(10) (ت : 527 هـ) :
هو ثالث الـثلاثة الـذين قـال عنهم أبن الجوزي : "فصنَّفوا كتباً شـانُوا بـها المذهب، ورأيتهم نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مُقتضى الحسِّ . فسمعوا أنّ الله تعالى خلقَ آدم على صورته، فأثبتوا له صورةً ووجهاً زائداً على الذات، وعينين وفماً ولهوات وأضراساً وأضواءً لوجهه هي السُّبُحات ويدين وأصابع وكفّاً وخنصراً وإبهاماً وصدراً وفخذاً وساقين ورجلين"(11).
وقد أورد له الذهبي(12) بيتاً مِن نظمه يقول فيه :
عالٍ على العرش الرفيع بذاته(13) ***** سُـبحانه عن قول غـاوٍ مُلـحدِ
وقد رأى له الذهبي بحثاً يتكلّم فيه عن الحرف والصوت وصِلَتِهِما بالله تبارك وتعالى ، يبدو أنه قد تحدَّث فيه بما يُفضي إلى التجسيم والتشبيه ، ولذلك يقول الذهبي : "ورأيت لأبي الحسن بخطِّه مقالةً في الحرف والصوت عليه فيها مآخذ والله يغفر له، فيا ليته سكت"(14).
وفيما يتعلّق بالتجسيم والتشبيه ذكر له فضيلة السيد السقّاف كتاباً آخر(15).
5 ـ الشيخ الإمام المُحدِّث عبد المُغيث الحربي(16) (ت : 583 هـ) :
صحَّح هذا الفِطَحْلُ حديثَ الاستلقاء ونَصُّه : "إنَّ الله لمّا قضى خلقه ، استلقى ثمَّ وضع رجليه على الأخرى ، ثمَّ قال : لا ينبغي لأحد من خلقي أن يفعل هذا"(17).
وواضحٌ أنّ مَن يُصحِّح مثلَ هذا الحديث لا مجال للشكِّ في اعتقاده بالتجسيم والتشبيه .
6ـ شيخ الإسلام أبو العباس تقيُّ الدين ابن تيمية الحرّاني(18) (728 هـ) :
لم تكن ورطة التجسيم إلاّ إحدى الهُوَى المُظلمة الّتي خرَّ فيها ابنُ تيميَّة .. وما أسهل أن تُقلِّب بضعةَ صحائف مِن كُتبه التي تغصُّ بالانحراف العقيدي في عدَّة أصعدة ، فيتجلَّى لك ابنُ تيميّة المُجسِّمُ المُشبِّه ...
ونحن نقتصر هاهُنا بأقلِّ القليل روماً للاختصار :
أـ يعتقد ابن تيميَّة أنّ الله يجلسُ على "الكرسيِّ" وقد أبقى مكاناً بجانبه ليُقعد فيه النبيَّ . !! . قرأ له ذلك المُفسِّر السنِّي الكبير "أبو حيَّان الأندلسي"(19) من نُسخة بخطِّ يده ، يقول فيها ابنُ تيميَّة : "إنَّ الله يجلسُ على العرش وقد أخلى مكاناً يُقعد فيه معه رسول الله"(20).
وهذا الاعتقاد عند ابن تيميَّة ليس شيئاً غير التجسيم والتشبيه .
ب ـ شهد عليه الرحّالة الشيخ "ابنُ بطُّوطة"(21) أنَّه قال يوماً في حديثه على المنبر بنزول الله إلى السماء الدنيا نزولاً حِسيًّا ، فنزلَ ابنُ تيمية درجةً مِن دَرَج منبره ليُشبِّه لهم بذلك كيفيّة نزول الله(22) ! .
فهذا التصوير الحسِّي لنزول الله سبحانه وتعالى يُلازمُ القول بالتجسيم ؛ فإنّ القول بانتقال الله مِن موضع إلى آخر انتقالاً ماديًّا ليس ينفكُّ عن القول بجسميَّته تعالى الله عن ذلك عُلوًّا كبيراً .
جـ ـ كان ابنُ تيميَّة معتقداً بأنّ الله يُمكن أن يستقرَّ على ظهر بعوضة، وأنّ البعوضةَ ـ حينئذٍ ـ بإمكانها أن تحمل الله وتُحلِّق به، وكلُّ ما هنالك أنّ الأمر يتوقَّف على المشيئة الإلهيَّة فحسب !! وهذا نصُّ كلامه :
"ولو قد شاء لاستقرَّ على ظهر بعوضة فاستقلَّت(23) به.."(24) !! .
فهل مِن شكٍّ بعد هذه الشواهد في قول ابن تيميَّة بالتجسيم؟! وإذا لم تكن هذه الكلمات تدلُّ على التجسيم فأيُّ كلام سيدلُّ عليه؟! وإذا كان ابنُ تيمية مِن المُنزِّهة فأيُّ الناس يُمكن أن يُقال عنهم مُجسِّمة ومُشبِّهة؟! .
وهذا الضلال العقدي إنما نشأ بسبب بُعد القوم عن سفينة النجاة، أقصد أهل البيت عليهم السلام، إضافة إلى الروايات التي رووها في كتبهم، والتي قد نخصص موضوعاً لاستعراض نماذج منها.
والحمد لله أولاً وآخراً.
----------
الهوامش:
(1) هذه النعوت التي نقرن بها أعلام أهل السنة مأخوذة من كتب التراجم السنية ؛ وذلك للتدليل على المقام الذي يتمتّع به أمثال هؤلاء عندهم ، ولا دليل في ذلك على إعجاب كاتب هذه السطور بأحدٍ منهم أو تكلُّفه المُجاملة لأيِّ جهة .
(2) قال في حقه الذهبي "سير أعلام النبلاء" (18/13) : "هو الشيخ الإمام ، العلامة ، مُقرئ الآفاق" .
(3) سير أعلام النبلاء للذهبي : (18/15) مؤسسة الرسالة ـ بيروت .
(4) قراءةٌ في كتب العقائد للمالكي : ص129 مركز الدراسات التأريخية ـ عمَّان .
(5) قال عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (18/89) : "الإمام العلاّمة ، شيخ الحنابلة.." .
(6) سير أعلام النبلاء للذهبي : (18/90) مؤسسة الرسالة ـ بيروت .
(7) الكامل في التأريخ لابن الأثير : (8/378) دار الكتب العلمية ـ بيروت .
(8) قال عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (18/503) : "شيخ الإسلام الإمام القدوة ، الحافظ الكبير" .
(9) "سير أعلام النبلاء" للذهبي : (18/509) مؤسسة الرسالة ـ بيروت .
(10) قال عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (19/605) : "الإمام العلامة، شيخ الحنابلة.." .
(11) دفع شُبه التشبيه لابن الجوزي : ص98 ـ 100 دار الإمام النووي ـ عمّان .
(12) سير أعلام النبلاء للذهبي : (19/606) مؤسسة الرسالة ـ بيروت .
(13) قال فضيلة السيد السقّاف: "وزيادة لفظة "بذاته" خطيرة جداً في باب التوحيد، لأنها توجب التجسيم الصريح" . انظر كتاب "دفع شُبه التشبيه" : ص106 الحاشية (22) .
(14) سير أعلام النبلاء للذهبي : (19/607) مؤسسة الرسالة ـ بيروت .
(15) دفع شُبه التشبيه : ص99 الحاشية (7) .
(16) لا بأس بأن يطَّلع القارئ الكريم على أنّ هذا الرجل ألّف كتاباً ـ ولم يستحي ـ في فضائل "يزيد بن معاوية" !! ذكر ذلك الذهبي بترجمته في "السِّيَر" (20/160) قائلاً : "ألّف جُزءاً في فضائل يزيد أتى فيه بعجائب وأوابد، لو لم يُؤلِّفه لكان خيراً" اهـ . أقول : اِعلمْ أنّ الذي وصفه بـ "الشيخ الإمام المُحدِّث" هو الذهبي نفسه عند ترجمته له !! ، فتأمَّل .
(17) تخريج الحديث: "كتاب السنة" لابن أبي عاصم : ص248ـ 249 المكتب الإسلامي ـ بيروت . و"المعجم الكبير" للطبراني : (19/13) مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة ، وعنه الهيثمي في "مجمع الزوائد" : (8/100) . وصحح الحديث الشيخ "عبد المغيث الحربي" (583 هـ) كما حكى الذهبي بترجمته في سير أعلام النبلاء : (21/160) مؤسسة الرسالة ـ بيروت .
(18) في "طبقات الحفاظ" للسيوطي ص520 : "الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه.." . وفي "البدر الطالع" للشوكاني (1/63) : "شيخ الإسلام ، إمام الأئمة.." . وعلى هذه فقس ما سواها .
(19) محمّد بن يوسف بن علي بن حيَّان بن يوسف ، حافظ ، مفسِّر ، نحويٌّ ، لغويٌّ .. تجد ترجمته في "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة : (3/67 ـ 70) عالم الكتب ـ بيروت .
(20) أورده السيد السقَّاف في "صحيح شرح العقيدة الطحاويَّة" : ص312 ، الحاشية (163) عن تفسير "البحر الماد" لأبي حيَّان الأندلسي : (1/254) .
(21) محمّد بن عبدالله اللواتي الطنجي أبو عبد الله ، الرحالة المعروف بابن بطوطة من أعيان القرن الثامن الهجري .. تجد ترجمته في "الدرر الكامنة" : (5/227) وفيه أنه بقي إلى سنة (770) ومات .
(22) رحلة ابن بطوطة : (1/57 ـ 58) مطبعة مصطفى محمد ـ مصر .
(23) استقلَّت أي ارتفعت في طيرانها !! .
(24) بيان تلبيس الجهميَّة لابن تيمية : (1/568) و(2/160) مطبعة الحكومة ـ مكة المكرَّمة .
تعليق