تويت
ان لمعرفة تاريخ نزول القرآن الكريم أهمية كبرى، لارتباط ذلك بمرحلتين خالدتين هما: ا
مرحلة العهد المكي التي تمثل بداية انبثاق نور الاسلام العظيم والتي دامت ثلاثة عشر عاماً وانتهت بهجرة النبي (ص) الى المدينة، المنورة وبداية الهجرة تمثل المرحلة الثانية وهي مرحلة قيام الدولة الاسلامية وانتصار الاسلام على الشرك والوثنية .ا
بدء نزول القرآن:
لا شك أن القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك وذلك لقوله تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ البقرة}/ 185، وقوله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} الدخان/ 3، وقوله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} القدر/ 1.
ولكن هذا يتنافى - ظاهراً - مع ما اتفقت عليه الامامية وغيرهم على ان البعثة النبوية كانت في السابع والعشرين من شهر رجب وقد كانت البعثة مقرونة بنزول خمس آيات من سورة العلق، فكيف يتم ذلك مع القول بنزول القرآن في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك؟
والجواب: - إن بدء البعثة يختلف عن بدء نزول القرآن ككتاب سماوي لأنّه صلى الله عليه واله وسلم نُبّيء ولم يؤمر بالتبليغ العام إلاّ بعد ثلاث سنوات كان خلالها يدعو في السرِّ حتى نزلت آية :
{كفَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ} الحجر/ 94.اا
ومن هذا الحين - أي بعد انتهاء الدعوة السّرّية - صار القرآن ينزل تباعاً بسمة كونه كتاباً سماوياً وكان ابتداء هذا النزول المتتابع في ليلة القدر من شهر رمضان. وبهذا الاعتبار صحَّ التعبير بأنّ القرآن نزل في ليلة القدر.ا
كيف نزلت الآيات القرآنية:ا
لم تنزل سور القرآن الكريم وآياته دفعة واحدة وانما نزل منجّماً طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، يشهد بذلك التاريخ، كما أن الآيات تدل - بنفسها - على قصص وأحداث لا يمكن جمعها في زمن واحد لنذهب الى وحدة زمن النزول، فإن الآيات القرآنية نفسها شاهدة على ذلك، قال تعالى :
{ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }الاسراء/ 106 .
ثم إن الآيات والسور القرآنية لم تنزل قطعاً على الترتيب الذي نقرأه اليوم في القرآن الكريم بأن تكون سورة الفاتحة أولاً ثم سورة البقرة ثم آل عمران وهكذا... فان مضامين السور والآيات شاهدة على ذلك، إذ إن بعض السور والآيات لها مضامين تناسب أوائل زمن البعثة وهي واقعة في أواخر القرآن كسورة العلق والنون، وبعضها تتناسب مع ما بعد الهجرة وأواخر عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهي واقعة في أوائل القرآن كسورة البقرة وآل عمران والنساء والأنفال والتوبة وغير ذلك من السور.
حكمة نزول القرآن منجماً (مفرقاً):
ان نزول القرآن متدرجاً منجماً، مما أجمعت عليه الامة - كما أشرنا - وصحت به الآثار الإستقرائية وذلك استجابة للضرورة الملحة واقتضاءً للحكمة الفذّة في تعاقب التعليمات الالهية يُسراً ومرونة واستيعاباً وليثبت اعجازه في كل اللحظات . ا
لقد اعترض الكفار على هذا النوع من النزول كما ورد في قوله تعالى:ا
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }الفرقان/ 32
ولكن الرد واضح، لأن الوحي إذا تجدد في كل حادثة كان أقوى للعزم، وأثبت للفؤاد وأدعى للحفظ والاستظهار وأشد عناية بالمرسل إليه فلا يغيب عنه إلاّ ويهبط عليه ولا يودعه حتى يستقبله.ا
وناهيك في أسرار تعدد النزول حكمة ويقيناً واستمراراً لجدة القرآن وحضوره في خضم الأحداث وتجدد الوقائع وطبيعة الرسالة المتدرجة في تعاليمها من الأسهل إلى السهل ومن السهل إلى الصعب ومن الكليات العامة الى التفصيلات الجزئية.ا
مدة نزول القرآن:
هناك عدة أقوال في مدة نزول القرآن: -ا
فقيل: عشرون أو ثلاث وعشرون أو خمس وعشرون سنة. واختلاف هذه الأقوال مبتني على الخلاف في مدة إقامة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد النبوة. فقيل عشر سنوات وقيل ثلاث عشرة وقيل خمس عشرة سنة، ولم يُختَلَف في مدة اقامته بالمدينة من أنها كانت عشر سنوات، فاذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوحي اليه وهو ابن أربعين سنة وتُوفي وعمره ثلاث وستون سنة، ترجَّح أن تكون مدة النزول ثلاثة وعشرين عاماً.ا
اول مانزل من القرآن:
يكاد أن يتوفر لدينا إقتناع نطمئن إليه بأن أوائل سورة العلق هي أول ما نزل من القرآن ومنشأ هذا الاقتناع تأريخي وعقلي: أما التأريخي فمصدره إجماع المفسّرين - تقريباً - ورواة الأثر وأساطين علوم القرآن(1).ا
وأما العقلي، فالقرآن أنزل على اُمي لا عهد له بالقراءة، ليبلغه إلى اُميّين لا عهد لهم بالتعلّيم فكان أول طوق يجب أن يكسر وأول حاجز يجب أن يتجاوز هو الجمود الفكري والتقوقع على الاوهام ولا سبيل إلى ذلك إلاّ الإفتتاح بما يتناسب مع هذه الثورة، وقد كان ذلك بداية للرسالة بهذه الآيات اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ {الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} العلـق (1 - 5).ئ
أمّا سورة الفاتحة فهي أول سورة نزلت بصورة كاملة بسمة كونها سورة من القرآن كتاباً سماوياً للمسلمين، ومن هنا أصبح التعبير عن سورة (الحمد) بسورة الفاتحة أي أول سورة كاملة نزلت بهذه السمة الخاصة.ا
آخر مانزل من القرآن:
إنّ آخر سورة نزلت كاملة هي سورة (النصر) وآخر سورة نزلت باعتبار مفتتحها هي سورة براءة وأمّا آخر آية فالأرجح هو ما ذهب إليه اليعقوبي من أنها آية الاكمال: ا
{ ئالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِيناً} المائدة/ 3، نظراً إلى أنها آية الاعلام بكمال الدين فكانت إنذاراً بانتهاء الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم بالبلاغ والاداء فتكون آخر آيات الوحي اطلاقاً .
______________
المصادر :
(1) الباقلاني في (نكت الانتصار)/ 88.ا
(2) الطبرسي في (مجمع البيان) 5/ 514.ا
(3) الزركشي في (البرهان) 1/ 206.ا
(4) السيوطي في (الاتقان) 1/ 68 وما بعدها.ا
مرحلة العهد المكي التي تمثل بداية انبثاق نور الاسلام العظيم والتي دامت ثلاثة عشر عاماً وانتهت بهجرة النبي (ص) الى المدينة، المنورة وبداية الهجرة تمثل المرحلة الثانية وهي مرحلة قيام الدولة الاسلامية وانتصار الاسلام على الشرك والوثنية .ا
بدء نزول القرآن:
لا شك أن القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك وذلك لقوله تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ البقرة}/ 185، وقوله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} الدخان/ 3، وقوله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} القدر/ 1.
ولكن هذا يتنافى - ظاهراً - مع ما اتفقت عليه الامامية وغيرهم على ان البعثة النبوية كانت في السابع والعشرين من شهر رجب وقد كانت البعثة مقرونة بنزول خمس آيات من سورة العلق، فكيف يتم ذلك مع القول بنزول القرآن في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك؟
والجواب: - إن بدء البعثة يختلف عن بدء نزول القرآن ككتاب سماوي لأنّه صلى الله عليه واله وسلم نُبّيء ولم يؤمر بالتبليغ العام إلاّ بعد ثلاث سنوات كان خلالها يدعو في السرِّ حتى نزلت آية :
{كفَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ} الحجر/ 94.اا
ومن هذا الحين - أي بعد انتهاء الدعوة السّرّية - صار القرآن ينزل تباعاً بسمة كونه كتاباً سماوياً وكان ابتداء هذا النزول المتتابع في ليلة القدر من شهر رمضان. وبهذا الاعتبار صحَّ التعبير بأنّ القرآن نزل في ليلة القدر.ا
كيف نزلت الآيات القرآنية:ا
لم تنزل سور القرآن الكريم وآياته دفعة واحدة وانما نزل منجّماً طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، يشهد بذلك التاريخ، كما أن الآيات تدل - بنفسها - على قصص وأحداث لا يمكن جمعها في زمن واحد لنذهب الى وحدة زمن النزول، فإن الآيات القرآنية نفسها شاهدة على ذلك، قال تعالى :
{ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }الاسراء/ 106 .
ثم إن الآيات والسور القرآنية لم تنزل قطعاً على الترتيب الذي نقرأه اليوم في القرآن الكريم بأن تكون سورة الفاتحة أولاً ثم سورة البقرة ثم آل عمران وهكذا... فان مضامين السور والآيات شاهدة على ذلك، إذ إن بعض السور والآيات لها مضامين تناسب أوائل زمن البعثة وهي واقعة في أواخر القرآن كسورة العلق والنون، وبعضها تتناسب مع ما بعد الهجرة وأواخر عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهي واقعة في أوائل القرآن كسورة البقرة وآل عمران والنساء والأنفال والتوبة وغير ذلك من السور.
حكمة نزول القرآن منجماً (مفرقاً):
ان نزول القرآن متدرجاً منجماً، مما أجمعت عليه الامة - كما أشرنا - وصحت به الآثار الإستقرائية وذلك استجابة للضرورة الملحة واقتضاءً للحكمة الفذّة في تعاقب التعليمات الالهية يُسراً ومرونة واستيعاباً وليثبت اعجازه في كل اللحظات . ا
لقد اعترض الكفار على هذا النوع من النزول كما ورد في قوله تعالى:ا
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }الفرقان/ 32
ولكن الرد واضح، لأن الوحي إذا تجدد في كل حادثة كان أقوى للعزم، وأثبت للفؤاد وأدعى للحفظ والاستظهار وأشد عناية بالمرسل إليه فلا يغيب عنه إلاّ ويهبط عليه ولا يودعه حتى يستقبله.ا
وناهيك في أسرار تعدد النزول حكمة ويقيناً واستمراراً لجدة القرآن وحضوره في خضم الأحداث وتجدد الوقائع وطبيعة الرسالة المتدرجة في تعاليمها من الأسهل إلى السهل ومن السهل إلى الصعب ومن الكليات العامة الى التفصيلات الجزئية.ا
مدة نزول القرآن:
هناك عدة أقوال في مدة نزول القرآن: -ا
فقيل: عشرون أو ثلاث وعشرون أو خمس وعشرون سنة. واختلاف هذه الأقوال مبتني على الخلاف في مدة إقامة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد النبوة. فقيل عشر سنوات وقيل ثلاث عشرة وقيل خمس عشرة سنة، ولم يُختَلَف في مدة اقامته بالمدينة من أنها كانت عشر سنوات، فاذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوحي اليه وهو ابن أربعين سنة وتُوفي وعمره ثلاث وستون سنة، ترجَّح أن تكون مدة النزول ثلاثة وعشرين عاماً.ا
اول مانزل من القرآن:
يكاد أن يتوفر لدينا إقتناع نطمئن إليه بأن أوائل سورة العلق هي أول ما نزل من القرآن ومنشأ هذا الاقتناع تأريخي وعقلي: أما التأريخي فمصدره إجماع المفسّرين - تقريباً - ورواة الأثر وأساطين علوم القرآن(1).ا
وأما العقلي، فالقرآن أنزل على اُمي لا عهد له بالقراءة، ليبلغه إلى اُميّين لا عهد لهم بالتعلّيم فكان أول طوق يجب أن يكسر وأول حاجز يجب أن يتجاوز هو الجمود الفكري والتقوقع على الاوهام ولا سبيل إلى ذلك إلاّ الإفتتاح بما يتناسب مع هذه الثورة، وقد كان ذلك بداية للرسالة بهذه الآيات اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ {الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} العلـق (1 - 5).ئ
أمّا سورة الفاتحة فهي أول سورة نزلت بصورة كاملة بسمة كونها سورة من القرآن كتاباً سماوياً للمسلمين، ومن هنا أصبح التعبير عن سورة (الحمد) بسورة الفاتحة أي أول سورة كاملة نزلت بهذه السمة الخاصة.ا
آخر مانزل من القرآن:
إنّ آخر سورة نزلت كاملة هي سورة (النصر) وآخر سورة نزلت باعتبار مفتتحها هي سورة براءة وأمّا آخر آية فالأرجح هو ما ذهب إليه اليعقوبي من أنها آية الاكمال: ا
{ ئالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِيناً} المائدة/ 3، نظراً إلى أنها آية الاعلام بكمال الدين فكانت إنذاراً بانتهاء الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم بالبلاغ والاداء فتكون آخر آيات الوحي اطلاقاً .
______________
المصادر :
(1) الباقلاني في (نكت الانتصار)/ 88.ا
(2) الطبرسي في (مجمع البيان) 5/ 514.ا
(3) الزركشي في (البرهان) 1/ 206.ا
(4) السيوطي في (الاتقان) 1/ 68 وما بعدها.ا