مقتبس من الرسالة العملية
المنهاج الواضح / كتاب الاجتهاد والتقليد
لسماحة ولي آمر المسلمين آية الله العظمى
السيد محمود الحسني
( دام ظله الشريف)
إعـــداد
المنهاج الواضح / كتاب الاجتهاد والتقليد
لسماحة ولي آمر المسلمين آية الله العظمى
السيد محمود الحسني
( دام ظله الشريف)
إعـــداد
السيد قاسم الطيار
بسم الله الرحمن الرحيم
) فَلَوْ لا نَفَرَ مِن ْكُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون (
صدق الله العلي العظيم
) فَلَوْ لا نَفَرَ مِن ْكُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون (
صدق الله العلي العظيم
قال أمير المؤمنين (عليه السلام ):
( العالم مصباح الله في الأرض فمن أراد الله به خيراً اقتبس منه )
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين :
والحمد لله الأول والآخر والظاهر والباطن الذي تولّهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته المقدسة , والصلاة والسلام على المعلم الأول الصادق الآمين المصطفى ، وأهل بيته الميامين خلفائه الأطهار المنتجبين النجوم الزاهرة والغرر الباهرة وسلّم تسليماً 0
وبعد00
لاشك أن الإنسان لا يولد عالماَ بكل الأمور التي تحيطه ، كالقضايا الدينية والاجتماعية وما شابه ذلك ، إذ ليس من الممكن أن يستقل الفرد بالمعرفة الكاملة , أي (( المعرفة التفصيلية )) التي تكون جامعة لمعالم الأشياء المحيطة به 0
لذا لابد له أن يلزم أمران ، علم وعمل فالعمل تابع للعلم ومبني عليه ، ويلزمه علم التفصيل بعد بلوغه ، أي علم الواجبات المنصوصة عليه في أمور دنياه , كالصلاة والصوم والخمس ...الخ 0
فقد اتسع أفق الناس في علاقتهم ، وطريقة معيشتهم , وصنوف تعاملهم ، بينما هم يبتعدون بالتدريج عن عصر النصوص ((القرآن وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))) ، ولأجل ذلك كانت الضرورة ملحّة أيضا في وجوب التقليد ، وخلق فئة (الفقهاء) لإشباع الناس لهذه الحاجة المهمة 0
والآن حيث تصدى سماحة السيد محمود الحسنى (دام ظله الشريف) ليوضّح هذا الطريق بأسلوب سلس ومعمّق في رسالته العملية (المنهاج الواضح) كتاب الاجتهاد والتقليد , ووضع ملازمه بين الفقة والأخلاق ، فالقدر المتيقن نرى اغلب علمائنا في الوقت الحاضر لا يشير إلى هذا الأمر بذي أهمية كبيرة , كما نرى للأسف الشديد التناسب العكسي بين التطور العلمي وبين الأخلاق , ففي عصر التطور العلمي نجد التخلي عن الأخلاق الفاضلة , والتحلي بأخلاق الشيطان وأعوانه الرذيلة السيئة 0
ولهذا السبب جعل سماحة السيد الحسني (أطال الله في بقائه ) المقدمات الأخلاقية جزءاً من الرسالة العملية لإبراز أهميتها , لتكون ملازمة للمكلف كملازمة التقليد والأحكام الشرعية المترتبة عليه 0
لذا أرتأيت أن اقتبس من هذا المنهاج ما يفيد للمكلف من مسائل توضيحية بحتة وأخلاقية في هذا المجال ، وبدوري اذكر بعض المسائل الاستفتائية التي وجهت لسماحته في هذا الموضوع 0
وأنا ممتثل ما رسمه سماحته , ومجيب ما دعي إليه وآثره , ومن الله تعالى استمد المعونة ,و إياه أسأل التوفيق .
20/ ربيع الأول/1423 هـ
العبادة وتكامل الفرد والمجتمع
النفس الباقية
الثابت عقلاَ وشرعاَ إن النفس المجردة باقية ابدآ بعد مفارقتها للبدن ونتيجتها أما متنعمة دائمة أو معذبة دائماَ ، والتذاذها وتنعّمها يتوقف على ما تحصل عليه من الكمال والسمو ، ومراحل كمالها :
1- من الناحية النظرية : هي الاحاطة بحقائق الموجودات ثم الترقي منها إلى معرفة الله سبحانه وتعالى والوصول إلى مقام التوحيد الخالص 0
2- من الناحية العلمية :هي التخلي عن الصفات الرذيلة والرديئة والتحلي بفضائل الأخلاق المرضية ثم الترقي منه إلى الإيمان بالغيب بصورة مطلقة وعملية وتطهير السر عما سوى الله سبحانه وتعالى 0
وهذا معناه إن النفس لا تكون مستعدة للترقي في المقامات والفيوضات الإلهية ولا تصل إلى السعادة الأخروية ما لم تحصل لها التخلية عن الرذائل والتحلية بالفضائل فالأخلاق الرذيلة تحجب المعارف الإلهية عن النفس كما تحجب الأوساخ من ارتسام الصور على المرآة ، وقد أشار الشارع المقدس الى ذلك في أمور كثيرة نذكر منها:
1- قوله تعالى :]أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ(24)تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَْمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون َ(25)وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن ْ فَوْقِ الأَْرْضِ ما لَها مِن ْ قَرارٍ(26)[إبراهيم / آية 24- 26 .
2- قوله تعالى :]ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدى ً لِلْمُتَّقِينَ(2)الَّذِين َ يُؤْمِنُون َ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُون َ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُون َ (3)...وَمِن َ النَّاسِ مَن ْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآْخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ(8) يُخادِعُون َ اللَّهَ وَالَّذِين َ آمَنُوا وَما يَخْدَعُون َ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9)فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُون َ (10)... أُولئِكَ الَّذِين َ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِين َ(16)[ البقرة / آية 2- 16
ما ورد عن النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم): (( لولا ان الشياطين يحرمون الى قلوب بني آدم لنظروا الى ملكوت السموات والأرض ))
الإيمان غريزة طبيعية :
والمعلوم ان الإنسان آمن بالله تعالى منذ أبعد الأزمان ، وعبده وأخلص له وأحس بارتباط عميق به ، وهذا الإيمان يعبر عن نزعة أصيلة وغريزة طبيعية في الإنسان للتعلق بخالقه ، ويمثل وجداناَ راسخاَ يدرك بفطرته علاقة الإنسان بربه ومخلوقاته ولكن مع هذا فأن الإيمان كغريزة لا يكفي ولا يضمن تحقيق الارتباط بالمعبود بصورته الصحية الصحيحة ، لان صورة وكيفية الارتباط تعتمد وترتبط بدرجة كبيرة ورئيسة مع طريقة إشباع تلك الغريزة الإيمانية ، ومع كيفية وأسلوب الاستفادة منها ، فالتصرف السليم والصحيح في إشباعها هو الذي يكفل المصلحة النهائية للإنسان وارتباطه بالخالق المطلق بالكيفية الصحيحة المناسبة 0
والثابت ان أي غريزة تنمو وتتعمق إذا كان السلوك موافقاَ لها ، فبذور الرحمة والشفقة مثلاَ ، تنمو في نفس الإنسان من خلال التعاطف العملي المستمر مع الفقراء والبائسين والمظلومين ، أما لو كان السلوك مخالفاَ ومضاداَ للغريزة فانه يؤدي الى ضمورها وخنقها ، فبذور الرحمة والشفقة مثلاَ ، تضمر وتموت في الإنسان من خلال التعامل والسلوك السلبي من الظلم وحب الذات 0
وعليه فالإيمان بالله والشعور الغريزي العميق بالتطلع نحو الغيب والإنشداد للمعبود لا بد لها من توجيه وتسديد وتحديد الطريق والسلوك المناسب لإشباع هذا الشعور وتعميقه وترسيخه ، لأنه بدون التوجيه سيضمر الشعور وينتكس ويمنى بألوان الانحراف والشبهات مما يؤدي الى ارتباط غير صحيح ليس له حقيقة فاعلة ومنتجة في حياة الإنسان ولا يكون قادراَ على توجيه طاقاته الصالحة الدينية والأخلاقية والعملية 0
تعميق الإيمان :
لقد تصدى الشارع المقدس لتعميق ذلك الشعور والإيمان بجعل العبادات التي تمثل التعبير والوجه العملي والتطبيقي لغريزة الإيمان ، وقد نجحت هذه العبادات في المجال التطبيقي في تربية أجيال من المؤمنين على مر التاريخ الذين جسدت عبادتهم من صلاة وصيام وزكاة وغيرها في نفوس الارتباط العميق والصحيح بالله تعالى ، ورفض كل قوى الشر المادية والمعنوية 0
ولتعميق وتأكيد الإيمان بدرجة أكبر جعل الشارع المقدس بعض النقاط والأفعال في العبادات مبهمة وغيبية بحيث لا يمكن للإنسان أن يعي سرها وتفسيرها تفسيراَ مادياَ محسوساَ ، ومن الواضح أنه كلما كان عنصر الانقياد والاستسلام في العبادة اكبر ، كان أثرها في تعميق الربط بين العابد وربه أقوى اما إذا كان العمل واضح الغرض والمصلحة في كل تفاصيله تضاءل فيه عنصر الاستسلام والانقياد وطغت عليه دوافع المصلحة والمنفعة .
العبادة والإنسان الصالح:
الثابت عقلاَ وشرعاَ إن الله سبحانه وتعالى إضافة إلى انه نصب نفسه هدفاَ وغاية للمسيرة الإنسانية لكي يطأطئ الإنسان رأسه ويتذلل بين يديه من أجل تكريس ذاته المقدسة، كذلك أراد بهذه العبادة إن يبني الإنسان الصالح التكامل القادر على تجاوز ذاته والمساهمة في المسيرة الشمولية لجوانب الحياة المتنوعة حيث حرص المولى الشرعي على إن يكسب الإنسان الصلاح والتكامل وروح العبادة ويجعل ذلك ويترجمه خارجاَ في كل أعماله وتصرفاته فيحولها إلى عبادات ، ومما يدل على هذا ما ورد عن النبي الأقدس محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) )) إن استطعت إن لا تأكل ولا تشرب إلا لله فأفعل)).
العبادة والمجتمع:
إضافة لذلك فقد صاغ الشارع المقدس العبادة بطريقة جعلت منها في اغلب الأحيان أداة ووسيلة لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان, والتأكيد على ان العلاقة البادية ذات دور اجتماعي في حياة الإنسان، ولا تكون ناجحة ألاحين تكون قوة فعالة في توجيه ما يواكبها من علاقات اجتماعية توجهاً صحيحاَ، فالإنسان لم يخلق ولم يوجد أساسا آلا في محيط ونسيج إنساني عام ولا يحفظ كيانه ألا مع تعاليم الله سبحانه وتعالى، فجعل الإنسان مرتبطاَ بالمجموعة البشرية بقوانين من التعامل والسلوك 0
الأول: حب الآخرين، فكل مسلم بل كل إنسان مطالب بحب الآخرين وعدم حمل الحقد والضغينة في قلبه عليهم، ويلزمه إن يترجم ذلك في أحساسة وسلوكه، فيتألم لألم الآخرين ويحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم 0
الثاني:السعي في حوائج الآخرين، وهذا القانون يمثل الترجمة الخارجية والتطبيق العملي الواقعي لما حس وشعر به تطبيقاَ للقانون الأول 0
وقد تصدى الشارع المقدس متمثلاَ بالنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين(عليهم السلام) لتطبيق قوانين السابقين حيث نجد حضورهم(صلوات الله عليهم) في الساحة الاجتماعية وإحساسهم بما يحس به المجتمع ومعرفة حاجة الناس العملية والمعنوية العبادية والأخلاقية، كان ذلك وفق ما يسمح لهم وما قدروا عليه كل بحسب ظروفه الخاصة والظروف العامة المحيطة به، ونتيجة مجموع ما أعطى المعصومون (عليهم السلام) هو الصورة الكاملة الواضحة التي تفرز المجتمع المسلم وتميزه عن المجتمعات المتوحشة الغائبة عن الإيمان والارتباط بالله تعالى والبعيدة عن الأخلاق، اذكر في هذا المقام بعض التطبيقات العبادية والأخلاقية التي صدرت من المعصومين (عليهم السلام) على المستوى العملي والنظري :
1- ما ورد عن أمير المؤمنين(u) وهو يصوّر أخلاق رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (( كان أجود الناس كفاَ ، وأجرأ الناس صدراَ ، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة ، والينهم عريكة ، وأكرمهم عِشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه فعرفه أحبه ، لم أر مثله قبله ولا بعده ))0
2- ما ورد عن أمير المؤمنين(u): (( أن يهودياَ كان له على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دنانير، فتقاضاها 0
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له: يا يهودي ماعندي ما أعطيك
فقال اليهودي: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني 0
فقال( صلى الله عليه وآله وسلم): إذن أجلس معك 0
فجلس معه حتى صلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك الموضع، الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتهددونه ويتوعدونه فنظر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم فقال: ما الذي تصنعونه به ؟
فقالوا: يا رسول الله ، يهودي يحبسك 0
فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ): لم يبعثني ربي عز وجل بأن أظلم معاهدا ولا غيره 0
فلما علا النهار قال اليهودي : أشهد أن لا إله إلا الله واشهد آن محمدا عبده ورسوله ، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت ، إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة، فاني قرأت في التوراة (محمد بن عبد الله مولـده بمكة، ومهاجرة بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ ، ولا سحاب ولا متزين بالفحش، ولا قول لخنا ) 0
وأنا أشهد إن لا إله إلا الله وانك رسول الله وهذا مالي فأحكم فيه بما أنزل الله ))
3- ما ورد عن الإمام الحسن العسكري(u): ((ورد على أمير المؤمنين(u) أخوان مؤمنان (أب وابن) فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين يديهما ، ثم أمر بطعام فاحضر ، فأكلا منه ، ثم جاء قنبر بطست وإبريق خشب ومنديل ، فاخذ أمير المؤمنين(u) الإبريق فغسل يد الرجل بعد إن كان الرجل يمتنع من ذلك وتمرغ في التراب واقسمه أمير المؤمنين(u) إن يغتسل مطمئناً ، كما كان يغسل لو إن الصاب عليه قنبر ، ففعل ثم ناول الإمام(u) الإبريق محمد بن الحنفية وقال(u): يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده ولكن الله عز وجل يأبى إن يسوي بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان ، ولكن قد صب الأب على الأب فليصب الابن على الابن ، فصب محمد بن الحنفية على الابن))
ثم قال الإمام العسكري(u): (( فمن أتبع علياَ على ذلك فهو الشيعي حقاَ )) .
4- ما ورد عن الإمام الباقر(u): (( إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاَ )) .
5- ما ورد عن الإمام الصادق(u): (( ما يقدم المؤمن على الله تعالى بعمل بعد الفرائض ، أحب إلى الله تعالى من آن يسع الناس بخلقه )) .
6- ما ورد عن الإمام الصادق(u): (( الخلق الحسن يميت الخطيئة كما تميت الشمس الجليد )) .
7- ما ورد عن الإمام الصادق(u): (( إن الله تعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله، يغدو عليه ويروح )) .
8- ما ورد عن صادق آل محمد(u): (( إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل )) .
9- ما ورد عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): ((عليكم بحسن الخلق فان حسن الخلق في الجنة لا محالة ، وإياكم وسوء الخلق ، فان سوء الخلق في النار لا محالة )) .
10- ما ورد عن المصطفى الصادق الأمين( صلى الله عليه وآله وسلم ): (( أبى الله لصاحب الخلق السيئ بالتوبة )) .
قيل: فكيف ذلك يا رسول الله 0
قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (( لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه )) .
وهكذا الكثير من المواقف والأقوال الصادرة من الشارع المقدس والتي تحدد مسار العمل ألعبادي الصحيح والمتكامل لخدمة الفرد والمجتمع ولتهيئة النفس ووصولها إلى مرحلة الاستعداد للترقي في مقامات الفيوضات الإلهية للوصول إلى السعادة الأخروية بعد التخلي عن الصفات والأخلاق الرذيلة ، والتحلي بالصفات والأخلاق الفاضلة المرضية ، وسنشير إلى بعض تلك المسارات عند التعرض لبعض التطبيقات العبادية ، إن شاء الله تعالى 0
تربية النفس والسير في طريق التكامل والرقي:
لتربية النفس الإنسانية وتحفيزها نحو الرقي والكمال والسير الصالح بالصورة المنهجية العملية الصحيحة تحتاج أولاً وبصورة رئيسة إلى الإيمان بالله تعالى والاعتقاد بالمعاد والآخرة ، وبعد إن يتحقق هذا الإيمان تكون النفس مستعدة للتربية والرقي وحينئذ تحتاج إلى الأسباب والمحفزات للسير في طريق التكامل والرقي، وفي هذا المقام نذكر بإيجاز بعض المحفزات :-
المحفز الأول : الهدف الأسمى :
ينبغي على الإنسان المسلم اختيار الهدف المهم والأوسع والأسمى ؛ لأنه كلما كان الهدف ضيقاَ وخفيفاَ كان اقرب إلى التلاشي في ذهن صاحبه، مما يؤدي إلى فتح باب واسع للتكالب والتزاحم للأمور التافهة وبالتالي الدخول في المحرمات الأخلاقية الشرعية .
وكلما كان الهدف أهم واسمى ، قلّت فيه الأخطاء والقبائح بسبب ما يحصل في ذهنه من المقارنة بين هدفه المهم المنشود وبين الشهوات التافهة الرديئة فيلتفت إلى تفاهتها بالقياس إلى ذلك الهدف مما يؤدي إلى نظافة وسعة روحية الإنسان ، فكيف إذا كان هدفه رضا الله سبحانه وتعـالى الذي لا تتناهى عظمته ولا تنقطع قدرته ولا تنتهي نعمه ، وكلما اقترب الإنسان من هذا الهدف اشتدت رغبته إليه وأحس بعمق أغواره وبعد منتهاه ، وكان ذلك منعشاَ لأماله ومؤثرا في اقتراب الإنسان نحو الصلاح والتكامل ، ويكون مثله الأشخاص الذين قال فيهم أمير المؤمنين(u) في وصف المتقين: (( كبر الخالق في أنفسهم ، فصغر ما دونه في أعينهم )) .
وورد عن الإمام علي(u): (( كان لي فيما مضى أخ في الله ، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ، وكان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد )) .
المحفز الثاني : الهم الكبير:
لتربية النفس يحتاج الإنسان المسلم إن يحمل هما كبيراَ متمثلا في أمور المسلمين جميعاً ، ومن الواضح إن حمل مثل هذا الهم ينمّي من أخلاقيات الإنسان ويوسع من الأفاق التي يخلق فيها الإنسان ويؤثر في تنمية الروح ، وبخلاف ذلك أي فيما إذا صغرت الأمور التي ينشغل بها فأن مثل هذا يؤدي إلى ضيق أفق الإنسان ووقوعه في التناقضات والنزاعات التافهة وبالتالي الوقوع في المحرمات الشرعية الأخلاقية .
وقد أشار أهل البيت(عليهم السلام) إلى ذلك في موارد عديدة نذكر منها:-
1- ما ورد عن أمير المؤمنين(u): (( من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته )) .
2- وورد عنه(u): ((رأيك لا يتسع لكل شيء ففزعه للمهم من أمورك)) .
3- ما ورد عن الإمام الصادق(u): (( باشر كبار أمورك وكل ما شق منها إلى غيرك )) .
4- ما ورد عن الإمام الصادق(u): (( لا تكونن دواراَ في الأسواق ولا تلي دقائق الأشياء بنفسك فانه لا ينبغي للمرء المسلم ذي الحسب والجود إن يلي شراء دقائق الأشياء بنفسه00)) .
المحفز الثالث: الإيثار والتضحية
من الواضح إن الإنسان الذي يعمل في سبيل الله تعالى ويؤثر ويضحي بمصالحه الشخصية في سبيل راحة الآخرين والمصالح الاجتماعية ، فبقدر ذلك تنمو روحه وتتسع أفاقه حتى يصل إلى التكامل الأخلاقي ، وذلك لأنه من الأسباب الرئيسة في المشاكل الأخلاقية هو التضارب والتزاحم بين المصالح الشخصية والمصالح الاجتماعية ، وان حب ألذات هو الذي يدفع الإنسان إلى إن يقدم مصالحه الشخصية على المصالح الأخرى حتى لو كان ذلك ظلماَ وعدوانا على الآخرين .
وللحصول على السعادتين الدنيوية والأخروية يجب على الإنسان إن يجعل إيثاره وتضحيته للناس والمجتمع في سبيل الله تعالى أي عليه إن يقدم المصالح الإلهية على المصالح الدنيوية الزائلة . واذكر بعض إرشادات أهل البيت(عليهم السلام) في الإيثار والتضحية :-
1- قوله تعالى :]...وَيُؤْثِرُون َ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كان َ بِهِمْ خَصاصَةٌ...[ الحشر / آية 9 .
2- قوله تعالى : ]وَيُطْعِمُون َ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً(8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً(9)[الدهر / آية 8-9 .
3- قوله تعالى :]إِن َََََ اللَّهَ اشْتَرى مِن َ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأََن َ لَهُمُ الْجَنَّةَ ...[ سورة التوبة / آية 111 .
4- ما ورد عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): ((طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره )) .
5- ما ورد عن الصادق الأمين(u): (( من عرض له دنيا وآخرة ، فأختار الدنيا لقي الله عز وجل يوم القيامة وليست له حسنة يتقي بها النار ، ومن اختار الآخرة وترك الدنيا رضي الله عنه وغفر له مساوئ عمله ))
6- ما ورد عن الإمام الباقر(u): ((ان لله جنه لا يدخلها إلا ثلاثة: رجل حكم على نفسه بالحق , ورجل زار أخاه المؤمن في الله , ورجل آثر أخاه المؤمن في الله ))
المحفز الرابع :محاسبة النفس ومعاقبتها
ان الإنسان له أهواء وشهوات وغرائز تدفعه الى الانحراف عن الإسلام والأخلاق في جوانب شخصيته دون ان يشعر , وغالبا ما يكون الانحراف قليلا في أول الأمر ثم يزداد ويتسع حتى يصل الى الانحراف الكامل , فعليه ان يتدارك الأمر من البداية ويعالجه ويقضي على الانحراف من أساسه , وبالتأكيد ان ذلك لا يحصل إلا بمحاسبة النفس ,
ويمكن طرح عدة مستويات لمحاسبة النفس :
المستوى الأول : الإيحاء للنفس بالخير وحثها عليه وعلى الاخلاص في النية , وحثها على ترك الشر وتحذيرها منه , ويكون ذلك قبل صدور الخير والشر من النفس , وقد أشار الشارع المقدس الى هذا المستوى من المحاسبة في عدة موارد منها :
1- قوله تعالى :]وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن ْزَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَن ْ دَسَّاها (10)[سورة الشمس/ آية 7-10.
2- ما ورد عن الإمام الصادق(u): (( ان رجلا أتى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: يا رسول الله أوصيني.. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فاني أوصيك , إذا انت هممت بأمر فتدبر عاقبته , فأن يك رشدا فأمضه , وان يك غيا فأنته عنه )) .
3- ما ورد عن الإمام الكاظم(u): (( قال أمير المؤمنين(u) ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بعث سرية , فلما رجعوا قال(صلى الله عليه وآله وسلم): مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر , وبقي عليهم الجهاد الأكبر .
قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر ؟
قال(صلى الله عليه وآله وسلم): جهاد النفس .
ثم قال(صلى الله عليه وآله وسلم): افضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه )) .
4- ما ورد عن أمير المؤمنين(u): ((ما من يوم يمر على ابن آدم , إلا قـال له ذلك اليوم : انا يوم جديد , وانا عليك شهيد , فقل فيه خيرا , واعمل فيه خيرا , اشهد لك يوم القيامة فانك لن تراني بعد هذا أبدا )) .
المستوى الثاني : يتأمل الإنسان ويدقق بما صدر عنه فيلوم نفسه على أخطائه وزلاته ويحزن ويندم لذلك ويتوب ويعاهد الله على عدم تكرار ذلك , وبخلاف هذا المستوى سيجد نفسه في طغيان وغفلة ساحقة ومهلكة , وقد حث الشارع المقدس على هذا المستوى من المحاسبة كما في :
1- ما ورد عن الإمام الصادق(u): ((...حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها , فأن للقيامة خمسين موقفا , كل موقف مقام ألف سنة . (ثم تلا) (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ))) .
2- ما ورد عن الإمام الكاظم(u): (( ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم , فان عمل حسنة استزاد الله تعالى , وان عمل سيئة استغفر الله تعالى منها وتاب إليه )) .
المستوى الثالث : على الإنسان أن يتناول شخصيته من جميع الجوانب والتفكر في نقاط الضعف والقوة , والمقارنة والموازنة بينما هو واصل اليه فعلا من مستوى الرقي الأخلاقي والمعنوي وبينما كان عليه في مرحلة سابقة كي يعرف درجة تقدمه نحو الرقي للازدياد من ذلك , وقد أشار أهل البيت(عليهم السلام) الى ذلك :
1- عن أمير المؤمنين(u): (( انما الدنيا ثلاثة أيام : يوم مضى بما فيه فليس بعائد , ويوم أنت فيه فحق عليك اغتـنامه , ويوم لا تدري انت من أهله ولعلك راحـل فـيه . أما اليوم الماضي فحكيم مؤدب , وأما اليوم الذي انت فيه فصديق مودع , وأما غد فإنما في يدك منه الأمل )) .
2- عن أمير المؤمنين(u): (( أيها الناس لا خير في دين لا تفقّه فيه ولا خير في دنيا لا تدبّر فيها ولا خير في نسك لا ورع فيه)).
3- عن أمير المؤمنين(u): ((لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: رجل يزداد كل يوم أحساناً , ورجل يتدارك منيته بالتوبة...)) .
المستوى الرابع : أن يتناول الإنسان شخصيته ودرجة إيمانها وأخلاقها ويقارنها مع المثل الأعلى للإيمان والأخلاق كي يعرف الدرجة التي وصل اليها فعلاً ويحث نفسه للوصول الى درجة أعلى وأرقى, ولـكي لا يتخيل لنفسه درجة ومنزلة لم يصلها فيصيبه الغرور والكبر , وقد ارشد الشارع المقدس الى العديد من الدرجات والمستويات الإيمانية والأخلاقية .
ما ورد في خطبة أمير المؤمنين(u) في وصف المتـقـين

المستوى الخامس: بعد أن يثبت تقصير النفس وتكرره في المستويات السابقة أو بعضها , فلا يقتصر الإنسان على لومها فقط بل عليه أن يتبنى أسلوب العقاب معها وذلك بان يحملها أعمالا شاقة سواء أكانت الأعمال ليست حسنة بذاتها بل تكون حسنة ومرغوبة شرعا لأنها تؤدي الى تهذيب النفس وتنقيتها كتعريض الجسد لحرارة الشمس أو حرارة الأرض أو حرارة النار , أم كانت الأعمال حسنة ومرغوبة شرعاً بذاتها كالصلاة والصيام والتصدق وغيرها وقد أشار أهل البيت (عليهم السلام) الى ذلك في عدة أمور منها :
1- ما ورد عن ليث بن أبي مسلم قال: ((... بينما رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مستظل بظل شجرة في يـوم شديد الحر , إذ جاء رجل فنزع ثيابه, ثم جعل يتمرغ في الرمضاء , يكوي ظهره مرة , وبطنه مرة , وجبهته مرة , ويقول يا نفس ذوقي , فما عند الله أعظم مما صنعت بك , ورسول الله(صلى الله عليه وآله سلم ) ينظر اليه ما يصنع ثم ان الرجل لبس ثيابه ثم أقبل ثم أومأ اليه النبي (صلى الله عليه آله وسلم ) بيده ودعاه فقال(صلى الله عليه وآله وسلم) له: (( يا عبد الله , رأيتك صنعت شيئا ما رأيت أحدا من الناس صنعه , فما حملك على ما صنعت ؟ ))
فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة الله , فقلت لنفسي , يا نفس ذوقي فما عند الله أعظم مما صنعت بك .
فقال النبي( صلى الله عليه آله وسلم ) له: ((لقد خفت ربك حقك مخافته , وأن ربك ليباهي بك آهل السماء )) ثم قال: (( يا معشر من حضر , أدنو من صاحبكم حتى يدعوا لكم)) فدنوا منه , فدعا لهم وقال: اللهم أجمع شملنا على الهدى وأجعل التقوى زادنا والجنة مآبنا )) .
2- مـا ورد في نهج البلاغة , انه في محضر أمير المؤمنين(u) , قال أحد المسلمين: أستغفر الله .
أولها: الندم على ما مضى
والثاني: العزم على ترك العودة إليه أبداً
والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تـلقي الله عز وجل أملس ليس عليك تبعة .
والرابع: أن تعمد الى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها.
والخامس: أن تعمد الى اللحم الذي نبت من السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جـديـد .
والسادس: أن تـذيـق الجسم ألم الطاعة . كما أذقته حلاوة المعصية , فعند ذلك تقول (استغفر الله ) )).