ما جرى على أمير المؤمنين (ع) في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان
روى في (فرائد السمطين) عن عثمان بن المغيرة،قال:لما أن دخل شهر رمضان من سنة أربعين،كان علي (عليه السلام) يتعشى ليلة عند الحسن و ليلة عند الحسين و ليلة عن ابن عباس،و لا يزيد على ثلاث لقم يقول:«يأتيني أمر الله و أنا أخمص إنما ليلة أو ليلتين»{h(1)h}.
روى العلامة المجلسي (رحمة الله عليه) في حديث طويل:قالت ام كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) :لما كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان قدمت إليه عند إفطاره طبقا فيه قرصان من خبز الشعير و قصعة فيها لبن و ملح جريش{h(2)h}فلما فرغ من صلاته أقبل على فطوره،فلما نظر إليه و تأمله حرك رأسه و بكى بكاء شديدا عاليا و قال:«يا بنية،ما ظننت أن بنتا تسوء أباها كما قد أسأت أنت إلي»قالت:و ماذا يا أباه؟
قال:«يا بنية،أ تقدمين إلى أبيك أدامين في طبق واحد؟أتريدين أن يطول وقوفي غدا بين يدي الله عز و جل يوم القيامة؟!أنا اريد أن أتبع أخي و ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ما قدم إليه أدامان في طبق واحد إلى أن قبضه الله.يا بنية،ما من رجل طاب مطعمه و مشربه و ملبسه إلا طال وقوفه بين يدي الله عز و جل يوم القيامة.
يا بنية،إن الدنيا في حلالها حساب،و في حرامها عقاب،و قد أخبرني حبيبي رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) أن جبرئيل (عليه السلام) نزل إليه و معه مفاتيح كنوز الأرض،و قال:يا محمد،الله يقرؤك السلام و يقول لك:إن شئت صيرت معك جبال تهامة ذهبا و فضة،و خذ هذه مفاتيح كنوز الأرض و لا ينقص ذلك من حظك يوم القيامة،قال:يا جبرئيل،و ما يكون بعد ذلك؟قال:الموت،فقال:إذن لا حاجة لي في الدنيا،دعني أجوع يوما و أشبع يوما فاليوم الذي أجوع فيه أتضرع إلى ربي و أسأله،و اليوم الذي أشبع فيه أشكر ربي و أحمده،فقال له جبرئيل :وفقت لكل خير يا محمد».
ثم قال (عليه السلام) :«يا بنية،الدنيا دار غرور و دار هوان،فمن قدم شيئا وجده.يا بنية،و الله لا آكل شيئا حتى ترفعي أحد الأدامين».
فلما رفعته تقدم إلى الطعام فأكل قرصا واحدا بالملح الجريش،ثم حمد الله و أثنى عليه،ثم قام إلى صلاته،فصلى،و لم يزل راكعا و ساجدا و مبتهلا و متضرعا إلى الله سبحانه،و يكثر الدخول و الخروج و هو ينظر إلى السماء و هو قلق يتململ ثم قرأ سورة«يس»حتى ختمها،ثم رقد هنيئة و انتبه مرعوبا،و جعل يمسح وجهه بثوبه،و نهض قائما على قدميه،و هو يقول:«أللهم بارك لنا في لقائك»و يكثر من قول:«لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم».
ثم صلى حتى ذهب بعض الليل،ثم جلس للتعقيب،ثم نامت عيناه و هو جالس،ثم انتبه من نومته مرعوبا.و ساق الكلام إلى أن قالت:و لم يزل تلك الليلة قائما و قاعدا و راكعا و ساجدا،ثم يخرج ساعة بعد ساعة يقلب طرفه في السماء و ينظر في الكواكب و هو يقول:«و الله ما كذبت و لا كذبت،و إنها الليلة التي وعدت بها»ثم يعود إلى مصلاه و يقول:«أللهم بارك لي في الموت»،و يكثر من قول:«إنا لليه و إنا إليه راجعون،و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم»و يصلي على النبي و آله و يستغفر الله كثيرا.
قالت أم كلثوم:فلما رأيته في تلك الليلة قلقا متململا كثير الذكر و الاستغفار أرقت معه ليلتي،و قلت يا أبتاه،مالي أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد؟.
قال:«يا بنية،إن أباك قتل الأبطال و خاض الأهوال،و ما دخل الخوف له جوف،و ما دخل في قلبي رعب أكثر مما دخل في هذه الليلة»ثم قال:«إنا لله و إنا اليه راجعون».
فقلت:يا أباه،مالك تنعى نفسك منذ الليلة؟
قال:«يا بنية،قد قرب الأجل و انقطع الأمل».
قالت ام كلثوم:فبكيت،فقال لي:«يا بنية،لا تبكي فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إلي النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) »ثم إنه (عليه السلام) نعس و طوى ساعة،ثم استيقظ من نومه،و قال:«يا بنية،إذا قرب وقت الأذان فأعلميني»ثم رجع إلى ما كان عليه أول الليل من الصلاة و الدعاء و التضرع إلى الله سبحانه و تعالى.
قالت ام كلثوم:فجعلت أرقب وقت الأذان،فلما لاح الوقت أتيته و معي إناء فيه ماء،ثم أيقظته فأسبغ الوضوء و قام و لبس ثيابه و فتح بابه،ثم نزل إلى الدار و كان في الدار أوز قد أهدي إلى أخي الحسين (عليه السلام) ،فلما نزل خرجنوراءه و رفرفن و صحن في وجهه،و كن قبل تلك الليلة لا يصحن،فقال (عليه السلام) :«لا إله إلا الله،صوارخ تتبعها نوائح،و في غداة غد يظهر القضاء».
فقلت له:يا أباه،هكذا يتطير؟فقال:«يا بنية،ما منا أهل البيت من تتطير؟و لا يتطير به،و لكن قول جرى على لساني».
ثم قال:«يا بنية،بحقي عليك إلا ما أطلقتيه،فقد حبست ما ليس له لسان،و لا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش،فأطعميه و اسقيه،و إلا خلي سبيله يأكل من حشائش الأرض».فلما وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه،فتعلق الباب بمئزره فانحل مئزره حتى سقط،فأخذه و شده و هو يقول :
«أشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا
و لا تجزع من الموت إذا حل بناديكا
و لا تغتر بالدهر و إن كان يواتيكا
كما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيكا»
ثم قال:«اللهم بارك لنا الموت اللهم بارك لي في لقائك»قالت أم كلثوم:و كنت أمشي خلفه،فلما سمعته يقول ذلك،قلت:واغوثاه يا أبتاه،أراك تنعى نفسك منذ الليلة.
قال:«يا بنية،ما هو بنعاء و لكنها دلالات و علامات للموت،يتبع بعضها بعضا،فأمسكي عن الجواب»ثم فتح الباب و خرج.الحديث{h(3)h}.
و في (النهج) و كذا في (تاريخ دمشق) قال علي (عليه السلام) في سحرة{h(4)h}اليوم الذي ضرب فيه:«ملكتني{h(5)h}عيني و أنا جالس،فسنح لي{h(6)h}رسول الله (صلىالله عليه و آله و سلم) فقلت:يا رسول الله ماذا لقيت من امتك من الأود{h(7)h}و اللدد{h(8)h}؟فقال (صلى الله عليه و آله و سلم) :ادع عليهم،فقلت:أبدلني الله بهم خيرا منهم،و أبدلهم بي شرا لهم مني»{h(9)h}و استجاب له دعاؤه،و مضى عليه ما مضى.
و قال المسعودي في تأريخه:و قيل إن عليا (عليه السلام) لم ينم تلك الليلة،و إنه لم يزل يمشي بين الباب و الحجرة،و هو يقول:«و الله ما كذبت و لا كذبت،و إنها الليلة التي وعدت فيها»فلما خرج صاح بط كان للصبيان،فصاح بهن بعض من في الدار،فقال علي (عليه السلام) :«ويحك دعهن فإنهن نوائح»{h(10)h}.
مجيء علي (ع) إلى المسجد و ما اتفق بينه و بين ابن ملجم.
في (البحار) عن أبي مخنف و غيره:و سار أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى دخل المسجد،و القناديل قد خمد ضوؤها،فصلى في المسجد ورده و عقب ساعة،ثم إنه قام و صلى ركعتين،ثم علا المأذنة و وضع سبابتيه في اذنيه و تنحنح،ثم أذن و كان (عليه السلام) إذا أذن لم يبق في بلدة الكوفة بيت إلا اخترقه صوته،قال الراوي:و اما ابن ملجم فبات في تلك الليلة يفكر في نفسه و لا يدري ما يصنع،فتارة يعاتب نفسه و يوبخها و يخاف من عقبى فعله،فيهم أن يرجع عن ذلك،و تارة يذكر قطام لعنها الله و حسنها و جمالها و كثرة مالها فتميل نفسه إليها،فبقي عامة ليلهيتقلب على فراشه،و هو يترنم بشعره ذلك،إذ أتته الملعونة و نامت معه في فراشه .الحديث{h(11)h}.
قال مصنف الكتاب:هذا الخبر غير صحيح،ثم قال:و الرواية الصحيحة أنه (يعني ابن ملجم) بات في المسجد و معه رجلان أحدهما شبيب بن بحيرة و الآخر وردان بن مجالد يساعدانه على قتل علي (عليه السلام) ،فلما أذن (عليه السلام) و نزل من المأذنة و جعل يسبح الله و يقدسه و يكبره و يكثر من الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قال الراوي:و كان من كرم أخلاقه (عليه السلام) أنه يتفقد النائمين في المسجد،و يقول:للنائم:«الصلاة يرحمك الله الصلاة،قم إلى الصلاة المكتوبة عليك»ثم يتلو (عليه السلام) : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر {h(12)h}ففعل ذلك كما كان يفعله على مجاري عادته مع النائمين في المسجد،حتى إذا بلغ إلى الملعون،و رآه نائما على وجهه،قال له:«يا هذا قم من نومك هذا،فإنها نومة يمقتها الله،و هي نومة الشيطان،و نومة أهل النار،بل نم على يمينك فإنها نومة العلماء،أو على يسارك فإنها نومة الحكماء،و لا تنم على ظهرك فإنها نومة الأنبياء»
قال:فتحرك الملعون كأنه يريد أن يقوم و هو من مكانه لا يبرح،فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) :«لقد هممت بشيء تكاد السماوات يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا،و لو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك»ثم تركه و عدل عنه إلى محرابه و قام قائما يصلي،و كان (عليه السلام) يطيل الركوع و السجود في الصلاة،كعادته في الفرائض و النوافل حاضرا قلبه،فلما أحس به الملعون نهض مسرعاو أقبل يمشي حتى وقف بإزاء الاسطوانة التي كان الإمام (ع) يصلي عليها،فأمهله حتى صلى الركعة الاولى و ركع و سجد السجدة الاولى منها و رفع رأسه،فعند ذلك أخذ السيف و هزه،ثم ضربه على رأسه المكرم الشريف،فوقعت الضربة على الضربة التي ضربه عمرو بن عبدود العامري،ثم أخذت الضربة إلى مفرق رأسه إلى موضع السجود،فلما أحس الإمام (عليه السلام) بالضرب لم يتأوه،و صبر و احتسب،و وقع على وجهه و ليس عنده أحد قائلا«بسم الله و بالله،و على ملة رسول الله».
ثم صاح و قال:«قتلني ابن ملجم،قتلني اللعين ابن اليهودية و رب الكعبة،أيها الناس لا يفوتنكم ابن ملجم»و سار السم في رأسه و بدنه،و ثار جميع من في المسجد في طلب الملعون،و ماجوا بالسلاح فما كنت أرى إلا صفق الأيدي على الهامات،و علوا الصرخات،و كان ابن ملجم ضربه ضربة خائفا مرعوبا،ثم ولى هاربا و خرج من المسجد.
و أحاط الناس بأمير المؤمنين و هو في محرابه يشد بالضربة و يأخذ التراب و يضعه عليها،ثم تلا قوله تعالى: منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخرى {h(13)h}،ثم قال«جاء أمر الله و صدق رسول الله»،ثم إنه لما ضربه الملعون ارتجت الأرض و ماجت البحار و السماوات و اصطفقت أبواب الجامع،قال:و ضربه اللعين شبيب بن بجرة فأخطأه،و وقعت الضربة في الطاق{h (14)h}.
روى في (فرائد السمطين) عن عثمان بن المغيرة،قال:لما أن دخل شهر رمضان من سنة أربعين،كان علي (عليه السلام) يتعشى ليلة عند الحسن و ليلة عند الحسين و ليلة عن ابن عباس،و لا يزيد على ثلاث لقم يقول:«يأتيني أمر الله و أنا أخمص إنما ليلة أو ليلتين»{h(1)h}.
روى العلامة المجلسي (رحمة الله عليه) في حديث طويل:قالت ام كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) :لما كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان قدمت إليه عند إفطاره طبقا فيه قرصان من خبز الشعير و قصعة فيها لبن و ملح جريش{h(2)h}فلما فرغ من صلاته أقبل على فطوره،فلما نظر إليه و تأمله حرك رأسه و بكى بكاء شديدا عاليا و قال:«يا بنية،ما ظننت أن بنتا تسوء أباها كما قد أسأت أنت إلي»قالت:و ماذا يا أباه؟
قال:«يا بنية،أ تقدمين إلى أبيك أدامين في طبق واحد؟أتريدين أن يطول وقوفي غدا بين يدي الله عز و جل يوم القيامة؟!أنا اريد أن أتبع أخي و ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ما قدم إليه أدامان في طبق واحد إلى أن قبضه الله.يا بنية،ما من رجل طاب مطعمه و مشربه و ملبسه إلا طال وقوفه بين يدي الله عز و جل يوم القيامة.
يا بنية،إن الدنيا في حلالها حساب،و في حرامها عقاب،و قد أخبرني حبيبي رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) أن جبرئيل (عليه السلام) نزل إليه و معه مفاتيح كنوز الأرض،و قال:يا محمد،الله يقرؤك السلام و يقول لك:إن شئت صيرت معك جبال تهامة ذهبا و فضة،و خذ هذه مفاتيح كنوز الأرض و لا ينقص ذلك من حظك يوم القيامة،قال:يا جبرئيل،و ما يكون بعد ذلك؟قال:الموت،فقال:إذن لا حاجة لي في الدنيا،دعني أجوع يوما و أشبع يوما فاليوم الذي أجوع فيه أتضرع إلى ربي و أسأله،و اليوم الذي أشبع فيه أشكر ربي و أحمده،فقال له جبرئيل :وفقت لكل خير يا محمد».
ثم قال (عليه السلام) :«يا بنية،الدنيا دار غرور و دار هوان،فمن قدم شيئا وجده.يا بنية،و الله لا آكل شيئا حتى ترفعي أحد الأدامين».
فلما رفعته تقدم إلى الطعام فأكل قرصا واحدا بالملح الجريش،ثم حمد الله و أثنى عليه،ثم قام إلى صلاته،فصلى،و لم يزل راكعا و ساجدا و مبتهلا و متضرعا إلى الله سبحانه،و يكثر الدخول و الخروج و هو ينظر إلى السماء و هو قلق يتململ ثم قرأ سورة«يس»حتى ختمها،ثم رقد هنيئة و انتبه مرعوبا،و جعل يمسح وجهه بثوبه،و نهض قائما على قدميه،و هو يقول:«أللهم بارك لنا في لقائك»و يكثر من قول:«لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم».
ثم صلى حتى ذهب بعض الليل،ثم جلس للتعقيب،ثم نامت عيناه و هو جالس،ثم انتبه من نومته مرعوبا.و ساق الكلام إلى أن قالت:و لم يزل تلك الليلة قائما و قاعدا و راكعا و ساجدا،ثم يخرج ساعة بعد ساعة يقلب طرفه في السماء و ينظر في الكواكب و هو يقول:«و الله ما كذبت و لا كذبت،و إنها الليلة التي وعدت بها»ثم يعود إلى مصلاه و يقول:«أللهم بارك لي في الموت»،و يكثر من قول:«إنا لليه و إنا إليه راجعون،و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم»و يصلي على النبي و آله و يستغفر الله كثيرا.
قالت أم كلثوم:فلما رأيته في تلك الليلة قلقا متململا كثير الذكر و الاستغفار أرقت معه ليلتي،و قلت يا أبتاه،مالي أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد؟.
قال:«يا بنية،إن أباك قتل الأبطال و خاض الأهوال،و ما دخل الخوف له جوف،و ما دخل في قلبي رعب أكثر مما دخل في هذه الليلة»ثم قال:«إنا لله و إنا اليه راجعون».
فقلت:يا أباه،مالك تنعى نفسك منذ الليلة؟
قال:«يا بنية،قد قرب الأجل و انقطع الأمل».
قالت ام كلثوم:فبكيت،فقال لي:«يا بنية،لا تبكي فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إلي النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) »ثم إنه (عليه السلام) نعس و طوى ساعة،ثم استيقظ من نومه،و قال:«يا بنية،إذا قرب وقت الأذان فأعلميني»ثم رجع إلى ما كان عليه أول الليل من الصلاة و الدعاء و التضرع إلى الله سبحانه و تعالى.
قالت ام كلثوم:فجعلت أرقب وقت الأذان،فلما لاح الوقت أتيته و معي إناء فيه ماء،ثم أيقظته فأسبغ الوضوء و قام و لبس ثيابه و فتح بابه،ثم نزل إلى الدار و كان في الدار أوز قد أهدي إلى أخي الحسين (عليه السلام) ،فلما نزل خرجنوراءه و رفرفن و صحن في وجهه،و كن قبل تلك الليلة لا يصحن،فقال (عليه السلام) :«لا إله إلا الله،صوارخ تتبعها نوائح،و في غداة غد يظهر القضاء».
فقلت له:يا أباه،هكذا يتطير؟فقال:«يا بنية،ما منا أهل البيت من تتطير؟و لا يتطير به،و لكن قول جرى على لساني».
ثم قال:«يا بنية،بحقي عليك إلا ما أطلقتيه،فقد حبست ما ليس له لسان،و لا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش،فأطعميه و اسقيه،و إلا خلي سبيله يأكل من حشائش الأرض».فلما وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه،فتعلق الباب بمئزره فانحل مئزره حتى سقط،فأخذه و شده و هو يقول :
«أشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا
و لا تجزع من الموت إذا حل بناديكا
و لا تغتر بالدهر و إن كان يواتيكا
كما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيكا»
ثم قال:«اللهم بارك لنا الموت اللهم بارك لي في لقائك»قالت أم كلثوم:و كنت أمشي خلفه،فلما سمعته يقول ذلك،قلت:واغوثاه يا أبتاه،أراك تنعى نفسك منذ الليلة.
قال:«يا بنية،ما هو بنعاء و لكنها دلالات و علامات للموت،يتبع بعضها بعضا،فأمسكي عن الجواب»ثم فتح الباب و خرج.الحديث{h(3)h}.
و في (النهج) و كذا في (تاريخ دمشق) قال علي (عليه السلام) في سحرة{h(4)h}اليوم الذي ضرب فيه:«ملكتني{h(5)h}عيني و أنا جالس،فسنح لي{h(6)h}رسول الله (صلىالله عليه و آله و سلم) فقلت:يا رسول الله ماذا لقيت من امتك من الأود{h(7)h}و اللدد{h(8)h}؟فقال (صلى الله عليه و آله و سلم) :ادع عليهم،فقلت:أبدلني الله بهم خيرا منهم،و أبدلهم بي شرا لهم مني»{h(9)h}و استجاب له دعاؤه،و مضى عليه ما مضى.
و قال المسعودي في تأريخه:و قيل إن عليا (عليه السلام) لم ينم تلك الليلة،و إنه لم يزل يمشي بين الباب و الحجرة،و هو يقول:«و الله ما كذبت و لا كذبت،و إنها الليلة التي وعدت فيها»فلما خرج صاح بط كان للصبيان،فصاح بهن بعض من في الدار،فقال علي (عليه السلام) :«ويحك دعهن فإنهن نوائح»{h(10)h}.
مجيء علي (ع) إلى المسجد و ما اتفق بينه و بين ابن ملجم.
في (البحار) عن أبي مخنف و غيره:و سار أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى دخل المسجد،و القناديل قد خمد ضوؤها،فصلى في المسجد ورده و عقب ساعة،ثم إنه قام و صلى ركعتين،ثم علا المأذنة و وضع سبابتيه في اذنيه و تنحنح،ثم أذن و كان (عليه السلام) إذا أذن لم يبق في بلدة الكوفة بيت إلا اخترقه صوته،قال الراوي:و اما ابن ملجم فبات في تلك الليلة يفكر في نفسه و لا يدري ما يصنع،فتارة يعاتب نفسه و يوبخها و يخاف من عقبى فعله،فيهم أن يرجع عن ذلك،و تارة يذكر قطام لعنها الله و حسنها و جمالها و كثرة مالها فتميل نفسه إليها،فبقي عامة ليلهيتقلب على فراشه،و هو يترنم بشعره ذلك،إذ أتته الملعونة و نامت معه في فراشه .الحديث{h(11)h}.
قال مصنف الكتاب:هذا الخبر غير صحيح،ثم قال:و الرواية الصحيحة أنه (يعني ابن ملجم) بات في المسجد و معه رجلان أحدهما شبيب بن بحيرة و الآخر وردان بن مجالد يساعدانه على قتل علي (عليه السلام) ،فلما أذن (عليه السلام) و نزل من المأذنة و جعل يسبح الله و يقدسه و يكبره و يكثر من الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قال الراوي:و كان من كرم أخلاقه (عليه السلام) أنه يتفقد النائمين في المسجد،و يقول:للنائم:«الصلاة يرحمك الله الصلاة،قم إلى الصلاة المكتوبة عليك»ثم يتلو (عليه السلام) : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر {h(12)h}ففعل ذلك كما كان يفعله على مجاري عادته مع النائمين في المسجد،حتى إذا بلغ إلى الملعون،و رآه نائما على وجهه،قال له:«يا هذا قم من نومك هذا،فإنها نومة يمقتها الله،و هي نومة الشيطان،و نومة أهل النار،بل نم على يمينك فإنها نومة العلماء،أو على يسارك فإنها نومة الحكماء،و لا تنم على ظهرك فإنها نومة الأنبياء»
قال:فتحرك الملعون كأنه يريد أن يقوم و هو من مكانه لا يبرح،فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) :«لقد هممت بشيء تكاد السماوات يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا،و لو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك»ثم تركه و عدل عنه إلى محرابه و قام قائما يصلي،و كان (عليه السلام) يطيل الركوع و السجود في الصلاة،كعادته في الفرائض و النوافل حاضرا قلبه،فلما أحس به الملعون نهض مسرعاو أقبل يمشي حتى وقف بإزاء الاسطوانة التي كان الإمام (ع) يصلي عليها،فأمهله حتى صلى الركعة الاولى و ركع و سجد السجدة الاولى منها و رفع رأسه،فعند ذلك أخذ السيف و هزه،ثم ضربه على رأسه المكرم الشريف،فوقعت الضربة على الضربة التي ضربه عمرو بن عبدود العامري،ثم أخذت الضربة إلى مفرق رأسه إلى موضع السجود،فلما أحس الإمام (عليه السلام) بالضرب لم يتأوه،و صبر و احتسب،و وقع على وجهه و ليس عنده أحد قائلا«بسم الله و بالله،و على ملة رسول الله».
ثم صاح و قال:«قتلني ابن ملجم،قتلني اللعين ابن اليهودية و رب الكعبة،أيها الناس لا يفوتنكم ابن ملجم»و سار السم في رأسه و بدنه،و ثار جميع من في المسجد في طلب الملعون،و ماجوا بالسلاح فما كنت أرى إلا صفق الأيدي على الهامات،و علوا الصرخات،و كان ابن ملجم ضربه ضربة خائفا مرعوبا،ثم ولى هاربا و خرج من المسجد.
و أحاط الناس بأمير المؤمنين و هو في محرابه يشد بالضربة و يأخذ التراب و يضعه عليها،ثم تلا قوله تعالى: منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخرى {h(13)h}،ثم قال«جاء أمر الله و صدق رسول الله»،ثم إنه لما ضربه الملعون ارتجت الأرض و ماجت البحار و السماوات و اصطفقت أبواب الجامع،قال:و ضربه اللعين شبيب بن بجرة فأخطأه،و وقعت الضربة في الطاق{h (14)h}.
تعليق