قبر الرسول صلى الله عليه وآله أفضل من الكعبة المشرفة؟


بسم الله الرحمن الرحيم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة الأبدية السرمدية على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين آمين رب العالمين.
بعد أن كثر الهرج والمرج من الوهابية أحفاد اليهود عليهم لعائن الله والملائكة والناس أجمعين حول أن المسلمون أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام يفضلون كربلاء المقدسة على الكعبة المشرفة شرفها الله وزادها تشريفاً، وهي في الحقيقة عقيدتنا التي ندين الله بها أن كربلاء المقدسة أفضل بقعة في الجنة وأنها البقعة الوحيدة التي سوف تُزف إلى الجنة فهي وبلا أدنى شك أفضل من الكعبة.
ولكن العجب كل العجب بين جمادى ورجب أن البكرية والوهابية يعتقدون أن هناك شي أفضل من الكعبة المشرفة ألا وهو قبر الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم!!
إذا كان قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عقيدتكم أفضل من الكعبة إذاً لماذا تستغربون أن يكون في عقيدتنا بقعى أفضل من الكعبة؟!
إذاً فالفكرة موجودة لدى الطرفين أن هناك بقعة تعتبر أفضل من الكعبة المشرفة، وهذا لا يعني أنقلل من مقام الكعبة والعياذ بالله، لا، فإن مقام الكعبة عالي ومرتفع لدى الطرفين. فتأمل
ولكن هو الجهل المركب الذي عرفتم به، وهو أنكم لا تقرؤون كتبكم لتنظروا ما فيها من الغرائب التي يندى لها الجبين!!
وهذا موضوع كبير لا أريد الخوض فيه، إنما أريد أن أثبت من هذه النقطة جواز التبرك بالقبور وخاصة قبر النبي صلى الله عليه وآله.
فبالله نستعين...
قال ابن القيم في كتابه (بدائع الفوائد): "قال ابن عقيل سألني سائل أيما أفضل حجرة النبي أم الكعبة؟
فقلت: إن أردت مجرد الحجرة فالكعبة أفضل، وإن أردت وهو فيها فلا والله ولا العرش وحملته ولاجنه عدن ولا الأفلاك الدائرة لأن بالحجرة جسداً لو وزن بالكونين لرجح".
وقال ابن هبيرة الحنبلي (499-560هـ) في كتابه (اتفاق الأئمة)، وقد طبع حديثاً باسم (الفقه على مذاهب الأئمة الأربعة)، من منشورات دار الحرمين، وهذا الكتاب جزء من كتاب (الإفصاح عن معاني الصحاح)، قد اشترط فيه ذكر أقوال الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وليس أقوال أصحابهم أو المنتسبين إليهم إلا إذا أشار إلى ذلك:
قال في (ج1 ص337و338): "واختلفوا: أي الحرمين أفضل؟ فقال مالك وأحمد – في إحدى روايتيه -: المدينة أفضل. وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد – في الرواية الأخرى – مكة أفضل. وأما موضع حوى جسد النبي صلى الله عليه وسلم فهو أشرف وأفضل بلا خلاف" ا هـ.
وفي كتاب (نيل الأوطار ج5 ص99) للشوكاني: "قال القاضي عياض: إن موضع قبره صلى الله عليه وآله وسلم أفضل بقاع الأرض، وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض، واختلفوا في أفضلها ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال أهل مكة والكوفة والشافعي وابن وهب وابن حبيب المالكيان: إن مكة أفضل وإليه مآل الجمهور.
وذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى أن المدينة أفضل.
واستدل الأولون بحديث عبد الله بن عدي المذكور في الباب. وقد أخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم. قال ابن عبد البر: هذا نص في محل الخلاف، فلا ينبغي العدول عنه، وقد ادعى القاضي عياض الاتفاق على استثناء البقعة التي قبر فيها صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أنها أفضل البقاع ... نعم إن صح الاتفاق الذي حكاه عياض كان هو الحجة عند من يرى أن الإجماع حجة...".
وفي كتاب (فيض القدير شرح الجامع الصغير ج6 ص343: 9185) للمناوي: "المدينة خير من مكة لأنها حرم الرسول صلى الله عليه وسلم ومهبط الوحي ومنزل البركات وبها عزت كلمة الإسلام وعلت وتقررت الشرائع وأحكمت وغالب الفرائض فيها نزلت وبه تمسك من فضلها على مكة وهو مذهب عمر ومالك وأكثر المدنيين.
والجمهور على أن مكة أفضل والخبر مؤول بأنها خير منها من جهة السلامة من الأذى الكائن للمصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه بمكة أومن حيث كثرة الثمار والزرع والخلاف فيما عدا الكعبة فهي أفضل من المدينة اتفاقاً خلا البقعة التي ضمت أعضاء الرسول صلى الله عليه وسلم فهي أفضل حتى من الكعبة كما حكى عياض الإجماع عليه".
وفي كتاب (الدر المختار ج2 ص688) للحصفكي: "لا حرم للمدينة عندنا، ومكة أفضل منها على الراجح، إلا ما ضم أعضاءه عليه الصلاة والسلام فإنه أفضل مطلقاً حتى من الكعبة والعرش والكرسي. وزيارة قبره مندوبة، بل قيل واجبة لمن له سعة".
وفي كتاب (حاشية رد المحتار ج2ص688) لابن عابدين: "مطلب في تفضيل قبره المكرم صلى الله عليه وسلم قوله: (إلا... الخ) قال في اللباب: والخلاف فيما عدا موضع القبر المقدس، فما ضم أعضاؤه الشريفة فهو أفضل بقاع الأرض بالإجماع اه.
قال شارحه: وكذا أي الخلاف في غير البيت: فإن الكعبة أفضل من المدينة ما عدا الضريح الأقدس، وكذا الضريح أفضل من المسجد الحرام. وقد نقل القاضي عياض وغيره الإجماع على تفضيله حتى على الكعبة، وأن الخلاف فيما عداه ونقل عن ابن عقيل الحنبلي أن تلك البقعة أفضل من العرش، وقد وافقه السادة البكريون على ذلك.
وقد صرح التاج الفاكهي بتفضيل الأرض على السموات لحلوله صلى الله عليه وسلم بها، وحكاه بعضهم على الأكثرين لخلق الأنبياء منها ودفنهم فيها.
وقال النووي: الجمهور على تفضيل السماء على الأرض، فينبغي أن يستثنى منها مواضع ضم أعضاء الأنبياء للجمع بين أقوال العلماء.
قوله: (مندوبة) أي بإجماع المسلمين كما في اللباب، وما نسب إلى الحافظ ابن تيمية الحنبلي من أنه يقول بالنهي عنها، فقد قال بعض العلماء: إنه لا أصل له، وإنما يقول بالنهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة. أما نفس الزيارة فلا يخالف فيها كزيارة سائر القبور، ومع هذا فقد رد كلامه كثير من العلماء، وللإمام السبكي فيه تأليف منيف، قال في شرح اللباب وهل تستحب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم للنساء؟ الصحيح نعم بلا كراهة بشروطها على ما صرح به بعض العلماء، أما على الأصح من مذهبنا وهو قول الكرخي وغيره من أن الرخصة في زيارة القبور ثابتة للرجال والنساء جميعاً فلا إشكال. وأما على غيره فكذلك نقول بالاستحباب لإطلاق الأصحاب، والله أعلم بالصواب.
قوله: (بل قيل واجبة) ذكره في شرح اللباب وقال كما بينته في الدرة المضية في الزيارة المصطفوية.
وذكره أيضاً الخير الرملي في حاشية المنح عن ابن حجر وقال: وانتصر له، نعم عبارة اللباب والفتح وشرح المختار أنها قريبة من الوجوب لمن له سعة".
وفي كتاب (فتح الباري ج3 ص55) لابن حجر: "قال وزعم بعض أصحابنا أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بمائة صلاة".
وفي كتاب (البداية والنهاية ج 3 ص267) لابن كثير: "وقد ذهب الإمام مالك وأصحابه إلى أن مسجد المدينة أفضل من المسجد الحرام لان ذاك بناه إبراهيم، وهذا بناه محمد صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم عليه السلام. وقدذهب الجمهور إلى خلاف ذلك وقرروا أن المسجد الحرام أفضل لأنه في بلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، وحرمه إبراهيم الخليل عليه السلام، ومحمد خاتم المرسلين، فاجتمع فيه من الصفات ما ليس في غيره، وبسط هذه المسألة موضع آخر وبالله المستعان".
أقول:
بما أنه لا يختلف اثنان من المسلمين على جواز تقبيل الحجر الأسود والتبرك به، بل وتقبيل أحجار الكعبة المشرفة - شرفها الله وزادها تشريفاً-والتبرك بتلك الأحجار، وبما أن المسلمون يتبركون بماء زمزم مع أن بعضهم يقول أن ماء زمزم لا يضر ولا ينفع، وكذلك هي عقيدة عمر بن الخطاب في الحجر الأسود وأحجار الكعبة المقدسة، كما رواه البخاري قال حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة، عن عمر، أنه جاء إلى الحجر فقبله وقال: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ماقبلتك).
الراوي: عمر بن الخطاب - خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح الصفحة أوالرقم:1597.
وكذلك ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن أبي نمير، جميعاً عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة، قال: (رأيت عمر يقبل الحجر ويقول إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيدة وأبو معاوية قالا: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة، قال: (رأيت عمر أتى الحجر فقال أما والله لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك، ثم دنا فقبله).
وبغض النظر عن أنني هل أتفق مع ما ذهب إليه عمر أم لا، ولكن أقول:
لماذا هذه الأحجار التي لا تضر ولا تنفع – كما يدعي عمر – يقبلها كل المسلمون ويتبركون بها؟!
لماذا يقبلون الحجر الأسود ويتبركون به؟!
ولماذا يتبركون بما زمزم؟!
ولماذا يقدسون الصفا والمرة وغيرهما؟!
فأنا سوف أجيب عن هذا السؤال بدلاً من القارئ الكريم ولن أتعبه بالتفكير، فإن الجواب: هو أن هذه الأشياء قد نسبها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه فاكتسبت تلك القداسة وصار المسلمون يقدسونها ويتبركون بها.
إن مجرد نسبة شيءٍ إلى الله يكتسب كل تلك القداسة والاحترام عند المسلمون.
فسمى الله سبحانه وتعالى الكعبة بـ"بيت الله"، فلأنه عزوجل نسبها إلى نفسه أصبح كل حجر تتكون منه هذه الكعبة المشرفة يقدسها المسلمون ويتهافتون في لمس هذه الأحجار ويتقاتلون لتقبل ذلك الحجر الأسود المقدس الذي أسأل من الله العلي القدير أن يوفقني لتقبيله ولثمه بشفتي-، مما يؤدي بعض الأحيان إلى موت أحدهم بالأقدام حينما يسقط وخاصة في وقت الحج.
أقول:
فبالنظر إلى أقوال علماء العامة الذي صدرنا به بحثنا المتواضع والقليل جداً مراعاةً للاختصار وحتى لا يمل القارئ الكريم، نستنتج الآتي:
إذا كانت أحجار الكعبة المشرفة لأنها ارتبطت بها اكتسبت هذه القداسة، فكيف بمن هو أشرف وأعظم وأفضل من الكعبة المشرفة، أليست تكون أحجارة هي أشرف وأعظم وأفضل من أحجار الكعبة؟!
أليس من المفترض بعد أن عرفنا من أقوال علماء العامة أن المكان الذي حوى جسد رسولنا الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضل وأعظم من الكعبة المشرفة، فبالتالي من المفترض أن يكون الزحام والقتال على تقبيل أحجار قبره الشريف وشم تربته الطاهرة لأنها أفضل من أحجار الكعبة المشرفة؟!
لماذا لا يسمحوا لنا بتقبيل أحجار قبر الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؟! بعد أن عرفنا من أقوال علمائهم أن قبره صلى الله عليه وآله وسلم أشرف من الكعبة المشرفة.
إنني أتكلم مع أصحاب العقول، ولا أتكلم مع من عقله مستعبد لزيد وعمرو لا يفكر بل يُسيّر ولا يُخيّر، بل يتقاذفونه يميناً وشمالاً.
أن الأمة أجمعت على جواز التبرك بالحجر الأسود، وكذلك جواز التبرك بأحجار الكعبة المشرفة، ولا يوجد شخص يدّعي أنه مسلم يقول عن هذا الفعل أنه شرك بالله.
فبالتالي إن الموضع الذي يُعتبر أشرف وأفضل وأقدس من الكعبة يجوز التبرك بأحجاره ورماله المقدسة والمشرفة لأنها حوت ذلك الجسد الطاهر الشريف.
لماذا لا يتوقفون عن مضايقة زوار النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ويتركون لهم حرية التبرك بقبره الطاهر؟!
لماذا لا يسمحوا بتقبيل ضريحه المقدس الذي أصبح مقدساً لأنه أرتبط بالنبي صلى الله عليه وآله؟!
لماذا لا يسمحوا بالتبرك بترابه الطاهر الذي حوى الجسد المعظم؟!
لماذا لا يسمحوا بالتبرك بأحجار قبره الشريف وهو أفضل من أحجار الكعبة المشرفة؟!
تلك الرمال والأحجار التي على قبره صلى الله عليه وآله وسلم والتي تعتبر أفضل من أحجار الكعبة المشرفة، يجوز للمسلمين التبرك بها، وتقبيلها وشفاء المرضى وقضاء الحوائج بها.
كما قالت سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين فاطمة الزهراء عليها أفضل صلاة المصلين:
ماذا على من شمّ تربت أحمدٍ * * * ألا يشُم مدى الزمان غواليا
صُبت عليّ مصائبٌ لو أنها * * * صُبت على الأيامِ صرنا لياليا
صُبت عليّ مصائبٌ لو أنها * * * صُبت على الأيامِ صرنا لياليا
أقول:
بعد هذا الاستعراض السريع والمختصر لأقوال علماء العامة في أفضلية الموضع الذي حوى جسد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، عرفنا أن منعهم لزوار قبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من التبرك بقبره هو الخطأ بعينه.
نسأل من الله العلي القدير لهم الهداية والصلاح وأن يعودوا للعقيدة الحقّه، عقيدة جميع المسلمين، فإننا المسلمون لا نعتمد على الأقوال الشاذة والآحاد بل أن الإجماع حجة في هذا الدين الحق دين الله الإسلام، فيجب الأخذ بما اجتمعت عليه الأمة لأن الأمة لا تجتمع على ظلاله.
هذا آخر ما أردنا ذكره في هذه العجالة.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً.