السنة النبوية في الفكر الحداثي / السيد صدر الدين القبانجي
نقف مع الفكر الحداثي حول ما يتعلق بالسنة النبوية، الفكر الحداثي يقول ان السنة النبوية هي سنة شخصانية تاريخانية:الشخصانية: أي ان هذه الأحكام هي مذاق النبي(ص) الشخصي فلماذا يكون حكماً على كل البشرية!!
التاريخانية: وتعني ذلك المقطع من التاريخ الذي عاشه النبي(ص) في ظروف خاصة ومرحلية، إذن لا يمكن ان نحتج بسنة النبي ان هكذا فعل وهكذا لم يفعل!! بل فعل ولم يفعل لزمانه ومذاقه الشخصي، وهذا لا يعني انه كان يعطي تشريعاً على مرّ الزمان، وعلى هذا الأساس أسقطت السنة النبوية من الحجيّة.
ان الفقهاء وعلماء الأصول سجلوا جواب هذه المسألة منذ مئات السنين وهو ان النبي(ص) في سنته له حالتين:
الأولى: الحالة الشخصية، وهي ليست حجة علينا ولا نستطيع ان نجعل منها حكماً شرعياً، مثال ذلك ان النبي(ص) يأكل بيده وبأصابعه وهذا ليس موقفاً شرعياً، وكذلك حب النبي(ص) لأكل التمر فهو(ص) بشر وله مذاقه الخاص في الأطعمة وليس بالضرورة أن يمثل ذلك حكماً تشريعياً.
الثانية: الحالة التعبدية التشريعية، وهي التي تدلل القرائن عليها إنها حالات تعبّديّة تشريعية، مثال ذلك: ان النبي(ص) كان يغسل يديه قبل الطعام وهي حالة شخصية، ومرة يتوضأ قبل الطعام فكيف نفسر ذلك؟ وهذه ليست قضية ذوقية بل تعبر عن قضية شرعية يجب الالتزام بها فحينما تكون بمثل هذه الالتزامات الواضحة نجد إنها تأخذ منحى تشريعياً، مثلها مثل استقبال القبلة عند النوم، وهذا يعني ان هناك تعبد والتزام، والنبي(ص) يصلي في سفره ركعتين، وفي حضره أربع ركعات، وهذا لا يمكن ان يفسر كقضية ذوقية، لأنها محفوفة بقرائن على ان النبي(ص) يقوم بعمل تشريعي وهذه الأعمال من الحالة الثانية فيقال عنها إنها سنّة شرعية وليست شخصانية بل نخرج منها حكماً شرعياً فنقول يستحب الوضوء قبل الطعام، ومجرد إن الحداثيين يدعون ان هذه القضايا ممكن ان تكون قضايا شخصية ليس كافياً فالادعاء بسيط لكن ماهو الدليل، فنحن أدلتنا على هذه القضايا ان في ظاهرها أعمال تعبدية، ويقوم بها(ص) بشكل مدروس ومخطط له.
وأما ان تكون سنة النبي سنة تاريخانية أي مخصوصة بأهل زمانه(ص) وبالتالي لا يمكن تعميمها على طول التاريخ، جواب ذلك: ان هذا الأمر يصطدم بالبديهة الإسلامية التي أخذناها من رسول الله(ص) وما بعده القائلة بأن التشريعات الإسلامية دائمية وان الإسلام دائمي وخاتمي، وان حلال محمد(ص) حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد(ص) حرام إلى يوم القيامة، وهذه القضية نراها بديهية في الفكر الإسلامي، وبمئات الدلائل والنصوص التي تؤكد ان الإسلام ليس مخصوصاً بزمن قريش ولا الجزيرة، وممكن يدعي شخص بخصوصية الإسلام، وكما قلنا الادعاء بسيط ولكن(قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) اما الآخر الذي يدعي بأن الإسلام مقطعي تاريخي والحداثة تحاول إسقاط قيمة النبي(ص) ثم إسقاط القيمة الدلالية للقرآن الكريم.