ابن تيمية و أحاديث فضائل أهل البيت من خلال كتابه منهاج السنة
بقلم الدكتور المحدِّث العلامة محمود سعيد محمد ممدوح حفظه الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
للشيخ الحسن بن يوسف بن علي بن محمد المعروف بالمطهر الحلي (648 726– كتاب اسمه : ( منهاج الكرامة في إثبات الإمامة ) .
وقد تعقــَّبه الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية الحراني رحمه الله ( 664-728 ) في مصنف أسهب فيه وأسماه ( منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية ) .
وهذا الكتاب أحدث ضجَّــة في صفوف أهل السنة والشيعة معا ً.
والذي يعنينا هنا كلمتان لإمامين جليلين مشهود لهما بالبراعة والتقدم والمعرفة التامة.
والإمامان هما : تقي الدين السبكي ،وابن حجر العسقلاني.
أما التقي السبكي : فانه وقف على رد ابن تيمية بعد وفاته ،فوصفه في أبيات ابتدأها في الطعن على ابن المطهر الحلي ، ثم أثنى على ابن تيمية لتصدره في الرد إلا أنه عاب عليه أشياء فقال ( 1 ) :
ولابن تيمية ردٌ عليه وفَي
بمَقصد الرد واستيفاء أضرُبه
لكنه خَلَط الحقَّ المبينَ بما
يشوبه كَدَرا في صَفو مَشربه
يخالط الحشو أنَّى كان فهو له
حثيثُ سَير ٍ بشرق ٍ أو بمغربِه
يرى حوادث لا مبدا لأولها
في الله سبحانه عمَّا يظن به
لو كان حيا يرى قولي ويفهمه
رددتُ ما قال أقفُو إثر سبسَبِه
كما رددتُ عليه في الطلاق وفى
ترك الزيارة ردا ً غير مُشتبه
وبعده لا أرى للرد فائدة
هذا وجوهره مما أضِنُّ به
والرد يحسُنُ في حالين واحدة
لقطع خصم ٍ قوي ٍّ في تغلُّبه
وحالة ٍ لانتفاع الناس حيث به
هَديٌ وربحٌ لديهم في تطلُّبه
وليس للناس في علم الكلام هُدى
بل بدعة ٌ وضلالٌ في تكسُّبه
ولي يدٌ فيه لولا ضعفُ سامعِه
جعلتُ نظم بسيطي في مهذ َّبِه
فعاب التقي السبكي على ابن تيمية أمرين :
أولا : الحشو ويعني به التجسيم أو التشبيه.
ثانيا : قوله بحوادث لا أول لهل .
وأما الحافظ ابن حجر العسقلاني فإنه أقرَّ شيخ الإسلام تقي الدين السبكي على ما قال وزاد عليه فقال في ( لسان الميزان ) (7/529،530):
(طالعتُ الرد المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء ( 2 ) لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في رد الأحاديث التي يوردها ابن المطهر وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات ، لكنه رد في رده كثير من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها ، لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره، والإنسان : عامد للنسيان . وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدَّته أحيانا الى تنقيص علي رضي الله عنه )اهـ..
وقال في الدرر الكامنة (2/71) في ترجمة الحسن بن يوسف المعروف بالمطهر الحلي : ( له كتاب في الإمامة ردَّ عليه ابن تيمية بالكتاب المشهور المسمى – الرد على الرافضي – وقد أطنب فيه وأجاد في الرد ، إلا أنه تحامل في مواضع كثيرة ، ورد أحاديث موجودة وإن كانت ضعيفة بأنها مختلقة ) اهـ..
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/410) : (وهي – أي الحوادث التي لا أول لها – من مُستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية ) اهـ .
وكلام الحافظ ابن حجر يُــؤخـــــذ منه أمور:
1 ــ موافقته للتقي السبكي في عيب ابن تيمية بالحشو ، وبقوله : بحوادث لا أول لها .
2 ــ كثرة تحامله في رد الأحاديث.
3 ــ أنه لم يكن ضابطا لما يستحضره ، ولذلك كان يغلط لاعتماده على حفظه.
4 ــ تــَـنــَـقـــُّصه عليا ً عليه السلام ( 3 )
قلتُ : سلك ابن تيمية عند كلامه على الأحاديث التي في فضائل علي عليه السلام مسلكين :
الأول : التوسع في تضعيف هذه الأحاديث والحكم على جلها بالوضع.
الثاني : ما ثبت عنده بعد جهد زعم أنها ليست من خصائصه عليه السلام ، بل هي فضائل شاركه فيها غيره .
وهذان المسلكان نصَّ عليهما ابن تيمية في كتابه المذكور (5/6،7) .
وقد أحببتُ أن أذكر في هذه العجالة بعضا ً من الأحاديث التي صرَّح بوضعها وبكذبها ( 4 ) والصواب أنها صحيحة أو حسنة، ولم أقصد الاستيعاب ، ولكن ما لا يُـدرك كله لا يُـترك جُـله.
أما ما ضعَّفه وهو صحيح أو حسن ،أو حكم بوضعه وهو ضعيف فقط : فشيءٌ كثير ، وقد عملتُ على جمعه والله المستعان.
ودونك بعض الأمثلة:
1 ــ حديث الموالاة: ( من كنت مولاه فعلي مولاه ،اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).
قال ابن تيمية (4/86): (وأما من كنت مولاه فعلي مولاه فلا يصح من طرق الثقات أصلا) اهـ..
وقال (7/319): ( وأما الزيادة وهي قوله : ـ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه….الخ – فلا ريب أنها كذب) اهـ. .
وهذا ما ذهب اليه في الفتاوي (4/417-418) .
قلتُ : الشطر الأول من الحديث: متواتر ، نص على تواتره عدد من الحفاظ ، ورواه أكثر من خمسة وعشرين صحابيا.
وأما قوله صلى الله عليه واله وسلم : ( اللهم وال من والاه ،وعاد من عاداه ) : فهي زيادة غاية في الصحة ، وقد وردت عن عدد من الصحابة ، وصححها عدد من الأئمة الحفاظ من حديث أنس بن مالك ، وأبي سعيد الخدري ، وزيد بن أرقم ، وسعد بن أبي وقاص ، واستوعب طرق حديث الموالاة الحافظ ابن عقدة في مصنف مستقل ، والسيد أحمد بن الصديق الغماري في : ( الإعلام بطرق المتواتر من حديثه عليه السلام).
وذكر أحمد في ( الفضائل ) ، والنسائي في ( الخصائص ) ، وابن الجزري في ( المناقب ) ، والهيثمي في ( المجمع ) : جملة صالحة منه ، والمعرَّف لا يعرَّف.
2- حديث : ( أنت وليّ في كل مؤمن بعدي ) .
قال ابن تيمية ( 4/104): (كذب على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) .
قلتُ : بل صحيح على شرط مسلم ، فقد أخرجه الطيالسي ( 829 ) ، وابن أبي شيبة (12/79). وأحمد في المسند (4/437)، وفي الفضائل (1035)،والترمذي (5/269) ،والنسائي في الخصائص (88) ،وابن حبان (6929) ،والحاكم (3/110) جميعهم من حديث جعفر بن سليمان الضبعي ، عن يزيد الرشك ، عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن الحصين قال : بعث صلى الله عليه واله وسلم جيشا ، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه وتعاقدوا أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرناه بما صنع ، وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدأوا برسول الله صلى الله عليه واله وسلم فسلـَّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم ، فلما قدمت السريَّة سلـَّموا على النبي صلى الله عليه واله وسلم فقام أحد الأربعة ، فقال : يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا ؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قام – يعني الثاني – فقال مثل ذلك ، ثم قام الثالث فقال مثل مقالته ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا ، فأقبل إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والغضب يُعرَفُ في وجهه فقال : (ما تريدون من علي ؟ إن عليا مني ، وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي).
حسَّنه الترمذي ،وصحَّحه ابن حبان ،والحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
3- قال ابن عمر : ( ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ببغضهم عليا ً ) .
قال ابن تيمية (3/228) : ( هذا الحديث لا يستريب أهل المعرفة بالحديث أنه حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) اهـ .
قلتُ : بل لا يستريب أهل المعرفة بالحديث أن متنــَــه غاية في الصحَّــة، فقد أخرج مسلم في صحيحه (78) ، والترمذي (5/306) وقال حسن صحيح ، وابن ماجه(114) والنسائي (8/117) وفي خصائص علي (100-102)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على الفضائل (1102) وأبو نعيم في الحلية (4/185) وصحَّحه ، وغيرهم من حديث علي عليه السلام قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم ( ألا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ) .
وقال أبو نعيم : هذا حديث صحيح متفق عليه . اهـ. .
وأخرج البزار ( كشف الأستار 3/169)، وعبد الله في زيادات الفضائل (1086) من حديث عبيد الله بن موسى ، أن محمد بن علي السلمي ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله قال : ( ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار إلا ببغضهم لعلي ) وهذا إسناده حسن.
وأحسن منه : ما أخرجه أحمد في الفضائل بإسناد على شرط البخاري عن أبي سعيد الخدري قال : ( إنما كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم عليا ً ) .
يتبع ،،،
تعليق