قام جمع من الشباب النشطاء في المجال الثقافي والديني في دولة الكويت بزيارة نجل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله فضيلة السيد أحمد الشيرازي دام عزّه في مقرّ إقامته بالكويت في السابع والعشرين من شهر شعبان المعظّم 1429 للهجرة، فألقى فضيلته فيهم كلمة تحت عنوان (لعلكم تتقون) من خلال استشهاده بالآية الكريمة التالية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، وقال:
إن (ليت) و(لعل) كلمتان للترجّي، و(لعل) للترجّي الممكن، ولكن إن قُرئت هذه الكلمة عن الله عزّ وجلّ فهي تعني (لكي) لأن الله جلّ جلاله يعلم ما سوف يكون، إذن الله يخبرنا بهذه الحقيقة إن صمنا (سنتقي)، وللأسف هناك تقريباً نسبة 70% من البشر لا يتّقون الله في صيامهم وأعمالهم.ولو لاحظنا الواجبات والمستحبّات لشاهدنا أن الواجبات قليلة، وهي الأمور التي لا غنى عنها كالصلاة والصيام، وهي الرابط بين الإنسان وبين الله، فمن لا يقوم بالواجبات يموت روحياً أو يمرض بشكل مزعج.
أما المستحبّات فهي كثيرة جداً وهي لتصفية الروح وتنقيتها وتلميعها.
في السنين التي قضاها السيد محمد رضا الشيرازي قدّس سرّه في إيران أصابته آلام في ظهره، وبدأ برحلة العلاج الطبّي وبعد التشخيص والتحاليل وغيرها من الأمور بدأ الطبيب ببعض الأسئلة المعتادة لأي مريض .. فسأل السيد: عندما تغضب هل تشعر بنبض (العرق) في ظهرك؟
فأجاب السيد بعد تفكير بسيط وبابتسامته المعهودة: أنا لم أغضب في يوم! .. فاستغرب الطبيب وسأل السيد مجدّداً: فكّر قليلاً، ألم تغضب في الماضي البعيد وأحسست بهذا (العرق) البسيط؟
أجاب السيد بابتسامته: لا أنا لم أغضب في يوم أبداً.
أن نسير عكس الطبيعة البشرية أمر صعب جداً ولكنه ممكن، والحجّة على قولنا هذا هو السيد محمد رضا قدّس سرّه. فالطبيعة البشرية تقول إن الإنسان يغضب، ولكن هناك من البشر من لم يغضبوا في حياتهم أبداً، وهذا ممكن ولكن بحاجة إلى عزيمة وإصرار ونظام، فالانضباط يسبب الوصول إلى القمّة ولو بعد حين. فلو لاحظنا في جانب آخر من جوانب الحياة أن الذين يمارسون رياضة كمال الأجسام يقومون بعمل جيّد نسبياً لإظهار عضلاتهم وإبرازها، أما الروح فهي تحتاج إلى طاقة أكبر وانضباط أكثر لكي تصل إلى مرحلة النقاوة. فيجب أن نبدأ بتغيير النفس منذ هذه اللحظة لا من الغد أو من الساعات القادمة، لكي نصل في الغد إلى معدّل أفضل من معدّل اليوم، فالموت لا يعرف أحداً فكل واحد منّا يومه مكتوب، فلم يتوقع أحد منّا أن السيد المقدّس رحمه الله يومه قريب، فهو كان قريباً من الجميع لدرجة أنه كان عندما يأتي إلى الكويت يطلب أن يُفتح باب بحث لا باب درس، و ذلك لإحساسه بأنه زميل لجميع طلاّب العلوم الدينية رغم مكانته العلمية العالية، فقد تواضع لله فرفعه الله في القلوب وفي الحياة وما بعد الرحيل.
إن كمال الروح أمر صعب لكنه ممكن، وبمجرد مثال يمكننا فهم المعادلة التي تسمح لنا بالرقي بالنفس والروح إلى مستويات عالية جداً.
لو لاحظنا من يبيع الرقـي (البطيخ) على أوزان كبيرة بالأطنان فهو عندما يزيد 10 كيلو فهذا لا يؤثّر على حساباته، أما الصاغة (بائعو الذهب) فهم يقيسون أوزانهم بالملي غرامات والغرامات وهذا يؤثّر كثيراً على حساباتهم الدقيقة والغالية الثمن. وهكذا على البشر أن يدقّقوا في أعمالهم كبائعي الذهب لا كمن يبيعون البطيخ الأحمر! بل وأثمن من ذلك. فيجب الاهتمام بالأمور البسيطة والدقيقة جداً، كي نصل إلى شيء جديد في حياتنا.
قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في حقّ السيد محمد رضا رحمه الله: كان مصداقاً لـ(نفسه منه في تعب والناس منه في راحة)، فلم يكن قدّس سرّه ذا وسواس مزعجاً لأهله، أو متعباً للناس في وسوسته، بل كان محتاطاً مميزاً في حياته.
إن شهر رمضان يعدّ من أفضل الفرص للحصول على ملكة التقوى (لعلّكم تتقون)، والتقوى طريق مليء بالأشواك وما على الإنسان إلاّ أن ينتقي خطواته المتنوعة والمختلفة ويعرف أين يضعها، فعليه أن ينتبه لجوارحه وخصوصاً اللسان الذي يعدّ الخطر الأكبر. وهنالك خطر قليلٌ مِنّا ينتبه له وهو خطر التفكير .. فمجرد التفكير بعمل المعصية هو حالة خطرة يجب تجنّبها، فعلينا ضبط الفكر والتفكر لكي لا نقع في الذنوب.
ليس علينا أن نكون متسارعين في بناء شخصيتنا أو حتّى تغيير ذواتنا، فالأمر بالتدرج يكون متقناً وأحياناً ببطئه يكون مميزاً، فالتطور يكون متقناً أفضل من أن يكون حديثاً ويحمل الكثير من الخلل!
فيجب أن يكون شهر رمضان المبارك شهر الخطوات الصحيحة لا شهر الخطوات السلبية، فلنحاول جميعاً أن نسأل أنفسنا قبل حلول شهر رمضان: أين نحن الآن في الحياة؟ وأين نحن من أنفسنا؟ ونكرر هذين السؤالين كل يوم من شهر رمضان المبارك وفي نهايته، وعلينا تقييم أنفسنا، وعلينا التدرّج في الإقلاع عن المعاصي التي أصبحت في حياة بعض عادة، فهناك الكثير من البشر لا يملكون الإرادة الحديدية التي تساعدهم على قطع العادات السيئة فجأة، وقد تكون ردّة الفعل سلبية جرّاء خطوتهم الفجائية لأنفسهم، فينبغي عليهم التدرّج بشكل مقبول حتّى يصلوا إلى مبتغاهم.
كما أنه من المطلوب أن نشعر بالحياء بشكل كبير لأنه أحد أسباب تقليل المعاصي في الحياة، فالتعلّم في الصغر عادة يكون بتعليم الأطفال رسم ذلك الخط المستقيم الذي يشكّل حرف الـ(أ) وغالبا ما يكتبه الطفل معوّجاً ولكنه مميزاً جداً بالنسبة له لأنه يشعر بتمكنه من رسم هذا الخط. وهكذا في الرياضيات والحسابات يبدأون بتعليم الأطفال بـ(1+1) ويشرح لهم السبب المنطقي لأن تكون النتيجة (2) وبعدها يبدأ بمشوار دوائر المعارف التي يرغب الطفل بالحصول عليها في حياته. وهكذا ينبغي أن نقوم به تجاه الحسنات والسيئات، وأن نعرف كيف نجابه المعاصي باحتراف. فلتكن هذه الليلة ليلة الجرد لأعمالنا وكتابتها على ورقة أو حتّى في المخ، ونبدأ بتقليل المعاصي بشكل مميز
كي نصل إلى النتائج المبهرة في وقت قليل نسبياً.
في النهاية هناك متسع من الوقت لـ(لعلّكم تتقون) فلنبدأ بها.
بعد ذلك شرع الشباب بطرح أسئلة متنوعة على فضيلة السيد أحمد الشيرازي دام عزّه، ومنها:
س:كيف نستعيد الحياء؟ وكيف نردّ على الذين ينالون من الأئمة صلوات الله عليهم؟
قال فضيلته: إنّ النفس لا تموت إلاّ نادراً، ولكن الرجوع ممكن دوماً، فعندما يرغب الإنسان بالذهاب إلى منطقة في الشمال لكنه يخطئ ويتوجّه إلى الجنوب، فكل متر يقطعه في الاتجاه الخطأ يجعل العودة عليه أطول لكنها ممكنة، وهكذا النفس مهما تكن بعيدة عن الصواب يمكن استعادتها، والترويض في هذا المجال مهم جداً.
أمّا الدفاع عن أهل البيت صلوات الله عليهم فهو أوجب الواجبات. ففي قضية أهل البيت سلام الله عليهم لا مداهنة ولا مساومة مهما كان الطرف، وحتّى على سبيل المزاح .. فهناك بعض الناس يصنعون طرائف بخصوص قضية عاشوراء وهذا غير مقبول مهما كان، فعاشوراء قضية عظيمة جداً ولا يسمح بالسخرية منها بأي طريقة أبداً.
هنالك ثلاثة أمور لا نساوم فيها أبداً وبتاتاً:
·الله جلّ جلاله
·القرآن الكريم
·أهل البيت صلوات الله عليهم. ولنا في ميثم التمّار وعمّار بن ياسر قدوة، فلكل موقف طريقة للتعامل معه.
·القرآن الكريم
·أهل البيت صلوات الله عليهم. ولنا في ميثم التمّار وعمّار بن ياسر قدوة، فلكل موقف طريقة للتعامل معه.
س: أحد العلماء ارتقى المنبر في شهر محرم الحرام الماضي وأثار شبهات على قضية استحباب التطبير وطالب بالبكاء الحضاري، فما تقولون؟
فضيلة السيد: التشكيكات على الشعائر موجودة منذ قديم الزمان ولكنها دوماً ليست من عالم ديني فقيه، فالعالم الفقيه لا يمكن أن يردّد ما يدّعيه بعضٌ (أن الناس يضحكون علينا فلنتراجع عن هذا الأمر وتلك القضية)، فالحجج التي يطرحها أمثال هذا الشخص تكون للعامة من الناس، فإن طلبت منه أن يحاجج طالباً من طلبة العلوم الدينية فستراه يقع في حرج ومأزق، فالمحاججة بالدليل تكون مع أهل العلم لا مع عامّة الناس.إنّ المجدّد الشيرازي الأول (صاحب نهضة التبغ) قدّس سرّه كان يدفع أموال أكفان المطبرين من أمواله الخاصة، والميرزا محمد تقي الشيرازي (صاحب ثورة العشرين) قدّس سره كان يركض مع المعزّين في عزاء طويريج، وهناك من العلماءالفقهاء غير السيد محمد الشيرازي قدّس سرّه والسيد صادق الشيرازي حفظه الله أعطوا رأياً في قضية التطبير.
أما البكاء الحضاري فهذه كلمة غريبة جداً .. فالإمام الصادق عليه السلام يدعو للصائحين في قضية الإمام الحسين عليه السلام، والصيحة أعلى من الصرخة! نعم الإمام الصادق صلوات الله عليه يدعو لهم في سجوده، فلتكن أصواتنا رخيصة في النداءات وقلوبنا جريحة ومتألمة وصدورنا موسومة في قضية الحسين صلوات الله عليه. فهل ما يقدّمه المطبّرون والباكون اللاطمون شيء كثير! والله لو كان الموت حلالاً في قضية الحسين سلام الله عليه الآن لرأينا ناساً كثيرون يقتلون أنفسهم حرقة على انتهاك حرمة الإمام الحسين صلوات الله عليه.
وكيف تجبر قضية الإمام الحسين؟ فحرمته صلوات الله عليه من حرمة الله تعالى.