أضواءتحليلية
على الاتفاقية الأمنية
بين العراق والولاياتالمتحدة
على الاتفاقية الأمنية
بين العراق والولاياتالمتحدة
شهدت الساحةالعراقية
في الآونة الأخيرة جدلاً سياسياً وفكرياً واسعاً
حول الاتفاقيةالأمنية العراقية – الأمريكية المزمع إبرامها بين الطرفين
هذا العام، ذلك الجدلانصب حول مدى المخاطر المحتملة التي يمكن أن تترتب على عقد هكذا اتفاقية
علىالأصعدة السياسية والاقتصادية وخاصة الأمنية منها نظراً للمبادئ والأهداف التيتضمنتها، وتمسك الولايات المتحدة الأميركية بها وعدم التنازل عنها.
لقد جاء فيديباجة الاتفاقية التي حملت عنوان (إعلان مبادئ من أجل علاقة تعاون وصداقة طويلةالأمد بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية , إن الطرفين أي العراقوالولايات المتحدة الأمريكية يدركان بصورة مشتركة ضرورة تعزيز جهودهما من أجلالمحافظة على السلام والأمن في العراق، وفي كافة أنحاء المنطقة، وإذ يدركان إنالقدرة القوية للدفاع عن النفس مقرونة باحترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية،من شأنها تعزيز السلام والاستقرار في العراق.
إن المتتبع لبنود هذه الاتفاقيةيجد إنها نصت على احترام سيادة كل طرف فيها وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، إلا إنالواقع يشير إلى إن هذه الاتفاقية وخاصة الجوانب الأمنية منها تُعد تدخلاً سافراًفي شؤون العراق الداخلية، نظراً لوصاية القوات الأمريكية المحتلة على العراق،وإطلاق يدها في كل شبر من أرضه، وعدم خضوع القوات الأمريكية والمتعاونين معها إلىالقانون العراقي الداخلي.
ولا شك إن الولايات المتحدة الأمريكية لديها مصالحسياسية وعسكرية إستراتيجية في العراق لا يمكن إن تغفلها الإدارة الأمريكية،وسنذكرلكم بعض التفاصيل المهمة فيما بعد.
ولايعد احتلال العراق تحريراً- كما وصفتهالادارة الامريكية - لأن التحرير هو نقيض الاحتلال، ومن المعلوم إن الولاياتالمتحدة الأمريكية وبريطانيا اعترفتا رسمياً حسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1483) بوضعهما القانوني في العراق كقوات احتلال، والاحتلال لا يمكن أن يكون حملة لنشرالحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط، لأن الحرية والديمقراطية لا تنشر عن طريقالاحتلال والتعذيب والقتل اليومي.
وعليه فإن الاحتلال الانكلو –أمريكية للعراقلم يكن من أجل الحرية والديمقراطية، وإنما كان عملاً مخططاً له منذ زمن بعيدللاستيلاء على العراق وفرض الهيمنة الأجنبية على شعبه، وكذلك استجابة لضغوط كانتتتعرض لها الإدارة الأميركية من قبل بعض جماعات الضغط المتنفذة داخل الولاياتالمتحدة، ولان قضية الوجود العسكري الأمريكي في العراق وكذلك إنشاء قواعد عسكريةدائمة أصبحت موضوع اهتمام العديد من القيادات السياسية والحركات والأحزاب الدينيةوالوطنية داخل العراق، فضلاً عن الاهتمام الذي لقيته على الصعيد الخارجي، حيث مارستالعديد من القوى الدولية، والرأي العام العالمي ضغوطاً من أجل خروج القواتالأمريكية من العراق، فقد وجدت الولايات المتحدة في عقد اتفاقية متكاملة الجوانب معالعراق (اقتصادية وسياسية وعسكرية) المخرج الوحيد لها من الأصوات الداعية إلى خروجقواتها من العراق.
ومهما تكن
المبررات لهذه الاتفاقية
يمكن القول إنها تهدف إلىتحويل
الوجود العسكري الأمريكي إلى وجود قانوني
مشروع تحت ستار اتفاقياتالصداقة والتعاون،
أي إن وجود القوات الأجنبية في العراق سيكون استناداً
إلىاتفاق ثنائي بين بلدين مستقلين يتمتعان بالسيادة
كما تروج الولايات المتحدةلذلك، في حين نجد
إن الاتفاقية سوف تجعل من العراق
دولة ناقصة السيادة
خاصة من خلال البند الذي ينص على حصانة القوات الأمريكيةوالمتعاقدين معها من ملاحقة القضاء والمحاكم العراقية، لأن مفهوم السيادة يتحددبمدى قدرة حكومة البلاد على تطبيق القانون على الجميع داخل البلاد، وإن وجود هذاالشرط أي حصانة القوات الأمريكية من المثول أما القضاء العراقي لا يختلف عن الأمررقم (17) الذي أصدره الحاكم المدني للعراق بول بريمر زمن الاحتلال، والذي ينص علىمنح القوات الأجنبية والمتعاقدين المدنيين الحصانة القضائية والقانونية داخلالعراق.
استناداً إلى ما تقدم نجد إن الاتفاقية المزمع توقيعها لا تتعدى أن تكونتغيراً في العناوين، من قرار أممي إلى اتفاقية ثنائية، مع بقاء منظومة الاحتلالقائمة في العراق ولسنين قادمة. فحسب صحيفة الغارديان البريطانية التي نشرت في منتصفنيسان 2008 ما قالت أنه مسودة للاتفاقية التي يتفاوض بشأنها الجانبان العراقيوالأمريكي، فإن المسودة تطرح تصوراً لوجود عسكري أمريكي غير محدد الحجم في العراقلمدة زمنية لا سقف لها (بالرغم من استخدام المسودة كلمة وجود مؤقت)، ولا تحددالمسودة ما إذا كان الوجود العسكري سيقتصر على عدد مخصص من القواعد، كما لا توضحطبيعة تسليح القوات الأمريكية، وما إ'ذا كانت هذه القوات ستخضع لسلطة القانونالعراقي، أو أي قانون آخر، في حين تعطي مسودة الاتفاقية القوات الأمريكية حق تسييرالدوريات العسكرية، أي حق الاشتباك مع عراقيين، واعتقالهم في أي وقت تشاء، الأمرالذي يعني إن الاتفاقية بهذه الشروط ما هي إلا وسيلة أخرى لاستمرار الوضع الحاليولكن بصيغة قانونية جديدة.
وخلاصة القول، فإنه مهما اختلف العراقيون في تسميةالقوات الأمريكية عند دخولها العراق واحتلالها له في عام 2003 سواء كانت قوات صديقةأو قوات محررة، أو حول المبرر لوجود هذه القوات، فإن من الواجب القول بأن النظرةإلى الاتفاقية، وإلى الوجود العسكري الأمريكي في العراق لا يمكن تقبله في الشارعالعراقي، وهو أمر يصعب استمرار وجوده. ومن ثم فإن عقد هكذا اتفاقية مع الطرف المحتلينبغي أن يأتي طبقاً لبرنامج الحكومة العراقية، كانتقال المهام الأمنية إلى القواتالعراقية، وأن تكون شفافة واضحة المعالم مع تأطير التعاون في مختلف المجالات بينالجانبين مستقبلاً، فضلاً عن كون هذه الاتفاقية يجب أن تكون علنية وليست سرية، لأنالأمور تصب في النهاية في تقرير مصير شعب بأكمله، مما يستدعي الأمر ضرورة إشراكه فيتقرير مصيره ومصير أبناءه،