Arabtimes.com
من قلم : أمين دايخ النهج الفِكري والتَّفكير النهضوي والنَّهضة الأمميَّة، لا بد وأن تبدأ من نقطة محوريَّة جوهريَّة هي التغيير والإصلاح. دراسة الثورة الحسينيَّة إنما تؤسس لبداية ثوريَّة ثقافيَّة وسياسيَّة، حضاريَّة وعصريَّة صحيَّة لأنها العودة للمفاهيم الراسخة للهامات المرفوعة، والقامات الشامخة، والأصول الثابتة دينيَّا وإنسانيَّا. معاناتنا منذ عقود، تتركَّز وتتمركز وتتمحور بانحياز السياسة الدوليَّة للإستيطانيَّة الصهيونيَّة والتخاذل العربي المتآمر بإستعمال أدواتها التنفيذيَّة والتكفيريَّة والتبشيرية لتعويم الجهل والتخلُّف والفساد والقعود في الأوقات النهضويَّة والتي تمثِّل الضمير الصارخ والعصب النابض لمشروع الأمَّة العربيَّة الواحدة الموحَّدة، و(إنهالاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)، لذلك حكام النفط والدول البتروليَّة بإيعازات أمريكيَّة يريدون إذلالنا وإبعادنا عن فَهم الثورة ومفاهيمها، لأن العيش في ديمقراطيتهم مسموح به فقط للأذلاء الذين يقبِّلون الأعتاب ويلحسون النعال. ولأن الإمام الحسين عليه السلام قدوة الأبرار ويمثِّل الفكر الثوري، تاريخيا وتراثيا وحضاريا ومستقبليا ودينيا، حتى على الحكام الفَجَرة، فلابد وأن يُحارب هو وفِكره وشيعته، لأن في فكره خطر على العروش لتمسك الجميع بولاية الفاسق وإن أكل مالنا وجلد ظهورنا. إذن لا بد وان يُحارب، مباشرة وغير مباشرة، تارة بتسفيه رأيه في الخروج وأنه للسلطة، وطورا بجعله كسائر الناس، وأخرى "ليس قدوة ولن يكون لأنه لم يشارك -بما يسمى- الفتوحات الإسلامية" التي أشبه بالسياسة الإستيطانيَّة الصليبيَّة، وقد قامت لأهداف توسعيَّة توسيعيَّة ماديَّة دنيويَّة عمَّمت الفساد الإجتماعي في بعض مراحلها فأدت إلى اختلاط العقيدة بالكتب اليونانيَّة وإلى إنحلال إجتماعي اخلاقي، وأهملت العناوين العريضة للرسالات السماويَّة وأهمها الإنسان والإلتزام والآخرة، ثمَّ لمقومات المجتمع الذي يكوِّن الوطن ولا يمكن بناؤه بعيدا عنه: "الشعب بكل ألوانه واطيافه وفئاته وطبقاته، الوطن بأبعاده وسياساته تجاه مواطنيه وتوجهاته، عدالة الحكام، الكرامة والإنسان، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...". ونرى ببمارسات وآراء البعض ممن ينطق بكلام أحباره، التمسك المتزمت بعصبيَّة وعمويَّة ودمويَّة بأقوال سفيههم ابن تيميَّة الذي وصل به الأمر لمهاجمة أهل البيت ومدحهم على طريقته، وحدا الأمر ببعض المحسوبين على الناس والبشرية والدثييات التطاول على المقدسات والعترة النبوية الشريفة، والتحدث عنها كما لو أنهم يتحدثون عن رجل ما، ثم تدرس التاريخ بعيون رمادية بحتة لا تهدف للإستنتاج بقدر ما تهدف لإثبات حقيقتها وأحقيَّتها بلقب "الفرقة الناجية" ولو كان الأمر باستعمال كتب اليهود والنصارى لإثبات أمر عقدي خالفوا به كل المسلمين منذ (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، والله يقول
ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا)، ثم يقولوا تلك أمة قد خلت لها ما كسبت، ولا تقع عينك أو سمعك على مجلَّد أو فتوى أو خطبة إلا ويذكرون فيها أمير الفسق والفاسقين، مترضين عليه وملزميننا بنهجه. في بعض الأحيان ألجأ لمنطق المناور الذي لا يدري، وأنشر بعض الحقائق معرضا عن أخرى لأعرف مدى الثقافة الفكرية للمحاورالمقدِّس لشيخه والمُستَخِف بحُرَم الرسول والإسلام، والمردد لكل ما ينسخه دون دراية، فيثبتوا مرة بعد أخرى جهلهم المطبق واستكبارهم المطلق على الحق بعد جلائه وتجليه، (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) هم الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
البعض يُسلِّي نفسه أمام الحقائق والبراهين ولو بالأكاذيب، يعادي الرسول ص بأهل بيته، ويقول "نحب أهل البيت"، ثم يجعل الآل والأهل "هم الأتباع على الدين إلى يوم القيامة"، والله يقول
فإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، ولكن (أكثرهم يجهلون)و(أكثرهم لفاسقين)و(أكثرهم لايؤمنون)و(أكثرهم لايشكرون)و(أكثرهم للحق كارهون)، فما سيكون لسان حالهم (يوم يأتي بعض آيات ربك) و(يوم يأتي تأويله) و(يوم تأتي السماء بدخان مبين) و(يوم نحشر من كل أمة فوجا)؟! أسيكونون ممن يعضُّ على يديه ويقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا؟!، أوليسوا هم المستنكرين على ذكرنا وتأسِّينا بالحسين وثورته المُستمدَّة من عبق الرسالة المحمَّدية من سيقولوا "إرجع يا ابن فاطمة لا حاجة لنا بك؟!". (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)، والأسوة تكون بالتأسي والسَّير بالسنن ومتواتر الآثار الصحيحة، منها ما نحن مأمورون به، ومنها ما هو مختص بساحة نبوته ص. البعض رفض الثقافة الحسينيَّة التي هي الثقافة المحمديَّة، ويرفض "لبيك يا حسين" ولا يفقه مدارك عزمها، ونُبل معانيها، وسمو أفقها الفكري، فليته يفهم أن الحسين وحده من بين جميع المسلمين وقف يستصرخ الضمائر الميتة لأمة جبانة متخاذلة مفككة، خشيت العباد ولم تخشى الله، أطاعت المخلوق في معصية الخالق، تخاذلت عن نُصرة الحق وغوث الملهوف، والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف، أمة باعت ضمائرها ودينها ودنياها وقتلت عمدا بعد العلم وإلقاء الحجة واعترافها ابن بنت النبي، وقف بعد أن لاقى كل أصحابه وأهل بيته الشهادة وشربوا من كأس المصطفى والمرتضى صارخا {أما من ناصر ينصرنا} فلذلك عندما نقول "لبيك يا حسين" إنما نعني، لبيك لما ثرت له يا أبا عبد الله الحسين يا قتيل العَبرة والعِبرة، لبيك يا سيدي الثائر بنهضتك المباركة لتحقيق أهدافك العديدة وأهمها إرساء مبادىء الإنسانية والمسامحة والحق والإسلام الأصيل وإحياء السنة وقتل البدعة قولا وفعلا والتزاما. نعم نحن أمَّة تأبى الذلَّ والضيم والإستسلام والخضوع والخنوع والتقديس، نحن أمة "هيهات منَّا الذِّلة".
الجمعة 10 محرم 61هـ، يوم هزَّ الدنيا والكون والتاريخ والمستقبل إلى يومنا وإلى يوم الظهور،معسكرين بأميرين يمثلا خطين متوازيين متباعدين، كلاهما يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وكلاهما يؤمن بالكتاب، و(إنها لا تعمى الأبصار وإنما القلوب التي في الصدور). فلماذا رفضوا الثقافة الحسينيَّة التي هي دراسة معمَّقة ومفصَّلة وممارسة ومطبقة للثقافة المحمديَّة الإسلاميَّة الإنسانيَّة الثوريَّة تحت شعارات منها "التلبية لله وحده"، "الحسين لم يخوض معارك وليس قدوتنا" وأظهروا مدى عدائهم للشيعة مستصرخين بعض الناس بدرع واهم هم طعنوا به وعمموه وحملوه ك"عدالة الصحابة" و"أمهات المؤمنين" وغيرها، والأيام الآتية إن شاء الله ستثبت من طعن بأمهات المؤمنين ومن هم هؤلاء الصحابة، ومن هم الصحابة الحقيقيين؟! لأن أتباعه حسينيين إستشهاديين والنساء زينبيات، ولأنه ع سيقلب موازين الكون والمنطقة بفكره الخالد، فهو نور شامخ بالرسالة، وقلب نابض بالحق، وفكر ثائر بوجه الطغاة، ومبدأ راسخ للحرية، وعقيدةثابتة على الإيمان والتقوى.الحسين إمام الهدى سبط النبوة والد الأئمة، ثائر بوجه الظلم والطغيان والعدوان، وتضييع الحقوق، والفساد والإنحلال الأخلاقي والإجتماعي. الحسين ثار بوجه خليفة غير شرعي نُصِّبَ على رقاب المسلمين ونَصَّب الفسقة على الأبرار طالبا البيعة كالعبيد من المسلمين الأحرار. الحسين أثبت العناوين العريضة لثورته بأكثر من موقف، ولكن سيوف أمية وأتباعها إلى يومنا، وظلمها وأحقادهم البدرية والحنينية لازالت تثمر بأقلام طامعة بعطايا السلطان لتنكبنا عن هدي الرحمن. الحسين مثَّل الدور المقاوم، بنفسه وأهل بيته بقلة عددهم وخذلان الناصر الفكر الحي للإسلام الحنيف وقال ع:{فسحقاً لكم يا عبيد الامّة، وشذاذ الأحزاب، ونَبَذَة الكتاب، ومحرّفي الكَلِم، وعُصبة الإثم، ونَفثة الشيطان، ومطفئي السنن، ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون! أجلْ واللّه غدر فيكم قديم، و شجَّت عليه أصولكم، وتأزرت فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجٍ للناظر، وأكلة للغاصب} وقال ع: {ألا وإنّ الدّعي بن الدّعي قدْ ركز بين اثنتين، بين السّلة والذّلة، وهيهات منّا الذّلة يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وحجور طهرت وانوف حمية، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام...} وقال ع رأفة بمن تجيَّش لقتاله وفي ساحة الحرب للتذكرة وإلقاء الحجة، مبيِّنا أهل كل زمان من حملة الكتاب الذين لا يفقهوا ما حملوا:{قد اجتمعتم على امر أرى أنكم قد أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم إنكم زحفتم الى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم فتبّاً لكم ولما تريدون انا لله وانا اليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعداً للقوم الظالمين}. وقال ع مبيِّنا هوية قاتليه:{ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون يومالمعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتمعرباً كما تزعمون}، فيا أهل الأرض (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) أفلا تعقلون والله يقول (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
الله سبحانه يقول: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَاجَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْوَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَللَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ). اتفق المسلمون أن عليا وفاطمة والحسن والحسين هم من خرجوا مع الرسول للمباهلة. فالأمر من الله للقول، والتعريف جاء من النبي ص بأمر من الله، أبناؤه الحسنين، ونساؤه فاطمة، ونفسه علي بن أبي طالب ع. والله يقول
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)، والأحاديث المتواترة تؤكد أن الآية نزلت في بيت أم سلمة لما غطاهم الرسول للخمسة بكساء يماني وطلبت منه الدخول فقال لها إنك على\إلى خير. فها قد عرفنا الله ورسوله من هم اهل البيت والله يقول(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول واولي الأمر منكم) وبين من هم أولي الأمر بآية التصدق في الركوع، وأمرنا مودتهم (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى).
وقال الرسول ص:{الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة}، {إمامان قاما أو قعدا}، {ريحانتاي من الدنيا\الأمة}، و{حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط}،{أحبُّ أهل الرض إلى اهل السماء}،{هذا إمام، ابن إمام، أخو إمام، أبو الأئمة}.
قال الحسين ع:"ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاءالله، وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما" وقال:"والله إنيلم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي على بن أبي طالب".
قال جورج جرداق:"حينما جنّد يزيد الناس لقتل الحسين وإراقة الدماء، كانوا يقولون:كم تدفع لنا من المال؟ أما أنصار الحسين فكانوا يقولون لو أننا نقتل سبعين مرة، فإننا على استعداد لأن نقاتل بين يديك ونقتل مرة أخرى أيضاً".
قال إنطوان بار:"لوكان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية ولأقمنا له في كل أرض منبر،ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسمه"
قال توماس ماسريك:"على الرغم من أن القساوسة لدينا يؤثرون على مشاعر الناس عبر ذكر مصائب المسيح، إلا أنك لا تجد لدى أتباع المسيح ذلك الحماس والانفعال الذي تجده لدى أتباع الحسين لا تمثل إلا قشة أمام طود عظيم".
قال غاندي:"لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين".
قال ابن تيمية:"....والله ورسوله إنما يأمر بالصلاح لا بالفساد لكن الرأي يصيب تارة ويخطيء أخرى، فتبين أن الأمر على ما قاله أولئك، ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قتلوه مظلوما شهيدا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله ونقص الخير بذلك، وصار ذلك سببا لشر عظيم". وهذا مع إقراره أن لا ذنب ولا يد ليزيد بدمه وكتابته مجلد بذلك. فهل ابن تيمية وشركاه أعلم بالسنة من سبط الرسول ص؟! المطهَّر بدليل القرآن! ويقول عثمان الخميس:"أول خروجه كان طلبا للخلافة ...". ولن أتوسع أكثر بنقل رأي خوارج العصر ونازيَّة القرن.
لهذا لم نجد في كل التراث من هاجم الحسين بلباقة مبطَّنة، وسفالة متهجِّمة، ونذالة موجهَّة بتسفيهه، وتبرير فعل أعدائه أنه إجتهاد مأجور مغمور، إلا اتباع البيت الأموي وشيعة معاوية، فلماذا نتعجب ممن يرفضوا الثقافة الحسينيَّة بشعارات دنيوية لا يلتزموا بها!. فوالله لو أني أعلم أني أقتل ثم أحرق ثم أذرَّ في الهواء، ثم أحيا ثم أقتل ثم أحرق ثم أذر في الهواء ألف مرَّة ما تركتـــــك يـــــــا حسيـــــــــــــــــــــــن.
من قلم : أمين دايخ النهج الفِكري والتَّفكير النهضوي والنَّهضة الأمميَّة، لا بد وأن تبدأ من نقطة محوريَّة جوهريَّة هي التغيير والإصلاح. دراسة الثورة الحسينيَّة إنما تؤسس لبداية ثوريَّة ثقافيَّة وسياسيَّة، حضاريَّة وعصريَّة صحيَّة لأنها العودة للمفاهيم الراسخة للهامات المرفوعة، والقامات الشامخة، والأصول الثابتة دينيَّا وإنسانيَّا. معاناتنا منذ عقود، تتركَّز وتتمركز وتتمحور بانحياز السياسة الدوليَّة للإستيطانيَّة الصهيونيَّة والتخاذل العربي المتآمر بإستعمال أدواتها التنفيذيَّة والتكفيريَّة والتبشيرية لتعويم الجهل والتخلُّف والفساد والقعود في الأوقات النهضويَّة والتي تمثِّل الضمير الصارخ والعصب النابض لمشروع الأمَّة العربيَّة الواحدة الموحَّدة، و(إنهالاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)، لذلك حكام النفط والدول البتروليَّة بإيعازات أمريكيَّة يريدون إذلالنا وإبعادنا عن فَهم الثورة ومفاهيمها، لأن العيش في ديمقراطيتهم مسموح به فقط للأذلاء الذين يقبِّلون الأعتاب ويلحسون النعال. ولأن الإمام الحسين عليه السلام قدوة الأبرار ويمثِّل الفكر الثوري، تاريخيا وتراثيا وحضاريا ومستقبليا ودينيا، حتى على الحكام الفَجَرة، فلابد وأن يُحارب هو وفِكره وشيعته، لأن في فكره خطر على العروش لتمسك الجميع بولاية الفاسق وإن أكل مالنا وجلد ظهورنا. إذن لا بد وان يُحارب، مباشرة وغير مباشرة، تارة بتسفيه رأيه في الخروج وأنه للسلطة، وطورا بجعله كسائر الناس، وأخرى "ليس قدوة ولن يكون لأنه لم يشارك -بما يسمى- الفتوحات الإسلامية" التي أشبه بالسياسة الإستيطانيَّة الصليبيَّة، وقد قامت لأهداف توسعيَّة توسيعيَّة ماديَّة دنيويَّة عمَّمت الفساد الإجتماعي في بعض مراحلها فأدت إلى اختلاط العقيدة بالكتب اليونانيَّة وإلى إنحلال إجتماعي اخلاقي، وأهملت العناوين العريضة للرسالات السماويَّة وأهمها الإنسان والإلتزام والآخرة، ثمَّ لمقومات المجتمع الذي يكوِّن الوطن ولا يمكن بناؤه بعيدا عنه: "الشعب بكل ألوانه واطيافه وفئاته وطبقاته، الوطن بأبعاده وسياساته تجاه مواطنيه وتوجهاته، عدالة الحكام، الكرامة والإنسان، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...". ونرى ببمارسات وآراء البعض ممن ينطق بكلام أحباره، التمسك المتزمت بعصبيَّة وعمويَّة ودمويَّة بأقوال سفيههم ابن تيميَّة الذي وصل به الأمر لمهاجمة أهل البيت ومدحهم على طريقته، وحدا الأمر ببعض المحسوبين على الناس والبشرية والدثييات التطاول على المقدسات والعترة النبوية الشريفة، والتحدث عنها كما لو أنهم يتحدثون عن رجل ما، ثم تدرس التاريخ بعيون رمادية بحتة لا تهدف للإستنتاج بقدر ما تهدف لإثبات حقيقتها وأحقيَّتها بلقب "الفرقة الناجية" ولو كان الأمر باستعمال كتب اليهود والنصارى لإثبات أمر عقدي خالفوا به كل المسلمين منذ (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، والله يقول

البعض يُسلِّي نفسه أمام الحقائق والبراهين ولو بالأكاذيب، يعادي الرسول ص بأهل بيته، ويقول "نحب أهل البيت"، ثم يجعل الآل والأهل "هم الأتباع على الدين إلى يوم القيامة"، والله يقول

الجمعة 10 محرم 61هـ، يوم هزَّ الدنيا والكون والتاريخ والمستقبل إلى يومنا وإلى يوم الظهور،معسكرين بأميرين يمثلا خطين متوازيين متباعدين، كلاهما يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وكلاهما يؤمن بالكتاب، و(إنها لا تعمى الأبصار وإنما القلوب التي في الصدور). فلماذا رفضوا الثقافة الحسينيَّة التي هي دراسة معمَّقة ومفصَّلة وممارسة ومطبقة للثقافة المحمديَّة الإسلاميَّة الإنسانيَّة الثوريَّة تحت شعارات منها "التلبية لله وحده"، "الحسين لم يخوض معارك وليس قدوتنا" وأظهروا مدى عدائهم للشيعة مستصرخين بعض الناس بدرع واهم هم طعنوا به وعمموه وحملوه ك"عدالة الصحابة" و"أمهات المؤمنين" وغيرها، والأيام الآتية إن شاء الله ستثبت من طعن بأمهات المؤمنين ومن هم هؤلاء الصحابة، ومن هم الصحابة الحقيقيين؟! لأن أتباعه حسينيين إستشهاديين والنساء زينبيات، ولأنه ع سيقلب موازين الكون والمنطقة بفكره الخالد، فهو نور شامخ بالرسالة، وقلب نابض بالحق، وفكر ثائر بوجه الطغاة، ومبدأ راسخ للحرية، وعقيدةثابتة على الإيمان والتقوى.الحسين إمام الهدى سبط النبوة والد الأئمة، ثائر بوجه الظلم والطغيان والعدوان، وتضييع الحقوق، والفساد والإنحلال الأخلاقي والإجتماعي. الحسين ثار بوجه خليفة غير شرعي نُصِّبَ على رقاب المسلمين ونَصَّب الفسقة على الأبرار طالبا البيعة كالعبيد من المسلمين الأحرار. الحسين أثبت العناوين العريضة لثورته بأكثر من موقف، ولكن سيوف أمية وأتباعها إلى يومنا، وظلمها وأحقادهم البدرية والحنينية لازالت تثمر بأقلام طامعة بعطايا السلطان لتنكبنا عن هدي الرحمن. الحسين مثَّل الدور المقاوم، بنفسه وأهل بيته بقلة عددهم وخذلان الناصر الفكر الحي للإسلام الحنيف وقال ع:{فسحقاً لكم يا عبيد الامّة، وشذاذ الأحزاب، ونَبَذَة الكتاب، ومحرّفي الكَلِم، وعُصبة الإثم، ونَفثة الشيطان، ومطفئي السنن، ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون! أجلْ واللّه غدر فيكم قديم، و شجَّت عليه أصولكم، وتأزرت فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجٍ للناظر، وأكلة للغاصب} وقال ع: {ألا وإنّ الدّعي بن الدّعي قدْ ركز بين اثنتين، بين السّلة والذّلة، وهيهات منّا الذّلة يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وحجور طهرت وانوف حمية، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام...} وقال ع رأفة بمن تجيَّش لقتاله وفي ساحة الحرب للتذكرة وإلقاء الحجة، مبيِّنا أهل كل زمان من حملة الكتاب الذين لا يفقهوا ما حملوا:{قد اجتمعتم على امر أرى أنكم قد أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم إنكم زحفتم الى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم فتبّاً لكم ولما تريدون انا لله وانا اليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعداً للقوم الظالمين}. وقال ع مبيِّنا هوية قاتليه:{ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون يومالمعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتمعرباً كما تزعمون}، فيا أهل الأرض (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) أفلا تعقلون والله يقول (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
الله سبحانه يقول: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَاجَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْوَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَللَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ). اتفق المسلمون أن عليا وفاطمة والحسن والحسين هم من خرجوا مع الرسول للمباهلة. فالأمر من الله للقول، والتعريف جاء من النبي ص بأمر من الله، أبناؤه الحسنين، ونساؤه فاطمة، ونفسه علي بن أبي طالب ع. والله يقول

وقال الرسول ص:{الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة}، {إمامان قاما أو قعدا}، {ريحانتاي من الدنيا\الأمة}، و{حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط}،{أحبُّ أهل الرض إلى اهل السماء}،{هذا إمام، ابن إمام، أخو إمام، أبو الأئمة}.
قال الحسين ع:"ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاءالله، وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما" وقال:"والله إنيلم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي على بن أبي طالب".
قال جورج جرداق:"حينما جنّد يزيد الناس لقتل الحسين وإراقة الدماء، كانوا يقولون:كم تدفع لنا من المال؟ أما أنصار الحسين فكانوا يقولون لو أننا نقتل سبعين مرة، فإننا على استعداد لأن نقاتل بين يديك ونقتل مرة أخرى أيضاً".
قال إنطوان بار:"لوكان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية ولأقمنا له في كل أرض منبر،ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسمه"
قال توماس ماسريك:"على الرغم من أن القساوسة لدينا يؤثرون على مشاعر الناس عبر ذكر مصائب المسيح، إلا أنك لا تجد لدى أتباع المسيح ذلك الحماس والانفعال الذي تجده لدى أتباع الحسين لا تمثل إلا قشة أمام طود عظيم".
قال غاندي:"لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين".
قال ابن تيمية:"....والله ورسوله إنما يأمر بالصلاح لا بالفساد لكن الرأي يصيب تارة ويخطيء أخرى، فتبين أن الأمر على ما قاله أولئك، ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قتلوه مظلوما شهيدا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله ونقص الخير بذلك، وصار ذلك سببا لشر عظيم". وهذا مع إقراره أن لا ذنب ولا يد ليزيد بدمه وكتابته مجلد بذلك. فهل ابن تيمية وشركاه أعلم بالسنة من سبط الرسول ص؟! المطهَّر بدليل القرآن! ويقول عثمان الخميس:"أول خروجه كان طلبا للخلافة ...". ولن أتوسع أكثر بنقل رأي خوارج العصر ونازيَّة القرن.
لهذا لم نجد في كل التراث من هاجم الحسين بلباقة مبطَّنة، وسفالة متهجِّمة، ونذالة موجهَّة بتسفيهه، وتبرير فعل أعدائه أنه إجتهاد مأجور مغمور، إلا اتباع البيت الأموي وشيعة معاوية، فلماذا نتعجب ممن يرفضوا الثقافة الحسينيَّة بشعارات دنيوية لا يلتزموا بها!. فوالله لو أني أعلم أني أقتل ثم أحرق ثم أذرَّ في الهواء، ثم أحيا ثم أقتل ثم أحرق ثم أذر في الهواء ألف مرَّة ما تركتـــــك يـــــــا حسيـــــــــــــــــــــــن.
تعليق