بسم الله الرحمن الرحيم
هذا سؤال كان مطروحا في زمن الحسين (ع) ولا زال على الرغم من أن ثورة الإمام الحسين (ع) كانت تستجمع الشروط التي لابد لكل ثورة ناجحة أن تستجمعها00 ونحن نعتقد بأن الذي يتحمل المسؤولية في ذلك أنما هو (الأمـة) في زمان الحسين (ع) وإلا فأن الحسين (ع) كان قد وفر كل الشروط الموضوعية التي يجب أن تتوفر في هذه الثورة والشروط هي :1-الشرط الإلهي للثورة 2- الشرط الإنساني للثورة 3-الشرط العملي للثورة 4- الشرط العاطفي للثورة 5-الشرط الجماهيري للثورة 0 وإنما الخللالأساس في الأوضاع الروحية والنفسية للأمة 0 وهذا ما أراد أن يعالجه الإمام الحسين (ع) في نهضته لان الأمة الإسلامية كانت قد أصيبت بمجموعة من الإمراض يمكن أن نجمعها في خصوصيتين الأولـىهي موت الضميروالثانيـة هي فقدان الإرادة 0 وعندما يموت ضمير الأمة وتفقد إرادتها لايمكن لهذه ألامه أن تتحرك بشكل صحيح أو قوي أو تصل إلى أهدافها وغاياتها0والـضميـر:هو الوجدان أو كما يسميه القران الكريم (القلب) والقرآن يتحدث في آيات كثيرة فهو ينسب إلى القلب أو يصفه بالعمى والمرض والتشتت والرعب والإثم والريب والرين والقسوة والهوى إلى غير ذلك من صفات السوء والمرض0 وكما ينسب إليه أو يصفه بالفقه والتقوى والاطمئنان والثبات والإيمان والطهارة والرأفة والرقة والخشوع والهداية إلى غير ذلك من صفات الصحة والحسن والكمالوأما الإرادةهي تلك الصفة والقوة التي أودعها الله سبحانه في
الإنسان والتي يمكن من خلالها الفعل واختيار السلوك والمنهج في هذه الحياة الدنيا فهي علة هذه الأفعال وسببها الذي ينسب إليه الفعل00 وهي ايظا تمثل اختيار الإنسان للأفعال الذي ينسب إليه الفعل0 والسلوك فقد خلق الله الإنسان مريدا ومختار0
أسباب موت الضمير01-انهيار القاعدة الأخلاقية: وفي مقدمة مؤشرات هذا الانهيار التمرد على الله سبحانه وهو من أهم الأسباب في موت الضمير0لان هذا التمرد يعبرعن نقض العهود والمواثيق التي أخذها الله على الإنسان عند خلقه ويعبر عن كفران النعمة بدلا عن شكرها وكذلك يعبر عن التخلي عن تحمل المسؤولية للاستخلاف- حيث جعل الإنسان خليفة له- وخيانة للأمانة التي تحملها الإنسان إلى غير ذلك من المعاني الأخلاقية2- حـب الدنيا: هو الانغماس والذوبان في حب الدنيا وشهواتها ولذاتها والحرص على زخارفها واللهو بالأموال والأولاد، عن ذكر الله والدار الآخرة00 حيث ورد في حديث النبي محمد(ص)(حب الدنيا رأس كل خطيئة) ويتحول هذا السبب إلى حالة خطيرة عندما تتوفر للجماعة بشكل عام أسباب الترف والدعة وتنفتح عليها أبواب الثروة والأموال والرخاء حيث تتعرض الجماعة بأكملها إلى خطر موت الضمير العام لديها 0 وهذا ماواجهته الأمة الإسلامية في الصدر الأول للإسلام 0 لقد كان المسلمون في السابق جماعة من الفقراء يعيشون حياة صعبة وقاسية فيها الكثير من شظف العيش فإذا بهم تنفتح عليهم بلاد كسرى وبلاد قيصر وتقع بأيديهم ارض السواد والشام وإفريقيا وتتهيأ لهم الوسائل المختلفة للعيش المرفه وأساليب الترف الجديدة وأصبحت أمامهم فرص واسعة لم يعرفوها من قبل 0فهذا الإنسان الذي لم يكن يتمكن أن يعدّ الأشياء بأكثر من الألف ولم يكن يتصور أن هناك عددا اكبر من الألف وإذا به يملك الملايين من الأموال ولا يعرف
كيف يتصرف بها حتى أن بعض الصحابة اخذ يملك من الذهب كميات كبيرة تكسر
بالفؤوس مثل(عبد الرحمن بن عوف) أو أن بعضهم كان قد أقطعه الخليفة خراج أفريقيا
بأكمله مثل (مروان بن الحكم) ومثل هذه الأوضاع الاجتماعية والسياسية تحولت إلى مرض اجتماعي خطير في غياب التخطيط الاقتصادي الصحيح والتوجه التربوي الأخلاقي السليم أو التوزيع العادل الذي يقوم على أساس المقاييس القرآنية من العلم والتقوى والجهاد والحاجة لقد أصبحت الحالة تشبه إلى حد كبير الحالة التي يعيشها بعض المسلمين في أيامنا المعاصرة عندما انفتحت عليهم أبواب النفط وأصبحت الأموال تأتيهم من كل جانب ومكان وأخذوا يتصرفون في هذه الأموال بعقلية الترف والإسراف والتبذير الأمر الذي أدى بهم إلى أن يصابوا بحالة مشابهه لحالة المسلمين الأوائل حالة مرض القلب وموت الضمير هذا هو الشيء الذي أصيب به أولئك الذين قاتلو الحسين (ع) فأنهم ماتت ضمائرهم وقست قلوبهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم هؤلاء لم يرجعوا إلى الله فسد عليهم باب رحمته وهاديته فأعطاهم الأموال الزائلة والجاه المؤقت ولكن الله سبحانه أخذهم بعد ذلك بغتة فإذا هم مبلسون متحيرون قد خسروا الدنيا والاخره وبقيت تلاحقهم لعنة التاريخ وعذاب الله الأليم في اليوم الأخر0 ولا يمكن لأي امة أن تنهض وتتغير حتى يغير الله تعالى ما بها إلا إذا استجابت لله وللرسول حيث يدعوهم لما يحيهم ولا يمكن لأمة أن تتغيرا لا إذا تنازلت عن حب الدنيا وزخارفها وارتبطت بالقيم الصالحة والمُثل الرفيعة وكان حبها لله ولرسوله وللإسلام هو الحب الأشد والأقوى من كل حب أسباب فقدان الإرادة: 1-القمع والإرهاب المادي: هو الشعور بالخوف والضعف في مقابل الطغاة والقمع والإرهاب من قبلهم 0وافضل أسلوب لعلاجه هو الصبر والصمود والاستمرار والمقاومة والاستعانة بالله سبحانه 2-الجهل أو الاختلاف: هو عدم وضوح الحقيقة وتشويه الرؤية بسبب العمل الإعلامي المضاد الذي يستخدمه الأعداء ، أو سبب انخفاض وعي ألامه الذي يرسخه الحكام الطغاة وبالتالي يجعلون الأمة جاهلة وغير قادرةعلى فهم الحقائق ويؤدي ذلك عادة إلى اختلاف الأمة
وتفرقها في موقفها تجاه ظاهرة الظلم والطغيان فتفقد الأمة الإرادة للموقف الصحيح أو تتشتت الإرادات وتتضارب وتختلف فتضعف وتذهب قوتها وريحها كما يعبر القران الكريم ويستخدم الطغاة عادة لتحقيق هذا الهدف (الجهل) أسلوب (الحرب النفسية) 0 3- اليأس والقنوط: هو الإحساس بعدم القدرة في الوصول إلى الأهداف وبالتالي عدم جدوى الحركة والتصدي، وهذا ما يحاول الطغاة دائما أن يزرعوه في نفوس ألامه من خلال التظاهر بالقوة والمنعة وادعاء البقاء والاستمرار والتهديدات باستخدام وتوظيف طاقات جديدة لفرض الهيمنة والسلطة مثل التهديد الذي استخدمه عبيد الله بن زياد بدعوة جيوش الشام للتدخل في المعركة 4-الإغراء وشراء الضمائر:الإغراء بالأموال والمناصب من اجل احتواء يقظة الضمير والوجدان وهذا السبب تراه واضحا في مجموعة الممارسات الأموية التي قام بها يزيد في أول استلامه للسلطة عندما خطب في الناس وقدم لهم الوعود والمغريات بالراحة والدعة وكذلك بزيادة العطاء والرواتب بالرغم من أن الطابع العام لمأساة يوم عاشوراء يعبر عن ظاهرة موت الضمير بشكل خاص ولكن بعض المواقف ذات تعبير ابلغ وأوضح نشير إلى عدد منها:آ-الجانب الانساني:منقبيل قطع الماء عن الحسين وأهل بيته منذُ اليوم السابع من المحرم مع شدة الحر وحدّة المعركة وقد كان الحسين(ع)يستغيث يوم عاشوراء في عدة مواضع من هذا العطش ويطلب الماء ولو من اجل الأطفال والنساء فلم يجيبوه حتى في حالة الاحتضار ولم يسقوا حتى طفله الرضيع الذي يبلغ من العمر ستة أشهر على بعض الروايات0 ب-الجانب الأخلاقي:مثل نقض العهود والمواثيق من قبل الزعماء أو قادة الجيش من الذين كانوا قد كتبوا إلى الحسين(ع) يبايعونه ويحرضونه على المجيء إلى الكوفة إلا إنهم كانوا قد قيضوا الأموال والرشاوى فانقلبوا في مواقفهم السياسية0 0 ج-الجانب السياسي:وهو الخطاب السياسي للحاكم وطريقة تعاملهم مع أنصارهم وأعوانهم والأمة بشكل عام فانه يدل على وجود هذا المرض في الأمة ألا وهو موت الضمير وفقدان الإرادة 0 د-الجانب العسكري:من قبيل قتل النساء والأطفال والأسرى والشيوخ والشعراء وأصحاب الفضل مع سبق الإصرار والتصميم والمعرفة بهم ولم يراعوا الجانب الأخلاقي في المعركة0 ه-مظاهر فقدان الاراده:لقد كانت ظاهرة فقدان الإرادة واضحة على مستوى إرادة الجماعة بشكل عام بحيث أدركها بعض المراقبين
للحركة السياسية حينذاك على مستوى أهل الكوفة على الأقل فقد كان هذا تقييم الفرزدق بن غالب الشاعر عندما سأله الحسين(ع) عن الناس في الكوفة فقال الفرزدق(قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء)00 وبصورة عامة أن الناس في زمن الإمام الحسين(ع) كانوا يعرفون ظلم بني أميه وطغيانهم إلا أنهم اختاروا طريقا أخر لا ينسجم مع هذه المعرفة بسبب الخوف أو الطمع والإغراء وحب الدنيا ومرض القلب والضمير وفقدان الارادة00 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته