بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اقدم لكم احد رموز البحرين تميز بالأخلاق الحميمة والصبر والشجاعة والقوة ، وكان يقف في وجه الطغاة الى آخر نفس في حياته.

اقدم لكم سيرة الشهيد السعيد الشيخ عباس راستي سمم في السجن وبعدها تم تهجيره الى ايران واترككم مع السيرة للتعرفوا على الشهيد..
التقرير عبارة عن :- سيرته - جهاده - علمه - صوره - قالوا عنه .
سوف أبدأ في السيرة أولاً:-
الولادة والنسب:-
الاسم والنسب :
هو عباس بن الحاج حسين بن العبد الصالح الحاج قمبر بن عبدالله بن حاجي بن ملاّ درويش المشهور بالراستي .
ومن طرف الام فهو بن الحاجية فاطمة بنت الحاج ميرزا بن احمد بن خورشيد المشهور بالهاشمي .
ولد في دولة البحرين وفي عاصمتها المنامة وفي مستشفى الإرسالية على التحديد بتاريخ 1957/09/18 ميلادي.
وهو رجل دين وخطيب ثوري ماهر ذو صوت جميل وجذّاب .
طلب العلم :
ابتدأ بطلب العلم في السابعة من عمره المبارك ، وحضر دروس القرآن في مايعرف في زمانه بالكتاتيب ، وكان الحاج المغفور له الشيخ عبدالله المنامي (رحمه الله)أحد المتخصصين في ذلك الزمان بهذا الدرس .
كان يتميّز بصوت جميل جذّاب، ولذا فقد استغلّ حنجرته في مساجد البلد لتلاوة القرآن وقراءة الأدعية في ليالي شهر رمضان وهو في سنّ الثاني عشر، وقد كان يجمع هذا الصوت جمعاً غفيراً من الناس والشباب في منطقته وهم يأنسون بتلاوته وقراءته، فكان له أثر كبير وفعّال على إيجاد الأجواء المعنوية والتجمعات الدينية، واستمر هكذا حتى تمّ التحاقه بركاب الحوزة العلمية الشريفة .
لبس الزي الديني في الرابع عشر من عمره الشريف ، على يد المرجع الفقيد آية الله السيد محمد الشيرازي في الكويت. وبدأ بالدرس على يد الأساتذة في حوزة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، سواء في جانب الدروس الحوزوية أو درس الخطابة فانتهل منهلاً عذباً وجدّ واجتهد وبرز بهمته العالية في غضون ثلاث سنوات الى رجل الخطابة والمنبر، ورجع الى بلده فأخذ يقرأ في المواسم والمراسم فسرعان ما انتشر صيته وعلا ذكره في مدن وقرى البحرين، وأخذ يراود بعث الروح الحسينية في نفوس الشباب الثوري الحسيني.
درس الخطابة على يد فضيلة الخطيب الشيخ علي المؤيد ، وفضيلة الخطيب البارع الشيخ مرتضى الشاهرودي ، وحضر مجالس الفقيد السعيد آية الله الشهيد السيد مهدي السويج «رحمه الله»، ومجالس الشيخ الدكتور المرحوم الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله)، والشيخ الخطيب عبدالحميد المهاجر، ومجالس آية الله السيد كاظم القزويني (رحمه الله)،وغيرهم في الكويت والبحرين والعراق وإيران سعياً منه الى أن يتقدّم في هذا الميدان المبارك، وتعرّف على أكثر من شخصية أخذ يستمع حديثها ومحاضرتها منهم سماحة آية الله المرجع الشيرازي (قدس سره)، وسماحة آية الله السيد محمد تقي المدرّسي ،والعلاّمة السيد هادي المدرّسي ، واشتدت أواصره وعلاقاته وروابطه بالشخصيات والأساتذة الذين كانوا في بيت المرجع الديني الشيرازي (قدس سره)، ولم يكتف بالسماع شفاهاً بل أخذ أشرطة الكاسيتات يستمع إليها في هدأة ليله، وأخذ ماكتبه روّاد المنبر فأخذ يتلهف نحو القراءة، يكتب الملاحظات والمسائل الهامّة التي يستقيها من هذه الينابيع .
بدأ ينتقل من دارس أكاديمي الى رجل حوزوي عام، ومن ثمّ راح الى التخصص الذي يرغب فيه وهو المنبر والخطابة، وأخذ يستمع الى كلِّ درس أمكنه ممّا يعينه في منبره ، وكان يمضي في شهر رمضان الى العراق ليستمع الى دروس الأخلاق التي كان يلقيها المرجع الديني الراحل سماحة آية الله السيد السبزواري(قدس سره)فكانت عوناً الى الشيخ تربيةً وسلوكاً، ومنبراً وخطابة.
رحلاته :
سافر إلى ايران والكويت والعراق وسوريا ولبنان .تفاوتت بين طلب العلم والتبليغ والتهجير .
الجهاد والشهادة:-
اعتقل الشهيد السعيد من قبل نظام آل خليفة في العشرين من صفر سنة 1400 هـ.وتعرض في السجن الى ابشع انواع التعذيب والتجويع .
ويكفي شهيدنا فخراً أنّه عندما خيّر بين البقاء في السجن أو التعهد بعدم ارتقاء المنبر الحسيني ـ في أيّ مأتم ـ رفض هذا العرض وفضّل البقاء في السجن والصمود في موقفه الحقّ واختار حياة السجن والعذاب على حياة الذلّ والمهانة، ملبياً ومنادياً بنداء أبي الأحرار (عليه السلام)«هيهات منّا الذلة»، والاستقامة في حركة الصراع هي مركز مهمٌ جدّاً في الانتصار والوصول وحتى بقاء الذكر، والمذبذب في الحياة ليس فقط أنّه لايصل بل يُعدم من ذوات النفوس الصامدة من ذكره لأنّه لا ذكر له في مرتكز الواقع المراد وإن كان جسداً يمشي له خوار، والخطيب الذي ينتسب الى أقوى منعطفات التأريخ الصالح يجب عليه أن يكون راية عالية خفّاقة في الوقوف ضدّ الجناة والطغاة والبغاة والدجلة، وهذا شرف نال بعض محاسنه شيخنا الراستي(رحمه الله).
الهجرة :
هجّر الى إيران في الرابع من شوال 1401 هـ.وقد كان مثقلا بمظاهر التعذيب التي بانت على جسده الشريف .
الشهادة:
استشهد في الثالث من شعبان سنة 1404 هـ المصادف 1984/05/05 ميلادي .
وكان له من العمر ثلاث وعشرون سنة .
وكانت الشهادة بسسب التعذيب الذي سبب في ايجاد مرض السرطان في معدته حتى وافاه الآجل في طهران عاصمة ايران .
محل الدفن :
دفن في مدينة قم المقدسة في مقبرة البقيع التي تقع قرب مسجد صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في منطقة جمكران . بعد ان اقيم له موكب تشييع مهيب انطلق من حسينية دار الحسين عليه السلام متوجها الى ضريح السيدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهم السلام ، وحضره جمع غفير من العلماء والفضلاء وعامة الناس من محبي الشهيد الفقيد .
واقيمت عليه صلاة الميت بإمامة سماحة المرجع الديني آية الله السيد صادق الشيرازي .
ويؤم قبره الشريف محبيه واخوته والسائرين على دربه وتقام له مجالس العزاء سنويا تخليدا لذكراه المبارك .
واقيم له قبر رمزي في منطقة شرفويه في مدينة جهرم - التي يرجع اليها اصل الشهيد السعيد - تخليدا لذكراه وخدماته الجليلة في تبليغ الدين الحنيف والمنبر الحسيني ، كما قد تم تسمية احدى المدارس الابتدائية في نفس المنطقة هناك على اسمه المبارك .
وصية الشهيد:-
بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولداً له الحمد وله الشكر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون الكافرون والمنافقون وأشهد أن الله تعالى أرسل مائة وأربعة وعشرين ألف نبيّ لا نفرّق بين أحد منهم، وأشهد أن أوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف والحجّة بن الحسن عليهم السلام هم الخلفاء حقّاً وصدقاً أؤمن بهم طاعة لأمر الله تعالى ولا أخالفهم طرفة عين أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار لأنّ الرادّ عليهم كالراد على الله، وأشهد أنَّ كلّ ما جاء به محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم من أمر الدنيا والآخرة حقٌّ وصدقٌ ويشهد به عظمي ولحمي ودمي وشعري وجلدي لا أنكر منها شيئاً ونعوذ من أن يختلجني ما يخالف وما لايوافق ذلك ونعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
والحمد لله ربّ العالمين.
أبي وأمي وأخوتي وجيراني وإخواني المؤمنين،السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه وصيتي أكتبها إليكم وأنا بعيد عنكم بجسمي وقريب منكم بروحي..أُوصيكم بتقوى الله وعدم معصيته، وأوصيكم بطاعة الله والاستجابة له ولما يدعوكم إليه فانّ طاعته به جنة ومعصيته والكفر به نار جهنم خالداً فيها.
أولاً:
أبي وأُمي إنّي أسأل الله أن يمدّكم في صفاتكم ويعطيكم ما يعطي أباً وأُما بما فعلوا خيراً في حق ابنكم، فجزاكم الله عن ابنكم خيراً كثيراً، لقد ربّيتموني فأحسنتم تربيتي، وغذيتموني حليب الدين وموالاة أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فأسأل الله أن يجعلكم في أعلى علّيين في جنّة الخلد، إخواني وأخواتي، أسأل الله أن يوفقكم لما فيه الخير والسعادة وطاعته وطاعة الوالدين والسير على نهج أهل البيت(عليهم السلام)والمواظبة على الواجبات والابتعاد عن المحرمات وحاولوا أن تؤدّوا حق الله وحق الناس وحق أنفسكم، فحق الله طاعته وإطاعة أوليائه ورسله والائمة الذين نصبهم هداة للعالمين، وأمّا حق الناس فكثير لايمكنني أن أكتبه في هذه الوصية القصيرة سوى أن أردد قول الأئمة حبّ لأخيك ما تحب لنفسك، واكره لنفسك ما تكره لأخيك، وأمّا حقّ نفسك بأن لاتلقيها في المهالك من المعاصي والمحرّمات والأخلاق الرذيلة، وحاولوا أن تدرّبوها على أداء الواجبات والأخلاق الفاضلة.
وأمّا أنتن يا أخواتي، فعليكن أن تلتزمن بما أوصتكن فاطمة الزهراء وزينب الكبرى (عليهما السلام) ونساء أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
أخواتي وإخواني المؤمنين:
أوصيكم بتقوى الله وملازمة طاعة الله ورسوله والأئمة(عليهم السلام)والسير على دربهم ومكافحة النفس فانّه أعلى الجهاد.
ومقاومة الطواغيت ومواصلة الجهاد في سبيل الله ولاتخشوا ما يلاقيكم في السجن فاذكروا السجناء الذين اعتقلوا في سبيل الله في صدر الإسلام واذا أصابكم التعذيب فلاتنسوا التعذيب الذي لاقاه الصحابي الجليل عمار بن ياسر(رحمه الله) ولاتترددوا إن في ذلك ترفيع لدرجاتكم عند الله وأن مقاتلة الكفرة الظالمين الذين تسلّطوا على رقاب الأمة الاسلامية في جميع أنحاء العالم الاسلامي هي جهاد في سبيل الله وان الساكت عنهم كالشيطان الأخرس وأن هؤلاء هم أولياء الشيطان فكن أنت ولي الله (الّذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان ن إنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً)(1) وهل تعلمون أن إخوانكم المؤمنين والمسلمين في العالم ينادونكم ليلاً ونهاراً ويصرخون يا للمسلمين يا أيها المؤمنون فقوموا واجيبوا دعوتهم ومناداتهم لتشملكم الآية الشريفة (ومالكم لاتقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالمة أهلها)(2) فمن أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم واذا اعترض حكمكم تعذيب أو حاول الظالم أخذ الاعتراف منكم فاذكروا عمار واذا حاول أن يجلبكم اليه فاذكروا (ولاتركنوا الى الذين ظلموا فتمسّكم النار)(3) واجعلوا فيما بينكم الأُخوّة والمحبة والروح الإيمانية فإنّها السبيل الى النصر النهائي وحاولوا أن تزيحوا النفاق والتفرقة فيما بينكم فإنها السبيل الى الهزيمة ولاتنسوا أن تذكروا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف) فإنّ الأرض والسماء قائمتان به ولولاه لساخت الأرض بمن عليها.
وأخيراً يا إخوتي المؤمنين وأخواتي المؤمنات أُوصيكم برضا الله في أعمالكم وأداء الواجبات والابتعاد عن المحرّمات ومواصلة الجهاد في سبيل الله جهاد الجبت وجهاد الطاغوت.
إخواني طلاّب العلوم الدينية الذين اغتربوا عن أهاليهم وتركوهم في ديارهم وذهبوا الى الحوزات العلمية لدراسة العلوم الدينية.
حاولوا أن تكونوا دعاة حقيقيين لامزيّفين تريدون الاستفادة الدنيوية من وضع العمامة على الرأس فإنّ هذا العمل يكون من أبشع الأعمال لأن الأمة تنظر اليكم كقادة وزعماء فلاتكونوا من الدعاة الى التفرقة وإيجاد روح الجبن والخوف والجمود عند الشعب وحاولوا أن ترشدوا الناس الى إطاعة المراجع الدينيين ولاتتدخلوا في المنازعات السياسية التي تدور بين هذا وذاك وحاولوا أن توجدوا الوحدة بينهم لمواصلة نضالهم ضد الكفر والطغيان وكونوا أنتم من الصف الأول وأمامهم حتى يراكم الشعب أنكم في المقدمة وحاولوا أن تخرجوا من صفوفكم أُولئك الذين يدعون الناس الى أنفسهم ولايدعون الى الله وحاولوا فضح العلماء المزوَّرين الذين تلبّسوا بالدين وتاج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الّذين يوجدون روح التخاذل والإهمال عند الناس.
وأخيراً أسأل الله لكم الخير والنجاح والنصر النهائي وتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان آمين ربّ العالمين.
عباس الراستي البحراني
العشرون من ربيع الأول 1402 هـ
قم المقدسة
ــــــــــــــــ
1 )- سورة النساء: 76.
2 )- سورة النساء: 75.
3 )- سورة هود: 113.
1- جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في البحرين
السنة الثانية
العدد الحادي والثلاثين
15/ أكتوبر / 2004م
شموع على الدرب
رفض الشهيد الشيخ عباس حسين قمبر الراستي
كافة المساومات التي عرضت عليه
متابعة وتحرير : رقية العصفور ـ حسين مسعود
بعد معاناة مريره مع الغربة والمرض ؛ لفظ الشهيد عباس انفاسه الأخيره ، ودفن في احدى مقابر مدينة قم المقدسة [المعروفة بـ مقبرة البقيع ]،وكان ذلك في 17/ 5/ 1984م .
أعتقل الشهيد في 8/يناير/1980م المصادف ليلة العشرين من صفر عام 1400هـ وأودع سجن القلعة بالمنامة (مقر سكناه )، فكان في قانون أمن الدوله متسعًا لاتهامه بالتحريض على ((الثورة !!)).
ولاستمرار إعتقاله وتعذيبه بشتى صنوف التعذيب النفسي والجسدي ، من إهانات وضرب مبرح خصوصًا على منطقة البطن مما أورثه المرض المزمن الذي أودى بحياته بعيدًا عن الوطن . وقد أشار أحد تقارير المنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى وجود "شبهة"وجود نسبة من "المبيدات" والكاز السام في الغذاء المقدم إليه في السجن ، وهو الشيء الذي يحدث تدهورًا بطيئًا للجهاز الهضمي يفضي إلى الوفاة ، وهذا ما حدث للشيخ عباس حيث توفي بعد الإفراج عنه بثلاث سنوات .
رفض الشهيد كافة المساومات التي عرضت عليه في المعتقل بإطلاق سراحة مقابل السكوت و الإمتناع نهائيًا عن وظيفة التبليغ كخطيب حسيني في المساجد والمأتم .ووقف متحديًا صادعًا بالأذان وقراءة المراثي الحسينية ، رغم ما يلاقيه جرّاء ذلك من انتقام وتنكيل ، ويذكر عنه أيضًا أنه تصدى بكل شجاعة لأحد المعذبين محاولاً الحماية من التعذيب .
كان صوت شهيدنا ينطلق من داخل الزنزانة شجيًا عذبًا ، يشمل السجن بنور الأدعية وذكر أهل البيت (ع )،فيفضي جوًا إيمانيًا شفافًا لدى السجناء ، الذين لا تفارقهم بصمات الشهيد وأريحيته معهم.ضاقت السلطة من كلماته النافذة وتصريحاته الفاضحة للظلم ، وحيث انها لم تقدر على احتوائة أو شرائه ، فقد آثرت إبعاد هذا الصوت غير المهادن ، وتمّ نفي الراستي بالباخرة إلى إيران بعد أن زرعوا فيه داءً عضالاً لازمه في منفاه حتى لقي ربه ..
فإنا لله وإنا إليه راجعون وألا لعنة الله على القوم الظالمين
2- كلمة سماحة آية الله المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي (قدس سره)بمناسبة استشهاد الشيخ عباس الراستي البحراني (رحمه الله)
للموت فينا سهامٌ غيرُ خاطئة***من فاته اليوم سهمٌ لم يفته غدا
يوجد في الحديث: أنّ عزرائيل (عليه السلام) عندما ينظر الى أهل الميت يبكون يقول لهم لماذا تبكون إنّ لي إليكم عودة وعودة وعودة حتى لا أُبقي من أهل هذا البيت أحداً، يعني فكّروا في أنفسكم، فكلّنا نموت وكلّنا ندرج في القبر، المهم ماذا صنعنا هل صنعنا حسنةً في الحياة؟! أم صنعنا سيئة في الحياة؟! هذا هو المهم هل يوجد أحد لايموت؟! الله تعالى يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (إنّك ميّت وإنّهم ميّتون)(74).
الشيخ عباس(رحمه الله)قد أدّى ما عليه، رجل مبلّغ مجاهد خطيب واعظ مرشد عامل محبوب، وعلامة إنّ الله يحبّه إنّ الناس يحبونه، كما في الآية الكريمة: (إنّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَات سَيَجْعَل لَهُمُ الرَحْمنُ وِدَّاً)(75 ) إنّ الله يحبك، إنّ الناس يحبّونك، المهم إنّا نفكر نحن ماذا؟! هل اُناس طيبون؟ هل عملنا للآخرة أو لا؟ من جملة اسباب موت الشيخ واستشهاده ـ ]إذ[ هو شهيد لا شك فيه ـ إنهم كانوا في التعذيب يضربونه على بطنه وقد قال من يوم ضربوني الشرطة في السجن على بطني أحسست بالوجع في بطني. قبل سنة كان يقول هذا الكلام، الشيخ عباس توفي لكن هل أنّ الله يتجاوز عن ذلك.
النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) صعد المنبر في مرضه وهو على شرف الوفاة قال: أيّها الناس من له حق عَلَيَّ فليأتي وليطلب بحقّه، فقام رجل يسمى سوادة وقال: يا رسول الله، في ذات يوم كان بيدك عصا وقد سقطت العصا على بطني وإنّي أُريد منك القصاص، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لابأس قصاص الدنيا أهون من قصاص الآخرة، ثمّ كشف بطنه وقال يا سوادة، تعال اقتص مني. فالإنسان لابد وأن يفكّر في الآخرة وإلاّ بسيط يسب يوذي يهين يأكل أموال الناس بالباطل يستغيب الناس هذا جداً بسيط أي واحد يعرف هذا الشيء لكن الكلام الذي لايصنع هذا الشيء من هو؟
الإمام السجاد (عليه السلام)في طريقه للحج وكان راكباً على بعير (لايشقى في مشيه) الامام رفع عصاه ليضرب على البعير ثم توقف فلم يضرب على البعير، قالوا: لماذا ما ضربت على البعير؟ قال خوف القصاص يوم القيامة، هذا البعير يقول ياعلي بن الحسين لماذا ضربتني هذا الضربة؟! إنّي أُريد الاقتصاص منك يجب علينا أن نتذكّر دائماً أنّ وراءنا يوماً نلقى فيه حساباً عسيراً، الكلام الذي قلناه; العمل الذي عملناه; العطاء الذي أعطيناه، المنع الذي منعناه كل شيء مسجّل، الله دائماً يرانا، دائماً يسمع كلامنا، دائماً يعلم ما في قلوبنا، مسجّل مع الملائكة، الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)يقول: لايثبتون باطلاً ولايسقطون حقاً، يأتون بالإنسان يوم القيامة يقولون قلت كذا، يقول ما قلت، يقول هذا اشتباه يقولون هذه صورتك حتى أنّ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم على المنبر قال: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة، قالوا: يا رسول الله وهل النساء يحشرن عراة، قال: نعم حتى النساء يحشرن عرا. وهناك الحساب وهناك لايفيد لا مال ولا أقرباء ولا قدرة ولا أي شيء الاّ من أتى الله بقلب سليم، فليكن هذا على بالنا، هذا المهم وإلاّ الشيخ عباس انقضى ما عليه، الكلام فينا نحن هل بخير في المستقبل أم نحن والعياذ بالله بشر.
إذا علينا من أعمال أو من أفعال من الآن نصلح هذه القصة كلكم سمعتموه شاب من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُسمى سعد توفي، فشيّعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه وكان يأخذ يمنة السرير ويسرة السرير حتى أوصله الى قبره، دخل النبي بنفسه وأخذ الجنازة ووضعه في القبر، ألحد عليه في (قصة طويلة) خرج من القبر أهال التراب، وكانت ام سعد على القبر واقفة، سعد هذا الولد الشاب المسلم النشيط المجاهد المصلّي الصائم الذي كان النبي يأخذ تحت جنازته تقول له أم سعد: يا سعد هنيئاً لك الجنة، النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)توجّه إلى أُمّ سعد فقال: يا أُمّ سعد لا تُحَتِّمي على الله الجنة هذا ليس بمعلوم إنّه ذهب الى الجنة، الناس تعجبوا، يا رسول الله، لماذا لماذا؟ رأيناك أخذت تحت السرير يمنة ويسرة، قال: كان يدي في يدي جبرئيل كلّما دار جبرئيل درتُ معه وكان الملائكة نازلين لتشيع جثمان سعد، فقالوا كيف قلت هذا الكلام؟
فقال: إنّ القبر قد ضغط عليه ضغطة شديدة ـ ]أي[ على سعد ـ والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واقف على قبره، قالوا: لماذا يا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: لأنّه كان في أخلاقه سوء مع أهله كل شيء له حساب هذا قاله لنا نحن، انسان طيب صلاته وصومه صحيح لكن سوء الخلق مع زوجته سوء الخلق مع زوجها مع أقربائه ]أو[ مع أقربائها، وكل شيء عنده بمقدار، يعني كل شيء له حساب يوجد في الحديث التي تنظر إلى الرجل غير المحرم أو الذي ينظر الى المرأة غير المحرم يوم القيامة يدق في عينيه مسمار من نار، والذي يستمع للغناء يوجد في الحديث يصب في أُذنه يوم القيامة برصاص مذاب، ومن ضرب مؤمناً صفعة ضرب في قبره صفعاً يبدد كل عظامه.
ثمّ استطرق في حديثه (رحمه الله) إلى خدمة الناس والسعي في قضاء حوائج المؤمنين وأوصى بتقوى الله والاجتناب عن معاصيه حيث قال: أوصيكم ونفسي بتقوى الله واجتناب معاصيه ونسأل من الله أن يوفّقنا وإياكم لخدمة هذا المذهب الحق نقرأ الفاتحة على روح المرحوم الشيخ عباس البحراني (رحمه الله)ويأتي يوم أيضاً يقرؤون علينا الفاتحة وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اقدم لكم احد رموز البحرين تميز بالأخلاق الحميمة والصبر والشجاعة والقوة ، وكان يقف في وجه الطغاة الى آخر نفس في حياته.
اقدم لكم سيرة الشهيد السعيد الشيخ عباس راستي سمم في السجن وبعدها تم تهجيره الى ايران واترككم مع السيرة للتعرفوا على الشهيد..
التقرير عبارة عن :- سيرته - جهاده - علمه - صوره - قالوا عنه .
سوف أبدأ في السيرة أولاً:-
الولادة والنسب:-
الاسم والنسب :
هو عباس بن الحاج حسين بن العبد الصالح الحاج قمبر بن عبدالله بن حاجي بن ملاّ درويش المشهور بالراستي .
ومن طرف الام فهو بن الحاجية فاطمة بنت الحاج ميرزا بن احمد بن خورشيد المشهور بالهاشمي .
ولد في دولة البحرين وفي عاصمتها المنامة وفي مستشفى الإرسالية على التحديد بتاريخ 1957/09/18 ميلادي.
وهو رجل دين وخطيب ثوري ماهر ذو صوت جميل وجذّاب .
طلب العلم :
ابتدأ بطلب العلم في السابعة من عمره المبارك ، وحضر دروس القرآن في مايعرف في زمانه بالكتاتيب ، وكان الحاج المغفور له الشيخ عبدالله المنامي (رحمه الله)أحد المتخصصين في ذلك الزمان بهذا الدرس .
كان يتميّز بصوت جميل جذّاب، ولذا فقد استغلّ حنجرته في مساجد البلد لتلاوة القرآن وقراءة الأدعية في ليالي شهر رمضان وهو في سنّ الثاني عشر، وقد كان يجمع هذا الصوت جمعاً غفيراً من الناس والشباب في منطقته وهم يأنسون بتلاوته وقراءته، فكان له أثر كبير وفعّال على إيجاد الأجواء المعنوية والتجمعات الدينية، واستمر هكذا حتى تمّ التحاقه بركاب الحوزة العلمية الشريفة .
لبس الزي الديني في الرابع عشر من عمره الشريف ، على يد المرجع الفقيد آية الله السيد محمد الشيرازي في الكويت. وبدأ بالدرس على يد الأساتذة في حوزة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، سواء في جانب الدروس الحوزوية أو درس الخطابة فانتهل منهلاً عذباً وجدّ واجتهد وبرز بهمته العالية في غضون ثلاث سنوات الى رجل الخطابة والمنبر، ورجع الى بلده فأخذ يقرأ في المواسم والمراسم فسرعان ما انتشر صيته وعلا ذكره في مدن وقرى البحرين، وأخذ يراود بعث الروح الحسينية في نفوس الشباب الثوري الحسيني.
درس الخطابة على يد فضيلة الخطيب الشيخ علي المؤيد ، وفضيلة الخطيب البارع الشيخ مرتضى الشاهرودي ، وحضر مجالس الفقيد السعيد آية الله الشهيد السيد مهدي السويج «رحمه الله»، ومجالس الشيخ الدكتور المرحوم الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله)، والشيخ الخطيب عبدالحميد المهاجر، ومجالس آية الله السيد كاظم القزويني (رحمه الله)،وغيرهم في الكويت والبحرين والعراق وإيران سعياً منه الى أن يتقدّم في هذا الميدان المبارك، وتعرّف على أكثر من شخصية أخذ يستمع حديثها ومحاضرتها منهم سماحة آية الله المرجع الشيرازي (قدس سره)، وسماحة آية الله السيد محمد تقي المدرّسي ،والعلاّمة السيد هادي المدرّسي ، واشتدت أواصره وعلاقاته وروابطه بالشخصيات والأساتذة الذين كانوا في بيت المرجع الديني الشيرازي (قدس سره)، ولم يكتف بالسماع شفاهاً بل أخذ أشرطة الكاسيتات يستمع إليها في هدأة ليله، وأخذ ماكتبه روّاد المنبر فأخذ يتلهف نحو القراءة، يكتب الملاحظات والمسائل الهامّة التي يستقيها من هذه الينابيع .
بدأ ينتقل من دارس أكاديمي الى رجل حوزوي عام، ومن ثمّ راح الى التخصص الذي يرغب فيه وهو المنبر والخطابة، وأخذ يستمع الى كلِّ درس أمكنه ممّا يعينه في منبره ، وكان يمضي في شهر رمضان الى العراق ليستمع الى دروس الأخلاق التي كان يلقيها المرجع الديني الراحل سماحة آية الله السيد السبزواري(قدس سره)فكانت عوناً الى الشيخ تربيةً وسلوكاً، ومنبراً وخطابة.
رحلاته :
سافر إلى ايران والكويت والعراق وسوريا ولبنان .تفاوتت بين طلب العلم والتبليغ والتهجير .
الجهاد والشهادة:-
اعتقل الشهيد السعيد من قبل نظام آل خليفة في العشرين من صفر سنة 1400 هـ.وتعرض في السجن الى ابشع انواع التعذيب والتجويع .
ويكفي شهيدنا فخراً أنّه عندما خيّر بين البقاء في السجن أو التعهد بعدم ارتقاء المنبر الحسيني ـ في أيّ مأتم ـ رفض هذا العرض وفضّل البقاء في السجن والصمود في موقفه الحقّ واختار حياة السجن والعذاب على حياة الذلّ والمهانة، ملبياً ومنادياً بنداء أبي الأحرار (عليه السلام)«هيهات منّا الذلة»، والاستقامة في حركة الصراع هي مركز مهمٌ جدّاً في الانتصار والوصول وحتى بقاء الذكر، والمذبذب في الحياة ليس فقط أنّه لايصل بل يُعدم من ذوات النفوس الصامدة من ذكره لأنّه لا ذكر له في مرتكز الواقع المراد وإن كان جسداً يمشي له خوار، والخطيب الذي ينتسب الى أقوى منعطفات التأريخ الصالح يجب عليه أن يكون راية عالية خفّاقة في الوقوف ضدّ الجناة والطغاة والبغاة والدجلة، وهذا شرف نال بعض محاسنه شيخنا الراستي(رحمه الله).
الهجرة :
هجّر الى إيران في الرابع من شوال 1401 هـ.وقد كان مثقلا بمظاهر التعذيب التي بانت على جسده الشريف .
الشهادة:
استشهد في الثالث من شعبان سنة 1404 هـ المصادف 1984/05/05 ميلادي .
وكان له من العمر ثلاث وعشرون سنة .
وكانت الشهادة بسسب التعذيب الذي سبب في ايجاد مرض السرطان في معدته حتى وافاه الآجل في طهران عاصمة ايران .
محل الدفن :
دفن في مدينة قم المقدسة في مقبرة البقيع التي تقع قرب مسجد صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في منطقة جمكران . بعد ان اقيم له موكب تشييع مهيب انطلق من حسينية دار الحسين عليه السلام متوجها الى ضريح السيدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهم السلام ، وحضره جمع غفير من العلماء والفضلاء وعامة الناس من محبي الشهيد الفقيد .
واقيمت عليه صلاة الميت بإمامة سماحة المرجع الديني آية الله السيد صادق الشيرازي .
ويؤم قبره الشريف محبيه واخوته والسائرين على دربه وتقام له مجالس العزاء سنويا تخليدا لذكراه المبارك .
واقيم له قبر رمزي في منطقة شرفويه في مدينة جهرم - التي يرجع اليها اصل الشهيد السعيد - تخليدا لذكراه وخدماته الجليلة في تبليغ الدين الحنيف والمنبر الحسيني ، كما قد تم تسمية احدى المدارس الابتدائية في نفس المنطقة هناك على اسمه المبارك .
وصية الشهيد:-
بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولداً له الحمد وله الشكر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون الكافرون والمنافقون وأشهد أن الله تعالى أرسل مائة وأربعة وعشرين ألف نبيّ لا نفرّق بين أحد منهم، وأشهد أن أوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف والحجّة بن الحسن عليهم السلام هم الخلفاء حقّاً وصدقاً أؤمن بهم طاعة لأمر الله تعالى ولا أخالفهم طرفة عين أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار لأنّ الرادّ عليهم كالراد على الله، وأشهد أنَّ كلّ ما جاء به محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم من أمر الدنيا والآخرة حقٌّ وصدقٌ ويشهد به عظمي ولحمي ودمي وشعري وجلدي لا أنكر منها شيئاً ونعوذ من أن يختلجني ما يخالف وما لايوافق ذلك ونعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
والحمد لله ربّ العالمين.
أبي وأمي وأخوتي وجيراني وإخواني المؤمنين،السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه وصيتي أكتبها إليكم وأنا بعيد عنكم بجسمي وقريب منكم بروحي..أُوصيكم بتقوى الله وعدم معصيته، وأوصيكم بطاعة الله والاستجابة له ولما يدعوكم إليه فانّ طاعته به جنة ومعصيته والكفر به نار جهنم خالداً فيها.
أولاً:
أبي وأُمي إنّي أسأل الله أن يمدّكم في صفاتكم ويعطيكم ما يعطي أباً وأُما بما فعلوا خيراً في حق ابنكم، فجزاكم الله عن ابنكم خيراً كثيراً، لقد ربّيتموني فأحسنتم تربيتي، وغذيتموني حليب الدين وموالاة أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فأسأل الله أن يجعلكم في أعلى علّيين في جنّة الخلد، إخواني وأخواتي، أسأل الله أن يوفقكم لما فيه الخير والسعادة وطاعته وطاعة الوالدين والسير على نهج أهل البيت(عليهم السلام)والمواظبة على الواجبات والابتعاد عن المحرمات وحاولوا أن تؤدّوا حق الله وحق الناس وحق أنفسكم، فحق الله طاعته وإطاعة أوليائه ورسله والائمة الذين نصبهم هداة للعالمين، وأمّا حق الناس فكثير لايمكنني أن أكتبه في هذه الوصية القصيرة سوى أن أردد قول الأئمة حبّ لأخيك ما تحب لنفسك، واكره لنفسك ما تكره لأخيك، وأمّا حقّ نفسك بأن لاتلقيها في المهالك من المعاصي والمحرّمات والأخلاق الرذيلة، وحاولوا أن تدرّبوها على أداء الواجبات والأخلاق الفاضلة.
وأمّا أنتن يا أخواتي، فعليكن أن تلتزمن بما أوصتكن فاطمة الزهراء وزينب الكبرى (عليهما السلام) ونساء أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
أخواتي وإخواني المؤمنين:
أوصيكم بتقوى الله وملازمة طاعة الله ورسوله والأئمة(عليهم السلام)والسير على دربهم ومكافحة النفس فانّه أعلى الجهاد.
ومقاومة الطواغيت ومواصلة الجهاد في سبيل الله ولاتخشوا ما يلاقيكم في السجن فاذكروا السجناء الذين اعتقلوا في سبيل الله في صدر الإسلام واذا أصابكم التعذيب فلاتنسوا التعذيب الذي لاقاه الصحابي الجليل عمار بن ياسر(رحمه الله) ولاتترددوا إن في ذلك ترفيع لدرجاتكم عند الله وأن مقاتلة الكفرة الظالمين الذين تسلّطوا على رقاب الأمة الاسلامية في جميع أنحاء العالم الاسلامي هي جهاد في سبيل الله وان الساكت عنهم كالشيطان الأخرس وأن هؤلاء هم أولياء الشيطان فكن أنت ولي الله (الّذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان ن إنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً)(1) وهل تعلمون أن إخوانكم المؤمنين والمسلمين في العالم ينادونكم ليلاً ونهاراً ويصرخون يا للمسلمين يا أيها المؤمنون فقوموا واجيبوا دعوتهم ومناداتهم لتشملكم الآية الشريفة (ومالكم لاتقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالمة أهلها)(2) فمن أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم واذا اعترض حكمكم تعذيب أو حاول الظالم أخذ الاعتراف منكم فاذكروا عمار واذا حاول أن يجلبكم اليه فاذكروا (ولاتركنوا الى الذين ظلموا فتمسّكم النار)(3) واجعلوا فيما بينكم الأُخوّة والمحبة والروح الإيمانية فإنّها السبيل الى النصر النهائي وحاولوا أن تزيحوا النفاق والتفرقة فيما بينكم فإنها السبيل الى الهزيمة ولاتنسوا أن تذكروا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف) فإنّ الأرض والسماء قائمتان به ولولاه لساخت الأرض بمن عليها.
وأخيراً يا إخوتي المؤمنين وأخواتي المؤمنات أُوصيكم برضا الله في أعمالكم وأداء الواجبات والابتعاد عن المحرّمات ومواصلة الجهاد في سبيل الله جهاد الجبت وجهاد الطاغوت.
إخواني طلاّب العلوم الدينية الذين اغتربوا عن أهاليهم وتركوهم في ديارهم وذهبوا الى الحوزات العلمية لدراسة العلوم الدينية.
حاولوا أن تكونوا دعاة حقيقيين لامزيّفين تريدون الاستفادة الدنيوية من وضع العمامة على الرأس فإنّ هذا العمل يكون من أبشع الأعمال لأن الأمة تنظر اليكم كقادة وزعماء فلاتكونوا من الدعاة الى التفرقة وإيجاد روح الجبن والخوف والجمود عند الشعب وحاولوا أن ترشدوا الناس الى إطاعة المراجع الدينيين ولاتتدخلوا في المنازعات السياسية التي تدور بين هذا وذاك وحاولوا أن توجدوا الوحدة بينهم لمواصلة نضالهم ضد الكفر والطغيان وكونوا أنتم من الصف الأول وأمامهم حتى يراكم الشعب أنكم في المقدمة وحاولوا أن تخرجوا من صفوفكم أُولئك الذين يدعون الناس الى أنفسهم ولايدعون الى الله وحاولوا فضح العلماء المزوَّرين الذين تلبّسوا بالدين وتاج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الّذين يوجدون روح التخاذل والإهمال عند الناس.
وأخيراً أسأل الله لكم الخير والنجاح والنصر النهائي وتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان آمين ربّ العالمين.
عباس الراستي البحراني
العشرون من ربيع الأول 1402 هـ
قم المقدسة
ــــــــــــــــ
1 )- سورة النساء: 76.
2 )- سورة النساء: 75.
3 )- سورة هود: 113.
1- جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في البحرين
السنة الثانية
العدد الحادي والثلاثين
15/ أكتوبر / 2004م
شموع على الدرب
رفض الشهيد الشيخ عباس حسين قمبر الراستي
كافة المساومات التي عرضت عليه
متابعة وتحرير : رقية العصفور ـ حسين مسعود
بعد معاناة مريره مع الغربة والمرض ؛ لفظ الشهيد عباس انفاسه الأخيره ، ودفن في احدى مقابر مدينة قم المقدسة [المعروفة بـ مقبرة البقيع ]،وكان ذلك في 17/ 5/ 1984م .
أعتقل الشهيد في 8/يناير/1980م المصادف ليلة العشرين من صفر عام 1400هـ وأودع سجن القلعة بالمنامة (مقر سكناه )، فكان في قانون أمن الدوله متسعًا لاتهامه بالتحريض على ((الثورة !!)).
ولاستمرار إعتقاله وتعذيبه بشتى صنوف التعذيب النفسي والجسدي ، من إهانات وضرب مبرح خصوصًا على منطقة البطن مما أورثه المرض المزمن الذي أودى بحياته بعيدًا عن الوطن . وقد أشار أحد تقارير المنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى وجود "شبهة"وجود نسبة من "المبيدات" والكاز السام في الغذاء المقدم إليه في السجن ، وهو الشيء الذي يحدث تدهورًا بطيئًا للجهاز الهضمي يفضي إلى الوفاة ، وهذا ما حدث للشيخ عباس حيث توفي بعد الإفراج عنه بثلاث سنوات .
رفض الشهيد كافة المساومات التي عرضت عليه في المعتقل بإطلاق سراحة مقابل السكوت و الإمتناع نهائيًا عن وظيفة التبليغ كخطيب حسيني في المساجد والمأتم .ووقف متحديًا صادعًا بالأذان وقراءة المراثي الحسينية ، رغم ما يلاقيه جرّاء ذلك من انتقام وتنكيل ، ويذكر عنه أيضًا أنه تصدى بكل شجاعة لأحد المعذبين محاولاً الحماية من التعذيب .
كان صوت شهيدنا ينطلق من داخل الزنزانة شجيًا عذبًا ، يشمل السجن بنور الأدعية وذكر أهل البيت (ع )،فيفضي جوًا إيمانيًا شفافًا لدى السجناء ، الذين لا تفارقهم بصمات الشهيد وأريحيته معهم.ضاقت السلطة من كلماته النافذة وتصريحاته الفاضحة للظلم ، وحيث انها لم تقدر على احتوائة أو شرائه ، فقد آثرت إبعاد هذا الصوت غير المهادن ، وتمّ نفي الراستي بالباخرة إلى إيران بعد أن زرعوا فيه داءً عضالاً لازمه في منفاه حتى لقي ربه ..
فإنا لله وإنا إليه راجعون وألا لعنة الله على القوم الظالمين
2- كلمة سماحة آية الله المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي (قدس سره)بمناسبة استشهاد الشيخ عباس الراستي البحراني (رحمه الله)
للموت فينا سهامٌ غيرُ خاطئة***من فاته اليوم سهمٌ لم يفته غدا
يوجد في الحديث: أنّ عزرائيل (عليه السلام) عندما ينظر الى أهل الميت يبكون يقول لهم لماذا تبكون إنّ لي إليكم عودة وعودة وعودة حتى لا أُبقي من أهل هذا البيت أحداً، يعني فكّروا في أنفسكم، فكلّنا نموت وكلّنا ندرج في القبر، المهم ماذا صنعنا هل صنعنا حسنةً في الحياة؟! أم صنعنا سيئة في الحياة؟! هذا هو المهم هل يوجد أحد لايموت؟! الله تعالى يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (إنّك ميّت وإنّهم ميّتون)(74).
الشيخ عباس(رحمه الله)قد أدّى ما عليه، رجل مبلّغ مجاهد خطيب واعظ مرشد عامل محبوب، وعلامة إنّ الله يحبّه إنّ الناس يحبونه، كما في الآية الكريمة: (إنّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَات سَيَجْعَل لَهُمُ الرَحْمنُ وِدَّاً)(75 ) إنّ الله يحبك، إنّ الناس يحبّونك، المهم إنّا نفكر نحن ماذا؟! هل اُناس طيبون؟ هل عملنا للآخرة أو لا؟ من جملة اسباب موت الشيخ واستشهاده ـ ]إذ[ هو شهيد لا شك فيه ـ إنهم كانوا في التعذيب يضربونه على بطنه وقد قال من يوم ضربوني الشرطة في السجن على بطني أحسست بالوجع في بطني. قبل سنة كان يقول هذا الكلام، الشيخ عباس توفي لكن هل أنّ الله يتجاوز عن ذلك.
النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) صعد المنبر في مرضه وهو على شرف الوفاة قال: أيّها الناس من له حق عَلَيَّ فليأتي وليطلب بحقّه، فقام رجل يسمى سوادة وقال: يا رسول الله، في ذات يوم كان بيدك عصا وقد سقطت العصا على بطني وإنّي أُريد منك القصاص، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لابأس قصاص الدنيا أهون من قصاص الآخرة، ثمّ كشف بطنه وقال يا سوادة، تعال اقتص مني. فالإنسان لابد وأن يفكّر في الآخرة وإلاّ بسيط يسب يوذي يهين يأكل أموال الناس بالباطل يستغيب الناس هذا جداً بسيط أي واحد يعرف هذا الشيء لكن الكلام الذي لايصنع هذا الشيء من هو؟
الإمام السجاد (عليه السلام)في طريقه للحج وكان راكباً على بعير (لايشقى في مشيه) الامام رفع عصاه ليضرب على البعير ثم توقف فلم يضرب على البعير، قالوا: لماذا ما ضربت على البعير؟ قال خوف القصاص يوم القيامة، هذا البعير يقول ياعلي بن الحسين لماذا ضربتني هذا الضربة؟! إنّي أُريد الاقتصاص منك يجب علينا أن نتذكّر دائماً أنّ وراءنا يوماً نلقى فيه حساباً عسيراً، الكلام الذي قلناه; العمل الذي عملناه; العطاء الذي أعطيناه، المنع الذي منعناه كل شيء مسجّل، الله دائماً يرانا، دائماً يسمع كلامنا، دائماً يعلم ما في قلوبنا، مسجّل مع الملائكة، الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)يقول: لايثبتون باطلاً ولايسقطون حقاً، يأتون بالإنسان يوم القيامة يقولون قلت كذا، يقول ما قلت، يقول هذا اشتباه يقولون هذه صورتك حتى أنّ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم على المنبر قال: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة، قالوا: يا رسول الله وهل النساء يحشرن عراة، قال: نعم حتى النساء يحشرن عرا. وهناك الحساب وهناك لايفيد لا مال ولا أقرباء ولا قدرة ولا أي شيء الاّ من أتى الله بقلب سليم، فليكن هذا على بالنا، هذا المهم وإلاّ الشيخ عباس انقضى ما عليه، الكلام فينا نحن هل بخير في المستقبل أم نحن والعياذ بالله بشر.
إذا علينا من أعمال أو من أفعال من الآن نصلح هذه القصة كلكم سمعتموه شاب من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُسمى سعد توفي، فشيّعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه وكان يأخذ يمنة السرير ويسرة السرير حتى أوصله الى قبره، دخل النبي بنفسه وأخذ الجنازة ووضعه في القبر، ألحد عليه في (قصة طويلة) خرج من القبر أهال التراب، وكانت ام سعد على القبر واقفة، سعد هذا الولد الشاب المسلم النشيط المجاهد المصلّي الصائم الذي كان النبي يأخذ تحت جنازته تقول له أم سعد: يا سعد هنيئاً لك الجنة، النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)توجّه إلى أُمّ سعد فقال: يا أُمّ سعد لا تُحَتِّمي على الله الجنة هذا ليس بمعلوم إنّه ذهب الى الجنة، الناس تعجبوا، يا رسول الله، لماذا لماذا؟ رأيناك أخذت تحت السرير يمنة ويسرة، قال: كان يدي في يدي جبرئيل كلّما دار جبرئيل درتُ معه وكان الملائكة نازلين لتشيع جثمان سعد، فقالوا كيف قلت هذا الكلام؟
فقال: إنّ القبر قد ضغط عليه ضغطة شديدة ـ ]أي[ على سعد ـ والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واقف على قبره، قالوا: لماذا يا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: لأنّه كان في أخلاقه سوء مع أهله كل شيء له حساب هذا قاله لنا نحن، انسان طيب صلاته وصومه صحيح لكن سوء الخلق مع زوجته سوء الخلق مع زوجها مع أقربائه ]أو[ مع أقربائها، وكل شيء عنده بمقدار، يعني كل شيء له حساب يوجد في الحديث التي تنظر إلى الرجل غير المحرم أو الذي ينظر الى المرأة غير المحرم يوم القيامة يدق في عينيه مسمار من نار، والذي يستمع للغناء يوجد في الحديث يصب في أُذنه يوم القيامة برصاص مذاب، ومن ضرب مؤمناً صفعة ضرب في قبره صفعاً يبدد كل عظامه.
ثمّ استطرق في حديثه (رحمه الله) إلى خدمة الناس والسعي في قضاء حوائج المؤمنين وأوصى بتقوى الله والاجتناب عن معاصيه حيث قال: أوصيكم ونفسي بتقوى الله واجتناب معاصيه ونسأل من الله أن يوفّقنا وإياكم لخدمة هذا المذهب الحق نقرأ الفاتحة على روح المرحوم الشيخ عباس البحراني (رحمه الله)ويأتي يوم أيضاً يقرؤون علينا الفاتحة وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
تعليق