رياح المنطقة تسير بما لا تشتهي سفن العدوّ
حصار غزَّة: مقدمة لتهويد فلسطين
في فلسطين المحتلة، تتوالى المحاولات الإسرائيلية الساعية لإنهاك الشعب الفلسطيني وإخضاعه، بالحصار التجويعي المتواصل، إلى جانب الاغتيالات والاعتقالات في الضفة، فضلاً عن عمليات التهويد والاستيطان التي تسير بسرعة قياسية، ويأتي ذلك كلّه في إطار التمهيد الصهيوني للدولة اليهودية النقية، كما تحدَّث عنها جورج بوش، وكما أشار إلى ذلك المسؤولون الصهاينة الذين أعلنوا عن مقترحاتٍ وخططٍ جاهزةٍ لتهجير فلسطينيي العام 1948.
وفي موازاة ذلك، يصوّت مجلس الأمن على قرار يعلن الدعم للمفاوضات التي جرت في "أنابوليس" بهدف التّوصّل إلى اتفاق سلام، كما جاء في القرار الذي تقدَّمت به الإدارة الأميركية... وكأنَّ الخطة تقضي بالمزيد من الضغط على الفلسطينيين في الداخل، والمزيد من التواطؤ الدولي والعربي في الخارج، لدفعهم إلى الاستسلام والتنازل عن حقوقهم تحت عنوان السلام الذي تسلِّم إدارة أميركية راحلة ملفَّه إلى إدارة قادمة، فتعبث به بما يخدم مصالح العدو ويُنهي القضية الفلسطينية.
إن الحصار على غزَّة يُراد له أن يتحوَّل من حصارٍ أمنيّ وغذائيّ وصحيّ وتجويعيّ، إلى حصار سياسي يُمهِّد لتهجير الفلسطينيين من جهة، ولدفعهم إلى التسليم بشروط إسرائيل التفاوضية من جهة ثانية، ولذلك فهو يتواصل تحت سمع العالم الغربي والعالم العربي الرسمي وبصرهما، إلى المستوى الذي تسقط فيه كلُّ حقوق الإنسان التي يستهلكها الغربيون، وحيث يتجرأ العدو على منع المقرر الخاص في مجلس حقوق الإنسان من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد احتجازه ثلاثين ساعةً، وهو أمر لم يثر إلا أسف الأمين العام للأمم المتحدة وقلقه.
وإلى جانب ذلك، ثمَّة وثيقة للمؤسسة الأمنية الصهيونية قُدِّمت كتوصيةٍ إلى مجلس وزراء العدو، تتحدث عن خطط طوارئ لمهاجمة إيران باعتبارها على رأس قائمة الدول التي تهدّد إسرائيل، وتحذِّر الوثيقة من أن إسرائيل قد تجد نفسها بمفردها أمام إيران نووية، ومن اللافت أن الوثيقة تتحدث عن ضرورة توثيق العلاقات بأنظمة الحكم العربية السنيّة المعتدلة على أساس المصالح المشتركة، في مقابل النظام الإيراني الشيعي المتطرف، كما جاء في الوثيقة/ التوصية.
رياح المنطقة تسير بما لا تشتهي سفن العدوّ
ونحن في الوقت الذي نعتقد أن الشعوب العربية والإسلامية تمثل وحدةً في الموقف الحاسم من إسرائيل كعدوٍّ للأمة كلّها، بمسلميها ومسيحييها، وبسنّتها وشيعتها، وأن هذه الشعوب لن تكون فريسةً للخطة الصهيونية الحاقدة الرامية إلى الإيقاع بين السنّة والشيعة تحت عنوان التقارب مع فريق ضدّ فريق آخر... نؤكد أنَّ على الأمَّة وقواها الحيّة الممانعة، أن تواصل العمل لإنتاج المزيد من عناصر القوة الأمنية العسكرية والعلمية التي يمكن أن تسقط أية خطة عدوانية إسرائيلية قد تستهدف هذا البلد العربي أو ذاك البلد الإسلامي، أو قد تسعى لتحريك الفتن داخل بلداننا.
وعلى علماء المسلمين، من السنّة والشيعة، أن ينبّهوا الأمة إلى مخاطر التحضيرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية المتواصلة، بدلاً من إثارة الحديث هنا وهناك حول سلاح المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، وأي موقع عربي محتلّ أو مهدَّد بالعدوان، وأن يشرحوا للأمة مخاطر الحركة الصهيونية المتواصلة لإثارة الفتنة المذهبية في المواقع الإسلاميّة، وخصوصاً بعدما شعر العدو بأن رياح المنطقة لا تسير كما تشتهي سفنه.
إننا ندعو الدول العربية إلى مقاربة جديدة لمسألة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران، كما ندعو إيران إلى القيام بخطواتٍ متواصلةٍ لإسقاط الخطط الصهيونية الرامية إلى الإيقاع بينها وبين الدول العربية، لأننا نعتقد أن العلاقات العربية ـ الإيرانية يمكن أن تصل إلى أفضل مستوياتها بعيداً عن محاولات التهويل الإسرائيلية حول مكانة إيران وطموحاتها، لأن إيران تطمح لعلاقات قوية ومتينة مع محيطها العربي والإسلامي، ولا تنظر بعين العداوة إلا إلى إسرائيل الغاصبة والمحتلة.
لبنان: سجالات سياسية بأسلحة طائفية ومذهبية
أمَّا في لبنان، فقد استُقبِلَت أكثر من شخصية أمريكية من الحزبين الجمهوريّ والديمقراطي من الكونغرس الأمريكي وغيره، وقد كرَّروا في تصريحاتهم التقليدية بأنَّهم لن يغيّروا موقفهم من لبنان، ولن يدخلوا في أية تسويةٍ على حسابه، ولكنَّ السؤال الذي يفرض نفسه هو عن مشاركتهم إسرائيل في عدوانها على لبنان، وتدميرها بنيته التحتية، ومجازرها التي قتلت النساء والأطفال والشيوخ من المدنيين، ودفنها بعض الناس وهم أحياء، وذلك إضافة إلى الجسر الجوي الذي أرسلت أمريكا من خلاله القنابل الذكية لقتل المدنيين اللبنانيين، وتقديمها القنابل العنقودية التي لا تزال تفتك بالمزارعين وغيرهم، وإبقائها بند وقف إطلاق النار في القرار 1701 معطَّلاً لتبقى لإسرائيل الفرصة في إعادة عدوانها، واعتبارها لبنان الساحة المفضَّلة لتحريك مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأن لبنان يرتبط بالأمن القومي الأمريكي، ما يجعل منه موقعاً أمنياً لسياستها في المنطقة، وخصوصاً عندما تتدخل في إرباك الواقع السياسي اللبناني بالتزامها فريقاً ضد فريق آخر، لذلك كلّه، لا يكفي ألا تقيم أميركا تسويةً على حساب لبنان، بل عليها أن ترفع يدها عنه ليملك مواطنوه حرية تقرير المصير.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنَّ الأجواء لدى الكتل والأحزاب والشخصيات اللبنانية لا تزال تتحرَّك بالسِّجالات المعقَّدة التي تطلق الاتهامات ضد هذا الفريق أو ذاك الفريق، بما قد يصل إلى مستوى الاتهام بالخيانة العظمى، أو بما يثير الحديث عن الأموال المحلية والإقليمية التي تبذل من أجل تحريك الانتخابات في هذا الجانب أو ذاك، استغلالاً للحاجات المعيشية الملحة للفقراء، ليكون تأمينها ثمناً لأصواتهم في صناديق الاقتراع، بحيث يشعر المراقبون بأنَّ البلد يعيش حرباً سياسيةً تُستخدم فيها كلّ الأسلحة الطائفية والمذهبية، لتكون مقولة الوحدة الوطنية مسألة لا جدّية فيها، وليكون العيش المشترك أكذوبةً سياسيةً في الجدال الانتخابي الذي تتساقط فيه المبادئ على مذبح الحقد والعداوة والبغضاء والهوامش السطحية، ولينطلق الحديث عن المجلس النيابيّ القادم بأنه سيمثّل الامتداد لخلفيات الفتنة، ولن يمثل بالتالي القرار الشعبي المستقل.
وتبقى الأوضاع الاقتصادية تراوح مكانها في إعلان بعض القائمين على شؤون الدولة بأنّ المستقبل يتهدّدها في الإفلاس المالي الذي يقف عثرةً أمام تلبية حاجات المعلّمين والموظفين والشعب كلّه، وتتصاعد أرقام المديونية في تعقيداتها الاقتصادية، وتتجمّد الخدمات، ويصرخ الجائعون والمحرومون، ويتضاءل النور ويمتدُّ الظلام.
سماحة آية الله العظمى العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (حفظه الله)
حصار غزَّة: مقدمة لتهويد فلسطين
في فلسطين المحتلة، تتوالى المحاولات الإسرائيلية الساعية لإنهاك الشعب الفلسطيني وإخضاعه، بالحصار التجويعي المتواصل، إلى جانب الاغتيالات والاعتقالات في الضفة، فضلاً عن عمليات التهويد والاستيطان التي تسير بسرعة قياسية، ويأتي ذلك كلّه في إطار التمهيد الصهيوني للدولة اليهودية النقية، كما تحدَّث عنها جورج بوش، وكما أشار إلى ذلك المسؤولون الصهاينة الذين أعلنوا عن مقترحاتٍ وخططٍ جاهزةٍ لتهجير فلسطينيي العام 1948.
وفي موازاة ذلك، يصوّت مجلس الأمن على قرار يعلن الدعم للمفاوضات التي جرت في "أنابوليس" بهدف التّوصّل إلى اتفاق سلام، كما جاء في القرار الذي تقدَّمت به الإدارة الأميركية... وكأنَّ الخطة تقضي بالمزيد من الضغط على الفلسطينيين في الداخل، والمزيد من التواطؤ الدولي والعربي في الخارج، لدفعهم إلى الاستسلام والتنازل عن حقوقهم تحت عنوان السلام الذي تسلِّم إدارة أميركية راحلة ملفَّه إلى إدارة قادمة، فتعبث به بما يخدم مصالح العدو ويُنهي القضية الفلسطينية.
إن الحصار على غزَّة يُراد له أن يتحوَّل من حصارٍ أمنيّ وغذائيّ وصحيّ وتجويعيّ، إلى حصار سياسي يُمهِّد لتهجير الفلسطينيين من جهة، ولدفعهم إلى التسليم بشروط إسرائيل التفاوضية من جهة ثانية، ولذلك فهو يتواصل تحت سمع العالم الغربي والعالم العربي الرسمي وبصرهما، إلى المستوى الذي تسقط فيه كلُّ حقوق الإنسان التي يستهلكها الغربيون، وحيث يتجرأ العدو على منع المقرر الخاص في مجلس حقوق الإنسان من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد احتجازه ثلاثين ساعةً، وهو أمر لم يثر إلا أسف الأمين العام للأمم المتحدة وقلقه.
وإلى جانب ذلك، ثمَّة وثيقة للمؤسسة الأمنية الصهيونية قُدِّمت كتوصيةٍ إلى مجلس وزراء العدو، تتحدث عن خطط طوارئ لمهاجمة إيران باعتبارها على رأس قائمة الدول التي تهدّد إسرائيل، وتحذِّر الوثيقة من أن إسرائيل قد تجد نفسها بمفردها أمام إيران نووية، ومن اللافت أن الوثيقة تتحدث عن ضرورة توثيق العلاقات بأنظمة الحكم العربية السنيّة المعتدلة على أساس المصالح المشتركة، في مقابل النظام الإيراني الشيعي المتطرف، كما جاء في الوثيقة/ التوصية.
رياح المنطقة تسير بما لا تشتهي سفن العدوّ
ونحن في الوقت الذي نعتقد أن الشعوب العربية والإسلامية تمثل وحدةً في الموقف الحاسم من إسرائيل كعدوٍّ للأمة كلّها، بمسلميها ومسيحييها، وبسنّتها وشيعتها، وأن هذه الشعوب لن تكون فريسةً للخطة الصهيونية الحاقدة الرامية إلى الإيقاع بين السنّة والشيعة تحت عنوان التقارب مع فريق ضدّ فريق آخر... نؤكد أنَّ على الأمَّة وقواها الحيّة الممانعة، أن تواصل العمل لإنتاج المزيد من عناصر القوة الأمنية العسكرية والعلمية التي يمكن أن تسقط أية خطة عدوانية إسرائيلية قد تستهدف هذا البلد العربي أو ذاك البلد الإسلامي، أو قد تسعى لتحريك الفتن داخل بلداننا.
وعلى علماء المسلمين، من السنّة والشيعة، أن ينبّهوا الأمة إلى مخاطر التحضيرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية المتواصلة، بدلاً من إثارة الحديث هنا وهناك حول سلاح المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، وأي موقع عربي محتلّ أو مهدَّد بالعدوان، وأن يشرحوا للأمة مخاطر الحركة الصهيونية المتواصلة لإثارة الفتنة المذهبية في المواقع الإسلاميّة، وخصوصاً بعدما شعر العدو بأن رياح المنطقة لا تسير كما تشتهي سفنه.
إننا ندعو الدول العربية إلى مقاربة جديدة لمسألة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران، كما ندعو إيران إلى القيام بخطواتٍ متواصلةٍ لإسقاط الخطط الصهيونية الرامية إلى الإيقاع بينها وبين الدول العربية، لأننا نعتقد أن العلاقات العربية ـ الإيرانية يمكن أن تصل إلى أفضل مستوياتها بعيداً عن محاولات التهويل الإسرائيلية حول مكانة إيران وطموحاتها، لأن إيران تطمح لعلاقات قوية ومتينة مع محيطها العربي والإسلامي، ولا تنظر بعين العداوة إلا إلى إسرائيل الغاصبة والمحتلة.
لبنان: سجالات سياسية بأسلحة طائفية ومذهبية
أمَّا في لبنان، فقد استُقبِلَت أكثر من شخصية أمريكية من الحزبين الجمهوريّ والديمقراطي من الكونغرس الأمريكي وغيره، وقد كرَّروا في تصريحاتهم التقليدية بأنَّهم لن يغيّروا موقفهم من لبنان، ولن يدخلوا في أية تسويةٍ على حسابه، ولكنَّ السؤال الذي يفرض نفسه هو عن مشاركتهم إسرائيل في عدوانها على لبنان، وتدميرها بنيته التحتية، ومجازرها التي قتلت النساء والأطفال والشيوخ من المدنيين، ودفنها بعض الناس وهم أحياء، وذلك إضافة إلى الجسر الجوي الذي أرسلت أمريكا من خلاله القنابل الذكية لقتل المدنيين اللبنانيين، وتقديمها القنابل العنقودية التي لا تزال تفتك بالمزارعين وغيرهم، وإبقائها بند وقف إطلاق النار في القرار 1701 معطَّلاً لتبقى لإسرائيل الفرصة في إعادة عدوانها، واعتبارها لبنان الساحة المفضَّلة لتحريك مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأن لبنان يرتبط بالأمن القومي الأمريكي، ما يجعل منه موقعاً أمنياً لسياستها في المنطقة، وخصوصاً عندما تتدخل في إرباك الواقع السياسي اللبناني بالتزامها فريقاً ضد فريق آخر، لذلك كلّه، لا يكفي ألا تقيم أميركا تسويةً على حساب لبنان، بل عليها أن ترفع يدها عنه ليملك مواطنوه حرية تقرير المصير.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنَّ الأجواء لدى الكتل والأحزاب والشخصيات اللبنانية لا تزال تتحرَّك بالسِّجالات المعقَّدة التي تطلق الاتهامات ضد هذا الفريق أو ذاك الفريق، بما قد يصل إلى مستوى الاتهام بالخيانة العظمى، أو بما يثير الحديث عن الأموال المحلية والإقليمية التي تبذل من أجل تحريك الانتخابات في هذا الجانب أو ذاك، استغلالاً للحاجات المعيشية الملحة للفقراء، ليكون تأمينها ثمناً لأصواتهم في صناديق الاقتراع، بحيث يشعر المراقبون بأنَّ البلد يعيش حرباً سياسيةً تُستخدم فيها كلّ الأسلحة الطائفية والمذهبية، لتكون مقولة الوحدة الوطنية مسألة لا جدّية فيها، وليكون العيش المشترك أكذوبةً سياسيةً في الجدال الانتخابي الذي تتساقط فيه المبادئ على مذبح الحقد والعداوة والبغضاء والهوامش السطحية، ولينطلق الحديث عن المجلس النيابيّ القادم بأنه سيمثّل الامتداد لخلفيات الفتنة، ولن يمثل بالتالي القرار الشعبي المستقل.
وتبقى الأوضاع الاقتصادية تراوح مكانها في إعلان بعض القائمين على شؤون الدولة بأنّ المستقبل يتهدّدها في الإفلاس المالي الذي يقف عثرةً أمام تلبية حاجات المعلّمين والموظفين والشعب كلّه، وتتصاعد أرقام المديونية في تعقيداتها الاقتصادية، وتتجمّد الخدمات، ويصرخ الجائعون والمحرومون، ويتضاءل النور ويمتدُّ الظلام.
سماحة آية الله العظمى العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (حفظه الله)